الفصل السادس والعشرون: ذبيحة الجالس عن يمين الله

 

الفصل السادس والعشرون

ذبيحة الجالس عن يمين الله
10: 11 - 18

في فصل سابق (10: 1 - 10) قدّمنا مقطعين في هذا الاتجاه الثالث (10: 1 - 18) المتحدّث عن المسيح الذي هو علّة خلاص أبدي. وفي هذا الفصل نقدّم أيضًا مقطعين. في الاول (10: 11 - 14) نفهم أن الكاهن الذي جلس عن يمين الله إلى الأبد، قد حلّ محلّ كهنة مأخوذين بتقديم الذبائح المتكرّرة. وفي الثاني (10: 15 - 18) نفهم أننا لا نحتاج بعدُ إلى الذبائح الكثيرة. فالعهد الجديد بذبيحته الوحيدة كاف لينال للبشر مغفرة خطاياهم.
قد يعترض معترض على البرهان السابق: إن كان الله رضي فقط بذبيحة المسيح، أما يستطيع أن يطلب تكرار هذه الذبيحة على مثال الذبائح اللاوية؟ من يطرح مثل هذا السؤال يدلّ على أنه يجهل ملء فاعليّة ذبيحة يسوع. هي كافية فما الحاجة إلى غيرها. قدّمت الخلاص التام الناجز، فلماذا تتكرّر بعد أن نالت غفران خطايا البشريّة كلها منذ البدء حتى نهاية العالم.

1 - تفسير الآيات
نقرأ هنا مقطعين: حلّ الكاهن محل الكهنة (10: 11 - 14). لا حاجة إلى تقدمة أخرى عن الخطيئة بعد أن نالت البشرية مغفرة خطاياها (آ 15 - 18).

أ - الكاهن والكهنة (10: 11 - 14)
تجاه كهنة يقدّمون الذبائح العاجزة، بدا يسوع المسيح الكاهن الممجّد، فقادنا بذبيحته الوحيدة إلى الهدف، إلى الكمال.
أولاً: كل كاهن (آ 11)
كيف بدا الكاهن في العهد القديم في موقفه وعمله وفائدته. أولاً، هو واقف. ثانيًا، هو يقدّم كل يوم ذات الذبائح. ثالثًا، لا تستطيع ذبائحه أن تزيل الخطايا. نحن هنا أمام واقع دراماتيكي، فنقرأ آ 11 بالنظر إلى آ 1. هي تشير إلى غيرة باطلة، إلى حركة دائمة لدى أشخاص لا يجلسون بسبب كثرة الذبائح التي يقدّمونها. الوقوف هو علامة الخادم الذي يعمل ((هستيمي)) (ع م د. ل ف ن ي، رج تث 10: 8؛ 17: 12؛ 18: 7). هو لا يرتاح، فيقوم بذات الحركات، ويقرّب ذات الذبائح، ويكرّر مهمّته يومًا بعد يوم. لا فائدة من كل ذلك، والخطيئة باقية. نقرأ ((لايتورغوس)) (خادم)، ((بارياريو)) = ((أفايريو)) (آ 4): انتزع (2كور 2: 16)، أزال، ألغى (أع 27: 20)، ألغى الاثم (ع ب ر، 1أخ 21: 8؛ صف 3: 15)، ألغى العار (ج ل ل، مز 119: 22، 39).
ثانيًا: كاهن لا غير (آ 12 - 13)
هنا التعارض بين كل كاهن، كل الكهنة، وكاهن لا غير هو يسوع المسيح. هم وقفوا للخدمة (على مثال موسى). أما يسوع فجلس عن يمين الله. موقف يسوع جذريّ بالنسبة إلى موقف الكهنة اللاويين، وكذلك عمله. ((هوتوس دي)) (أما هو)، رج ما قيل عن خدمة الملائكة ونشاطهم (1: 14). قدّم ذبيحة واحدة وقيمتها نهائيّة، فلا حاجة إلى ذبيحة أخرى. لهذا، يستطيع أن يجلس ويرتاح. ثم إن هذا الجلوس (رج مز 110: 1 كما قرأته عب) يدلّ على أن الله يوافق على عمل مسيحه، ويجازيه خيرًا على ما فعل (1: 13؛ 8: 1؛ رج أف 1: 02ي). ((جلس عن يمين)) يقابل ((وقف خادمًا)). اختلف الواحد عن الآخر على مستوى النظر، وبالتالي على مستوى الكرامة. إن فعل ((ي ش ب)) العبري الذي يعني جلس، سكن، طبّقه المزمور على داود الذي نصب خيمته بجانب تابوت العهد الذي يرمز إلى حضور الله. وحين كان يدخل إلى الخيمة، كان يجلس أمام الربّ (2صم 7: 18). حسب هذه الآية، ارتبط انتصار داود على أعدائه بأن جلس عن يمين الربّ. وجاء التطبيق التيبولوجي مع المسيح الذي دخل إلى معبد الله وجلس في حضرته، فلم يبقَ للكاهن الملك سوى انتظار نهاية العالم.
((تو لويبون))، تدلّ على الوقت (من بعد) وعلى النتيجة (بالتالي). تستخلص خاتمة حدث سابق: في نهاية المطاف، بمختصر الكلام (1كور 4: 2؛ 7: 29؛ 2كور 13: 11؛ 2تم 4: 8). أما وفاعليّة ذبيحة المسيح الوحيدة هي ما هي، فما عليه سوى أن ينتظر سجود أعدائه (ابليس، اليهود، الخطأة، الحاقدون، بحسب الآباء اليونان). فالله الذي نفّذ مخطّط الخلاص، جعل جميع الأجيال تنعم بثمار الفداء. وهكذا تظهر قدرة الرب وانتصاره تجاه عجز الكهنوت القديم. هذا ما يدلّ عليه ((إكداخومانوس)) (منتظر). رج يع 5: 7ي (إكداخاتاي) وانتظار الفلاح بين الزرع والحصاد.
ثالثًا: الهدف المنشود (آ 14)
وهكذا أوصلنا المسيح إلى الهدف المنشود بذبيحته الوحيدة. فإن آ 14 التي تبدو نافلة، تريد أن تبرّر هذه الراحة (جلس) وانتظار المسيح الهادئ. فعمله كان تامًا (بروسفورا، تقدمة، رج آ 10) ولا يمكن أن يُضاف إليه شيء. هذا من جهة. ومن جهة ثانية، هناك ثقة المؤمنين بالمشاركة في ثمار هذه الذبيحة. فنتيجتها المستمرة (إبي تو دياناكس، آ 12) هي أن تعطي الكمال (تاتالايوكن، صيغة الكامل، رج كاكاتاريسمانوس، طهر؛ هيغياسمانوس، مقدسون، آ 10): غفران الخطايا، طهارة الضمير، الاتحاد بالله للذين قدّسوا (صيغة الحاضر، هاغيازومانوس). بما أن العهد القديم لم يدرك الهدف (تالوس)، فقد كان ناقصًا، أما عهد المسيح فكان تامًا.

ب - لا حاجة إلى تقدمة أخرى (10: 15 - 17)
نحن لا نحتاج بعد إلى ذبائح، فالعهد الجديد يكفي. انطلق الكاتب من إيراد كتابي ينطلق من عهد جديد لن تذكر فيه الخطايا، وتحلّ شرائع باطنية محل الشرائع الخارجية.
أولاً: شهادة الروح القدس (10: 15 - 17)
إذ أراد الكاتب أن يقدّم خاتمة برهانه (8: 1ي)، عاد إلى إر 31: 33، 34 الذي أورده في 8: 10، 12. أولاً، يبرهن هذا النصّ أن ذبيحة المسيح تمحو الخطايا محوًا تامًا وتحقّق النبوءات. ثانيًا، يحدّد سمة العهد الجديد الذي يتمتّع به المؤمنون بقلب طاهر. ورد الاستشهاد الكتابيّ بشكل احتفالي جدًا. هو الروح القدس يتكلّم في الكتب المقدسة (2بط 1: 12). يضمّ شهادته إلى شهادة المسيح ليقوّي ايمان المسيحيين الذين اهتدوا من العالم اليهودي. إليهم يتوجّه، يقدم برهانه. ونقرأ فعل ((مرتيراين))، شهد، مع اهتمام الكاتب بإقناع قرّائه.
((بعد أن قال)). هذه العبارة تطلب جوابًا، يبدأ بلا شك في آ 7، الذي يتضمّن التأكيد الحاسم. لهذا أضافت المخطوطات ((هستيرون لاغاي))، قال. أو ((توتي ايريكان)) (الارمني،الصعيدي). وكان اقتراح: يقول الرب.
جاء الاستشهاد الكتابي في آ 16 - 17، وحوّله الكاتب من أجل برهانه. قسمه إلى شقين، ليبرز الشق الثاني الذي هو الأهمّ. حل ((بروس اوتوس)) (معهم) محل ((بيت اسرائيل)) (رج لنا في آ 15). وحلّ ((ابي كاردياس)) (في القلوب) محل ((بصيرتهم)) والعكس بالعكس. واضيفت ((وآثامهم)) في آ 17، وحلّت صيغة المضارع مع ((أذكر)) لتشير إلى أن غفران الخطايا يتمّ في المستقبل. وفعل ((ميمنيساستاي)) لا يدلّ فقط على تذكّر الماضي، بل على نظرة خارج الزمن: اعتبر، اهتمّ. فحين يذكر الله الانسان (2: 6) أو عهده (لو 1: 72)، يدلّ على اهتمامه. وحين يذكر الخطايا، يعتبرها وكأنها ما حصلت (8: 12؛ لو 1: 54؛ أع 10: 4، 31). ما غفره الله، غُفر حقًا ولا عودة عن غفرانه. وقد عبّر الانبياء بعدد من الاستعارات عن هذا الغفران (أش 38: 17؛ 44: 22؛ إر 50: 20؛ مي 7: 19).
ثانيًا: خاتمة البرهان (آ 18)
أما النتيجة فإلغاء كل ذبيحة تقدّم عن الخطيئة. لقد صارت نافلة. إن آ 18 التي توازي آ 14، تختتم موضوع كهنوت المسيح: فالايمان المسيحي هو تطهير من الخطايا وتقديس يمنحه الله بالمسيح (9: 28). بما أن الخطايا غفرت حقًا (أفاسيس، رج 9: 22 ،يقابل ((انامنيسيس)) في آ 3، تذكرة)، بالنظر إلى ذبيحة المسيح بحيث لا يعود لها وجود في المستقبل، يصبح أن تقدمة جديدة لا معنى لها. هي استحالة مطلقة (هوبو دي، 9: 16؛ أوكاتي، روم 6: 9؛ لو 15: 19، 21؛ يو 14: 19). حاول بعض القرّاء أن يعودوا إلى الممارسات اليهودية وذبائحها، فأفهمهم الكاتب أنهم باطلاً يفعلون. واحد هو مكمّل (تالايوتيس) الخلاص، يسوع المسيح (21: 2). خارجًا عنه لا تصل الحياة البشرية إلى هدفها الذي هو الله.

2 - قراءة إجمالية
((إن كل كاهن يقف، كل يوم، خادمًا ومقرّبًا مرارًا تلك الذبائح بعينها، التي لا قبل لها البتة بأن تزيل الخطايا. أما هو فإذ قرّب عن الخطايا ذبيحة وحيدة، جلس عن يمين الله إلى الأبد، منتظرًا، من بعد، أن يُوضع أعداؤه موطئًا لقدميه، لأنه بتقدمة وحيدة جعل مقدّسيه كاملين على الدوام)) (10: 11 - 14)
إن التعليم الذي برز في بداية ف 10، يعاد فيقول: مع النظام الجديد، كانت سلسلة من الذبائح لا تنقطع. هي ذات الذبائح، وهي لا تستطيع أن ترفع الخطايا. في آ 1ي، عاد الكاتب إلى الذبائح السنويّة التي يقدّمها عظيم الكهنة في يوم كيبور. أما هنا، فيشير إلى ذبائح تقدّم كل يوم، في الصباح وفي المساء، على يد الكهنة بشكل عام. ((كل كاهن)). هذا لا يعني أن جميع الكهنة كانوا يعملون في كل يوم، بل هناك ترتيب بحيث لا تتوقّف الذبائح يومًا واحدًا.
ولكن التعارض بين النظام القديم والنظام الجديد، ظهر في اعتبار لم يُذكر حتى الآن: كان كهنة لاوي واقفين لكي يتابعوا واجبات خدمتهم. أما المسيح فجلس عن يمين الله (انتهت مهمّته الذبائحيّة). فالكاهن الذي لا يقوم بواجباته الكهنوتيّة، يقف أمام الربّ. نقرأ في تث 10: 8 إن بني لاوي يحملون تابوت عهد الرب ويقفون أمامه ليخدموه ويباركوا باسمه (رج 17: 12؛ 18: 7). هذا يعني أن عمل الكهنوت اللاوي لا ينتهي أبدًا، لأن خدمتهم وذبائحهم مطبوعة بطابع النقص. والتقادم التي لا تستطيع أن تزيل الخطايا، يجب أن تتكرّر على الدوام.
ويبدو التعارض دراماتيكيًا بين غيرة الكهنة اللاويين واضطرابهم وحركتهم المتواصلة في الهيكل، ووقوفهم بدون راحة وقيامهم بذات الأعمال مع نتيجة خارجيّة لا تحصل في أي حال على غفران الخطايا، وبين مسيح قدّم نفسه مرّة لا غير، فجلس عن يمين الله ودخل في الراحة. ولكن هذا لا يعني أن نشاط يسوع توقّف بعد أن صعد إلى السماء، فهو يعمل دائمًا وأبوه يعمل. هو يرافقنا ويعين ضعفنا كما تقول عب 2: 18؛ 4: 14ي. وهو في معبده السماوي ما زال يشفع بنا (7: 25؛ 9: 24). أما عمله الذبائحيّ فقد تمّ ولا حاجة إلى تكراره.
ويصوّر المسيح منتظرًا أن يُخضع له جميعُ أعدائه. رج 2: 8. الله هو الذي سيخضعهم. ويقول مز 8: 6 الذي تورده عب: لا نرى أن كل شيء خضع له. منذ الآن نعرف أن أعداء يسوع خضعوا له، وهم الشر والخطيئة والموت، وذلك بفدائه على الأرض كالابن المتجسّد. فمجيء الابن إلى العالم هو، منذ البداية، غلبة العالم (يو 16: 33). وصليب المسيح يدلّ على أن سيّد هذا العالم (إبليس) قد دين وحُكم عليه (يو 16: 11). لهذا قال يسوع لدى دخوله في آلامه: ((اليوم دينونة هذا العالم. واليوم يُطرد سيّد العالم)) (يو 12: 31). وكيف ذلك؟ ((متى ارتفعت عن الأرض)). وهذا الارتفاع يدلّ على الصليب كما على الصعود. بدأت نهاية العالم أي انتصار يسوع التام يوم الصلب ووصلت إلى ذروتها في القيامة والصعود بالمجد. أما الدينونة التي ننتظر، فهي وضع كل انسان ووضع البشريّة تجاه صليب المسيح. من يؤمن ويعتمد يخلص ومن لم يؤمن يدان.
ولماذا تأخّر المسيح لكي يضع أعداءه تحت قدميه؟ هذا هو السؤال الذي طرحه الذهبيّ الفم. وكان الجواب: ليس الله عاجزًا عن إتمام ما قال إنه يعمله. أما التأخير فهو إطالة زمن النعمة والرحمة. في هذا قالت 2بط 3: 9 - 10: ((فالربّ لا يؤخّر إتمام وعده، كما يتهّمه بعضهم، ولكنه يصبر عليكم لأنه لا يريد أن يهلك أحد، بل أن يتوب الجميع. ولكن يوم الرب سيجيء)). هذا الانتظار ليس انتظار القلق عند المسيح، كما هو الحال عند البشر، بل رغبة الله في أن يرحمنا. وفي هذا يقول أش 30: 18: ((الرب ينتظر ليتحنن عليكم وينهض ليرحمكم لأنه إله بار. هنيئًا لجميع الذي يرجونه)).
((وهذا ما يشهد لنا به الروح القدس أيضًا. فإنه بعد أن قال: هذا هو العهد الذي سأقطعه معهم من بعد تلك الأيام، يقول الرب، فأجعل شرائعي في قلوبهم وأرقمها على أذهانهم. أما خطاياهم وآثامهم فلن أذكرها من بعد. والحال أنه حيث تكون مغفرة خطايا لا تقدمة بعد عن الخطيئة)) (10: 15 - 18)
وأورد الكاتب هنا مرة أخرى نبوءة إرميا حول العهد الجديد، التي سبق وأوردها في 8: 8 - 9. وذكر الروح القدس، فدلّ على اعتقاده بأن كلام النبي هو إلهام إلهيّ. فالروح القدس والرب هما واحد، وهذا ما نفهمه من التقابل بين ما قال الروح وما قال الرب (يهوه في العبرية). إن هذا التعليم يتوافق مع إعلان 2بط 1: 21 بأن الانبياء هم أناس حرّكهم الروح القدس فتكلّموا من قبل الرب. وفي الوقت عينه، نلاحظ أن الاستشهاد لا يرد حرفيًا كما في إر 31: 32، بل لا يتوافق مع ما في ف 8 ، فنفهم مرّة أخرى أن معنى الكلمات هو المهمّ لا حرفيّتها. والاختلاف في الاستشهاد تجاه نصّ محدّد، لا يفترض بالضرورة اختلافًا في النظر تجاه النصّ الاصليّ. بالاضافة إلى ذلك، لا يتوقّف الكاتب عند دقائق الألفاظ، بل يهمّه فهم الحقيقة وتطبيقها، لأنه ينبوعها. وبمختصر الكلام، كتب صاحب الرسالة في تنسيق فكر الروح، فجمع الحقيقة مع نبوءة ارميا من العهد الجديد، فأبرز وجهات خاصة من هذه النبوءة لأجل قرّائه دون أن يتلاعب بتعليم النبيّ.
إن تكرار الاستشهاد مع التأكيد بأنه شهادة الروح القدس، يتوخّى أن يقدّم خاتمة البرهان حول طبيعة كهنوت المسيح وكمال ذبيحته التكفيرية التي وصلت إلى غايتها. وهكذا بلغ العهد الجديد إلى الكمال. هو الروح الذي يشهد عبر إرميا أن الله جعل شرائعه في القلوب، وأنه لن يعود يتذكّر خطاياهم، وهذا هو جوهر العهد الجديد في الماضي وفي المستقبل: غُرست شرائع الله في قلوب المفديّين بحيث صاروا جديرين في النهاية، بأن يمجّدوه في طاعة طوعيّة لإرادته. بل، إن تمرّد حياتهم السابقة وما فيها من خطيئة، قد زال من أمام نظره، وضميرهم المذنب تطهَّر بقوّة دم المسيح الذي قدّم نفسه عبر روح أبديّ، بغير عيب، لأجلنا (9: 14). حين نقول إن الله لا يعود يذكر خطايانا، نعني أنه يغفرها. وحين ُتغفر، لن تعود أمام الله (كما كان الوضع في النظام اللاوي)، وبالتالي لا تحتاج بعد إلى تكفير. فقد تمَّ التكفير الذي يكفي كل الكفاية، مرّة لا غير (1يو 2: 2). وهكذا حصلت البشريّة على ما تاقت إليه منذ أجيال: غفران حقيقيّ للخطايا بذبيحة المسيح الوحيدة الكاملة على الصليب. وبعد ذلك، انتفت كل حاجة إلى تقدمة تقرّب عن الخطيئة. فمن عاد إلى الذبائح الموسويّة يطلب فيها التكفير عن الخطايا فيبدو وكأنه ينكر الانجيل. لهذا، كان تحريض للتمسّك ببركات العهد الجديد التي أعطيت لنا بوساطة يسوع المسيح الفادي الوحيد والربّ الوحيد.

خاتمة
من عاد إلى العالم اليهودي، من استعاد طقوس العبادة القديمة، دلّ على لاإيمانه بعمل المسيح الكامل. وإذا كانت الذبائح قد ألغيت إلغاء كليًا، فهذا يعني أيضًا أن الكهنوت الهاروني ألغي ومعه العهد القديم. زال الظلّ وحلّت محله الحقيقة. ذاك هو الواقع الايماني الذي يسنده الروح القدس، روح الآب الذي يتكلّم بالابن. هذا الروح يشهد لروحنا أننا ابناء الله (روم 8: 16) بعد أن غُفرت خطايانا ونلنا نعمة تتيح لنا أن نشارك الابن في مجده إن نحن شاركناه في آلامه.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM