141
دعوتك يا رب فأسرع
اعتاد المسيحيّون الأوّلون أن ينشدوا هذا المزمور كل يوم عند المساء. كانوا يضيئون الأنوار ويرفعون صلاتهم "كالبخور أمام الربّ". ونحن نجد فيه عنصرين. هناك موضوع التوسّل في البداية (آ 1- 2) وفي النهاية (آ 8- 10). وفعل إيمان (آ 3- 7) يقابل بين تقدمة البخور والذبائح، وتقدمة الشفتين.
يقع مز 141 في امتداد مز 140 مع ذكر الربّ السيّد كاسم لله، والشباك والفخاخ التي ينصبها الأشرار. ولكننا نقرأ في آ 4- 9 عبارة "صانعي الدمار" التي لا نجدها في ما بعد. كما نجد في المزمور كله تشديداً على الطابع اللاعباديّ في العلاقة مع الله. على طابع الحياة الأخلاقيّة التي هي أيضاً بخور نرفعه إلى الله. يتماهى طلب الشفاه مع البخور والذبائح التي تقوم دوماً أمام الله. وعبارة "تقدمة المساء" تذكّر باعتراف دانيال وتشكّيه في دا 9: 021 ابتعد المؤمن عن الهيكل فحلّت الصلاة محلّ الطقس الذبائحيّ الذي لا يُمارس إلا في الهيكل. وهكذا شارك مشاركة روحيّة في العبادة التي تتمّ في أورشليم.
في القسم المركزيّ (آ 3- 7) من هذا المزمور، يتّخذ المرتل موقفاً من الأشرار (لا شريعة لهم) وصانعي الدمار. قد يكونون في الداخل أو في الخارج. يكونون من الشعب الذي بحث عن منفعته "بائعاً" أمّته. ويكونون من الأغراب الذين يحاولون أن يزرعوا سمومهم في قلب مدينة الله.
ويستلهم المرتّل أم 9: 5، 17، فيرفض الطعام الذي يقدّمونه له، والذي يمتدحون طعمه كذباً. أما هو فيفضّل رفقة الأبرار، ولو دفع ثمن تفضيله التوبيخ والإصلاح الأخويّ (أم 9: 8؛ 25: 12؛ 28: 3).
مثل هذا الموقف يبدو صعباً: أن لا يقول المرتل شيئاً حين يرى نجاح الأشرار! أن لا يميل قلبه إلى كلام السوء. لهذا، فهو يطلب من الربّ أن يحرس له شفتيه. إنه ضعيف في هذه الحرب غير المتكافئة ضدّ الأشرار. ولهذا، فهو يسلّم نفسه إلى الله ويعلن عن عزمه بأن ينضمّ إلى عالم الأبرار.
دعوتك يا ربّ فأسرع إليّ، صرختُ إليك يا ربّ فهلمّ إلى معونتي
دعوتك يا ربّ فاحمني من الشرّ، هو يجتذبني ويشدّ بي لأتبعه
صرخت إليك يا ربّ، فخطاياي تلاحقني ولا سيما خطايا اللسان
صرخت إليك، لأن الخطر يهدّدني، وهوّة الموت تفتح فاها لتبتلعني.
الأشرار حولي يحاولون، فافسد أنت مكايدهم
هم يدعونني لأن أشاركهم لا ما يقدّمون لنفوسهم من ملذَّات
فلا تسمح أن أؤخذ بحبائلهم، وأن أنجرّ إلى ما وقعوا فيه من خطايا.
أنت تعرف ضعفي، فأعن ضعفي وقلّة إيماني
أنت تعرف أنني سريع العطب، فتعال إليّ واجبر كسري وقوِّ إرادتي
أنت تعرف كل ما يخبىء لي العدو من فخاخ، فأنرني لئلا أقعَ في فخاخه
طريق الأشرار، أنا أعلم إلى أين تقود، هي تقود إلى الموت
أما طريق الأمانة فهي تقود إليك، إلى السعادة
أنت يا من وضعت أمامي طريق الموت وطريق الحياة، وجّه قلبي في طريق الحياة
أنت يا من تدعوني إلى الدخول في الباب الضيق، اعطني الشجاعة والقوّة
الباب الضيّق يقود إلى الحياة فاجعلني من الذين يهتدون إليه.
دعوتك يا ربّ فأسرع إلي، وأنصت إلى صوت صراخي
لتكن صلاتي كالبخور أمامك ورفع كفيّ كتقدمة المساء
من أعماق آلامي أصرخ إليك، فتعال إليّ واشفِ آلامي
من أعماق خطيئتي أدعوك، فاغفر خطاياي وانسَ جهالاتي
من أعماق قلبي أتضرع إليك، فاستمع صوتي واصغِ إلى صلاتي.
أمامك أعرض شكواي، أسكبها كالماء على المذبح
أمامك أكشف عن ضيقي، وأبيّن لك حاجاتي
خارت قواي وعزيمتي في الطريق التي أسلك، فإلى رحمتك أسلّم ذاتي
ما عاد لي ملجأ أختبىء فيه من فخاخ الأشرار، فكن أنت ملجأي
ما عاد أحد يهتمّ ب فهل تنساني، أنت يا من شبّهت نفسك بأم تحنو على أولادها.
إياك أدعو، نحوك أصرخ، إليك أرفع صلاتي
كما يرتفع البخور إليك، كذلك ترتفع صلاتي لترضيك
وكما يقدم لك الكاهن ذبيحته، أقدم لك ذاتي بكليتها
لك جسدي ولك نفسي، لك قلبي وكلّ عواطفي
فاجعلني بكليتي بخوراً وتقدمة لك يا الله.
أمامك أرفع يديَّ نحو السماء، فأرفع معهما نفسي طالباً نظرة منك
إستمع إليّ حين أتضّرع إليك، وعيناي تنظران إلى قدس أقداسك
أمامك أرفع يديّ، وباسمك أرنّم، وإياك أبارك كل أيام حياتي
أرفع يديّ إليك، لأتقبّل منك كل بركة ترسلها إلي يا ربّ العطايا.
أقم يا ربّ حارساً لفمي، رقيباً على باب شفتيّ
لا تمل قلبي إلى كلام السوء وإلى العمل كما يعمل الأشرار.
هذا هو موضوع صلاتي اليوم: المقاومة ضد التجارب
هذا هو طلبي اليوم: أن تنجّيني من عمل الشر
أنقذني يا رب من خطايا اللسان، فهي خطيرة وهي متواترة
فصن يا ربّ لساني من الشرّ، واحفظ شفتيّ من كلام الغشّ.
لساننا موسى مسنونة، والشرّ أحبّ إلينا من الخير، والكذب من الصدق
فانظر إلى ضعفنا يا ربّ، وإلى ميولنا التي تبعدنا عنك
أبعد عني كلام الشرّ، أبعد عني كل فكر شرير، لا تمل قلبي إلى كلام السوء.
أعطني الوعي والحكمة والمعرفة لأعمل ما يرضيك
أعطني القوة والنعمة، فأكون حصناً للذين حولي
أعطني الشجاعة فأبني ولا أهدم، ولا أقول كلمة إلاّ التي تصلح للبنيان
إذا كانت نعمتك معي فما أسعدني، وإن أسرتني شريعة الخطأة فما أشقاني
فكم أخاف أن أكون مرذولاً بعد أن وعظتُ غيري.
لا أشارك الذين يفعلون الاثم، ولا آكل مما به ينعمون
أن يضربني الصديقون فرحمة، وأن يعاتبوني فطيب للرأس
طيب الاشرار لا يقبله رأسي، وكم أدعو عليهم لشرورهم
فيسلموا لأيدي قضاتهم ويسمعون كلامي لأنه مستقيم.
لا أريد يا ربّ أن أكون مع الاشرار، فيكون حظي كحظهم
منذ الآن مصير الأشرار إلى الموت، ونهايتهم إلى الجحيم
أما أنا فلا أشاركهم في ما يفعلون، ولا أنعم بما به ينعمون
هذا ما أقوله يا ربّ، ولكني أخاف من نفسي، لأني أفعل الشر الذي لا أريد
فانقذني يا ربّ من جسد الخطيئة هذا، بنعمة ربنا يسوع المسيح.
وأريد يا ربّ أن أكون مع الصدّيقين، وأن أفعل أفعالهم
إن وبّخوني قبلت كلام التوبيخ، وإن عاتبوني اعتبرت عتابهم عملاً صالحاً
أتقبّل ضربهم كرحمة، وعتابهم كالطيب للرأس أفتخر به وأنعم
وأريد يا ربّ أن أتكلّم مثلهم كلام الاستقامة والحق، مهما كلّفني ذلك من جهد
التوبيخ علامة محبّة منك لنا، ومن بعضنا لبعض، فلا تسمح أن نرفضه
إصلاح بعضنا بعض واجب ملحّ، فعلّمنا كيف نأخذ به في جماعتنا المسيحية
ولا تسمح أن نعجّل، فنسمّي أخانا وثنياً وعشاراً، لنتبرَّأ منه وكأننا أبرار.
كما يفلح الحرّاث الأرض، تكسّرت عظامنا على فم الجحيم
إليك أنظر إلها الربّ السيّد، بك احتميت فلا تتخلّ عيني
أحرسني من فخّ نصبوه لي، ومن أشراك الآثمين
يسقط الأشرار في مكيدتهم وأعبر أنا وحدي بأمان.
أنا في ضيق يا ربّ، ولكني أجعل اتكالي كاملاً عليك
نفسي تسيل كالمياه، ومعها تسيل حياتي
عيناي إليك أيها الربّ إلهنا، فتحنّن علينا وارأف
الفخاخ تحيط بنا من كل جانب، فأنت احمنا من شرورها ولا تتخلّ عنا.
أفصلني من عالم الهلاك، فأصل إليك أيها الرب القدوس
أحمني من فساد الأشرار، وأوصلني إلى الحياة التي توحّدني بك
نجّنا من الناس الضالين، وأيّدنا واحفظنا من كل شرّ.
لا يزال الأشرار في شرّهم، فيقعون ضحيّة أعمالهم
أما أنا يا ربّ، فأريد أن أبقى أميناً لك، حافظاً لوصاياك
مثل هذه الطريق تقودني إلى السعادة، وتجعلني قي طريق الأمان
مثل هذه الطريق توصلني إلى الحياة، التي لا تزول، فساعدني على السير فبها.
الشر يلاحقني ويريد الإيقاع بي، يتملّقني ويحاول أن يجتذبني
يقدّم نفسه بصورة محبوبة، يوقظ كبريائي وأنانيتي
فأعطنا يا ربّ أن نتجنّب تأثير الشيطان وحيله وفخاخه
وامنحنا أن نتبعك، أنت وحدك، بقلب صاف وضمير مستقيم.
تدعونا يا ربّ إلى السهر، لئلا ندخل في تجربة
تدعونا يا ربّ إلى الصلاة، لأن الروح متحمّس أما الجسد فضعيف
تدعونا أن لا نتشبّه بهذه الدنيا وما فيها من سوء
تدعونا أن نتبدّل ونجدّد عقولنا فنميّز مشيئتك ونتعرف إلى ما هو صالح وكامل.
وإذ نحن نتلو هذا المزمور، نتطلّع إليك يا يسوع المسيح
ونفكّر في ذبيحتك على الصليب، أنت يا من صلّيت هذه الكلمات أمام الذين حكموا عليك
ونفكر في سر قربانك المقدس فنعلن موتك إلى أن تعود
أنت هو حمل الله يا من ذُبحت ساعة ذُبح الحمل الفصحي
فاغفر خطايانا، وسامح جهالاتنا، وجدّد قلوبنا وحياتنا.
نتأمل فيك يا يسوع يا كاهناً أعظم، نتأمّل في يديك المنبسطتين على الصليب
نتأمل فيك تقدّم نفسك ذبيحة، يا حمل الله الحامل خطايا العالم
ونقدّم لك كنيستك التي توحّد صلاتها بصلاتك وتوسلها بتشفعك
نتهدم لك كنيستك فهي ترفع إليك بخور سجودها وعبادتها
هي ترفع إليك هذا البخور وتحرقه أمام قداستك
فاسمع صوتها وهي تدعوك، وأمل قلبها وقلبنا إليك
ولا تسمح أن يخسر أبناؤها نفوساًَ اقتنيتها بدمك
لا تسمح أن يسمعوا يوماً ذلك الصوت الذي يبعدهم عنك إلى الأبد
عليك اتكلنا فلا نيأس، وفيك وضعنا رجاءنا فلا تخيّبنا، يا أرحم الراحمين.