على عود بعشرة أوتار: سبحوا الرب من السماوات
 

 

148
سبحوا الرب من السماوات

إن مز 148 قريب من سابقه، وقد استلهم صفحات معروفة من المزامير وسائر الأسفار الكتابيّة. كما ألهم بدوره نشيد الفتية الثلاثة في أتون النار (دا 3: 52- 90)، الذي هو مدراش على المزمور.
يبدو هذا المزمور في قسمين، ويتضمّن كل قسم الدعوة إلى المديح والباعث على المديح. في الأول يتوجّه المرتّل إلى السماوات (آ 1- 6). وفي الثاني، إلى الأرض. وهكذا تجتمع الخليقة كلها. فإن لفظة "جميع" (كل) ترد ثماني مرات. فالشاعر مهتمّ بـ "الكلّية". بالكون كله. وهو يريد أن يدخله في جوقة المغنّين: السماء والأرض، الملوك والشعوب، الشبّان والصبايا، الشيوخ والفتيان.
وتبدأ الدعوة إلى السماء. إلى البلاط السماويّ مع جيش رسل الله. ويميّز الكاتب بين الملائكة والكواكب. نشير هنا إلى أن النظرة إلى عالم السماوات ليست موحّدة. هناك ثلاث سماوات في بابل. وسبع أو تسع في اليونان. أما النصّ الذي ندرس فيتكلّم بشكل عام عن "سماء السماوات" ولا ينسى الموضع الذي تجتمع فيه المياه.
إذا كانت السماوات قد دُعيت لتمدح الربّ، فهذا يعني أنها خُلقت من أجل ذلك. هي على مثال الجبال التي دُعيت لتكون منشدة مختصة لمجد الله. هكذا تؤدّي جميع المخلوقات "خدمتها"، وهي لا تستطيع أن تتهرّب منها. هنا نتذكّر أن الهيكل هو كون صغير. والكون هو هيكل كبير. وكما يُنشد الله في الهيكل، كذلك يُنشد في الكون.
وتُدعى الأرض أيضاً إلى المديح. تأتي المخلوقات كل بدورها وحسب ترتيب خلقها، فتتوسّع جوقة الغناء. هناك أولاً وحوش البدايات. ثم العناصر التقليديّة في عاصفة تيوفانيّة ترافقها الثلوج. وتبرز الجبال والتلال بسجّادها الأخضر وأشجارها ومراعيها. وأخيراً تأتي البشريّة بشيبها وشبابها.
مثل هذه الدعوة إلى الخليقة، تفترض عملاً من الرب يشهد في وجه الكون على قدرة اسمه المتسامية. ماذا عمل بشكل خاص؟ انحنى على الوضعاء، نظر إلى شقاء شعبه، ورفع رأس مؤمنيه.

نسبّحك أيها الربّ مع السماوات، ونهلّل لك مع سماء السماوات
وندعو ملائكتك المتيقّظين دائماً، لمشاركتنا في تسبيحنا والتهليل لك
نسبّحك يا رب مع الأرض، ونهلّل لك مع عناصر الكون كلّها
نبكّر فندعوها لتقوم من غفوتها، وتشاركنا في التسبيح والتهليل.

نسبّحك يا ربّ مع الكنيسة كلّها، في الشرق والغرب والشمال والجنوب
نسبّحك مع إخوتنا واخواتنا، وجميع المؤمنين بك
ونضمّ أصواتهم إلى أصواتنا، فننشد لك هذا المزمور الصباحي
سبحوا الربّ في السماء، سبحوه في الأرض، سبحوه أيها المؤمنون
ليكن التسبيح في أفواهنا، فلا ينقطع تهليلنا النهار كلّه يا ربّ.

هلّلوا للربّ من السماوات، هلّلوا له في الأعالي
هلّلوا له يا جميع ملائكته، هلّلوا له يا جميع جنده
هلّلي له إيتها الشمس والقمر، هلّلي له يا جميع كواكب النور
هلّلي له يا سماء السماوات، يا مياهاً فوق السماوات.

سبع مرات يهلّلون لك، يهلّلون ولا يهدأون
سبع مرات يسبّحونك يا ربّ، يسبّحونك ولا يسكتون
يهلّلون لك يا ربّ من السماوات فتصل أصواتهم إلى الأرض
يتجمّعون صفوفاً ورايات ويُسمعون صوت تسابيحهم.

يهلّل لك كل الساكنين في الأعالي، فهم خدم لك وحشم
يهلّل لك جميع الملائكة وقد حمّلتهم رسالتك إلى البشر
يهلّل لك جميع جندك، يصنعون إرادتك ولا يتردّدون.

تشرق الشمس فترفع إليك المجد، ويرسل القمر ضياءه فيقدّم لك التسبيح
تطلّ الشمس كعروس من خدرها، وبأمرك تدور فلا يستتر شيء عن حرّها
ويبدو القمر بأشكاله المتعددة، فيحدّد لنا الشهور والأعياد والمواسم
لا فم للشمس به تسبّحك، ولا لسان للقمر به يهلّل لك
بشروقها تنطق الشمس بمجدك، وبضيائه يخبر القمر بما عملت يداك
فالمجد لك يا ربّ، المجد لك.

والكواكب الجميلة بنورها، أنه أجمل منها يا ربّ
والكواكب التي لا عدَّ لها، أنت تحصيها لنا يا ربّ، وتأمرها فترسل إلينا الضياء
السماء التي نراها تنشد لك، بل طبقات السماء كلها
سماء السماوات، حتى أعلى السماوات، ترتّل لك
والمياه التي جعلتها قربك في السماوات، ترسلها مطراً وبركة ساعة تشاء
فما أعظم أعمالك يا ربّ، صنعتها كلها بالحكمة.

لتهلّل هذه كلها لاسم الرب، فهو الذي خلقها بأمره
ثبتَّها إلى الأبد، وأقام لها حداً فلا تعبره.

جميلة هي الأعالي ولكنك أنت أجمل منها
عظيمة هي السماء، ولكن عظمتك لا حدّ لها
بهية هي الكواكب بأنوارها، ولكن نورك لا ظلام فيه
نفتخر بالشمس والقمر، بل نفتخر بك أنت يا خالق الشمس والقمر.

في الماضي، نظر الناس إلى خلائقك، ولكنهم لم ينظروا إليك يا خالقها
في الماضي، تأمّلوا في مصنوعاتك، ولكنهم لم يصلوا إلى من صنعها
لم يصلوا إليك أيها الربّ الإله.
في الماضي، خُلب الناس بجمال النجوم، فعبدوها
يا ليتهم تعرّفوا إليك أنت، يا مبدأ كل جمال
في الماضي عبد الناس الشمس والقمر لأنها تسود العالم
ونسوا أنك أنت سيّد الشمس والقمر.

واليوم يا ربّ، علماؤنا عرفوا تكوين الشمس والقمر ودرسوا أبعاد النجوم
واليوم يا ربّ، صعد علماؤنا إلى القمر، وهم يستعدون للسفر إلى سائر الكواكب
دُهشوا أمام عظمة الكون، وأعجبوا بجمال المخلوقات وحسنها
ولكنهم ظلّوا حمقى، لأنهم لم يميزوا الخالق من مخلوقاته
ولكنهم ظلّوا جهالاً، لأنهم لو تعرّفوا إليك لما أنكر بعضُهم وجودك يا الله.

السماوات تنطق بمجدك، والذين يمجدونك اليوم قليلون بالنسبة إلى البشريّة جمعاء
الكواكب تخبر بمجدك، والذين يشكرونك اليوم أين هم؟
عرفت الخليقة أنك خالقها ولكن كثيراً من الناس تائهون
والظلام يلفّ قلوبهم مع أنك حاضر في العالم أنت يا نور العالم.

عرف الثور قانيه والحمار معلف صاحبه، ولكن شعبك لا يعرف ولا يفهم
عبدوا في الماضي الشمس والقمر والكواكب، واليوم ماذا يعبدون؟
إلهتهم بطنهم، وهمّهم في أمور الأرض
فصفحاً يا ربّ عمّا فعلنا، وغفراناً لأننا حمقى لا نفهم، وجهالاً لا نعرف ما نعمل.

هلّلي للرب من الأرض أيها التنانين وكل اللجج
النار والبردَ، الثلج والضباب، الريم العاصفة العاملة بكلمته
الجبال وجميع التلال، الشجر المثمر وجميع الأرز
الوحوش وجميع البهائم، الطيور المجنّحة وكل ما يدب على الأرض.

كل الخليقة مدعوة لتسبيحك، وجميع ما خلقت آتٍ للتهليل لك يا رب
كل خليقة في السماء، كل خليقة على الأرض، والأرض انعكاس لوجه السماء
السماء بقبّتها لا تسعك والأرض موطىء لقدميك
وكما خلقت بأمرك كل شيء في السماء، وثبّته إلى الأبد، كذلك فعلت على الأرض
وكما جعلت نظاماً لما صنعت في السماء كذلك جعلت حداً لكل خليقة على الأرض فلا تتجاوزه
فالمجد لك يا الله، المجد لك.

قوى الأرض وما تحت الأرض تسبّحك وتهلّل لك
التنين العظيم الذي يخاف منه الانسان، ولجة المياه السفلى التي تحمل الموت
النار المحرقة والبرد المتلف، الثلج بقرّه والضباب بأخطاره
كل هذه تسبحك وتهلّل لك يا الله.

الجبال بكبريائها تخضع لك، والتلال تنحني طائعة لك
الشجر كله بما فيه الأرز المتشامخ، يمجّدك باخضراره وأثماره
الرياح العاصفة وهي تحمل ما تحمل من شرّ للبشر، صارت بيدك أداة طيّعة تعمل بكلمتك
النار والبرد وكل قوى الشر، حوّلتها فصارت أنشودة مديح لك
فالشكر لك يا ربّ، الشكر لك.

أنت يا من خلقت وحوش البرية، إليك تصرخ وحوش البرية ملتمسة طعامها منك يا الله
أنت يا من خلقت البهائم إليك تهتف شاكرة يا رب لأنك تنبت لها الكلأ
أنت جعلت الأشجار مسكناً للعصافير، ولك تغرّد العصافير من بين الاغصان
أنت فجّرت العيون في الشعاب، إليك ينظر كل حيوان عندما يطفىء ظمأه
ما أعظم أعمالك يا ربّ، صنعتها كلها بالحكمة.

يا ملوك الأرض وجميع الأمم، الرؤساء وجميع حكام الأرض
الشبان والصبيان جميعاً، الشيوخ مع الفتيان
هلّلوا كلكم لاسم الربّ، فاسمه وحده تعالى، وجلاله فوق الأرض والسماوات
رفع رأس شعبه، هلّلوا له يا جميع أتقيائه، هلّلوا له يا بني إسرائيل
هلّلوا للربّ أيها الشعب القريب منه.

يوم خلقت السماوات والأرض، نظرت فرأيت أن ما خلقته كان حسناً
ولكن يوم خلقت الإنسان، نظرت فرأيت ما خلقته، فإذا هو حسن جداً
خلقت الكون بكلمة من فمك، وخلقت الانسان على صورتك ومثالك
أعطيته نفساً خالدة، وقلباً يحبّ، وفماً يتكلّم، ولساناً يُشيد بمجدك
جعلته سيّد الخلائق باسمك، وحمّلته تجيد الخلائق لك
لهذا نحن ساجدون أمامك، نرفع إليك تسبيح الخلائق وتهليلها.

الملوك وجماعة الناس العاديين، الكبار والصغار، الرؤساء والمرؤوسون
الشبان والصبايا، الشيوخ والفتيان
البشرية كلها مدعوة للتسبيح والتهليل، وأعظم شرف لها أن تقوم بهذا العمل
كلنا نهلل لاسمك يا رب، فأنت خلقت كل شيء، وما زلت تحفظه في الوجود
كلنا نهلّل لاسمك يا رب، لأن اسمك قدوس، وله يحقّ كل التهليل
كلنا نهلّل لاسمك يا ربّ، وجلالك فوق الارض والسماوات.

شعبك يسبّحك يا ربّ، أنت رفعته من الذل
شعبك يسبّحك يا ربّ، أنت قوّيته وأعدت إليه الاعتبار
شعبك يسبّحك يا ربّ، أنت ثبّته على صخرة الأمان.

أتقياؤك يسبّحونك يا ربّ، ما زالوا يعيشون في مخافتك مهما كانت الظروف
بنو إسرائيل شعبك الجديد يهللون لك، وهم ينتظرون منك كل بركة
شعبك يهلّل لك فأنت قريب منه وهو قريب إليك
فما أعظم حنانك وعطفك يا ربّ.

نحن شعبك المجتمع حولك يرفع لك آي المجد يا رب
نسبّحك مع أهل الأرض وأهل السماء، نفحتهم بروحك فشاركونا في التسبيح
ونُشرك تسبيحنا مع تسبيح ابنك يسوع الذي حدّثنا عنك.
أنت تشرق شمسك وتنزل غيثك، أنت تهتمّ بزنبق الحقل وطير السماء
ونحن أبناءك تهتم بنا قبل أن نسألك، تهتم بنا فلا تسقط شعرة من رؤوسنا دون إرادتك
ونحن أبناءك نستعد لننشد تسبحةً تبدأ اليوم ولا تزول حتى الانتهاء
نهلّل لك مع كل الخلائق أنت يا من بك يليق الحمد والاكرام والمجد والعزة أبد الدهور. آمين.

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM