هللويا، أحمد الرب بكلل قلبي

هللويا، أحمد الرب بكلل قلبي

يشكل مز 111 ومز 112 وحدة تبدأ مجموعة الهلل المصري (مز 113- 118). أيكون الأول مديحاً والثاني حكمة. بل هما درفتان في عمل ليتورجيّ واحد، يعالج التزام العهد من قبل الله ثمّ من قبل الانسان.
نجد في مز 111 تصميماً دقيقاً: بعد تقديم عمل الله الملوكيّ (آ 1- 3)، يتحدّث المرتّل عن العهد (آ 4- 8) وعن استمراريّة التزام الله (آ 7- 9 ب)، مع الواجب المطلوب من الانسان لاستقبال نداء الله (آ 9 ج- 10).
ونبدأ بعمل الله الملوكيّ. يعترف المرتّل في مجلس المستقيمين، فيتميّز اعترافه عن أفعال الشكر التي فيها يروي ذاك الذي نعم بتدخّل الله، وما يتوجّب عليه للربّ. ويلاحظ المصلّي عملاً ملوكياً، عملاً يشّع بهاء وجلالاً، عملاً ينطبع بعدالة أبديّة.
أما بداية أعمال الله فهي عهده. أجل، إن الله يريدنا أن نتذكّر على الدوام أعماله. ولكن أي أعمال؟ تدخّل الله في التاريخ. فإله الخروج اهتمّ بشعبه وأمّن له الطعام والشراب. أمّن له بعد ذلك ميراثاً وسط الشعوب.
غير أننا لسنا أمام عمل معزول لا يتكرّر. فعمل الله ينبثق من التزام ثابت يُشرف على الأزمنة. إن تحرير الشعب الذي تدشّن في الخروج، يبقى مشروعاً يتكرّر يوماً بعد يوم. وقوى التاريخ المعادية لن توقف مسيرته. فهذا العمل الجاري يجد أصوله في قرار ربّ الأكوان الذي عقد مع شعبه عهداً أبدياً.
كيف نستقبل هذا العهد؟ فقداسة الله الرهيبة هي ختم موضوع على عمله. كيف "يقف" الانسان أمام هذه القداسة؟ يخاف ذلك "الملك". يخضع له. هذا هو مبدأ كل حكمة. يبدأ المؤمن فيمتدح عمل الله. ولكن يستعدّ لأن يشارك في هذا العمل بعد أن اختاره الله ليشاركه في عمل الخلق والخلاص.

أنشدناك أيها المسيح الملك الجالس عن يمين الآب
بعد أن تغلّبت على أعدائك وأولهم الموت
أنشدناك أيها المسيح يا من أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكيصادق
نحن شعبك نلتفّ حولك كالجنود حول قائدهم.
ننتظر كلمة من فمك أو إشارة من يدك
نسير وراءك فتقودنا إلى الجبل المقدس ويرتفع رأسنا بك.
نتطلّع إليك أيها الكلمة المتجسد، وننظر إلى انتصارك الباهر
أعمالك كلها جلال وبهاء، واسمك قدوس ومرهوب
وثمرة أعمالك عهد جديد أبدي، تقطعه باسمنا فتربطنا بالله رباطاً لا يحلّ إلى الأبد
فشكراً لك يا يسوع المسيح، يا من أرسلك الآب فداء لشعبه.

مديحنا يرتفع إليك أيها المسيح العجيب
يا من تحمل في شخصك كل المعجزات والعجائب
مديحنا يرتفع إلى الله الآب الذي أرسلك من أجل خلاصنا
مديحنا يرتفع إلى الروح القدس الذي يعطينا فهماً ووعياً لقصد الله العجيب
وشكرنا يصل إليك أيها الثالوث
فأنت تكشف لنا عظمة الحبّ حتى في الامور البشريّة التافهة
لهذا نعدك بأن نوجّه إرادتنا إليك ونطلبك بمحبة وشوق
فأنت وجّه إرادتنا وأشواقنا وعواطف قلبنا.

هللويا.
احمد الربّ بكل قلبي في مجلس المستقيمين وفي الجماعة
أعمال الرب عظيمة، ودرس لكل من يسرّ بها
عمله جليل بهيّ، وعدله دائم إلى الأبد.

أحمدك يا رب بكل قلبي، والحمد أرفع مظاهر الحب
أحمدك، والحمد يجتمع فيه الايمان والرجاء والمحبّة
أحمدك، ففي الحمد تجد حياتي أنا المؤمن كل عظمتها وكامل معناها
ولكنّي أحس بضعفي حين أكون وحدي،
لذلك أدعو الجماعة لتشاركني في عمل المديح هذا.

الصمت والسكوت مهمان، ولكننا مقصّرون إن لم نرفع إليك آيات الحمد
ولهذا نأتي إليك، إلى هيكلك، نأتي مع جماعة المستقيمين والاتقياء
نجتمع معاً للصلاة والتأمل، نردّد كلمات الشريعة، وننهي بالانشاد لك
فنقول لك في كلام كله حرارة وتقدير: نحن فرحون بك، نحن مسرورون بأعمالك
فما أعظمك يا ربّ وما أعظم أعمالك.
موضوع شكرنا وحمدنا، أعمالك العجيبة يا ربّ
عملت فأظهرت مراحمك، فعلت فبيّنت اهتمامك بالبشر
خلقت، فما أعجب ما خلقت، وكلى هذا من أجل خير الانسان
أيها الربّ ربنا، ما أعظم اسمك في كل الأرض، وما أعظم صلاحك
وخلّصت، فما أعجب خلاصك في شعبك تجدّده يوماً بعد يوم.

نعبّر لك عن فرحتنا لما فعلت في الماضي، ونثبّت أنظارنا على ينبوع الفرح هذا
نفرح حين تكشف لنا بهاءك الملوكي وأمانتك للعهد في كل ما تعمله لأجلنا
وعندما نتذكّر الماضي، لا نريد أن نعود بالذكرى إلى أمور حدثت في الماضي وزالت
بل نريد أن نجعل الماضي حاضراً، نعيد إليه الحياة
نريد أن يتفتَّح ما بقي خفياً في الماضي ليظهر لنا ويُعلن.

لعجائبه ذكر على الدوام وهو حنون رحيم
يعطي أتقياءه طعاماً، ويذكر إلى الأبد عهده
أظهر قوّته لشعبه فأعطاهم أرض الامم.

وتذكّرُنا لخيراتك يا ربّ، يكون على قدر تذكرك لنا
وتذكّرنا لعطاياك، يكون موافقاً لعهد نحو شعبك، بل نحو جميع البشر
أنت تتذكّر ولا تنسى، أنت تعد ولا تتراجع، أنت الأمين الذي لا يخون
أما جوابنا فاعتراف بك وبجميلك، ووعد بحفظ وصاياك لا نخلّ به.

نذكر عجائبك على الدوام، أيها الاله الحنون الرحيم
إذا كنت أعطيت شعبك في القديم المنّ والسلوى طعاماً
فقد أعطيتنا نحن جسد ابنك مأكلاً، ودمه مشرباً
إذا كنت وهبت لهم شريعة كتبتها بيدك، وهجيّتها بحروف من عندك
فقد أعطيتنا ابنك، فأعطيتنا به كل شيء.
أعطيتنا كلمتك، فقلت لنا بها كل شيء.

عهدك مع شعبك القديم دام ما دام الزمان
ولكن حين جاء ملء الزمان، أعطيتنا عهداً جديداً
قوّتك ظهرت في عالم الطبيعة، فسخّرت لشعبك البحر والنهر والجبل والصحراء
قوّتك ظهرت في التاريخ، فأعطت شعبك أرضاً يعبدك فيها
أما قوتك معنا فعظيمة ولا تدانيها قوة لأنك جعلتنا نتغلّب على الشرّ والموت والخطيئة.
فماذا نطلب منك بعد هذا يا الله؟

أعمال يديه حق وإنصاف، وأوامره كلها أمينة
تبقى راسخة مدى الدهر، وقوامها الأمانة والاستقامة
أرسل الفداء لشعبه، وعاهدهم عهداً أبدياً. قدّوس ومرهوب اسمه.

أتأمل فيك أيها الربّ، وأريد أن أقول فرحتي بك
أدعوك الحنون، أنت يا من تعطف علينا وترأف بنا
وأدعوك الرحوم، والرحمة أجمل صفاتك يا من احشاؤك كأحشاء أم.
أنت القدوس البعيد عن البشر، لأنك لست من عالم البشر، مع أنك أحببت أن تكون قريباً منهم
أنت المرهوب، أنت النار المحرقة، أنت العاصفة المدمّرة
أنت الماء الحي، والنسيم الهادىء، والنور المضيء.

أنت العظمة بالذات، وأعمالك بيننا تدلّ على عظمتك، وعجائبك تُذكَر على الدوام
أنت الجلال والبهاء، بل أمامك يسير الجلال والبهاء، فيهيّىء الدرب لك
أنت العدل والانصاف، تحنو على المساكين فتعينهم والمتضايقين فتريحهم
أنت الأمانة، وأوامرك أمينة، ووصاياك راسخة
وأنت الاستقامة التي لا تغشّ ولا تغشّ، لأنك الحقّ بالذات.

وأنت العطاء يا ربّ العطاء
أعطيت شعبك شريعتك على جبل سيناء.
فجاءت فرائضها دستوراً للإيمان الديني الحقيقي والسلوك الأدبي الكامل
شريعتك كاملة، فرائضك صادقة، أوامرك مستقيمة، وصيّتك صافية
بها نجد انتعاشاً للنفس، وتعقلاً وفرحاً للقلب، وإنارة للعيون.

وما تزال تعطي أوامرك ووصاياك، ليحيا بها شعبك، ليحيا بها جميع الناس
أوامرك طريق ترسمه لنا، ووصاياك نور تجعله على دروبنا
فمن ذكر أوامرك وعمل بها، عرف الرحمة من لدنك والاحسان
أنت أوصيت بأوامرك، كي تحُفظ حفظاً كاملاً، فساعدني على حفظها
أنت زجرت المتكبرّين الذين ضلّوا بعيداً عن وصاياك، فلا تسمح أن أكون منهم.

وأعطيت الفداء لشعبك، وأنقذته من العبودية والأسر
فديته مع موسى من مصر، ومع يشوع في أرض كنعان، وخلّصته من سبي بابل
ولكن هذا الفداء كان صورة عن فداء أهمّ، لأن شعبك أحبّ العبوديّة دوماً
أحبّ عبودية الاصنام والآلهة الكاذبة، اتّبع شهوات الأمم الخاطئة
أراد التخلص منك، فجعل نفسه عبداً للبشر، ففديته وأعدته إليك
وقلت له: أكون لكم إلهاً، وتكونون لي شعباً.

وهذا الفداء ما زال حاضراً اليوم، بعد أن صار فادينا يسوع المسيح
فدانا بميلاده وعماده، فدانا بحياته وموته، بصومه وصلبه، بآلامه وقيامته
إنتظر الناس طويلاً إلى أن تفقدتهم يا ربّ، وأرسلت إليهم الفداء الذي بيسوع المسيح
والخليقة كلها تئنّ اليوم، ونحن نئنّ معها، منتظرين افتداء أجسادنا
ولكن لن نطلب بعد اليوم شيئاً، بعد أن صار المسيح يسوع حكمتنا وبرّنا وقداستنا وفداءنا
بعد أن حصلنا على الفداء بدم يسوع، بعد أن حصلنا على غفران الخطايا على مقدار غنى نعمنك يا ربّ.

رأس الحكمة مخافة الربّ
والعاقل من يعمل بوصاياك. هللويا إلى الابد.

رأس الحكمة، أولها وبدايتها، وأقل شيء فيها، هي مخافتك يا الله
المخافة بداية الحكمة، المخافة شرط ضروري للحكمة
ومخافتنا ليست خوفاً من قصاص، بل هي مخافة مليئة بالاحترام والإجلال
مخافتنا وقفة أمام ملك نحبّه ونستهيبه
مخافتنا وقفة أمامك يا الله فنفهم معنى أعمالك والمتطلبات التي تفرضها
علينا لنجيب بالحب إلى الحبّ.

رأس الحكمة قمة الحكمة، ومخافتك هي أرفع ما في الحكمة
فالحكمة البشرية حين ترتفع تصل إلى مخافتك يا ربّ
والحكمة ليست نظريات وتفكيراً مجرداً
الحكمة سلوك يوجّهه الشعور بتسامي أوامرك يا الله

رأس الحكمة يحمل في طياته كل الحكمة، ويُجمل محتوياتها
وكل الحكمة تتلخّص في مخافتك أيها الربّ الاله
مخافة طاهرة تعرف أنك مرهوب وقدوس، ولكنك حنان ورحمة
ولكنها مخافة تبتعد عن اللامبالاة والوقاحة، وتهتمّ لئلا تجرح محبّتك.

مخافتنا يا ربّ عاطفة دينيّة، فيها العبادة والسجود والطاعة
مخافتنا يا رب فيها الثقة والاتكال والحب وهي ترمينا بين يديك يا الله، كالولد على صدر أمه
مخافتنا خضوع لوصاياك يصل بنا إلى عالم الحب
مخافتنا تقوى لا تدوم فضيلةٌ بدونها
مخافتنا فضيلة من الفضائل، بل الفضيلة التي تقوم بها سائر الفضائل.

كل هذا الكلام يدعونا إلى أن نمدحك، أيها الربّ الإله، مع ابنك يسوع
عدلك يدوم إلى الابد، ونشيدنا لن يتوقّف حتى في الأبدية
أوامرك راسخة مدى الدهر، ونحن نُظهر عن حكمة وفهم إن عملنا بها
عهدك عهد أبديّ بعد أن عاهدتنا بابنك يسوع عهداً لا رجوع عنه.

قرباننا عهد يتجدد وكلام يتردّد فنتأمل فيه
في قداسنا تعطينا يا يسوع كلامك فيكون لنا حياة إلى الابد
في قداسنا تطعم اتقياءك طعاماً وتذكرهم فلا تنساهم
في قداسنا نرى أعمالك وعظائمك
في قداسنا نعيش فداءك فابقَ معنا يا رب من الآن وإلى الابد

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM