على عود بعشرة أوتار أذكر يا رب مسيحك

132
أذكر يا رب مسيحك

تبدأ الشعبة الأخيرة في مزامير الحجّاج (129- 134) بنظرة إلى الماضي وما فيه من مآسٍ وبغض، وما فيه من خطيئة جعلت الله "يصمت" ولا يُسمع صوته، "يتوقّف" عن العمل ولا يتدخّل. ونجد في مز 131 صرخة الاستسلام العجيبة التي تجعلنا في قمّة مجموعة مزامير المراقي.
أما مز 132 فهو مزمور ليتورجيّ بحصر المعنى. وهو يتضمّن قسمين: صلاة الملك (آ 1- 10) وجواب الله (آ 11- 18) الذي حلف لمليكه بعرش يدوم إلى الأبد، لا يمكن إلاّ أن يكون عرش المسيح الملك، عرش يسوع، كما سمّاه بيلاطس على الصليب.
تبرز أمامنا صورة الملك راكعاً يصلّي، طالباً نعمة من الرب بالنظر إلى "استحقاقات" جدّه داود. فجدّه أصعد تابوت العهد (فيه الوصايا وجرّة المنّ. يدلّ على حضور الله وسط شعبه)، فدلّ أنه خاضع للربّ، ملك الملوك، وليس ملكاً باسمه الشخصيّ. مثل هذا العمل أمّن الدوام لسلالته. حلف داود ووفى بوعده. ويبدأ الطواف "بالعرش" (أي تابوت العهد) إلى أورشليم مع آ 8: "قم أيها الربّ إلى ديارك، أنت وتابوت عزّتك". بحث داود عن التابوت فوجده، فحمله إلى الهيكل، فذهبْ "يسجد لموطىء قدميه" (آ 7).
وجاء الجواب وعداً للملك. من حمل هذا الوعد؟ ربما أحد الكهنة. لمن حمله؟ إلى الملك نفسه. أما السامعون الحاضرون هنا فهم شعب الله. وهم يفرحون بأمانة الله. هو أمين لملكه. وسيكون أميناً لمدينته ولشعبه ولكل فرد من أفراد هذا الشعب. لا شكّ في أن الملك نال نعمة خاصّة، ولكن هذه النعمة جاءت في إطار عام من البركة تُعطى للأمّة كلها. بركة تهب الحياة والسلام.

أذكر يا ربّ داود، الذي اخترته من وراء الغنم، وجعلته رئيساً لشعبك
أذكر داود، الذي مسحته ملكاً، وباركته فكان بحسب قلبك
هيّأ لك مدينة تقيم فيها، نقل إليها تابوت العهد رمز حضورك وسط شعبك
واذكر خاصة يسوع ابن داود، الذي جاء يتمّم ما أعلنتَ به على لسان داود
يسوع الذي هو أرفع من داود،
بل هو رب داود الذي جاء كراع لنا نحن شعبك وميراثك
اذكر يسوع الذي هو من نسل داود والذي ننتظره في هذه الأيام
اذكره ونحن نستعد لمجيئه فنهتف له: تعال أيها الربّ تعال.

أذكر أورشليم المدينة التي أختارها داود، ليجعل فيها سكناك، وينقل إليها مركز حضورك
أذكر أورشليم التي اخترتها من بين جميع المدن لتحلّ اسمك فيها
أورشليم موضع هيكلك، أورشليم قبلة شعبك ومحطّ أنظارهم
كانت المدينة المختارة، فصارت خائنة، كانت مبيت العدل فامتلأت بدماء القتلى.

فأذكر يا ربّ أورشليم الجديدة، بعد أن زالت القديمة، وما عادت عاصمة محتلّة، بل مدينة شعب الله
أذكرها بعد أن صيرّتها مدينة الصدق والأمانة، مدينة العدل والانصاف
إليها يصعد الحجاج ويفرحون جداً حين يمكثون فيها ويشاركون في طقوسها
أذكر يا ربّ أورشليم السماوية، مدينتك الحيّة، التي اقتربنا منها في المعمودية
أذكرها، فهي مقر سكناك، وفيها هيكلك الذي لم تصنعه أياد بشريّة.

أذكر يا ربّ داود وكل عنائه، كيف حلف للرب ونذر للقدير إله يعقوب:
لن أدخل خيمة بيتي، ولن أصعد سريري، ولن أعطي عيني رقاداً
إلى أن أجد مقاماً للربّ، مسكناً للقدير، اله يعقوب.

حلف لك داود فحلفت له، فما أعظمك في تنازلك يا رب
أراد أن يجعل لك مقاماً في مدينة أورشليم، فباركت أنت مشاريعه
شاء أن يبني لك بيتاً من خشب الأرز، فوعدته أنك ستبني له بيتاً
ستعطبه نسلاً كبيراً، وستثبّت عرشه على الدوام
هكذا تُعامل أحباءك يا الله، فما أكرمك في عطاياك.

أذكر يا رب داود، لأنه أحبّ خدمة بيتك، واهتمّ بطقوس تعبّر عن جلالتك
ببيتك تليق القداسة يا رب طول الأيام، وأنت تقدّس من يقتربون منك
وأنا أهتف مع المرتل: غيرة بيتك أكلتني، ومحبتي لمقامك احرقتني كالنار
وأنظر إلى ابنك يسوع الذي دافع عن قداسة الهيكل فقال:
بيتي بيت صلاة يُدعى، وأنتم جعلتموه مغارة للصوص
وأصلي لك من أجل العاملين لجمال ببتك، أصلّي من أجل الساكنين فيه وأتمنى أن أكون معهم فأجد راحة عند مذابحك.

سمعنا أن تابوت الربّ في أفراتة، وجدناه في حقول وعرة
لندخل إلى مساكن الربّ. لنسجد لموطىء قدميه.

أنت لا تقيم في أورشليم، مدينة العز والعظمة، حيث بحث عنك المجوس فما وجدوك
أنت لم تولد في مدينة معروفة، فيؤمّها الناس ليروا ويسمعوا ويذهبوا
فتّش عنك الناس، فوجدوك في أفراتة، أصغر مدن يهوذا، في بيت لحم مدينة داود
فهموا أن من العيلة المغمورة، سيخرج من يرعى شعبك ويهتم به.

اهتم داود واعتنى، بل أحسَّ بالحزن في قلبه
وعد وما أراد أن يخلف بوعده، نذر واستعدّ أن يفي
وأرسل من يبحث عن تابوت عهدك ورمز حضورك.
لن يسمح لنفسه أن يدخل بيته ويرتاح وسريره،
لن يسمح لعينيه أن تغمضا إلى أن يجد.
هكذا بحثت عنك عروس نشيد الأناشيد: أرأيتم من تحبّه نفسي
وحين وجدتك، أمسكت بك، وما أرادت أن تتركك.
وبحث عنك الرعاة، فوجدوك في المذود، وعرفوك من خلال القماطات.

أرسل نورك فيهديني، وإلى مساكنك يوصلني
فأنا أحب مساكنك، أيها الربّ القدير، وإلى ديارك تشتاق نفسي
سكنتُ بيتك فما أسعدني، ولساني لن يكفّ عن تسبيحك
سجدتُ لموطىء قدميك، لعرش تجلس عليه، فأنت الإله القدوس
سجدتُ لموضع سكناك، فأنت خالقنا، ونحن غنم رعيتك.

قم أيها الربّ إلى ديارك أنت وتابوت عزتك.
ليلبس كهنتك ثيابهم الموشاة وليرنم اتقياؤك
من أجل داود عبدك، لا تردّ وجه الملك مسيحك.

قم يا ربّ، وبيّن قدرتك، واصنع خلاصاً لشعبك
قم يا ربّ، واقبل تحية شعبك ونشيد كهنتك، وأرسل إلينا مسيحك
نطلق إليك أصواتنا بالدعاء، نرفع إليك صلواتنا وتوسّلاتنا
من أجل داود عبدك، من أجل ابراهيم الذي آمن بك، من أجل يعقوب الذي اتّكل على قدرتك
إصعد إلى مدينتك، وكن معنا عمانوئيل، الله معنا، حتى نهاية العالم.

سيلبس كهنتك ثياب العيد، ثيابهم الموشّاة، ليحتفلوا بحضورك في وسط شعبك
ولكنهم بالأحرى يتحلّون بالقداسة ليدخلوا بيتك ويسجدوا أمام منبرك
سيلبسك الكهنة أو بالاحرى تلبسهم، فتحيط بهم إحاطة السوار بالمعصم
وسيلبسك المؤمنون، أيها الربّ يسوع، بعد أن تعمّدوا جميعهم فيك
وبعد هذا يستطيع أتقياؤك أن يرنّموا لك ترنيمة الخلاص.

الربّ اختار صهيون واشتهاها مقاماً له، قال:
هذه هي دياري إلى الأبد. فيها أقيم لأني اشتهيتها
أبارك طعامها بركة، واشبع البائسين فيها خبزاً
ألبس كهنتها ثيابهم الموشاة واتقياؤها يرنمون ترنيماً.

لا تردّ وجه الملك مسيحك، ولا ترفض له طلباً
أنظر إلى شعبك الضارع إليك، وتقبّل ذلك الذي كرّسته لك
إكراماً لعبدك داود، الذي عاهدته عهداً أبدياً وحقّقت مواعيدك له
إكراماً لابنك يسوع، الذي رفع الصلوات والتضّرعات في أيام حياته البشرية.

أنت وعدت وأنت تفي بمواعيدك، أنت تقول وتلزم نفسك بما تقول
قطعت عهداً مع داود، أقسمت لعبدك الذي اخترته
واخترت أيضاً صهيون، أورشليم التي أحببت، وجعلت فيها مقدسك
إذا وعدت لا تخون، وإذا أظهرت رحمتك فأنت لا تقطعها أبداً،
وعطاياك لا ندامة فيها.
أنت تعطي بلا حساب.

وهكذا لما اخترت داود عبدك، وأورشليم موضع سكناك، اكتملت حلقة عطاياك
قطعت عهداً مع ابراهيم، وتذكرت وعدك له، كلمتك القدوسة التي لفظت بها!
وعاهدت موسى، ووفيت بعهدك، فأنقذت شعبك من العبودية
وحين وعدت داود، أكملت مخطّطك في العهد القديم،
ولكن عهدك لن يتمّ إلاّ في شخص يسوع المسيح
يسوع صار لنا من قبلك براً وقداسة وفداء
مع يسوع صار لنا العهد الجديد الأبدي بدمه الذي يُسفك من أجلنا.

هناك أنبت من نسل داود رئيساً، أهيّىء للمسيح الملك خلفاً
ألبس أعداءه خزياً، وعليه يزهر تاجه.

وتحلّ البركة بفضل أورشليم، التي ستصبح ينبوع خير مادي وروحي للشعب كله
فيها ينزل الغيث في أوانه، فيكون ينبوعاً فياضاً
تعطي الأرض غلتها، فلا يكون الشعب من بعد فريسة للجوع
من دسم بيتك يشبع مؤمنوك، ومن نهر نعيمك تسقيهم
بيوتهم المدمّرة يعاد بناؤها، ومدنهم المخرّبة تعود جديدة، وكأنها لم تهُدم.

ونسمع كلام الأنبياء: لن يكون فقير في وسط البلاد، بعد أن أغدقت يا لله بركتك
ونسمع أيضاً كلام ابنك يسوع إلينا نحن الجياع والعطاش، ويعدنا بأننا سنشبع
سكناك بيننا يغنينا عن كل شيء. وجسد ابنك يسوع يكفينا
فاغمرنا يا اله الرجاء بالفرح والسلام، فيفيض رجاؤنا بقدرة روحك القدوس
إملأ قلوبنا بالعزاء رغم مصاعبنا، واجعل فرحنا كاملاً رغم آلامنا.

انتظر شعبك في العهد القديم ملكاً مسيحاً من سلاله داود
انتظره طالعاً من الأرض وحاملاً كل هموم الأرض ليرفعها إليك
وانتظره آتياً من عندك متحلّياً بقدرتك، ليُحل بركتك على بني البشر
هذا الذي انتظره بنو إسرائيل ولم يعرفوه، هو يسوع المسيح ابنك الوحيد.

هو ابن داود كما ناداه الأعمى والكنعانبة
هو ابن داود كما نادته الجموع الآتية للقائه يوم الشعانين
هو عماد الخلاص الذي أقمته لنا كما وعدت من قديم الزمان بلسان أنبيائك
وهو الهيكل الجديد الذي تقيم فيه يا الله، بعد أن دمّر هيكل أورشليم
وهو النور الذي يعطي أورشليم بهاءها، فلن تعود تحتاج إلى نور الشمر والقمر.

فيا يسوع المسيح الذي من الناصرة
وُلدت في بيت لحم افراتة، فكنت من نسل داود
أنت المصباح المهيَّأ لشعبك، والخبز المعدّ لمساكين مدينتك
أنت القداسة التي يلبسها كهنتك، والبركة التي تبارك بها أتقياءك
جئت إلينا في ملء الزمن، وأخذت جسداً منا وسكنت بيننا
فعرفنا معك السعادة بان نكون قرب الله، بأن نكون مع الله.

جئت يا يسوع بالجسد وبطريقة خفية، ولكن أخصّاءك لم يعرفوك فتجاهلوك
ولكنك ستأتي أيضاً بمجد عظيم، ولهذا نحن لا نزال ننتظر مجيئك الثاني
وبانتظار ذلك، لن نهمل شيئاً لاستقبالك أيها المسيح يسوع.
تريد أن تقيم عندنا ونحن نهيّىء لك مكاناً
فإن أحببناك فتحنا لك الباب
وإن أحببنا ذواتنا أغلقناه بوجهك
أنت لا تستريح في من بردت محبّتهم، بل في من يصبرون إلى المنتهى
فتعال يا ربّ، وأقرع باب قلوبنا، فنفتح لك، وتتعشّى معنا ونحن معك

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM