الفصل السابع والعشرون: تحريض على الثبات في الإيمان

الفصل السابع والعشرون

تحريض على الثبات في الإيمان
10: 19 - 39


بعد أن عالج الكاتب معالجة وافية كهنوت يسوع المسيح، أخذ يستنتج التطبيقات العمليّة. وهكذا نكون أمام تحريض آخر يختتم القسم الثالث من عب (10: 19 - 39). فمنذ 2: 1 - 4؛ 3: 7 - 4: 14، أرادت الرسالة أن تكون كلام تحريض، وكشفت عن مقصدها: حثّ المؤمنين على الطاعة لكلمة الله، على الثبات في الايمان والأمانة. وجاء العرض عن كهنوت المسيح محرّكًا لهذا الايمان، لهذا الثبات في الايمان. أما الغاية فخلقيّة مسيحيّة ترتبط بالموضوع العقائديّ وتتميّز بثلاث سمات. أولاً، ارتبطت بدم المسيح الذي يطهّر الخطايا وينال جميع النعم. إذًا، تكون حياتنا مقدّسة. ثانيًا، هي خلقيّة إكليزيولوجيّة. نعيشها في الكنيسة، في مدينة الله حيث يتضامن أعضاء شعب الله، مع المسيح الذي تضامن معهم، بل تشبّه بهم في كل شيء ما عدا الخطيئة. هي خلقيّة اسكاتولوجيّة. ترتبط بالنهاية. تتأصّل في الماضي، في دم المسيح، وتعيش في الحاضر، وتتطلّع إلى أورشليم السماويّة.

1 - نظرة عامة إلى التحريض النهائي (10: 19 - 39)
دلّ 10: 18 على نهاية الطرح المركزي. في 10: 19 يبدأ الكاتب فيتوجّه بشكل مباشر إلى قرّائه ليحثّهم على العيش المسيحيّ في خطّ ما تعلّموه حول كهنوت المسيح. ((ومن ثمّ أيها الاخوة)). وهكذا ينتهي القسم الثالث (5: 11 - 10: 39) من عب كما بدأ: بمقطع تحريضيّ. إن بداية هذا الجزء (10: 19 - 20) يوافق كل الموافقة نهاية المطلع (6: 19 - 20). لن نتوقّف الآن عند العلاقات بين إرشاد (5: 11 - 6: 20) وإرشاد (10: 19 - 39)، بل نقول كلمة عمّا يربط هذه الآيات بالعرض الذي يسبقها (7: 1 - 10: 18).
تعود بداية الجملة الأولى (10: 19) إلى قلب هذا العرض (9: 11 - 14): إن ((دخول المعبد)) (10: 19) يشير إلى المسيح الذي ((دخل المعبد)) (9: 12). و ((في دم المسيح)) (10: 19) يستعيد ((بدمه الخاص)) (9 ك 12) و ((دم المسيح)) (9: 14). ويلمّح إلى 9: 25 (دم غيره). في 10: 20، بعد أن تحدّث الكاتب عن الثقة (الدالة) للدخول إلى المعبد (آ 19)، تكلّم عن الطريق الجديدة الحيّة التي دشّنها يسوع خلال (عبر) الحجاب، أعني جسده. هذا النصّ يذكّرنا أيضًا بالاتجاه المركزيّ. فاذا وضعنا جانبًا الاستشهاد الكتابي في مز 95 (عب 3: 10: لم يعرفوا طرقي)، نرى أن لفظة ((طريق)) لم تستعمل سوى مرتين في عب: هنا (10: 20) وفي الاتجاه المركزي (9: 8)، حيث نفهم أن ((طريق المعبد لم تظهر بعد ما دام الخباء الأول باقيًا)). فما قيل في 9: 8 قريب ممّا قيل في 10: 20: لقد توخّى الكاتب أن يعارض نصًا بنصّ، لا سيّما وأن التقابل بين طريق وطريق، تقابله علاقة تربط شقّ (فتح) الحجاب (10: 20) بترك الخباء الاول جانبًا (9: 8، لأنه يمنع الطريق إلى المعبد، يبقيه مغلقًا). هنا نتذكّر أن وصف ((معبد هذا العالم)) (9: 10 - 12) أعلن أن ((الحجاب الثاني)) يدلّ على عبور من الخباء الاول إلى الثاني.
بما أن بعض عناصر 9: 8 جُعلت في أماكن اخرى في الاتجاه المركزي (9: 11 - 12، 26)، ارتبط أيضًا 10: 20 بهذين النصين الآخرين. هناك أولاً رباط مع 9: 11. قال 10: 20: ((خلال الحجاب، أعني جسده)) (ساركس، بشرّيته). وكان 9: 11 قد قال إن المسيح دخل ((بخباء أعظم)). وتحدّث الكاتب في 10: 19 (قبل 10: 20) و9: 12 (بعد 9: 11) عن الدم. وطبّق في 10: 21 على كاهننا صفة تصف الخباء الجديد في 9: 11 (ماغاس، عظيم). وهناك أيضًا علاقة مع 9: 26. تؤكّد هذه الآية أن المسيح ((ظهر (كـ ((طريق))، رج هذا الفعل في 9: 8) بذبيحة نفسه)). وجعلنا 10: 20 في المنظور عينه، فتكلّم عن تدشين طريق تمرّ عبر بشريّة المسيح المذبوح. وتحدّث الاتجاه المركزيّ أيضًا عن تدشين طريقنا التي هي طريق الدخول إلى دم يسوع، فذكّرنا بإقامة العهد الاول الذي لم يتدشّن (لم يكرّس) بلا دم (9: 18). وبعد ذلك، ستعيدنا استعارة الرش (10: 22، النضح) إلى هذا الطقس عينه، طقس إقامة العهد (9: 19 - 21).
ويترك 10: 21 منظور الطقوس الخاص بالاتجاه المركزيّ، ليشير بسرعة إلى منظورَي الاتجاهين الآخرين (أي الأول، 7: 1 - 28؛ 8: 1 - 9: 28). أرانا الكاتب نتيجة الذبيحة، وهي إقامة كاهن عظيم على بيت الله. هكذا ذُكرت، من جهة، اعتبارات ف7 حول الكاهن المختلف (7: 11 - 15) الذي هو أرفع من السماوات (7: 5). وذُكر، من جهة أخرى، التعارض الذي نقرأه في 10: 11 - 14 بين عجز كهنة العهد القديم، وسلطان التقديس الذي يملكه المسيح الجالس ملكًا عن يمين الله. ونجد أخيرًا في هذه الآيات (10: 19 - 39) تلميحين واضحين إلى الوضع الذي يصوّره الاتجاه الثالث (10: 1 - 18). فالجملة الأخيرة في هذا الاتجاه (10: 18، لا تقدمة بعدُ عن الخطيئة) تعود في 10: 26: ((ليس بعدُ ذبيحة عن الخطايا)). والتوسّع في 10: 4 - 10 حول ((مشيئة الله)) يجد له صدى في 10: 26 حيث يُدعى المسيحيون بدورهم حتى ((يعملوا بمشيئة الله)).

2 - بنية النصّ
بعد أن أشرنا إلى علاقة هذا التحريض (10: 19 - 39) بالعرض العقائدي، نتوقّف عند تفاصيل البنية. هناك تضمين مع كلمة ((باريسيا)) (دالة، ثقة) في آ 19 وآ 35. خارجًا عن آ 19 - 35، تبقى آ 36 - 39 التي تبدأ مع لفظة ((هيبوموني)) (الثبات) وتنتهي بالتأكيد على الايمان، فتعلن موضوعي القسم الرابع. ونستطيع أن نقسم آ 19 - 35 إلى ثلاثة مقاطع: آ 19 - 25؛ آ 26 - 31؛ آ 32 - 35. أما دراستنا التفصيليّة في الفصل التالي والذي يليه، فستقسم آ 19 - 39 إلى فصلين، الايمان وعقاب المعاندين (آ 19 - 31)، الايمان ومجازاة المؤمنين (آ 32 - 39).

أ - المقطع الأول (10: 19 - 25)
ونبدأ بقراءة المقطع الأول:
10: 19 ومن ثمّ، أيها الاخوة، فبما أن لنا بدم يسوع، ثقة الدخول إلى المعبد،
10: 20 من هذه الطريق الجديدة الحيّة
خلال الحجاب، أعني جسده.
10: 21 وكاهنًا عظيمًا على بيت الله،
10: 22 فلندن (فلنقترب) بقلب صادق، وفي كمال الايمان،
وقد تطهّرت قلوبنا من كل دنس ضمير شرّير
ونضحَ الماءُ النقيّ أجسادنا.
10: 23 ولنتمسّك باعتراف الرجاء على غير انحراف (بلا تراخ)
لأن الذي وعد أمين
10: 24 ولينتبه بعضُنا لبعض تحريضًا على المحبّة والأعمال الصالحة
10: 25 ولا تهجروا اجتماعكم الخاصّ،
كما هو من عادة البعض،
بل حرّضوا بعضكم بعضًا
وبالغوا في ذلك بقدر ما ترون اليوم يقترب.
بعد أن ذكر التحريضُ العرضَ المركزيّ الذي استند إليه (10: 19 - 21)، تنظّم حول ثلاثة أفعال، لندنُ (آ 22)، لنتمسّك (آ 23)، لننتبه (آ 24). ويرافق كلاً من هذه الأفعال فضيلة من الفضائل الالهيّة: في آ 22 كمال (ملء) الايمان. في آ 23: اعتراف الرجاء. في آ 24: تحريض على المحبّة.
ارتبط بالفعل الأول اسما مفعول (مطهرين، مُغسَلين). ويبقى الفعل الثاني (لنتمسك) وحده. والسبب هو أننا لا نريد أن نفصل بين اسم مفعول وآخر. فالواحد يكمّل الآخر. نقرأ في اسم المفعول الأول تأكيدًا على نعمة نلناها في العماد: ((تطهّرت قلوبنا من كل دنس ضمير شرير)). وفي الثاني، نجد وصفًا خارجيًا لسرّ المعمودية: ((غسل الماء النقيّ أجسادنا)). وهكذا ربطنا اسم المفعول الأول واسم المفعول الثاني بفعل ((اقترب))، وما فصلنا بينهما، رابطين اسم المفعول الثاني بفضيلة الرجاء. حين ربطنا بينهما، ربطنا العماد بالايمان. أما حرف العطف (كاي)، فهو لا يربط اسمَي المفعول (مطهرين ومغسلين) فقط، بل يربط الفعلين الاساسيين فنقول: لنقترب... ونتمسك.
هناك رباط بين نضح القلوب وتطهيرها، وبين غسل الجسد، وتكامل بين نضح (تطهر) وغسل، وبين اقترب وتمسّك، وبين كمال (أو ملء) وبدون انحراف (أو: تراخ)، وبين ((قلب صادق)) و ((أمين))، وبين الايمان والرجاء. لقد أراد الكاتب أن يربط ربطًا وثيقًا تعابير هاتين الجملتين بحيث تكمّل الواحدة الاخرى، وما خاف أن يبدّل موضع الالفاظ لكي يفهمنا أن المنظور واحد. مثلاً، ما قال ((ملء الرجاء)) و ((اعتراف الايمان)) (وهذا طبيعي)، بل قال: اعتراف الرجاء وملء الايمان. فعبارة ((ملء الايمان)) تقابل ما في 3: 1 (نعترف به) و4: 14 (نثبت على الاعتراف) حيث نقرأ لفظة ((اعتراف)) (لا تستعمل لفظة اعتراف، هومولوغيا، إلاّ في هذه المقاطع الثلاثة). أما ((كمال الرجاء)) فنقرأه في 6: 11 (لا نجد بليروفوريا التي تعني الملء والكمال إلاّ في هاتين الآيتين من عب). ثم، أما يجب أن نقول ((الايمان يحفظ)) و ((الرجاء يقترب)) ؟ ربما، ولكن الكاتب لا يميّز التمييز القاطع بين الايمان والرجاء. وحين يحدّد الايمان في 11: 1 ،يبدأ فيؤكّد علاقته بالمرجوات، بالاشياء التي نرجو. فلماذا ندهش اذن حين نراه يذكر هنا اعتراف الرجاء بجانب المعمودية؟ ويأتي الفعل الثالث (لينتبه) بعد المعترضة حول أمانة الله (الذي وعد أمين) بواسطة العطف (كاي، الواو). فالآن يرد الارشاد (التحريض) في تحذيرين: لا نهجر الاجتماع الخاص بالجماعة. حرّضوا بعضكم بعضًا بالنظر إلى اليوم الأخير الذي يقترب. وهكذا جعلنا الكاتب نستعدّ لقراءة المقطع الثاني.

ب - المقطع الثاني (10: 26 - 31)
يجعلنا الكاتب هنا أمام منظور معتّم، مظلم. تتبدّل اللهجة، فنفهم أننا أمام مقطع جديد. هو يبدأ مع لفظة ((هول)) (آ 27، 31) و ((دينونة)) (آ 27) و ((دان)) (آ 30). بعد عناصر تقديم، يبدأ التضمين في آ 27 وينتهي في آ 31.
10: 26 لأنّا إن خطئنا عن اختيار
بعد إذ نلنا معرفة الحق،
فليس بعدُ ذبيحة عن الخطايا،
10: 27 بل هناك هول انتظار دينونة
وغضب نار سوف تلتهم المعاندين.
10: 28 فلئن كان من يتعدّى ناموس موسى،
يُقتل بلا رأفة، على شهادة اثنين أو ثلاثة،
10: 29 فكم ترونه يستوجب عقابًا أشدّ
من يطأ ابن الله
ويعدّ مبتذلاً دم العهد الذي قُدِّس به
ويهين روح النعمة.
10: 30 فإنّا نعرف الذي قال:
لي الانتقام، أنا أجازي.
وأيضًا:
إن الرب سيدين شعبه.
10: 31 فيا لهول الوقوع في يدي الله الحي!
يتمّ إعلان الطرح (10: 26 - 27) بوضع تعارضين الواحد تجاه الآخر. أولاً، الخطيئة تعارض الحقيقة التي نالوها. ثانيًا، إن رجاء الحصول على غفران بواسطة ذبيحة، يعارض التهديد بالدينونة والعقاب (الانتقام). أما مسيرة الجملة فتتوخّى التشديد على هذا التهديد: يا لهول الوقوع في يدي الله الحي!
وجاء التوسّع (10: 28 - 29) في برهان مع ((بالحريّ)) (أي من الأقل إلى الاكثر)، صادفناه أكثر من مرّة في عب. ننتقل من تذكّر عقوبات العهد القديم، إلى عقوبات أشدّ تصيب الذين لم يكونوا أمناء للعهد الجديد، فكفروا وعاندوا. تترتّب العناصر (خطيئة، عقاب) أولاً بشكل يتوازى مع ما في 10: 26 - 27. وبعد ذلك، ينعكس، بحيث تصبح بنية المقطع متداورة: تصوّر البداية والنهاية الخطيئتين. وفي الوسط، يُذكر العقابان: بلا رأفة، عقاب أشدّ. أبرز الكاتب خطورة الاستهانة بالعهد الجديد فحطّم التوازن. إشارة سريعة (تعدّى ناموس موسى) عارضت سلسلة مؤلّفة من ثلاثة أمور شدّد عليها الكاتب بقوّة: ابن الله، داسه. دم العهد، اعتبره مبتذلاً (دنيويًا، من هذا العالم) مع أنه قدّسه. روح النعمة، أهانه. هذا ما يفعله ذاك الذي يتنكّر لإيمانه ويعود إلى الوراء. وإذا عدنا إلى التفاصيل، نرى تقابلاً بين موسى وابن الله، بين الناموس والعهد، بين الناموس وروح النعمة.
وتعود نهاية (10: 30 - 31) المقطع إلى الموضوع المركزي، موضوع العقاب، فتستعيد في الوقت عينه، ما كان أشار إليه العنصر المسيطر في الجملة الأولى (آ 26).

ج - المقطع الثالث (10: 32 - 35)
بعد هذا الوصف لمستقبل ممكن، مع ما فيه من هول، يعود الكاتب الآن، ويقابله بتذكّرين حول ماضٍ من السخاء والعطاء. ذاك هو المقطع الثالث:
10: 23 ولكن تذكّروا الأيام السالفة
التي، بعد أن أنرتم فيها،
صبرتم على نضال طويل مؤلم
10: 33 فكنتم مرّة مشهدًا (للناس) بالتعييرات والمضايق،
وأخرى شركاء للذين يعاملَون بمثلها.
10: 34 أجل، تألّمتم مع الذين في القيود،
ورضيتم بانتهاب أموالكم فرحين،
لعلمكم أن لكم ثروة أفضل وأبقى.
10: 35 فلا تفقدوا إذن ثقتكم،
فإن لها جزاء عظيمًا.
قد يكون ذكر ((الأيام السالفة)) (10: 32) في موازاة مخافة اليوم الذي يقترب (10: 25)، وهكذا يرتبط هذا المقطع الثالث بالأول (10: 19 - 25). أما المقطع الثاني (10: 26 - 31) فيُذكر بوضوح أكبر: تتقابل البدايتان، إمّا في تشابه (أنرتم في 10: 32، يعود إلى معرفة الحق في 10: 62)، وإمّا في تعارض (نضال مؤلم في 10: 23 يعارض خطئنا في 10: 26). وهناك ارتباط مع المقطع الأخير (10: 36 - 39): إن فعل صبر يعلن الموضوع منذ الآن، موضوع الصبر والثبات (10: 36).
تظهر الفكرة المسيطرة في هذا المقطع، في العلاقة بين عبارتين تحيطان به: نضال طويل في البداية (10: 32)، جزاء عظيم في النهاية (10: 37). هذا ما يقابل مقابلة دقيقة المقطع السابق الذي تحدّث عن الخطيئة والعقاب. ويصوَّر هذا النضال الذي يتضمّن المضايق (10: 33) ومشاركة الآخرين في ألمهم. وهكذا ننطلق من المضايق إلى التضامن، ومن المشاركة في الألم إلى انتهاب الأموال. والتعارض واضح حين يُذكر الألم لدى مسيحيين نُهبت أموالهم (10: 34)، وهذه هي المفارقة. ونفهم هذا الفرح لدى المؤمنين، لأنهم تيقّنوا بأنهم يمتلكون كنزًا لا يأخذه أحد منهم. وهذا الفرح ينقلنا من كلام عن الضيق إلى كلام عن المجازاة. في الشق الثاني من 10: 34، تستعيد لفظة ((ثروة)) لفظة ((أموال))، ويقابل ((انتهاب)) لفظة ((أبقى)) (كل هذا في آ 34). وينهي الكاتب كلامه في آ 35 فيعود إلى فكرة الكنز السماوي بواسطة ((الجزاء)) (يقابل 10: 30 ويعارض ((أجازي، أنتقم))). كما يدرج لفظة ((ثقة)) التي تبني تضمينًا مع 10: 19.

د - المقطع الرابع (10: 36 - 39)
أغلق التضمين، وهكذا نفهم أن الآيات الأخيرة تعلن التوسّعات الآتية. هذا ما حصل في 2: 17 - 18 (حيث أعلن القسم الثاني) وفي 5: 9 - 10 (حيث أعلن القسم الثالث).
10: 36 فلا بدّ لكم من الثبات (أو الصبر)
حتى، إذا عملتم بمشيئة الله،
تفوزون بالموعد.
10: 37 أجل، في أقرب وقت
يأتي الآتي ولا يبطئ
10: 38 إن باريّ (أنا) بالايمان يحيا
وإن نكص فلا ترتضي به نفسي.
10: 39 أما نحن، فلسنا من أبناء النكوص، للهلاك،
بل من أبناء الايمان، لخلاص النفس.
جاء موضوعا القسم الرابع في وضوح تام: الثبات (في بداية الجملة) والايمان (في تعارض مع نكوص واستعادة لفظة ايمان). وإذ أراد الكاتب أن يبرز العلاقة بين الموضوعين، اتبع ((الثبات)) هنا بعبارة نجدها في التوسّع حول الايمان (نفوز بالموعد، 10: 36؛ رج 11: 13، 39، ثم 11: 9 ،17، 33). ومقابل هذا، تحدّث عن الايمان في سياق سوف نجده في توسّع حول الثبات (يحيا، 10: 38؛ رج 12: 9 ،نحيا، تكون لنا الحياة). وبالنسبة إلى النكوص، في 10: 39، ق 12: 3 و12: 13.
لاحظ الشرّاح أن قول حبقوق الذي ورد في 10: 38، قد تحوّل بعض الشيء في عب. فاهتمامات الكاتب الأدبيّة معروفة. رج 10: 16 (نص ارميا)؛ 3: 9 - 10 (مز 95). قالت السبعينية: إذ هو آتط يأتي. وإن نكص لا ترضى به نفسي، أما البار فيحيا بإيماني. قد نظنّ أن فاعل فعل ((ينكص)) هو فاعل فعل ((يأتي)). لهذا، بدّلت عب ترتيب النص، فأزالت الالتباس، ثم كوّنت توازيًا متداورًا في 10: 38 - 39 (إيمان، نكوص، نكوص، ايمان). جُعلت لفظة ((إيمان)) في بداية التعارض (بالايمان يحيا) وفي نهايته (أبناء الايمان)، فبدت بارزة ولعبت وظيفة كلمة عاكفة فأمّنت الانتقال إلى بداية القسم الرابع (11: 1).
ونلاحظ أخيرًا أن هذا المقطع الرابع يقترب بوضوح من الاول (10: 19 - 25). شدّد هذا على الايمان (10: 22؛ رج 10: 38 - 39)، وتحدّث عن الذي وعد (10: 23؛ رج 10: 36)، وذكر ضرورة الاعمال الصالحة (10: 24؛ رج 10ك 36 والعمل بمشيئة الله)، وأكّد اقتراب اليوم (10: 25؛ رج 10: 37، لا يبطئ).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM