رجاء شعب خاطئ

 

رجاء شعب خاطئ
المزمور المئة والسادس

1. المزمور المئة والسادس هو مزمور تعليمي يذكّرنا بتاريخ شعب الله وتدخّل الرب في هذا التاريخ رغم خطيئة اسرائيل. نجد فيه توسّلاً وطنيًا جماعيًا فيه يقرّ الشعب بخطيئته فيبكي وينسحق ويطلب. الله أمين رغم خيانة الانسان. الله أقوى من خطيئة الناس، وهو يُظهر نعمته العاملة دائمًا. حينئذ يصبح نشيدُ التوسّل والإقرار بالخطيئة نشيدَ مديح لله الذي يرحم الناس ويحبّهم "غصبًا عنهم". فالخلاص هو كلمة الله الاولى والاخيرة التي لا يقف بوجهها شيء. أما خطيئة اسرائيل فأظهرت خلاص الرب بوجه أوضح وأجلى لعيون الشعب.

2. رحمة الرب رغم خيانة الشعب.
آ 1- 5: مقدمة بشكل مديح: يطلب المرتّل من الله أن يعيد رحمته إلى شعبه بعد أن سقطت مملكة الشمال والجنوب بأيدي الاعداء. لا لأن الشعب استحق ذلك، وتاريخه الطويل تاريخ خياناته، بل لأن رحمة الرب تغلّبت دومًا على عدالته وغضبه.
آ 6- 46: يذكر المرتّل خطايا اسرائيل حتى دخول أرض الميعاد.
آ 6- 12: خطيئة الشعب وخلاص الله في البحر الأحمر: انتهر البحر.... وخلّصهم من يد المبغض.
آ 13- 15: خطيئة الشعب في الصحراء (نسوا أعماله، جرّبوه في القفر). وخلاص الرب لهم (منحهم ما طلبوه).
آ 16- 23: ثورة الشعب على الرب وتوسّل موسى من أجلهم: فهمَّ الرب أن يدمِّرهم لولا أن موسى...
آ 24- 31: ثورة ثانية على الرب: تذمَّروا، لم يسمعوا لصوت الرب، أغضبوا الرب بأعمالهم (عبدوا بعل فغور اله الكنعانيين، واشتركوا في ذبيحة اله ميت). ولكن فنحاس الكاهن (رج عد 25: 1- 14) كفَّر عن خطيئتهم فامتنع الوباء عنهم.
آ 32- 39: ثم كانت خطايا عديدة: ماء مريبة (خر 4: 10- 12)، الذبائح لأصنام كنعان...
آ 40- 46: يربط المرتّل هذه الخطايا القديمة بتلك التي سبقت النفي والجلاء. تنجسوا بأعمالهم وزنوا (إذا كان الله عريس شعبه، فعبادة الاوثان هي خيانة زوجية وزنى) فحمي غضب الرب وسلَّمهم إلى أيدي الأمم... ولكنه سيعود إلى شعبه البائس ويُظهر لهم رأفته.
مثل 6- 46: خاتمة بشكل صلاة من أجل خلاص جديد: خلّصنا أيها الرب الهنا واجمعنا من بين الأمم.
3. نقرأ هنا موضوع خروج الشعب من أرض مصر وحياته في الصحراء قبل الوصول إلى أرض الميعاد، ونعرف أعمال الله من أجله: أظهر جبروته وأعماله العظيمة، معجزاته وفظائعه في أرض حام (أي أرض مصر)، وأبان عن قوّة العهد الذي يربطه بشعبه.
نتعرّف إلى خطيئة الشعب المتكرِّرة وخيانته رغم أمانة الله ورحمته: خطئنا نحن وآباؤنا، أسأنا يا رب وأذنبنا... ويعود المزمور فيذكر كيف أن الشعب نسوا أعمال الله وجرَّبوه، فصنعوا عجلاً في حوريب (جبل سيناء) وسجدوا له، وتعلّقوا بالبعل، واغضبوا الرب بأعمالهم، فأثاروا روحه كثيرًا.
يذكر المرتّل قصاص الرب على خطيئتهم: أرسل نارًا فأحرقتهم، أراد أن يدمّرهم ويتلفهم لولا موسى. ضربهم بالوباء، سلّمهم إلى أيدي الأمم، فتسلّط عليهم مبغضوهم. ولكن الكلمة الاخيرة عند الرب ليست للقصاص والغضب، بل هي للرحمة وللرأفة. هذا ما ينتظره الشعب. لذلك يهتف في نهاية المزمور جوابًا على البركة الاخيرة: آمين. هللويا.

4. عهد الله في ابراهيم يتمّ في المسيح. ولهذا نستطيع أن ننشد عهد الله في يسوع وأعماله الحاضرة اليوم في الكنيسة. ونقرأ في العهد الجديد مقاطع تساعدنا على فهم هذا المزمور: حيث تكاثرت الخطيئة فاضت النعمة (روم 5: 20 ي).
وعلينا نحن المؤمنين أن نفحص ذواتنا ونقرّ بخطايانا. ولا تستطيع الكنيسة أن تحسب نفسها عروسًا لا دنس فيها ولا عيب (أف 5: 27) لأنها كنيسة خطأة. إذًا عليها أن تصلي هذا المزمور ذاكرة خطاياها عبر تاريخها.

5. مراحم الله وعقوق الانسان
يطلب منا المزمور 106 أن نسبِّح الرب بطريقته الرحيمة التي فيها حارب خيانات شعبه اسرائيل. فالقصّة الطويلة التي تورد أخطاء الشعب المختار تمتد بشكل اعتراف عظيم فتبرز نعمة الله العظيمة وصلاحه. إن المرتّل يعارض هذا الرجوع إلى الخطيئة الذي هو خاص بالانسان. وهذه الرحمة الثابتة التي هي خاصة بالله لا تتعب ولا تيأس. فتجاه الخيانات التي تشكّل تاريخ اسرائيل، يضع الله حنانه ليتغلّب عليها في أعمال متجددة من الغفران هي تاريخه الخاص.
ويعبّر المرتّل عن ألمه كإنسان يتعذّب أمام المحنة التي يمرُّ فيها شعبه الخاطئ، ويتوسّل إلى الله أن يضع حدًا لهذه الشرور برحمة جديدة من قبله. من كل هذا تظهر أمثولة أدبية عبّر عنها المرتّل مرّة واحدة في بداية مزموره فقال: يجب أخيرًا على اسرائيل أن يعود تائبًا وواثقًا، ويلتزم بالأمانة في كل شيء نحو الهه.
وهكذا يكون المزمور 106 مدراشًا عن التوبة أو عظة في زمن الفصح تجعل الماضي حاضرًا فتستخلص منه الرجاء لخلاص جديد.

6. لم يفهم آباؤنا عجائبك.
ما معنى كلمات المزمور: "لم يفهم آباؤنا عجائبك"؟ لم يفهموا إحسانات الله من أجلهم عبر المعجزات التي صنع. وماذا تمثّل هذه المعجزات؟ الحياة بلا حدود، الخير اللامتبدّل، لا الخير الزائل الذي نحصل عليه بصبرنا. فقدوا صبرهم فتذمّروا واغتاظوا وهجموا بشراهة على أطعمة الأرض الزائلة.
"لم يتذكّروا وفرة رحمته". يلوم المرتّل حكمهم وذاكرتهم. فقد كان على الحكم أن يفهمهم أن الخيرات الزائلة تُعد الطريق للخيرات التي لا تزول. وكان على الذاكرة أن تحتفظ بذكر المعجزات الزمنية: كان عليهم أن يستنتجوا بثقة أن قدرة الله التي أسعفتهم يمكنها أيضًا أن تخلّصهم من أعدائهم. نسوا معجزات مدهشة صنعها الله في مصر ليسحق أعداءهم. "لم يتذكروا وفرة رحمته".
ويجب أن نلاحظ كيف أن الكتاب يلوم الذين لم يفهموا ما يجب فهمه، الذين نسوا ما يجب أن تحتفظ به الذاكرة. إن الناس لا يحبّون أن يتهموا بهذه الذنوب. فيحتجون بذلك ليخففوا صلاتهم. يكونون أقل اتضاعًا أمام الله، بدل أن يعترفوا بما هم أمامهم ليصيروا بالنعمة ما لم يحصلوا عليه.
أن نتهم إنسانًا بخطايا الجهل والاهمال لنمحوها، أفضل من أن نعذره ونراها باقية. أفضل ألاّ نكفّر عنها سائلين المغفرة من الله من أن نزيدها خطورة فتثير غضب الله. ويزيد المرتّل: لم يعاملهم الله بحسب خيانتهم، بل خلّصهم من أجل اسمه ليجعل عظمته ساطعة. (أوغسطينس).

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM