رنّموا للرب أيها الصديقون

رنّموا للرب أيها الصديقون

مزمور بدون عنوان. يتميّز بهتافاته التقيّة: "هنيئاً لأمة إلهها الرب، لشعب اختاره ميراثاً له" (آ 12). "يتصوّر ما في قلوبهم، ويتبيّن أعمالهم كلها" (آ 15). مزمور هو توسّع لما نقرأه في 32: 11: "إفرحوا بالرب وابتهجوا أيها الصديقون، ورنّموا يا جميع مستقيمي القلوب".
في هذا المزمور الأبجدي (22 آية، عدد الأبجديّة العبرانيّة، الآية الأولى تبدأ بالألف، والثانية بالباء...) تلعب كلمة الرب الدور الذي نُسب إلى الحكمة. فهي تلهم الرب في مخطّطه في الكون وفي التاريخ. بعد نداء إلى النشيد (رنمّوا للرب)، تأتي الدوافع: كلام الرب مستقيم. وفي النهاية، نجد كلام الثقة بالله: نفوسنا تنتظر الرب، به تفرح قلوبنا. والنداء الختامي يعلن: فلتكن يا ربّ رحمتك علينا على قدر ما رجوناك.
يدعو المرنّم الأبرار ليمدحوا الله فيتوافق مديحهم مع عود بعشرة أوتار. فكلمة الربّ مستقيمة، وهي تفعل. وعمله في الكون وفي التاريخ يدلّ على أمانته. وتأتي الدوافع في ثلاث حركات متعاقبة: عمل الخلق: بكلمته صُنعت السماوات. قال فكان كل شيء. الدينونة العادلة: يرى جميع البشر، يُراقب من موضع سكناه. إهتمام الله بالذين يخافونه.
لا تكتفي كلمة الله بأن تكون شرحاً للعلّة التي خلقت الكون. بل هي سبب وجوده. وهي تقودنا إلى مشروع فكّر الله به مطوّلاً، وسيحقّقه فلا يقف في وجهه عائق. ليس مخطّط الله كمخططات البشر التي تؤول إلى الفشل، ولكنه "يراقب" قبل أن يفعل.
والكلمة التي تفرض نفسها على التارك، تستطيع أن تكون ينبوع حياة للذين يسلّمون إلى الله أمر حمايتهم وإطعامهم. فلا الموت ولا الجوع يهدّدان خائفي الربّ. فهم وحدهم ينعمون بمواعيد العهد، لأنهم وضعوا رجاءهم في الربّ، لا في قواهم الخاصة. وهكذا لا يكون نظر الرب إليهم نظر سيّد مستبدّ، بل نظر أن عطوف يسهر على أبنائه ويكون لهم نصيراً وترساً.

رنّموا للرب أيها الصديقون، واهتفوا هتاف الفرح يا كلّ الأبرار
هللوا لله يا قديسون، فالتهليل أسمى عمل تقومون به في حياتكم
إحمدوا الرب، أنشدوا له، ولتصل أنغامكم إلى أعلى السماء.

هذه هي صلاتنا أمامك يا رب، نجمعها بصلاة المؤمنين في الأرض كلها
هذا هو دعاء شكرنا، هذه هي صرخة مديحنا نرفعها أمام جلالتك
أنت فرحنا وبهجتنا، أنت رجاؤنا وانتظارنا
أنت الرحيم لنا، والنصير لضعفنا وتعاستنا
إياك ندعو فاستجب دعاءنا، بك نستجير فلا تخيّب أملنا.

رنّموا للرب ايها الصديقون، يا مستقيمون، بكم يليق التهليل
إحمدوا الرب بالكنارة، وبعود من عشرة أوتار رتّلوا له
أنشدوا له نشيداً جديداً، وأحسنوا التنغيم مع الهتاف.

أنت تدعونا يا رب إلى الصلاة والترنيم، ونحن نريد أن نلبّي النداء
تدعونا لنشارك الأبرار والصديقين في ما يرفعون إليك من آيات الحمد
تدعونا لنكون مع المستقيمي القلوب، والمتواضعين، والودعاء،
تدعونا لكي نكون مع المحبّين للسلام
تدعونا إلى هيكلك المقدس، نحن شعبك وكنيستك،
تدعونا لنشاهد رحمتك وأعمالك العظيمة.

تدعونا فننشد لك نشيداً جديداً، ونحدّث في الأمم بمجدك
تدعونا فننشد لك نشيداً جديداً، ونبشّر من يوم إلى يوم بما صنعت من خلاص
تدعونا فننشد لك نشيداً جديداً، ونعلن قوّة ذراعك وعظمة عجائبك
تدعونا فننشد لك نشيداً جديداً، لأنك رب عظيم رهيب، وبك يليق التسبيح والإنشاد.

كل يوم نشيدنا جديد، لأن أعمالك جديدة لا عتق فيها، وأفعالك حاضرة لا ماضي لها
أنت يا من خلقت الكون منذ البدء، ما زلت تخلقه كل يوم، وتحيطه بعنايتك
أنت يا من قطعت عهداً مع آبائنا، ما زلت كل يوم تقطع عهداً معنا، وتثبّته في ابنك يسوع
أنت يا من خلّصت الإنسان من الشر والخطيئة والموت، ما زلت كل يوم توصل إلينا الخلاص
تتدخّل في التاريخ بطرق مختلفة، وكل مرة يدهشنا تدخلّك ويملأنا إعجاباً
فلن يكون لنا إلا أن ننشد لك نشيداً جديداً على هذه الأرض
بانتظار النشيد الجديد في أورشليم السماوية.

كلمة الرب مستقيمة، وكل أفعاله أمينة
يحب العدل والإنصاف، ومن رحمته تمتلىء الأرض
بكلمة الرب صُنعت السموات وبنسمة من فمه كل افلاكها
يكوّم مياه البحر كالتلّ، ويجعل الأعماق مستودعاً للغمر.
خافي الرب يا كلّ الأرض، استجيروا به يا أهل الدنيا
لأنه قال فكان كل شيء وأمر فثبّت كل موجود.

نتطلّع إليك يا رب، نتطلّع إلى كلمتك العاملة في الكون ومخرجة الخلائق من العدم
كلمتك خلاّقة، كلمتك منظّمة للوجود، كلمتك تحفظ كل شيء
كلمتك تعطي الحياة، كلمتك تهب الخلاص
فما أجلّ كلمتك يا الله!

أنت عظيم يا رب، وعظمتك تظهر للانسان عندما يرى ما تفعله في الكون
بواسطة كلمتك تصل إلى الانسان، فترفعه إليك، وترفع معه كل الخلائق
وكلمتك ليست لفظاً يمرّ على اللسان، أو إشارة مكتوبة على ورقة
كلمتك شخص حيّ. هي يسوع الذي صار جسداً وسكن فينا وبيننا
المجد لك يا رب، المجد لكلمتك التي تدلّ على أمانتك من أجل بني البشر.

كلمتك خلقت الأرض وكل ما فيها، كلمتك كوّنت السماوات وكل أفلاكها
هي صنعت البحر وغماره، وكوّنت مياهه كالتلّ، ليعبر فيه المخلَّصون
قلت كلمتك فكان كل شيء، أرسلت أمرك فثبت كل موجود
سبحانك أيها الرب الاله، وسبحان كلمتك يسوع المسيح.

تتفوّه بكلمة، فتكون السماوات، تُرسل نسمة من فمك فتبرز الافلاك
الارض تخافك وتخشاك، وسكان الدنيا يهابون اسمك ويستجيرون به
الخليقة تطيعك، والبحر يصير بين يديك حيواناُ داجناً، بل أداة خير
فما أعظم أعمالك يا رب، صنعتها كلها بالحكمة!

الرب يلغي مشورة الأمم، ويقاوم ما تنويه الشعوب
مشورته تثبت إلى الأبد، ونيات قلبه إلى مدى الأجيال
هنيئاً لأمة لها الرب، لشعب اختاره نصيباً له.

هكذا تظهر خطّتك يا رب، هكذا تقدّم لنا خلاصك
خطّتك حكيمة، وهي تقابل ما تريد أن تصنعه لأجل جميع البشر
خطّتك حكيمة وخفيّة، وقد هيّأتها لنا قبل الدهور من أجل مجدنا
أعطنا الحكمة الحقّة، فنتفهّم تدابيرك من أجلنا ونسلّم إليك أمرنا.

خطّتك في الكون، مشورتك في التاريخ، هي غير خطط البشر ونواياهم
يحسب الناس أنهم يديرون الكون، ولكنك أنت تحبط مساعيهم وتحطّم خططهم
وعبر ما يعمله الانسان وينويه، تتمّ مشورتك الصالحة أيها الرب الاله
أنت اخترتنا أمة لك، وجعلتنا نصيباً لك لا تتخلّى عنه
فهنيئاً لنا لأننا ملكك وخاصتك، ويا لسعادتنا بعد أن صرنا لك.

أنت تعامل الكون بحكمتك، وتتوجّه إلى شعبك بكلمتك
حكمتك تدلّ الانسان على طريق يسلُكه، وكلمتك تكشف لنا أبعاد تدبيرك
ظلّت خطّتك مكتومة طوال الدهور، ولكنك كشفتها لكنيستك
بل أعطيت لكنيستك أن تعرف تدبيرك السريّ، فدعوتها إلى الإيمان والتقرّب إليك
وكل هذا كان لنا بواسطة ربنا يسوع المسيح. فالشكر لك يا الله.

الرب ينظر من السماء فيرى جميع بني البشر
يراقب من موضع سكناه جميع المقيمين في الأرض
يتصوّر ما في قلوبهم، ويتبيّن أعمالهم كلها.

أنت حاضر في الكون ترتبط به بكلمتك الخلاقّة، فما أعظمك يا رب
أنت حاضر في التاريخ تحيطه بخطّتك وتدبيرك الخلاصي، فما أعجبك يا الله
أنت حاضر في قلب الأنسان ترافقه بعينيك ونظرك، فما أعظم رحمتك يا الله
أنت ترانا يا رب، ولا أحد يفلت من نظرك
تنظر إلينا لأنك تريد أن ترحمنا، تتطلّع إلينا لأنك تريد أن تهتمّ بنا
تنظر إلينا نظرة الأب والأم، لا نظرة من يبحث عن أخطائنا ليعاقبنا
تنظر إلى أعمالنا لترافقنا وتساعدنا، تنظر إلى نوايانا لتوجّهها شطر الخير
فعملّنا يا رب أن نستطيب نظرك، ولا نهرب منه يوماً كما فعل قايين.

الملك لا يخلص بكثرة جيشه، ولا الجبّار بعظم قوته
الخيل لا تقود إلى الخلاص وبشدة عزيمتها لا تنجّي
عين الرب على خائفيه، على الذين يرجون رحمته
لينقذ نفوسهم من الموت، ويبُقي على حياتهم في الجوع.

أنت تفعل، أنت تدبّر، أنت ترى، أنت تعرف. فما أعظم قدرتك يا الله
أما الإنسان فضعيف، وهو جاهل حين يحسب ضعفه قوة
ما قيمة الجيش والخيل، أي مكان لقوّة الإنسان ولجبروته
كل هذا باطل ولا يقف أمام قدرة الله، بل لا يفلت من جبروتك يا الله.

أما الضعفاء والمساكين، فما أهنأهم يا ربّ، وقد جعلوا فيك رجاءهم
أما الذين يخافونك ويهابون اسمك، فهم لا يخافون الجيوش وكل قوّة العدو
عينك عليهم وهي ترعاهم فهم مطمئنون لا يقلقهم أي شيء
إن جاء الخطر فهم لا يهابون الخطر.
هم اتكلوا عليك أنت يا حامي القطيع الصغير
إن جاء الجوع فهم لا يخشون الجوع.
هم ينظرون إليك يا من تطعم عصافير السماء
ينظرون إليك يا من تزيّن عشب الأرض بالجمال.

نفوسنا تنتظر الرب فهو نصير وترس لنا
به تفرح قلوبنا وعلى اسمه القدوس توكّلنا
فلتكن يا رب رحمتك علينا على قدر ما رجوناك.

يا إله العهد والرحمة، يا إله الحب والأمانة
إليك نرفع عيوننا نحن جماعتك، وإياك نرجو نحن كنيستك
نحن في الضيق، أنت تنصرنا. نحن في الخطر، أنت ترس لنا
بكلمتك نجد القدرة، وعلى اسمك القدوس نتوكل.

علاقتنا بك علاقة شخصيّة وحميمة، أين منها علاقة الصديق بصديقه والحبيب بحبيبه
علاقتنا بك علاقة معرفة، نحن الذين ندعو اسمك القدوس بإيمان، لأنك كشفته لنا
نحن خائفيك ولكننا لا نخافك خوف العبيد
بل خوفنا خوف المحبّ الذي يريد أن يتجنّب ما يغيظ حبيبه
نحن نتّقي اسمك، ولكننا بالأحرى نرجو محبّتك ونتوكّل على رحمتك
نحن أبناءك وهذا هو موضوع افتخارنا وهذا هو أساس الدّالة التي نكلّمك بها.

علاقتنا بك علاقة عميقة أيها الاله، يا من أنت ثالوث ممجّد
رغم خطايانا، نتوجّه إليك، ونرسل إليك مديحنا
أنت أيها الآب الضابط الكل الذي خلقت السماوات والارض
أنت أيها الابن الكلمة الذي بك خُلق كل شيء وبك ظهرت رحمة الله علينا
أنت أيها الروح النسمة التي رفّت على الكون وبداية الخلق فنفحته بالحياة.

نؤمن بك يا الله الآب ونعلن مع الكنيسة: ليتقدس إسمك
نؤمن بك يا الله الروح يا من تتمتم فينا: أبّا أيها الآب
نؤمن بك يا الله الكلمة ونحيا منتظرين مجيء ملكوتك
نسجد لك أيها الثالوث القدوس، وترغب أن تتم فينا مشيئتك على الأرض كما في السماء.

أيها الآب أنت تهب لنا الحياة، تهب لشعبك الخلاص، وتهيِّىء لمؤمنيك السعادة
أيها الابن، يا كلمة الآب الجوهريّة، يا كلمة حيّة ومحييّة، أنت عطية الآب لنا
أيها الروح، يا محبة الآب والابن، أنت تنقل إلينا قداسة الله وعطاءه
بك يهتف الأبرار ويرنّمون فرحهم بالثالوث الأقدس إلى دهر الداهرين

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM