رنّموا للرب

رنّموا للرب
المزمور الخامس والتسعون

1. مزمور يتلوه كاهن على الحجّاج الداخلين إلى الهيكل في عيد المظال. وتُتلى معه مقاطع مهمّة من الشريعة (تث 31: 11) لتذكّر الشعب بواجباته نحو اله العهد. موضوعه نشيد الله المالك على العالم والشعوب، وخاصة على شعبه اسرائيل.

2. دعوة إلى العبادة للرب والطاعة لوصايه.
في المزمور قسمان يربط بينهما نداء الكاهن أو النبي: اسمعوا اليوم صوته.
آ 1- 7: القسم الأول: مديح ينشد الله خالق الكون ومخلص شعبه. في آ 1- 2 يدعو المرتّل الشعب إلى أن يهتف، يصرخ، ينشدُ مبديًا فرحه. ولا شكّ في أن الشعب كان كثير العدد بمناسبة الاعياد. وتقول آ 3 السبب: لأن الرب إله عظيم. لأن الرب هو الخالق، بيده أعماق الأرض. له رؤوس الجبال. وهو فوق جميع الآلهة وملكها (آ 3- 5). والسبب الثاني لأنه يهتم بشعبه ويرعاه (آ 6- 7) وهو خالقه. وينتهي القسم الأول بنداء إلى الشعب: تعالوا نسجد ونركع له.
آ 8- 11: القسم الثاني. نسمع نداء من الله يتلوه أحد الكهنة أو الأنبياء في الهيكل: المهم لا كثرة الذبائح والتقدمات، بل القلوب المفتوحة على إرادة الله وشريعته. من هنا أهمية كلمة "اليوم". فالكلام يتوجّه إلى الحاضرين إلى الهيكل والذين يمكنهم أن يقعوا في التجربة فينسوا الرب الاله. يذكر المزمور ثورة الشعب في مريبة في البرية (خر 17: 1 ي؛ عد 20: 13= مياه الخصومة لأن الشعب خاصم الرب). ثم يقول: إن هذه الخطيئة دامت أربعين سنة، حتى إن الرب كره ذلت الشعب فغضب عليهم وأقسم قائلاً: لن يدخلوا أرض راحتي.

3. هذا التذكير ليس فقط تذكيرًا بالماضي، بل هو تنبيه إلى الشعب في الزمن الحاضر (اليوم). فالله الذي عاقب شعبه في البرية بسبب عصيانهم يستطيع أن يعاقب الداخلين إلى الهيكل للصلاة، إن لم يعملوا بشريعته ويتبعوا وصاياه.
الله هو الخالق، الله هو المخلّص. اختباران عاشهما الشعب فكانا في أساس إيمانه. تعرَّف الشعب أولاً إلى الله المخلّص في أرض مصر قبل أن يتعرّف إلى الله الخالق فيما بعد. ننحني أمام الرب خالقنا، نحن شعبه الذي افتداه وخلّصه.

4. الرسالة إلى العبرانيين (3: 7- 4: 1) تقدّم لنا عظة عن هذا المزمور وتقول لنا: الاقامة في الصحراء وامتحان الرب أربعين سنة ليسا فقط من التاريخ الماضي بل من التاريخ الحاضر. فشل العبرانيون في الدخول إلى أرض الميعاد، فليخف المسيحيون من أن يفشلوا، عند ذاك لا يدخلون الراحة التي دخلها المسيح بطاعته.
ويدعونا القديس بولس إلى أن نرتّل المزامير والتسابيح والاناشيد الروحية (كور 3: 16)، ونسبح للرب من أعماق قلوبنا (أف 5: 19)، لأنه خالقنا وراعينا في شخص يسوع الراعي الصالح (مت 15: 24؛ يو 10: 11). ولكن التسبيح لا يكفي (عا 5: 23): أبعد عني ضجة أناشيدك... ليجر الحق كالماء والعدل كنهر دائم، لأنه "ليس من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت الله بل من يعمل" (مت 7: 21). وها هو الرب يقول لنا كما قال لاورشليم (لو 19: 42): "ليتك عرفت اليوم الطريق الذي يعطيك السلام".

5. إن ما يثيره نشيد المزمور فنا هو دعوة عذبة وصحيّة إلى عين مياه باردة التقاها في طريقه رجل يثقله الحر ويحرقه العطش. "تعالوا، رنموا للرب" في كل الذين يأكلهم الحزن وتسحقهم المحن. إن صوت النبي يثير فينا الفرح. "تعالوا رنموا للرب".
قال: تعالوا. من أين نأتي وإلى أين نذهب؟
المجيء منك يا صديقي والذهاب إليك، فما عليك أن تنتقل من مكان إلى آخر، بل أن تبدّل إحساسك. تزول الحواجز وتهرب الاحزان ويُطرد اليأس خارجًا ويُمنع القلق من الدخول. وهذه التوبة تُهيّئ مسكن قلب منقَّى، مكانًا أبديًا لسكنى الفرح الالهي.
فهل من مكان لمن هم "طوبى للباكين" (مت 5: 4) ولمن هم "طوبى لكم أيها الضاحكون" (لو 6: 25) أجل، إنهم لسعداء حقًا أولئك الذين يبكون هنا، والتعساء يضحكون هنا. فطوبى للذي يبتهج في الرب، الذي يجهل كل شيء عن السلب، الذي لا يعرف شيئًا عن الكذب، الذي لا يريد أن يفرح بدموع الآخرين. "تعالوا نبتهج في الرب". يبتهج في الرب من يقفز من الفرح في كلامه وحركاته وأعماله لا من أجل نفسه بل من أجل خالقه. "تعالوا نبتهج في الرب". يبتهج بالرب ذلك الذي ينبوع فرحه الفريد وبهجته هو الرب.
- "لنهتف هتاف الفرح اكرامًا لله مخلصنا". لم نعد هنا أمام صوت النعاج بل صوت الراعي. فنداؤه الوديع والمنوّع يسير بالقطيع إلى المرعى مرة ويُبقي مرة أخرى النعاج التعبة في غابة ظليلة لتجد فيها الراحة. تارة يدعوها بواسطة الرغبة إلى عشب التلال المغذي إلى أن تصعد إلى الاعالي، وطورًا يدفعها إلى النزول تدريجيًا على المنحدرات إلى الوادي. فهنيئًا لهذه النعجات. تخضع لصوت الراعي فتحبل وترضع وتجمع العيال. إنها في فرح من أجل راعيها. وما أسعد هذه النعاج التي تتعب من أجل سيدها فتنمي أولاد القطيع.
- "لنذهب أمام وجهه بالتسابيح". فمن يستطيع إذن أن يسبق الشاهد على الضمائر وذلك الذي يفحص القلوب ويعرف الافكار الحميمة، الذي يعرف المستقبل مسبقًا، الكائن الأزليّ، والحاضر في كل مكان. لهذا لا نسبقه بتقرّب حسّيّ. بل بإدراك الفهم وبتتميم خدمة التسبيح. في الحقيقة ما قال النبي فقط: لنذهب أمامه، بل قال: "لنذهب أمام وجهه بالتسابيح". وهذا يعني حين يكون أمل برحمة، حين يأتي وقت الغفران، حين يحضر موضع التوبة، أن نفتح ذواتنا لأبينا لئلا يكون لنا أن نتألم من الديان. لنسلم إلى صلاحه ما عملنا لئلا نجبر على الدفع لقساوته دفعًا كاملاً كل ما نسكت عنه. ففي وقت الرأفة لنعلن خطايانا لئلا نبكي، إذا سكتنا عنها، حين نتقبّل العقاب وماذا نقول بعد هذا يا إخوة؟ يجب أن نسبق الدينونة لا الديّان. هذا هو التحريض العذب من فم النبي.
- ولننشد له فرحنا بالمزامير. لا يجب أن نعتقد أن نشيد فرحنا مسلم إلى نفوس محرومة من العقل. لهذا نعبّر عنه بمزامير تمتزج فيها عقائد نؤمن بها، ويدوي سر الله وكل ما يساعد القلوب السامعة على النمو في طريق الخلاص. يقول المزمور: "لأن الرب اله عظيم". هنا يفتح سر جسد الرب: فالله حتى في تجسده رب عظيم وملك كبير فوق كل الآلهة، حسب هذه الكلمة: "من يشبه الله بين أبناء الآلهة" (89: 7)؟ فالقوات السماوية التي تتسلط على الآخرين تخضع لسلطة المسيح.
- "في يده أقاصي الأرض". لا نستطيع أن نقتني من دون الله ما يمسكه الله في يده: أن نوسع حدود أرض، أن نزيح الحدود، أن نستعيد ما خسرناه من خير (شجب حروب الاحتلال والتوسّع). نتضرع بالقوى التي يعطينا الإيمان إلى الله إلى الذي أغظناه (ولهذا نخسر خيرات كانت لنا). فيرد لنا الله نعمته ونستعيد هذه الخيرات بعد أن تضاعفت. فالذي يعطي كما يشاء يستردّ أيضًا كما يشاء. والذي لا يستطيع أن يرد لا يُحسب قديرًا. تهدف أعمال الله العديدة أن تبرهن على قدرته واصلاحنا. والمعونات الخارجية لا تنفع إن كان ملكنا لا يساعدنا.
"له البحر وهو صنعه". لا نحسب أنه بحث عن البحر ووجده ولم يخلقه. "له البحر وهو صنعه". أين هم الذين يتصورون الها يكوّن العالم انطلاقًا من المادة. انطلاقًا من الماء مثلا؟ لقد صنع الهنا كل شيء من لا شيء في السماء وعلى الأرض. هو لم يكتشف المادة بل خلقها.
- يقول المزمور: "تعالوا نسجد". ما يتبع أيها الاخوة يجعل الجهّال يفكرون أن النبي لا يتذكّر فرحته العظيمة. فالذين دعاهم ليفرحوا سيحثهم بعد قليل ليبكوا. "تعالوا نركع ونسجد أمامه ولنبك بحضرة الرب الذي صنعنا". كان قد قال: "تعالوا نبتهج". وهنا يرغب النبي بالتأكيد أن نذرف معه دموع الفرح. فالدموع هي نتاج الفرح ونتاج الالم الكبير. وهي، في كل الحالات تكشف عن عواطف القلب الخفية وتشهد لها. (بيار كريزولوغ).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM