القبض على يسوع

القبض على يسوع
18: 1- 11

قال يسوع: "من تطلبون"؟ أجابوا: "يسوع الناصري". فقال لهم: "أنا هو".
كيف بدت الآلام في إنجيل يوحنا؟
بعد متتالية خطبة الوداع الخاصة بيوحناً، عاد الإنجيل الرابع وللمرة الأولى فانضمّ إلى الأناجيل الإزائية في خبر الآلام والقيامة. إن أخبار الآلام هي أقدم ما في التقليد الإنجيلي: فلا نعجب إن احتفظ الإنجيليون كلهم بالأحداث عينها. فإن أخذنا مرقس مرجعاً نلاحظ أنه يشارك يوحنا في الحديث عن توقيف يسوع امام البستان، عن محاكمة يسوع أمام رؤساء اليهود وخيانة بطرس، عن محاكمة يسوع أمام بيلاطس، عن الصلب والقيامة، عن دفن يسوع. غير أن يوحنا يعالج هذه المواد المشتركة بأصالة وابتكار. مثلاً، يروي مشهد البستان والقبض على يسوع في إطار كرستولوجي واضح، وهذا ما يجعله يلغي التلميحات إلى نزاع يسوع. كما أنه يعطي للمواجهة بين بيلاطس ويسوع توسّعاً كبيرا وهاماً.
كيف نفهم هدْه التقارب حتى على مستوى الحرف؟ يرى الشرّاح أن يوحنا لا يرتبط هنا بالأناجيل الازائية، بل استقى من الينبوع الذي استقى منه الازائيون. ويستند آخرون إلى مقابلات حرفية (مثل انكار بطرس، وتكليل يسوع بالشوك والصلب) فيرون يوحنا متأثراً بالاخبار الإزائية. يبدو أن الطرح الأول هو الأقرب إلى المعقول. لا شك في أن الوقائع كانت معروفة لدى كل الجماعات. ووجود تقليد مشترك وقديم حول الآلام يفسرّ لنا التقارب بين أخبار الآلام في الأناجيل.
إن قراءة أخبار الآلام تطرح اسئلة عديدة على المؤرّخ. تفرّد الإنجيلي عن الآخر، ولم نعد نعلم إن كنا أمام تذكّر حقيقي أو أمام محاولة أدبية ولاهوتية يقوم بها الكاتب. هذه الصعوبة نجدها أيضاً في إنجيل يوحنا.
أولاً: لماذا الغى يوحنا الجلسة الاحتفالية أمام المجلس الأعلى؟ ألم يجدها في مراجعه؟ بل يبدو أنه لم يرَ من الموافق أن يتكلّم عنها لأنه شدّد في السابق وفي مناسبات مختلفة من خبره أن الاتهامات ضد يسوع والتي استعيدت في وقت المحاكمة، كانت قد تجمّعت خلال رسالة يسوع العلنية: الحكم بالموت والخوف من تدمير الهيكل (11: 47- 52)، الكلام عن دمار الهيكل (2: 19)، الاتهامات المحدّدة (10: 24- 25، 33، 36)، رؤية ابن الانسان (1: 51) التي وعد بها يسوع رئيس الكهنة في الأناجيل الإزائية. ركّز يوحنا خبر الآلام على المواجهة بين يسوع وبيلاطس، فلم يستعد المحاكمة الاحتفالية أمام المجلس الأعلى.
ثانياً: ما هي القيمة التاريخية للمشهد الذي مثُل فيه يسوع أمام حنان، والذي لم يذكره إلا الإنجيل الرابع؟ كان في متناول يوحنا معلومات خاصة عن يسوع، خصوصاً فيما يتعلّق بأورشليم واليهودية. وقد يكون احتفظ هنا بتذكّر لحدث حقيقي: بما أن حنان سأل يسوع بشكل خاص حول تعليمه وتلاميذه، نستطيع أن نفسرّ المشهد كإجراء سابق يتوخّى التثبت من يسوع: هل هو نبيّ كاذب (يستحقّ المحاكمة أمام المجلس الأعلى كله)؟ هل لكرازته رنّة سياسية (وهذا من يبرّر مثوله أمام بيلاطس)؟
وفي مسيرة الآلام؟ يبدو أن يوحنا احتفظ بتذكّر لاربعة مشاهد قد تكوّن المسيرة الحقيقية للوقائع. (1) في الليل، اقتيد يسوع من أجل استجواب أول لدى حنان (18: 12- 23). وهذا ما يحمي رئيس الكهنة الحاكم من اتهام بتجاوز القانون: نحن هنا أمام تحقيق قضائي مع الموقوف. (2) هناك كان مشهد السخرية والهزء (18: 22). (3) في الصباح، اقتيد يسوع إلى قيافا ولدى السنهدرين من أجل استجواب صريح سينتهي بتسليم يسوع إلى السلطة الرومانية (18: 24؛ رج لو 22: 66- 71). (4) وفي النهاية سلّم يسوع إلى بيلاطس الوالي الروماني ليعلن فيه الحكم الأخير (18: 28- 19: 16).
بدأ خبر الآلام في بستان (18: 1- 11) وانتهى في بستان (19: 41) دُفن فيه يسوع. إن مجمل الخبر يجري في مدى محدود، في خمسة أمكنة: بستان، قصر عظيم الكهنة المتقاعد (حنان)، قصر بيلاطس، الجلجلة، بستان. وتُبنى المشاهد الخمسة حول مشهد مركزي كما في الرسمة التالية:
البستان "مواجهة مع يسوع" (18: 1- 11).
الاستجواب أمام حنان (18: 12- 27).
المحاكمة أمام بيلاطس (18: 28- 19: 16).
الجلجلة (19: 16- 37).
الدفن في البستان (19: 38- 42).
ونبدأ مع خبر القبض على يسوع (18: 1- 11).
بدأ يوحنا يصوّر المشهد بعبارة: "تكلّم يسوع بهذا". فكأنه أراد أن يشدّد على الرباط بين كلمات يسوع في وصيته الأخيرة (ف 13- 17) وخبر الآلام الذي يلي. مشهد مشترك بين يوحنا والازائيين، ولكن الاختلافات تتفوّق على نقاط الاتفاق.
أولاً: الغى يوحنا مشهد النزاع المؤثر (ولكنه ذكر الكأس في 18: 11. هذا يعني أنه عرف التقليد الازائي، مت 26: 39).
ثانياً: أعطى مشهد التوقيف وجهاً احتفالياً، حين جعل جنباً إلى جنب السلطتين المعارضتين ليسوع؛ من جهة، رؤساء اليهود والفريسيون وعظماء الكهنة (ترد عبارة "عظماء الكهنة" عشر مرات في إنجيل يوحنا. هي عبارة معروفة في العالم اليهودي. وهي تدل على "عشيرة" عظيم الكهنة الحاكم مع الذين سبقوه أو الذين يحيطون به). ومن جهة ثانية، السلطة الرومانية (تألّفت الفرقة من 200 إلى 600 رجل). وهكذا اجتمعت السلطتان الدينية والسياسية ضدّ يسوع. أما وجود يهوذا فيؤكّد على أن قوى الظلمة هي حاضرة هناك (13: 27- 20) بوسائلها الظاهرة (مصابيح، مشاعل، سلاح).
ثالثاً: ألغى يوحنا بشكل عام السمات التي يمكن أن تؤثّر على عظمة يسوع تأثيراً سلبياً (قبلة الخائن الحاضرة عند الازائيين قد غابت عند يوحنا). فبدا يسوع كالرب المجلّل بالكرامة كسيّد الأحداث والبشر. وأخذ على عاتقه بأن يجعل تلاميذه في مأمن من العنف الذي يستعدّ للوثوب عليه (18: 8). فما يحدث الآن ليس وليد الصدفة أو علامة انتصار الأشرار. إنه تتمة للكتب.
وسيادة يسوع هذه تظهر بشكل خاص في مشهد التوقيف. "عرف" يسوع ما سوف يحصل. وهو الذي اتخذ مبادرة الحوار مع خصومه.
"أنا هو". جواب يسوع معنيان (كما أعتدنا أن نرى عند يوحنا). هناك أولاً المعنى البسيط الذي يدلّ على هوية شخص. هل أنت فلان؟ نعم، أنا هو. ولكن قارئ يوحنا الذي يعرف العهد القديم يتذكّر أن هذه العبارة تدلّ على الله، ربّ سيناء (أش 43: 10؛ 51: 12). وهي تتواتر في الإنجيل الرابع فتقدّم لنا وحياً عن يسرع ولا سيما في 8: 24 (إذا كنتم لا تؤمنون أني أنا هو)، 28 (عرفتم أني أنا هو): 13: 19 (متى حدث تؤمنون أني انا هو).
وتدوّي هذه العبارة الاحتفالية ثلاث مرات في هذا النص (آ 5، 6، 8). ومع أن الخصوم عديدون ومسلّحون، فقد سقطوا على الأرض. هؤلاء الذين جاؤوا يوقفون الانسان يسوع "الناصري" وجدوا فيه ذاك البار "الذي أمامه يعثر الاعداء والمضايقون" (مز 27: 2؛ 25: 4). ووجدوا فيه ايضاً إله سيناء القدير.
وتدخّل بطرس (آ 10- 11). إستلّ سيفه وضرب خادم رئيس الكهنة. في هذا المشهد الذي يشارك فيه الانجليون الأربعة، يتفرّد يوحنا فيسمي بطرس وعبد رئيس الكهنة، ملخوس. ولكن يسوع لم يوافق على فعلة بطرس. كانت ردّة الفعل عنده مباشرة، فبينّ أن حربه ليست على مستوى أعدائه المسلّحين. لقد رفض العنف وخضع لإرادة الآب.
ولن يبدأ خبر الآلام حقاً ألا مع توقيف يسوع. أما مشهد البستان فهو مقدمة تعطي الخبر التالي معناه. نحن الآن مستعدون لنكشف لا أخباراً قصيرة ومتفرقة، بل أحداثاً تحمل معنى عميقاً. هناك عالمان يتواجهان: من جهة، الظلمة التي تبدو من خلال السلطة الدينية والسلطة السياسية اللتين تحالفتا. ومن جهة ثانية، يسوع الذي هو وحده في المنظار البشري، ولكنه مرتبط في الايمان ارتباطاً وثيقاً بالآب، ومجنِّد نفسه بحرّية من أجل رسالته، ومنتصر انتصاراً مسبقاً على خصومه بواسطة كلمته: "أنا هو".
بستان في عبر وادي قدرون (آ 1). فوادي قدرون يحاذي الهيكل من الشرق والجنوب قبل أن يلتقي بوادي تيروفيون ووادي جهنّم. حينئذٍ يتوجّه وادي قدرون نحو الشمال الشرقي ليصبّ في البحر الميت إلى الجنوب من قمران.
والبستان الذي في عبر قدرون يقابل الجسمانية عند الازائيين الذين يحدّدون موقعها عند منحدرات جبل الزيتون. نلاحظ أن يوحنا يتحدّث عن "بستان" قبل الآلام وبعدها (18: 1؛ 20: 15) من أجل مشهدين يدلّ فيهما يسوع حقاً على هويته: أنا هو (في بستان الزيتون). وفهمت مريم بعد القيامة أنه "الرب" (28: 18).

* وتبدأ المواجهة (آ 1- 18).
وذهب يسوع أولاً إلى بستان خارج المدينة. هناك اعتاد أن يجتمع مع أخصّائه. إنه موضع خاص، لا يعرفه إلا التلاميذ. إنه موضع خاص بجماعة التلاميذ الصغيرة الملتئمة حول يسوع.
ونشهد مواجهة بين مجموعتين: من جهة يسوع وأخصائه. ومن جهة ثانية يهوذا والفرقة التي يقودها. سلطان النور وسلطان الظلام. سلطان هذا العالم الذي دخل في قلب يهوذا، ويسوع الذي سيعلن نفسه ملكاً آتياً ليشهد للحقّ. وكان مع يهوذا جنود الاحتلال الروماني، ورجال أرسلهم عظماء الكهنة والفريسيون. وانتقل يهوذا من خدمة ملك إلى خدمة "ملك" آخر. بدّل هويته وصار في خدمة إبليس. هو يقوم مقام قوى الشّر وسلطان الظلمة الذي يحاول أن "يتسلّط" على يسوع (14: 30).
لقد رأى بعض الشرّاح في هذا المشهد تلميحاً إلى خبر آخر تمّ في بستان، في جنّة عدن: المواجهة بين آدم وبين الحية التي ترمز إلى قوى الشر والظلام.
في آ 4- 8 آ، نرى يسوع يتقدّم بمحبة وحرية، وهو عالم كل العلم بما ينتظره. سأل: "من تطلبون"؟ في بداية الإنجيل، كان يسوع قد سأل رجلين: "ماذا تطلبان"؟ فأجابا: "يا معلّم، أين تقيم"؟ فقالت لهما يسوع: "تعاليا وانظرا". وأقاما عنده ذلك النهار كله (1: 37- 39).
أنا هنا فقد تبدّل الإطار. هي قوى الظلمة تتقدّم نحو يسوع. هو سلطان الظلام الذي يريد أن يجعل العالم تحت سلطانه. لقد جاء يدمّر ذلك الذي هو الحق والحياة ويمنعه من أن يقيم في مملكته. إنهم يطلبون يسوع الناصري، كما يقولون. لقد تواجه الممثّلان الرئيسيان والمطلوب هو الحياة والنور للعالم.
فأجاب يسوع: "أنا هو". إن هذه العبارة تحمل معنيين. تدلّ على هوية بشرية. أنا يسوع الناصري. وتدلّ ايضاً على هوية إلهية: أنا هو يهوه.
استعملت ترجمة التوراة اليونانية عبارة "أنا أكون" أو "أنا كائن" حيث استعملت النسخة العبرانية (كما في العربية): "أنا هو"، فدلّت على عظمة الله وقداسته الفريدة.
في التوراة عبارة "أنا هو" هي الاسم الذي به كشف الله عن نفسه لموسى بشكل يفوق الوصف (خر 3: 14). ويستعملها أشعيا مراراً ليدلّ على قدرة الله وقداسته. نقرأ في أش 43: 10- 13: "أنتم شهودي، يقول الرب. ذريّة عبدي الذي أخترته لأنكم علمتم وآمنتم بي وفهمتم أني أنا هو. ما كان من قبلي إله ولن يكون من بعدي. فأنا أنا الرب، ولا مخلّص غيري. أخبرت وخلّصت واسمعت، وما أنا فيكم غريب. أنتم شهودي يقول الرب، أنا الله، ومن البدء أنا هو. لا منقذ من يدي ولا مردّ لما أعمل".
هو الإسم الذي فوق كل إسم (فل 2: 9). في قلب هذا الانسان يسوع، نلتقي بالله الذي تجعل كلمتُه ممثّلي سلطان الظلمة يسقطون على الأرض هم ومخطّطاتهم. فيسوع يقهر "سلطان هذا العالم" بآلامه وقيامته، ويصير نوراً به يقهر كل انسان ظلمات هذا العالم. إن ردّة الفعل لدى الفرقة تصوّر مسبقاً انتصار المسيح.
محيرّ خصومه ودلّوا على ضعفهم. فهو يسير بحرّية إلى الصليب ليفتح للبشر ينابيع الحياة. وهو في الوقت عينه صورة المسكين الذي اضطهد فظلّ أميناً. "يرتدّ أعدائي يوم أدعوك، فأعرف يا الله أنك معي" (مز 56: 10).
هذه الحرب تعني شخص يسوع وتعني أيضاً رسالته في إعطاء الحياة للعالم. وهذه الرسالة لا تتحقق بدون قتال وانتصار على قوى الشر. لقد جاء يسوع يدمّر قوّتها ويهب للبشر ثمرة هذا الانتصار. "الراعي الصالح يبذل حياته من أجل أحبائه" (10: 11).
ما الذي حدث بالضبط في ذلك الوقت؟ جمدت الفرقة الآتية لتوقيف يسوع وتحيرّت أمام هدوء وجلال ومهابة يسوع وامتلاكه نفسه. وتوسّع يسوع في مضمون هذه الخبرة على ضوء إيمانه بالقيامة. سقطوا وكأنهم سجدوا أمامه.
* ما هو معنى هذه المواجهة (آ 8 ب- 11)؟
"هكذا تتمّ كلمة قالها يسوع" (رج 6: 39؛ 10: 28). فالعبارة العادية في الاناجيل هي: "وهكذا تمّ قول الكتاب" (رج 19: 24). فلقد جُعلت كلمةُ يسوع على مستوى كلمة الله. إنه موسى الجديد. إنه الموحي، إنه كلمة الله.
ما معنى هذه العبارة: "إن الذين أعطيتهم لي لم أفقد منهم أحداً"؟ لم يسمح يسوع بأن يُوقف أخصاؤه ويحكم عليهم ويصلبوا معه ديون إن يفهموا ما يحصل لهم. لقد مات وحده من أجلهم جميعاً. وهكذا حقّق مهمة الراعي الصالح (10: 11- 15). مات لتكون لهم الحياة. وحين ينالون الحياة يقدّمون حياتهم مثله في حرية ومعرفة تامة في ذات اندفاع الحب الخلاصي الذي يأتي من الآب بالروح.
في آ 10- 11 نرى استعداد بطرس لكي "يتحزّب" مع يسوع، لكي يدافع عنه. ولكنه لم يفهم بعد. ما زال سجين رؤيته للامور، وما استطاع أن يخرج من هذه الرؤية (13: 8). أراد أن يدافع عن يسوع بطريقته الخاصة. لم يفهم أن يسوع هو سيّد الوضع. وانه يسير بحرية وقبول في طريق العطاء التام، في طريق الذلّ. تصرّف بطرس من ذاته مدافعاً عن "قائده" بطريقة يائسة. لم يفهم بعد ما يقدّمه يسوع لجماعة التلاميذ كلّها.
وترد صورة "الكأس" التي نجدها في الأناجيل الأخرى (مت 26: 39). ولكننا لسنا هنا أمام صراع يسوع الداخلي وضيقه أمام الموت. كل هذا قد لقيناه في 12: 27: "الآن نفسي قد اضطربت. وماذا أقول؟ يا أبتاه، أنقذني من هذه الساعة!... ولكن لأجل هذه الساعة قد جئت". أما هنا، فيسوع قد أتخذ قراره وهو هادئ. ليس هو اضطراب أمام موت مذلّ ومهين، بل في قبول كامل ومطمئن للرسالة التي يسلمّه إياها الآب.
وتركهم يسوع يوقفونه. تخيّل إبليس أنه يزيل بشكل نهائي يسوع في طريقه مع مشروعه الذي يقوم بإعطاء الحياة للعالم. في الواقع، لقد وقّع على الحكم على نفسه بالاعدام، وعلى نهاية سلطانه على العالم (12: 31- 32). ما يريده الله ليس دم المسيح بل ارتفاعه وملكه على العالم اللذين يتحقّقان على الصليب.
ليس هذا الخبر تقريراً صحافياً يتوقّف عند عدد من التفاصيل الخارجية. لا شكّ في أنه يقدّم إشارات دقيقة، ولكنه يقدّم لنا في الوقت عينه ثمرة نظرته الايمانية. ففي مشهد البستان الذي يبدأ خبر الآلام، يرى يوحنا صورة مسبقة عن صراع يسوع ضد سلطان الظلمة. يرى دخوله الحرّ في الحرب وانتصاره (16: 33). هذا هو الجواب على مشهد "جنة عدن"، على المواجهة بين آدم والحية التي تدلّ على سلطان الظلمة وأبي الكذب والقتل. لقد أتت الآن "الساعة"!
نعرف في حياتنا ساعات لا نور فيها إلا نور المصابيح والمشاعل. نعرف ساعات المواجهة مع الشرّ، مع قوى الظلمة في العالم وفي داخلنا.
تعارض بين النور والظلمة. ولكن التعارض ليس تاماً. فنحن نسير في جوّ "رمادي" لا اسود حالك. شدّد يوحنا على التعارض ليصل إلى أعماق الامور. ليقدّم لنا جذرية الإنجيل.
لا نستطيع بقوانا الخاصة أن نفعل ما فعله المسيح، ولا نستطيع أن ننتصر كما انتصر. فهذا ما يتجاوز امكانياتنا. ولكننا نستطيع أن نثبت نظرنا عليه، نحدّق اليه، ترافقنا قوته ضد ظلمة حياتنا، ترافقنا حريته وهدوءه. حينئذٍ يحوّلنا بحضوره. لقد قال الكتاب إن من يرفع نظره وقلبه إلى المسيح تتبدّل حياته. قال بولس في 2 كور 3: 18: "ونحن جميعاً نعكس كما في مرآة مجد الرب فنتحوّل إلى تلك الصورة". وقال يوحنا في 1 يو 3: 2: "أيها الأحباء، نحن من الآن أولاد الله، ولم يتبينّ بعد ماذا سنكون. غير أنّا نعلم أنّا، إذا ما ظهر، سنكون أمثاله، لأننا سنعاينه كما هو"

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM