الربّ إله عادل

الربّ إله عادل
المزمور الرابع والتسعون

1. المزمور الرابع والتسعون هو مزمور توسّل ينشده المرتّل لكي ينجّيه الله من اتّهامات أعدائه الاقوياء. يقف أمام منبر الله، فيردّد كلمات التوراة والانبياء جاعلاً من كلامه تعليمًا حكميًا للذين يطلبون الرب. لا يذكر المرتّل ملك الله، بل دينونة اله العهد، ويقابل بين قضاء الله الذي يقود إلى البرّ وقضاء (عرش) البشر الذي يزرع الموت. قضاء الرب هو موضوع رجاء لشعب العهد، ولكن المرتّل يجعل قضية الشعب قضية الله والعكس بالعكس.

2. نداء إلى الرب الذي ينتقم لأحبّائه من مضطهديهم.
آ 1- 2: مقدمة: نداء إلى الرب ديّان الأرض والمنتقم لشعبه، ليقوم على المتكبّرين ويعيد الحق إلى أخصّائه.
آ 3- 11: صورة عن تصرّف هؤلاء الأشرار المتكبّرين. يبدأ المرتّل بالسؤال إلى متى، ويتابع شكواه فيصوّر أعمال هؤلاء المتكبرين، وضحاياهم: الارملة واليتيم والغريب (ومن خلاله الشعب). يتخيّل المتكبرون أن الله لا يرى، ولكن شعب الله يعرف أن الرب الذي أعطاه السمع والنظر يرى ويسمع، ويستعدّ لأن يضرب العدو الذي يهدّد حياة شعبه، دون أن ينسى تأديب أولاده.
آ 12- 15: يعلن المرتّل ثقته بالله الديّان. فاهتمام الله بتأديب شعبه وميراثه لا يعني أنه تخلّى عنه أو نسي أن يحيطه بعنايته. فاله العهد سوف يدين الأمم والافراد ناظرًا إلى ذوي القلوب المستقيمة. والطوبى هي أكثر من سلام، هي كلمة تشجيع تساعد المؤمن في محنته عندما يسمعها من شخص آخر: طوبى للرجل الذي تؤدّبه يا رب وتعلّمه شريعتك. أما الفرق بين البار والشرير، فيكمن في أن الأول يمرّ عبر الصعوبات قبل أن يصل إلى النور، أما الثاني فينجح نجاحًا عابرًا قبل أن يصل إلى هوّة الهلاك. وهكذا نرى أننا أمام ثواب وعقاب في الحياة الحاضرة يدلاّن على أن الله يهتمّ بحياة شعبه وكل فرد من أفراد هذا الشعب.
آ 16- 19: يشكر المرتّل لله المعونة التي حصل عليها، فأسكت الأشرار الذين قالوا إن الله لا يهتمّ بأصفيائه (آ 7- 10): فلو لم يقف الله بجانب حبيبه لصار منذ زمن بعيد إلى عالم السكوت. وهكذا يكفي المرتّل، عندما تكون حالته في خطر، أن يدعو الرب ليجده قربه فيعرف بعد الضيق فرح التعزية.
آ 20- 23: يعلن المرتّل طمأنينته وثقته بالله رغم جور الجائرين، لأن الرب حصن له ضدّهم. فهل يرضى الله أن يكون شريكًا لقضاة يختلقون الاضرار بدلاً من أن يثبِّتوا العدل والسلام؟ وينهي المرتّل صلاته، وهو البار، متكلاً على الله سنده، لأن الرب يردّ على الأشرار اثمهم.

3. يبدأ المزمور بصلاة يطلب فيها المرتّل من اله النقمات، "الاله المنتقم"، أن يظهر عظمته (كما على جبل سيناء)، فيخفض تكبّر المائتين وترفّع البشر (أش 2: 17). أما قالت شريعة الله في سيناء: "لا تظلم الغريب ولا تعامله بسوء، لا تضيّق على الارملة واليتيم" (خر 22: 20 ي)؟ ولكن المسؤولين، والقضاة منهم، ابتعدوا عن هذه الوصايا فقال أشعيا (1: 21): "كيف صارت المدينة الأمنية خائنة. كانت مملوءة انصافًا، أما الآن فإنما فيها قتلة".
يشعر المرتّل بأن الحكم صدر عليه مسبقًا، وأعداؤه هم الاقوى، وقضاته لا يخافون الله ولا يستحون من البشر (لو 18: 2). ولهذا يحمل قضيته إلى "المحكمة العليا" التي تنقض كل حكم. يحمل قضيته إلى الاله المنتقم، لأن عدالته تستند إلى الثواب والعقاب، والقاضي الحقيقي هو من يرد الحق إلى نصابه. هذا ما يرجوه المرتّل من الرب، وهو ينتظر منه أن يظهر حكمه بسرعة فيعيد إلى المسكين حقّه.
ولكن الله يتأخّر، وهذا ما يملأ الأشرار فرحًا، ويجعل حياة البار صعبة لا تطاق. فالأشرار يستفيدون من تأخّر الله: ينطقون بالكذب، ويسحقون الشعب، ويضايقون الارامل واليتامى والغرباء، (حصة الله)، وهم يعتبرون أن الله أعمى. فإلى متى سيبقى الرب ساكتًا؟ هل الذي غرس الاذن لا يسمع، والذي جعل العين لا يبصر؟

4. نسمع في هذا المزمور صدى لسفر الجامعة (4: 1): "ثم التفتُّ فرأيت جميع المظالم التي تجري تحت الشمس، وإذا بدموع المظلومين وليس لهم من معزٍّ، يحتملون ظلم الظالمين وليس لهم من معين". مثل هذه الحالة تعتبر تجديفًا على اله العهد. هذه العدالة ذكرها يسوع وشدّد عليها الرسل في تعاليمهم قائلين إن "غضب الله معلن من السماء على كفر البشر وشرّهم" (روم 1: 18)، فنبَّهوا المؤمنين إلى أن قساوة قلبهم ستظهر، وتنكشف دينونة الله العادلة عندما "يجازي كل واحد حسب أعماله" (روم 2: 5- 6).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM