الزواج المسيحي

الزواج المسيحي
10: 2- 16

ما جمعه الله لا يفرّقه الإنسان.
أدخل اليهود بين نصّ سفر التكوين عن الزواج وببن تفسيره مسافات شاسعة. وأتاح لهم علم الفتاوى أن يدوروا حول الشرائع المطلقة ويقدّموا شواذات عديدة. فصار طلاق المرأة أمراً سهلاً في بعض الظروف. كان الفريسيون المعلّمين في هذا المجال. فقد كانت لهم سلطة كبيرة على الشعب ولا سيّما عند صغار القوم.
وجابه يسوع بجرأة هذا الوضع. هو من العوام وليس بكاهن، وهو من الجليل المحتقر، ويقف بوجه أكبر شخصيات جماعة أورشليم! إنه يتصرّف كما يتصرّف النبي، فيعيد إلى الكتب المقدّسة كل بساطتها ومتطلّباتها. إنه أحسن من فسّر الكتاب المقدس: "ما جمعه الله لا يفرّقه الإنسان".
سار في خطّ الأنبياء فعاد إلى الأصوال وعارض التفاسير التي تعقدّ كلمة الله. "ولماذا تخالفون أنتم وصية الله من أجل تقاليدكم" (مت 15: 3- 6)؟ ويقول في المعنى عينه: "تضعون جانباً (تهملون) وصية الله وتتمسّكون بتقاليد البشر... تلغون وصية الله لتمارسوا تقاليدكم" (مر 7: 8- 13).
يسوع هو معلّم وهو يستفيد من أحداث غير متوقّعة ليخبر عن الملكوت. وقُدّم إليه أولاد، عمرهم اثنتا عشرة سنة على الأقل، ليلمسهم فيحميهم من كل شر. أراد التلاميذ أن يحموا المعلّم من هذه الهجمة، فطردوهم. تصرّفهم منطقي حسب عالم التوراة الذي يعتبر الأولاد وكأنهم لا شيء. هم من جماعة المنبوذين، هم على هامش المجتمع كالنساء والمرضى. لأنهم لم يتعلّموا الشريعة بعد. وغضب يسوع كما في الماضي (3: 5). وبرّر غضبه: "دعوهم يأتون...". وصار الأولاد مثالاً للكبار، لا بسبب صفة باطنية ينعمون بها كالوداعة أو البراءة، بل لأنهم من "الفقراء"، بل لأنهم يرتبطون بالكبار. قبلّهم يسوع وباركهم فعبرّ عن أقواله بأفعاله. وهكذا منحهم المكانة المحفوظة لهم في ملكوت الله.
قد يكون مرقس أعاد قراءة هذا الحدث في كنيسته. عارض بعض التلاميذ المتسلّطين الذين أرادوا أن يغلقوا الباب بوجه الذين يشبهون الأولاد. أي: الفقراء والمنبوذين. ذكّرهم الإنجيلي بتصرّف يسوع. هناك طرق عديدة بها نطرد "صغار القوم" من جماعتنا. لابدّ من أن نتذكرّ أنه في البدء لم يكن الأمر هكذا.
ما جمعه الله لا يفرقّه الإنسان. تبدو كلمة يسوع هذه قاسية قاطعة. ولكنها تكشف لنا أمراً رئيسياً. فالزوجان ليسا فقط كائنين يقف الواحد تجاه الآخر، ليسا كائنين ربطا مصيرهما وتبادلا الحب. إنهم ثلاثة. الزوجان هما هنا، والله هو هنا أيضاً. حمل الزوجان حبهما. والله حمل حبّه. ولا يكون حبّ الزوجين شيئاً من دون حبّ الله. لا حبّ حقيقياً من دون حضور الله الخفي.
في النظام المسيحي، يُعلن سر الزواج هجمة حبّ الله في حبّ البشر. ويخطئ المسيحيون حين يعلنون أن الإحترام والإكرام المتبادل يحلاّن محلّ الحب في العائلة. لا، فالواقع الوحيد والنهائي في كل حياة مسيحية، هو المحبّة، أي الحبّ الذي جاء من الله وظهر في يسوع المسيح.
وإذا كنت أنا الراهب أو الراهبة قد تخلّيت عن الزواج، فليس هذا التخلي لكي أحرّر وقتي للخدمة، بل لأجيب على نداء المسيح الحميم الذي يطلب مني أن أحبّ في حرية قلبي الكاملة أولئك الذين أوكلني بهم لأخدمهم وأحبّهم كما أحبهم هو. وإذا كنتما متزوّجين، فهذا لتحبّا بعضكما بعضاً كما أحبّكما الله. لتحبّا أولادكما كما أحبهم الله. لتشعّا معاً حب المسيح الذي يبذل حياته عنّا.
قال القديس بولس: "إن هذا السر لعظيم". ولكن لا يجب أن نجعل الحب البشري وكأنه أسطورة. نحن نعرف الفشل والمآسي، نعرف العائلات المنقسمة والزوج المتباعد عن زوجته. فسرّ الزواج هو نعمة، شأنه شأن العماد والإفخارستيا. هو عطية يقدّمها المسيح للبشر، ولكنه عطية نتقبلها ونجعلها تثمر ونجعلها تنمو. كما يحدثنا الإنجيل عن حمل الثمار، عن نمّو الزرع، عن خمير يخمّر العجين، عن وزنات نستثمرها. فالمسيح الذي يستطيع كل شيء لا يفعل شيئاً بدوننا.
إذا كنا عطاشاً إلى الحب، فلنحبّ بكل قوانا البشرية لنوّحدها مع قوة المسيح. وحين نطلب سّر الزواج، فنحن نلتزم بأمانة تجاه الآخر، وأيضاً تجاه المسيح. حين نطلب سر الزواج نعمل فعل إيمان: إيمان بالمسيح الذي يستطيع أن يخلّصنا من كل ضعفنا. إيمان بحبّه الذي يرفعنا، يوسّع قلبنا، يعمّق حبنا، فنصل إلى أعماق الآخر، إلى أعماق الله.
يتحدث الناس عن زواجات فاشلة، عن الطلاق أو أقله عن ابتعاد الواحد عن الآخر، عن رفض الحوار والخلافات... أو يقولون: المجتمع يتحرّك ولكن العائلة ثابتة. العائلة هي عصب المجتمع. تبقى لعائلة أساس شعب الله. وهي مكان يستمع فيه الواحد إلى الآخر، يحترم الآخر، يحبّ الآخر. العائلة تضم أجيالا الجدود والآباء والبنين، فينتقل حب الله عبر البشر إلى الأبد

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM