طوبى للرجل

طوبى للرجل

لا عنوان للمزمور الأول في العبريّة. فهو لا ينتمي إلى مجموعة أولانيّة. لهذا يرى فيه الشرّاح توطئة إلى سفر المزامير كله. نصّه قريب من إر 17: 5- 8: "ملعون من يتوكّل على الإنسان ويجعل البشر سنداً له ويصرف قلبه عن الرب... مبارك من يحتمي بالربّ ويجعل الرب مأمناً له فيكون كشجرة مغروسة على المياه، وعند النهر تمدّ جذورها. لا ترى الحرّ إذا أقبل، بل يبقى ورقها أخضر. وفي سنة القحط لا تخاف، ولا تكفّ عن الإثمار".
"طوبى". هذا لا يعني أن "الويل" سيأتي كما في جا 10: 16-17 (ويل للبلاد، هنيئاً للبلاد). هي عبارة تحيّة ستصبح درساً وعبرة للمؤمن نجدها في عالم الليتورجيا (20 مرة في المزامير) كما نجدها في الأدب الحكمي (8 مرات في أم).
يهنّىء المرتل البار لأنه تجنّب معاشرة الأشرار. وهكذا يتّجه البار بشكل سلبي: يرفض أن يدخل في لعبة الأشرار. هكذا تحدّث أم 1: 10- 19؛ 4: 14- 19 عن الحكيم. وقال المرتّل نفسه في 36: 4: "لا أجالس المنافقين، ومع الماكرين لا أدخل". يرفض المؤمن التعامل مع الشرير، لا يتبعه، لا يجلس معه، لا يلتزم التزامه.
الشرير هو الذي لا شريعة له، وهو يقابل البار. بعد ذلك يأتي الخاطىء الواعي لخطيئته والمتصلّب فيها (عا 9: 10). أما الاستهزاء فهو انغماس في الشرّ لا تراجع فيه. ويتوقّف الكاتب عند دافعين: الأول، يتأمل الانسان في الشريعة فيكون له النجاح. أما رفض الشريعة فيقود إلى الفشل. والدافع الثاني، يعطي السبب العميق لنجاح الأبرار وفشل الأشرار. فالمتعلق بالشريعة جعل طريقه بين يدي الربّ، والربّ يعرفها ويصونها. أما الشرير فيرفض كل ارتباط بالله. فيسير في طريق تقوده إلى الهلاك. هكذا يكون النجاح أكثر من أجر. إنه ثمرة ممارسة الشريعة ورفقة مع الله الذي يدعو الانسان إلى السعادة.

نودّ اليوم يا ربّ أن ندخل في صلاة المزامير
المزامير ردّدها شعبك في العهد القديم مرّات عديدة
وأبناء شعبك في العهد الجديد يتأملون فيها
يلهجون بها، فيثابرون على تلاوتها وإنشادها
يهذّون بها فيسردونها ويقرأونها ويعيدون قراءتها
هكذا تصبح وجهة من صلاتهم وقطعة من حياتهم.

نودّ اليوم يا ربّ أن نصلّي مع كل أتقيائك في العهد القديم والجديد
نودّ أن نتلو الكلمات التي يتلونها
ما أسعدنا يا رب عندما نحدّثك بالكلمات التي ألهمت بها الذين دوَّنوا الكتب المقدسة
ما أسعدنا يا رب عندما نسمع الكلمات التي سمعها المؤمنون فترنّ في آذاننا وتدعونا إليك
ما أسعدنا يا رب عندما نفهم كلماتك ونحفظها في قلوبنا بل في حياتنا وأعمالنا.
كلامك نور وحياة، كلامك نور يضيء دربنا، وحياة تنفحنا بالحياة الجديدة
وما نتلوه اليوم من كلامك يدلّنا على طريق الخير وينبّهنا إلى طريق الشر
يحذرّنا من سبيل الأشرار والخطأة، ويدعونا إلى سبيل الأبرار والصالحين
فإن سرنا في سبيل الشرّ، كانت حياتنا إلى الضياع والفناء والموت
وإن سلكنا طريق الخير، كنا شجرة مغروسة على مجاري المياه ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل
فيا لهناء الأبرار. والويل ثم الويل للأشرار، عندما يأتي يوم الدين.

طوبى لمن لا يسلك في مشورة الأشرار،
وفي طريق الخاطئين لا يقف،
وفي مجلس المستهزئين لا يجلس.

حياتنا طريق، تقول لنا يا رب. حياتنا سفر، تخبرنا يا رب
طريقنا لها هدف وسفرتنا لها نهاية
إن سرنا في طريق الخاطئين، كان لنا الموت والشقاء
إن سرنا في طريقك يا رب، وحفظنا وصاياك وفرائضك، كانت لنا البركة من لدنك
وإن زاغ قلبنا فمال عنك وما سمعنا لكلامك، كانت لنا اللعنة والهلاك.

هنيئاً لنا إن عرفنا طريقك كما نقرأ عنها في الكتب المقدسة
هنيئاً لنا إن سرنا على دربك وعيوننا مربوطة بإرادتك الالهيّة
هنيئاً لنا حين نعرف ما تطلب منا: الحقّ والرحمة والتواضع والمحبّة
هنيئاً لنا إن كنا أبناء لعهد قطعته معنا، أوفياء لكلمة تربطنا بك
ستعاملنا كما يعامل الانسان ابنه، وتشرق علينا، أنت يا شمس البر، فنتلألأ بنورك وضيائك
ستجعل منا شعبك المكرّس لك، وتحفظنا ليوم الخلاص.

ولكن الويل لنا إن تصرّفنا كالأشرار وقلنا لك: أبعد عنا، فنحن لا نبتغي معرفة طرقك
الويل لنا إن سرنا بحسب مشورتهم ومشينا مشيتهم فسنهلك هلاكاً
الويل لنا إن توقّفنا مع الخطأة، واستمعنا إلى اقوالهم، وسلكنا سلوكهم
الويل لنا إن نسينا أن لا علاقة بين البرّ والاثم، بين النور والظلمة، بين المسيح والشيطان
الويل لنا إن نسينا أن لا شركة بين المؤمن والكافر.

أجل، الويل لنا إن نحن جالسنا الذين يحسبون أنهم يستغنون عنك في حياتهم يا الله
الويل لنا إن نحن ظلمنا المساكين، وسحقنا الضعفاء، فصرنا من الأغنياء والأقوياء
الويل لنا إن صاحبنا الخبثاء والساخرين، المتكلّمين بتشامخ، الناظرين باحتقار
الويل لنا إن رافقنا القائلين: كيف يكون الله عالما وهل من علم للعلي حتى يقضي لشعبه بالانصاف؟
الويل لنا إن كنا من الجهلة الذين يُعلنون بحياتهم أن لا وجود لك يا الله.

طوبى للرجل الذي في شريعة الرب مسرّته
وبها يلهج نهارا وليلا.

نحن يا رب لا نعرف سعادتنا، ونحسب أن الخطأة الناجحين أسعد منا
نحن نحسب أننا في شقاء، وننسى أن في يدنا مفتاح السعادة
هل تزول سعادتنا إن نظر الناس الينا نظرة شفقة واحتقار؟
الحماقة منك يا الله اكثر حكمة من الناس، فما تكون حكمتك؟
الضعف منك يا الله أقوى من الناس، فما تكون قوّتك؟
كيف نتجاهل الغنى الذي اعطيناه في يسوع المسيح فما عاد يعوزنا شيء من الهبات؟

أنت تباركنا يا رب فتمنحنا السعادة الحقّة
أنت. تباركنا يا رب فتعطينا مواهبك منذ الآن وتعدنا بما لا يخطر على قلب بشر
أنت تباركنا فتعطينا شريعتك وهي تنير دربنا إليك
أنت تباركنا فنجد مسرّتنا في شريعتك نردّدها نهاراً وليلاً
مبارك أنت يا ربّ، علّمني رسومك ووصاياك، علمني أن أحفظ أوامرك.

فيكون كشجرة مغروسة على مجاري المياه
تعطي ثمرها في اوانه،
وورقها لا يذبل
ويكون كل ما يعمله صالحاً.

هنيئاً للرجل البار الذي تشمله بعطفك ورضاك
أنت تضع فيه الحياة كشجرة مغروسة على مجاري المياه
أنت تجعل فيه الخصب فيعطي الثمار الكثيرة
أنت تمنحه النضارة والحسن فلا يذبل ورقة.

غُرسنا يا رب في أرضك، في هيكلك، في موضع نعيمك
غُرسنا يا ربّ حيث تقيم، وثبتنا بك كما تثبت الأغصان في الكرمة
إن كنا أغصاناً حيّة فنحن نعطي الثمار وتدوم ثمارنا
وهكذا يتمجّد اسمك ونكون لك تلاميذ.

ولكن التجربة تراودنا يا ربّ: هل طريقك يقود إلى السعادة؟
كلامك جميل وشريعتك كاملة ووصاياك نقية،
ولكن هذا لا يكفينا ونحن نريد أن نعبد ربين، أن نأخذ بوصاياك ولا نترك أقوال الناس
نحن نتناول من كلامك ما يروق لنا، ونحفظ من شرائعك ما لا يهدّد مصالحنا
فنصبح حينذاك شجرة جوفاء لا ماوية فيها، أو ورقة صفراء تتقاذفها الرياح
نجّنا اللهم من هذا التخاذل وأفهمنا أن من ليس معك بكليّته فهو ضدك ومن لا يجمع معك فهو يبدّد.

وما هكذا هم الاشرار
بل كعاصفة تذرّيها الريح
لا يثبتون يوم الدينونة
ولا الخاطئون في جماعة الابرار.
الرب يصون طريق الأبرار
أما طريق الأشرار فإلى الهلاك.

البار ثابت يستقرّ فيك يا رب والشرير لا جذور له
إذا كانت حياة البار من حباتك، فموت الشرير أكيد لأنه انقطع عنك
الانسان وحده كالعشب أو كزهر الحقل، تهبّ عليه ريح فيختفي ولا يُعرف موضعه من بعد
أما الانسان العائش برحمتك الحافظ عهدك، فأنت تؤيّده فلا يتزعزع
أنت تأخذه بيمينك، وتهديه بمشورتك، ومن بعد تأخذه إلى مجدك.

الأشرار يبيدون يا ربّ فلا يكونون من بعد
الخطأة لا يقفون مع الأبرار الذين عن اليمين وهم المباركون المحبوبون
الخطأة هم على اليسار، هم الملاعين الذاهبون إلى النار الأبديّة
في يوم الدينونة يقف الأبرار مرفوعي الرأس
أما الأشرار فتنكَّس رؤوسهم خجلاً بعد أن ضاعوا ولم يعرفوا طريقك.

نحن اخترناك يا رب، فكان لنا ملء السعادة والفرح يوم وجدناك
نحن اخترنا طريقك يا رب وأنت تصوننا وتحفظنا فلا تدعنا نزلّ
نحن اخترنا وصاياك نعمل بها وأنت تعطينا السلام الذي يعرفه محبّوك.

شريعتك شريعة محبّة ونحن نلتزم بها
شريعتك شريعة محبّة، وأنا فيها راغب من صميم أحشائي
شريعتك شريعة محبة وأنا أهوى وصاياك كما العروس عريسها
شريعتك شريعة محبة، وأنا أتأمل فيها لأكتشف ما تخبئه من غنى
شريعتك كنز مخفى في حقل، ولؤلؤة ثمينة، ولأجلها نضحّي بكلّ شيء.

طوبى للرجل، ما أسعده وما أهنأه إن سار في الطريق الذي تختاره له
طوباه لأنه مبارك ببركتك، طوباه لأنه مجذّر في حبّك
طوباه لأنه ترك الحكمة البشريّة وحسابات الناس
طوباه لأنه أخذ بجهالة الصليب، فكان الصليب طريقه إلى المجد والقيامة.

ونحن نتطلّع اليك يا يسوع أنت أيها البار القدّوس وحدك
وننظر إلى صليبك الذي صار شجرة الحياة الحاملة الثمار الدائمة
ونتأمل في مجاري المياه فنتذكر أنها الماء الحيّ أي الروح الذي اعطيناه
ونقيم في مجلس الأبرار
نقيم في كنيستك التي أوراقها لا تذبل وثمار القداسة فيها دائمة

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM