خاتمة عامة

خاتمة عامة

توقّفنا في هذا الجزء الأول من تفسير إنجيل متّى عند أربع مراحل: سرّ يسوع، من العهد القديم إلى العهد الجديد، الخطبة الأولى أي عظة الجبل، عشر معجزات.
في المرحلة الأولى عاد مت إلى تقاليد حُفظت في عائلة يوسف، فاتفق مع لوقا حول نقطة أساسيّة وهي الحبل البتوليّ بيسوع وميلاده في بيت لحم. كما اتفق معه على القول بأن يسوع هو ابن داود. بعد هذا، انطلق من أمور تاريخيّة مثل شخص هيرودس والكتبة والفريسيين، فبنى عدداً من الأخبار ذات بعد لاهوتيّ. والحقيقة التي أراد أن يقدّمها لنا هي أن يسوع ابن داود وموسى الجديد، هو المحرّر الذي يخلّصنا بموته وقيامته.
في المرحلة الثانية، ننتقل من عالم العهد القديم إلى عالم العهد الجديد. فالشعب العبراني، خلال إقامته في البرية وعلى مدّ تاريخه، فشل في الدخول إلى "ملكوت الله"، إلى هذه الأرض التي وُعد بها موسى. أما يسوع الذي دخل في هذا الشعب بولادته بفضل يوسف، وبرسالته بفضل يوحنا، فقد حمل في ذاته تاريخ هذا الشعب وقاده إلى كماله. وهكذا استطاع أن يعلن: "الملكوت قريب". ولكن إسرائيل سيرفض هذا الملكوت. حينئذٍ يضيء هذا النور للوثنيين، للشعب الجالس في الظلمة.
وقبل أن يقدّم يسوع خطبته الأولى التي تدشّن رسالته، اختار له تلاميذ، فبرزت كرازته بروزاً خاصاً، لأن هذه المجموعة الصغيرة ستحاول أن تعيشها. في هذه الخطبة (عظة الجبل) بدا يسوع معلّم الشريعة الذي يحدّد متطلّباتها بالنسبة إلى تلاميذه. وبدا سيّد المستحيل، ولكن لا مستحيل عند الله. ويسوع بدأ يغيّر القلوب قبل أن يقدّم لهم شريعته بكل متطلّباتها. وأخيراً، بدا يسوع ذلك الذي يحدّثنا عن النهاية القريبة. نحن في خطبة الجبل أمام فقاهة معدّة للمرتدّين الجدد الذين لامسهم تعليم المسيح وكرازة الكنيسة. هؤلاء سيصبحون تلاميذ يسوع على مثال الأولين الذين حوله مع الجموع على الجبل. فقال لهم: "طُوبى للمساكين بالروح".
بعد خطبة كشف لنا فيها يسوع حبّ الآب السماويّ، وأعطانا الوجه العميق والمتطلّب للشريعة الأولى، فصارت شخصاً حياً هو يسوع المسيح. بعد هذا كله، قدّم مت عشر معجزات تدلّ على سلطان يسوع على النفس والجسد، على الإنسان كلّه. ولكن المعجزة هي في الوقت ذاته كرازة وتعليم من خلال ما يفعله يسوع من أجلنا. وهي نداء على مثال ما في عظة الجبل. هنا نفهم لماذا أدرج متّى بين هذه المعجزات صورة عبد الله المتألّم. ونداء إلى التلاميذ لكي يتبعوه، وكلاماً يدعونا فيه لكي نختار بين خمر جديدة يقدّمها لنا وخمر عتيقة، بين ثياب جديدة وثياب بالية.
دهشت الجموع أمام هذا الجديد، أما الفريسيون فرفضوه لأنه يهدّد وضعهم وما فيه من عتيق وبالٍ. أما التلاميذ فرأوا في يسوع ذلك العريس الذي يرسلهم كالعملة إلى حصاده. فيا لفخرهم أمام هذه المسؤولية حين يقلّدهم "سلطاناً لكي يطردوا الأرواح النجسة، ويشفوا كل مرض وسقم" (10: 1).
ولكننا تجاوزنا الجزء الأول من كتابنا الذي سمّيناه "بدايات الملكوت" واستشرفنا على الجزء الثاني الذي سيكون عنوانه "سرّ الملكوت".

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM