الفصل العاشراقتراب الملكوت في يسوع المسيح

الفصل العاشر
اقتراب الملكوت
في يسوع المسيح، الابن الحبيب
ف 3- 4
1- موقع ف 3- 4
بيّننا في خطبة نبويّة مأخوذة من العهد القديم، كيف أعطت كلمة الله لـ "بداية يسوع المسيح، ابن داود، ابن ابراهيم"، كامل معناها (1: 1- 17). وكيف تحقّقت هذه الكلمة عبر تاريخ البشر (1: 18- 2: 23). والآن يرينا مت يسوع وقد صار شاباً. أخذ على عاتقه مسؤولية رسالته أمام الآب الذي أرسله. وما قالته الأسفار المقدّسة عنه، سوف يُتمّه بوعي وحرّية. لا كما نطيع شكلياً برنامجاً حدّد مسبقاً، بل كما نقوم بمهمة علويّة متّحدين بذلك الذي يسلّمنا إياها. فالكتب المقدّسة تحمل كلمة الله وبالتالي إرادة الله. وحين يتمّها يسوع فهو يتمّ إرادة الله. أما قال في يو 4: 34: "طعامي أن أعمل بمشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله"؟
إمتلأ يسوع من روح الله، فدلّ عليه الآب كالمسيح الحقيقي الذي يلبّي انتظار شعبه، لأنه يرضي أباه ويسرّه. وننتقل من الجليل إلى برية يهوذا. هنا تنتصب أمامنا صورتان متوازيتان ومتعارضتان: يوحنا المعمدان (3: 1- 12) الذي يمثّل الآمال المسيحانية في إسرائيل. ثم يسوع (3: 13- 4: 25) الذي جاء يكمّل هذا الآمال، يحقّقها في شخصه. إنه المسيح ابن داود وابن ابراهيم.
إن قراءة هذه المجموعة المتّاوية ستطرح علينا عدداً من الأسئلة حول المواجهة بين هذين الشخصين. سيدلّ الكاتب على ما يقرّب يوحنا من يسوع. فاللفظة "جاء، أقبل" (باراغينوماي) التي استعملت للحديث عن المجوس (2: 1)، تستعمل أيضاً للحديث عن يوحنا المعمدان (3: 1) وعن يسوع (3: 13). ثم إن ما يعلنه يوحنا من تعليم (3: 2: توبوا، فقد اقترب ملكوت السموات) هو ما يعلنه يسوع أيضاً (4: 17). غير أن الطريقة التي بها تقدّم يسوع إلى العماد مع المتقدّمين، وموقفه من التجربة، ووضعه في بداية رسالته في الجليل، كل هذا يجعله بعيداً عن صورة الديّان الاسكاتولوجي الذي أعلنه يوحنا: "ها إن الفأس موضوعة على أصول الشجر... كل شجرة لا تثمر تُقطع وتُرمى في النار... يأخذ مذراته بيده وينقّي بيدره" (3: 10- 12).

2- البنة الإجمالية
ينقسم ف 3- 4 إلى قسمين. يحدّد القسم الأول التضمين الذي يكوّنه تكرار الإعلان القاطع: "توبوا فقد اقترب ملكوت السموات" (3: 2؛ 4: 17). هذا التضمين يجعل موازاة بين إعلان يوحنا (3: 1- 4) الذي يورد أش 40: 3، وإعلان يسوع (4: 12- 17) مع إشارة إلى أش 8: 32- 9: 1.
أ- القسم الأول
تنتظم عناصر القسم الأول حول نصّ مركزيّ: خبر عماد يسوع أو بالأحرى توليته المسيحانيّة. وتشدّد على هذه المقطوعة المركزية، إشارة تدوينيّة هي تكرار لفظة "وإذا" (كاي ايدو، وها إن، آ 16، 17) وهي ستعود كصدى في نهاية خبر التجربة (4: 11: وإذا، وها ان). هذه اللفظة تقدّم حاشية احتفالية مع سلسلة من "وها إن السموات فُتحت" (3: 16). "وها إن صوتاً آتياً من السموات" (3: 17). "وها إن الملائكة جاؤوا إليه" (4: 11).
هذه المقطوعة تقدّم لنا المفتاح اللاهوتي لهذا القسم: إن المسيح الحقيقيّ هو ابن الآب السماوي. وقبل هذه المقطوعة وبعدها، تتجاوب وحدتان (أو بيتان) تقدّمان نمطين من المسيحانية سيناقشهما يسوع. الأولى: لقاء يسوع مع يوحنا (3: 2- 15). يتواجه يسوع مع نظرة المعمدان الاسكاتولوجية، ويعارض يوحنا اكتفاء "الفريسيين والصادوقيين". الثانية: مواجهة يسوع مع إبليس (4: 1- 11) في ثلاث تجربات حول مسيحانيّة أرضيّة: الحجارة، الهيكل، ممالك الدنيا.
ب- القسم الثاني
إن القسم الثاني يلعب وظيفة الخاتمة الانتقالية. ويتضمّن عنصرين: دعوة "الاخوين" سمعان واندراوس. ثم الأخوين يعقوب ويوحنا (4: 18- 22). والعنصر الثاني: إجمالة تصوّر نشاط يسوع (4: 23- 25). ويقدّم هذا النشاط من زاويتين رئيسيتين، سيتوسّع فيهما النصّ فيما بعد. "يعلّم في المجامع ويعلن إنجيل الملكوت" (ف 5- 7). ثم: "يشفي كل مرض وداء" (ف 8- 9). وهكذا أخذت الجموع تتبعه.
إن التكرار المثلّث لفعل "تبعه" (في اليونانية في الجمع، أما في العربية فتتبدّل الصيغة) في 4: 20، 22، 25، فيدلّ على أن ملكوت السماوات ليس واقعاً جامداً. فهو منذ البداية، يحرّك الأشخاص والجموع لكي يسيروا على خطى يسوع، لكي يتبعوه.

3- تحليل النصوص
أ- اعلان يوحنا المعمدان (3: 1- 4)
"وفي تلك الأيام". إن أولى كلمات ف 3 تدعو إلى التأمل بسبب الغموض الذي يكتنفها. فالعهد القديم عوّدنا على هذه العبارة، ولكن في صيغة المفرد: "في ذلك اليوم". إنها تدلّ على "اليوم الأخير" في التاريخ البشريّ، على "يوم الرب" (عا 5: 18- 20؛ هو 6: 1- 3؛ 9: 7- 9؛ مي 4: 6- 7؛ إر 4: 9- 12). أي على اليوم الذي فيه يظهر الله من جديد ليدشّن ملكه في العالم (مي 4: 1- 4؛ مز 94: 2؛ 96: 13؛ 97: 1؛ 98: 2- 4؛ 99: 1). وذلك حين يقيم إسرائيل ويدين الأمم (صف 3: 11- 18؛ ملا 3: 1- 5؛ زك 13: 1- 2؛ أش 13: 4- 13؛ حز 30: 2- 5؛ حب 3: 8- 10).
إذن، لهذه العبارة في المفرد طعم اسكاتولوجي، يستعملها مت أيضاً في هذا المعنى (7: 22؛ 24: 36؛ رج 10: 15، 11: 22، 24؛ 12: 36). كما يستعملها في صيغة الجمع (24: 19، 29). في العهد القديم تظهر العبارة في وضع قلق حيث يعرف تاريخ إسرائيل التردّد (تك 38: 1؛ خر 2: 11؛ قض 18: 1؛ دا 10: 3). وكذلك "أيام" ظهور يسوع تدلّ على واقع ملموس، على مستوى الحدث الذي هو محطة في تاريخ اسرائيل في قلب التاريخ البشري، ونقطة في مسيرة الجماعات المسيحية التي خرجت من العالم اليهودي، ولحظة فيها يوجّه متّى إلى قارىء إنجيله السؤال الحاسم والأخير حول حياته، فيقدّم له يسوع كما هو حيّ الآن.
فكل نصّ إنجيلي يُقرأ على ثلاثة مستويات. ونستطيع أن نقول ثلاث طبقات تدوينيّة. أما هدف المدوّن الأخير فنستشفّه في الترتيب النهائي للمواد. وهذا ما نكتشفه بفضل تحليل البنية الأدبية. غير أن النص "يصوّر" أيضاً حياة الجماعات الكنسيّة الأولى وردّات فعلها على الأحداث. إن هذه الجماعات تفسّر خبرتها الخاصة على ضوء حياة يسوع: وهكذا يدلّ المقطع الذي ندرس على الطريقة التي بها فهم المسيحيون الأولون نشاط المعمدان وتعلميه. وأخيراً، إن الأحداث نفسها تُدرك في الإطار الجغرافي والتاريخي وذلك بفضل المعطيات الإنجيلية، وسائر المراجع التاريخية مثل كتب فلافويس يوسيفوس وغيره. فهذه المراجع تعلمنا الكثير عن الحركات العماديّة وما فيها من تجدّد روحي، التي كان مسرحها برّية الأردن في بداية القرن الأول المسيحي. تدوين، تقليد، تاريخ. تلك هي الطبقات الثلاث التي نميّزها دون أن نفصلها، وسنحاول أن نرى ارتباطها حين نقرأ نصّ مت كما تسلّمناه من الكنيسة.
إذا أردنا أن نفهم دخوله يوحنا المعمدان على مسرح الأحداث، نتذكّر أنه في ذلك الوقت، كان اليهود يعيشون تحت الاحتلال الروماني ومضايقات هيرودس. فبحثوا عن الخلاص بطرق متعدّدة. ففي قلب العالم اليهودي، وخصوصاً في أورشليم، تنظّمت "أحزاب" أو "شيع". هناك الفريسيون أو "المنفصلون" الذين ولدوا في زمن المكابيين (1 مك 2: 42)، والذين عدّوا 6000 عضو حسب ما يقول فلافيوس يوسيفوس. جمعوا بعض الكهنة وعدداً كثيراً من العوام (أو: العلمانيين) اختاروهم من وسط الكتبة أو علماء الشريعة. كانوا أمناء للشريعة والتقليد الشفهي كما تسلّموه من القدماء، فصاروا في أيام يسوع المحرّكين الروحيّين في الشعب. لهذا كان تأثيرهم مهماً على المستوى الديني والأخلاقي. أما على المستوى السياسي فدافعوا عن استقلالية الشعب اليهودي، وظلّوا متحفّظين في علاقاتهم مع الرومان.
وهناك الصادوقيون: ينتمون إلى الكاهن صادوق، الذي جُعل رئيس كهنة في أيام سليمان (1 مل 2: 35). شكّلوا حزب الكهنة، فضمّوا أغنى العائلات الكهنوتية. أخذوا بالعادات اليونانية، وتكيّفوا مع السلطة الرومانية. أما على المستوى الديني، فتبعوا "التوراة" بحصر المعنى، أي البنتاتوكس (أسفار موسى الخمسة)، ورفضوا التقليد الشفهي. لم يؤمنوا بالقيامة ولا بوجود الملائكة ولا بالعناية الإلهية.
وكانت هناك اتجاهات متطرّفة. أولهم الغيورون. شكَّلوا حزباً متعصّباً ذا طابع سياسي وديني. أسَّسهم يهوذا الجليلي سنة 6 ب. م.، فحلموا بدولة تيوقراطية (حكم الله بواسطة الكهنة)، واعتبروا أن الله وحده يستطيع أن يكون ملك اسرائيل، ووضعوا نصب عيونهم إلغاء النير الروماني بالعنف. رفضوا أن يدفعوا الجزية، فوجدوا نفوسهم في البرية يستعدّون للحرب المقدّسة. وهذه الحرب اندلعت في الواقع سنة 66 ب. م. وخلال "الثورة اليهودية" التي انتهت بدمار أورشليم والهيكل سنة 70. وقابلهم الاسيانيون الذين انعزلوا هم أيضاً في البرية وهيّأوا في الوحدة جماعة العهد المسيحاني.
كان يوحنا المعمدان يكرز ويعمّد على ضفاف الأردن، على بعد عشرات الكيلومترات إلى الشمال من خربة قمران، حيث أقام سنة 130 ق. م.، في قلب الصحراء وبالقرب من البحر الميت، جماعة من الصادوقيين المعارضين. عاشوا في انتظار "اليوم الأخير" وانصبّوا على دراسة الشريعة وتنقية القلب بقيادة الروح القدس. فعاشوا حياة من النسك مركّزة على المشاركة في الخيرات، على العزوبية، على الخضوع لقاعدة الجماعة ومعلّمها. مارسوا طقوساً اغتسالية واحتفلوا بوليمة عهد تدلّ بواسطة مباركة الخبز والخمر، على الوليمة المسيحانية.
يبدو أن مهمة يوحنا تسجّلت في هذا التيّار، وإن دلّت على ميزات خاصة به. ولكنها كانت موجّهة إلى الأمام، إلى يسوع. لهذا قارب مت بين يوحنا ويسوع. واتخذت رسالة المعمدان النبوية قيمتها كمقدّمة لرسالة يسوع.
قدّم مت هذين الشخصين بشكل متوازٍ (3: 1 و3: 13) كما قابل بين كلمات اعلانيهما (3: 2؛ 4: 17). قاد يوحنا إلى ضفاف الأردن جموع أورشليم واليهودية (3: 5). أما يسوع فاجتذب إليه لا "الاخوة" (سمعان واندراوس، يعقوب ويوحنا) وحسب، بل "الجموع الكثيرة" أيضاً. هذه الجموع أتت أيضاً من أورشليم واليهوديّة. كما أتت من الجليل ودكابوليس (المدن العشر) وشرقي الأردن (4: 25). هذا يعني أن الحواجز المناطقية بدأت تزول مع يسوع. أخيراً، ارتبطت رسالة يوحنا بإيراد كتابي من أشعيا (40: 3= مت 3: 3)، وكذلك رسالة يسوع (أش 8: 32- 9: 1= مت 4: 14- 18).
هذان الاستشهادان الكتابيان يبيّنان كيف قرأ مت (الجماعات المسيحية الأولى) العهد القديم على ضوء ذاك الذي جاء يتمّه. هذا البُعد بدا لنا جلياً في ف 1- 2، وسوف نراه في توالي الإنجيل الأول. طريقة عرفها العالم اليهودي المعاصر، الذي يسند آماله المسيحانيّة إلى نصوص نبويّة. فجماعة الاسيانيين في قمران، طبّقت على نفسها نص أش 40: 3 (هيّئوا طريق الرب). في هذا المجال نقرأ في قاعدة الجماعة: "حين يكون هذا في إسرائيل، ينفصلون من وسط مسكن الناس الأشرار ويذهبون إلى البرية، ليهيّئوا فيها طريق ذلك الذي كُتب عنه: في الصحراء، هيّئوا طريقاً ليهوه (في النص، توضع 4 نقاط فتدل على الاسم الإلهي المربّع الحروف ي هـ وهـ)، ارسموا في الفيافي سبيلاً مستقيما لإلهنا". هكذا هو طلب الشريعة التي فرضها الله بواسطة موسى، لنعمل بحسب ما أوصي لنا جيلاً بعد جيل وحسب ما كشفه الأنبياء بروح قدسه.
ولكن، وعى أهل قمران أنهم يشكّلون جماعة العهد الحقيقيّة، المرتبطة بالملائكة، والعائشة منذ الآن من الحضور الإلهي بانتظار المسيح. أما الكنيسة الأولى فرأت في يسوع ذاك الذي يتمّ هذا الانتظار الذي بدا شخصاً حياً في فم المعمدان. بدأ يوحنا فـ "كرز" (كاريساين). ومثله فعل يسوع (4: 17، 23؛ 9: 35؛ 11: 1). وعلى خطاه سيسير التلاميذ (10: 7، 27؛ 24: 14؛ 26: 31).
نجد تذكّراً لنصّ أش 41: 15- 16 في 3: 12. أما عبارة الكرازة لدى يوحنا ويسوع فهي تلك التي استعملها أشعيا الثاني ليتحدّث عن البرّ أو الخلاص الاسكاتولوجي في خطّ أنبياء المنفى والنصوص الاسكاتولوجية. فلباس يوحنا يذكرنا بلباس إيليا (2 مل 1: 8). أما طعامه فطعام البدو العائشين في الصحراء.
وما معنى هذا الإعلان النبوي؟ إنه يعبّر في نظر يوحنا عن يقين يعلن أن انتظار الشعب قد تمّ: إنه يؤمن، شأنه شأن معاصريه، أن هذا لن يكون إلا بالحدث الحاسم، بمجيء المسيح الذي يبيّنه كديّان نهاية الأزمنة (3: 10- 12). فبين كرازة يوحنا و"نهاية العالم"، لم يعد من مكان إلا لحدث واحد هو مجيء ذاك الذي معه تأتي نهاية العالم. يوحنا هو أعظم من نبيّ (11: 9). أنه يجمل في شخصه جميع الأنبياء. هو لا يعلن حدثاً من أحداث التاريخ، بل يعلن الحدث الذي يضع حدّاً للتاريخ.
ب- يوحنا ويسوع (3: 5- 15)
أولاً: البنية الأدبيّة
بلغت كرازة يوحنا إلى أورشليم واليهوديّة والمناطق المحيطة بنهر الأردن: فهناك عاشت التيارات المؤثّرة في العالم اليهودي. ودخل الفريسيون والصادوقيون على المسرح (3: 7). على المستوى التاريخي، كان تباعد بين اتجاه هذين "الحزبين". ولكن مت جمعهما في إطار واحد (16: 1، 11، 12)، ووجَّه إليهما معاً أقوال يوحنا القاسية التي وجّهها لو 3: 7- 9 إلى الجموع الآتية لتعتمد. فمتّى يهاجم بشكل مباشر رؤساء الشعب، ويبرز عندهم موقفاً من الازدواجية والاكتفاء بالذات. ساعة دوّن متّى إنجيله، خسر الصادوقيّون كل أهمية، لا سيّما بعد دمار أورشليم وهيكلها. ولكن التناقض بين الجماعات اليهوديّة والجماعات المسيحية زاد اتساعاً. في هذا السياق، دلّت عبارة "الفريسيين والصادوقيين" على السلطات اليهوديّة اجمالاً، على الكهنة وعلى فئات الشعب.
يتوزع هذا المقطع ثلاث مرات "عندئذٍ" (توتي، 3: 5، 13، 15)، فنكتشف ثلاث وحدات صغيرة. في الأولى نرى الزحف اليهوداوي إلى يوحنا لقبول العماد. وهدا ما يتيح له أن يوضح اعلانه الأولاني: "توبوا، فقد اقترب ملكوت السماوات" (3: 2). وأمام "الفريسيين والصادوقيين" الحاضرين بين سامعيه، شرح معنى التوبة الحقّة (3: 7- 10). ثم توسّع في نظرته إلى ملكوت السماوات، وإلى مجيء الديّان الاسكاتولوجي في الغضب وفي النار (م: 11- 12). الوحدة الثانية تصوّر لقاء يوحنا ويسوع. اعتمد يسوع رغم اعتراض السابق (3: 13- 15 ب)، ولكنه رفض تصوّره للمسيح الآتي (الديّان). وكانت الوحدة الثالثة قصيرة جداً (آ 15 ب): روت خضوع يوحنا الذي ترك الأمور تسير ووافق على تعميد يسوع.
ثانياً: الوحدة الأولى: رياء وتمييز
ونتوسّع في المواضيع الرئيسية في هذه الوحدات الثلاث. أما الأولى فتذكر موضوع الرياء وموضوع التمييز.
* موضوع الرياء
عمل يوحنا كالأنبياء الذين سبقوه، فندّد برياء مسعى ديني خارجي كله (عا 5: 21- 27؛ أش 1: 10- 20؛ 29: 13- 14؛ إر 7: 1- 8: 3). ومثلهم واجه "الشريعانية" (تعلّق مفرط بالشريعة) التي تجعل جوهر الديانة في ممارسة رسوم فرضتها الشريعة، وتوسّع فيها التقليدُ توسّعا دقيقاً. وتظهر هذه الشريعانية في الخارج مراراً، عبر موقف من الاكتفاء الذاتي، وثقة بالنفس تجعلنا على المستوى الشخصي نحتقر الآخرين، وعلى المستوى السياسي نتعصّب لروح وطنيّة تعرف العنف تجاه "الغرباء" والتساهل مع "أهل البيت". "إن ابانا هو ابراهيم" (3: 9).
فالايمان الذي نتقبّله من الله، قد يصبح طمأنينة كاذبة تتيح لنا أن نبرّر ذواتنا في كل آن. لهذا ذكّرهم المعمدان أن الارتداد هو في ذاته عمل إلهي. فإذا كان الله يقدر أن "يخرج من هذه الحجارة أبناء لابراهيم" (3: 9)، فهذا يعني أن الإيمان ليس خيراً خاصاً بعائلة أو قبيلة. ليس وديعة تقليديّة يكفي أن نحتفظ بها وكأنها إرث وطني. الإيمان هو التزام حقيقي وتساؤل دائم يجعل الإنسان تجاه الله وملكوته. والاقامة الكسولة في الاختيار هو فخّ دائم لإسرائيل. أما الارتداد الحقيقي فيدلّ على أمانة الشعب للعهد، ويظهر عبر علامات لا تخطىء، هي الثمار. هنا نجد موضوع الشجرة التي تُعرف من ثمرها، وهو موضوع سيعود فيما بعد (3: 10؛ رج 7: 17- 19؛ 12: 33).
* موضوع التمييز
على الإنسان أن يتخذ موقفاً تجاه ملكوت السماوات: لقد دقّت ساعة التمييز، فها إن "الفأس موضوعة على أصل الشجرة" (3: 10). فإن كانت عقيمة قُطعت. هنا نتذكّر صورة البطمة التي تُقطع (أش 6: 13) أو الأرزة الباسقة (رمز إسرائيل) التي يدمّرها المجتاح (حز 31: 10- 13). أو الصورة التي يستغلّها دانيال ليتمثل نموّ المملكة البابلية وسقوطها (دا 4: 7- 12). تفهمنا هذه التذكّرات البيبلية لماذا صوّر يوحنا مجيء المسيح كالوحي الحاسم لانتظارات البشر. فـ "يوم الرب"، يوم افتقاد الرب وزيارته، هو يوم غضب (صف 1: 15- 2: 3) لا يفلت منه أحد. فعلى المؤمن أن يقرّ بخطاياه وينال التنقية على مثال أشعيا ساعة دعاه الرب (6: 5- 7). فمن الواضح للمعمدان أن المسيح قريب وأن ساعة الغضب قد أتت. وهذا ما اعتقدته أيضاً جماعة قمران الاسكاتولوجية، التي عاشت في البرية في انتظار تجدّد كل شيء، الخروجَ الذي يجعل من إسرائيل شعب العهد.
وتنديدات يوحنا المعمدان بالفريسيين والصادوقيين، تشبه شبهاً غريباً بعض مقاطع من "قاعدة الجماعة" (في قمران) التي تهاجم بعنف "رجل حزب بليعال". أما صورة الشجرة التي تحرقها النار فنجدها في إحدى مدائح قمران حيث يشبّه أعضاء الجماعة "بشجر الحياة" وسط "شجر المياه" أي الأشرار الذين يحتقرون الأولين ولكنهم في النهاية يحرقون في النار.
نشير هنا إلى أن المؤمن القمراني، حين يدخل في الجماعة، يعترف بخطاياه، ويلعن الذين تبعوا روح الشر. وكانت لعنةٌ محفوظة للذي يدخل في الجماعة دون أن يرتدّ بكل قبله. "ملعون في رجس قلبه المائل إلى التعدّي، من يدخل في هذا العهد مع أنه يتعلّق بخطى الضلال. فإن حصل وسمع أقوال هذا العهد، فهنَّأ نفسه قائلاً: السلام لي حتى وإن سلكت في عناد قلبي، فالعطش يدمّر روحه بدون مغفرة، رغم وفرة الماء. وغضب الله وعنف دينونته يشتعلان ضده من أجل هلاك أبدي".
وهكذا تندرج خطبة يوحنا كما يعبّر عنها مت (آ 7- 12) في خطّ جماعة قمران. فهو مثلها يعارض اليهوديّة الرسميّة التي تشرف عليها سلطات أورشليم، كما يعارض ميولها الشريعانيّة ومساوماتها، لأنه يؤمن بأن المسيح الديان آتٍ قريباً. والدينونة التي يعلنها تقوم في حكم على الشريعانيّة ومساوماتها، لأنه يؤمن بأن المسيح الديّان آتٍ قريباً. والدينونة التي يعلنها تقوم في حكم على الشريعة ينزع عنها القناع، وفي تطهير جذري للضمائر: هذا ما ترمز إليه تنقية البيدر وتدمير التبن بالنار (آ 12).
هذه التشبيهات التي نجد ما يقابلها في قمران، قد أُخذت من عالم الأنبياء. فهم يصوّرون مجيء الله النهائي كرجل يغربل القمح بعد الحصاد ليجعله في اهرائه، وينقّي بيدره من القشّ (هو 9: 1- 2؛ مي 4: 11- 13؛ إر 4: 11). فالنار التي تحرق وتنقّي، تعبرّ عن حدة تصرّف الله حين يعاقب الأشرار (عا 1: 4- 2: 5؛ حز 22: 18- 22؛ صف 1: 18؛ ملا 3: 2- 19؛ أش 66: 15- 16) وحين يمنح أنبياءه اندفاع حبّه (إر 20: 9؛ 23: 29؛ زك 2: 9). حين أعلن يوحنا أن الذي يأتي بعده "يعمّد في الروح القدس والنار" (آ 11)، فهو يعارض بين عماده الخاص الذي هو عماد تهيئة، وعماد نهائي يتحوّل فيه الإنسان، كما في بوتقة، تحوّلاً داخلياً بروح الله.
ثالثاً: الوحدة الثانية
تبدأ الوحدة الثانية. بلفظة "عندئذ" (توتي)، فتدلّ على يسوع الذي أقبل إلى ضفاف الأردن فبيّن أن نظرته تختلف عن نظرة المعمدان إلى ملكوت السماوات ومجيء المسيح (آ 13- 15). فيسوع لا يأتي من اليهوديّة ولا من أورشليم، بل من الجليل. "جاء" مثل السابق (باراغيناتاي) (آ 13، رج آ 1)، ولكن لينضمّ إلى صفّ الراغبين في العماد.
فُسّر مسعى يسوع في طلب العماد بطرق مختلفة لدى الشرّاح. لا شكّ في أن الخبر يحمل (في نظرة مت) تلميحاً إلى الحاش (الآلام) عبر تماهي يسوع مع عبد يهوه (أش 42: 1 كما في مت 3: 17) الذي حمل عاهاتنا (أش 53: 4 كما في مت 8: 17). وإن موت يسوع (27: 45- 56) سيكون عند مت "رؤية" للمعمودية. ومهما يكن من أمر، تدلّ هذه الفعلة على إرادة يسوع بأن يتضامن مع الخطأة (هنا تبدو نظرة المعمدان ناقصة: يسوع ليس ضد الخطأة، بل معهم).
وسيوضح وليْ الانجيل هذا الدخول المحيرّ للمسيح على مسرح الأحداث. تضامن مع الخطأة، حمل خطاياهم منذ الآن. ولكنه سيحسّ بثقل الخطيئة بشكل خاصّ على الصليب. أما الآن، فينضمّ إلى الخطأة حيث ينتظرهم الله ليردّهم إليه، ويشاركهم إيمانهم ورجاءهم.
ولكن بما أن يوحنا رأى في يسوع المسيح الديّان الذي أنبأ به، لم يوافقه على الخضوع لفعلة التنقية هذه. أجابه يسوع بألفاظ سرّية: "أترك الأمر الآن وافعل. هكذا يجب علينا أن نتمّ كل برّ" (آ 15). هذا الجواب الذي لا يستطيع يوحنا أن يفهمه يدلّ على خضوع أراده يسوعُ بملء حريته، لقصد الله الذي يتجاوز المعمدان.
رابعاً: الوحدة الثالثة
تبدأ الوحدة الثالثة في آ 15 ج مع "عندئذ" (توتي)، فتحدّثنا عن يوحنا الذي وافق على طلب يسوع، وهكذا اكتشف فجأة التوجيه الأساسيّ لملكوت السماوات. إمّحى ولكن إمحّاءه سيتخذ كل عمقه فيما بعد. وهو لن يصل إلى كامل معناه إلا حين يكشف المسيحُ بُعده.
إن الكلمة الأولى التي تلفّظ بها يسوع في مت تشدّد على لفظتين متّاويتين: "البرّ" (ديكايوسيني)، "التتمة" (بلارون). لقد جاء يسوع لكي "يتمّ"، لكي "يكمّل". فهو الذي يقود نهاية تاريخ شعبه إلى ملئه، كما يتمّ الكتاب المقدّس الذي يحمل هذا التاريخ. ولفظة "برّ" التي تعود مراراً في مت، ولا سيّما في العظة على الجبل (5: 6، 10، 20؛ 6: 1- 33؛ 21: 32)، تدلّ (كما في التوراة) على توافق تصرّف الإنسان مع إرادة الله. توافق بين استقامة الإنسان في حياته وأعماله مع رحمة الله.
هنا يدعو يسوع المعمدان إلى أن يخضع معه لمسرّة الآب التي دلّ عليها الصوتُ السماوي (آ 17). أما الآن، فيجب أن يظهر تضامناً عميقاً مع شعبه الخاطىء فيمرّ عبر مياه المعمودية، كما عبر اسرائيل في الماضي، بحر القصب ثم نهر الأردن، قبل أن يدخل إلى أرض الميعاد.
ج- يسوع هو المسيح وابن الله الحبيب (3: 16- 17)
أولاً: الحدث التيوفاني
إن الأخبار الانجيليّة عن عماد يسوع تبدو موجزة جداً. ومتّى يبدو أكثر ايجازاً فيكتفي بأن يورد الحدث بواسطة اسم مفعول "معمَّد" (عُمِّد). ثم انتقل حالاً إلى حدث الظهور، الحدث التيوفاني، الذي يشكّل قلب هذا القسم. غير أنه لا يحدّد الجهة التي إليها يتوجّه الصوت الآتي من السماء. "هذا هو ابني الحبيب، عنه رضيت" (آ 17). قد تدلّ صيغة الغائب (هذا) على أن الصوت يتوجّه إلى أناس تجمّعوا حول المعمدان، وعبرهم إلى جميع البشر، وبالتالي إلى قرّاء الانجيل.
جعل مر 1: 11 ولو 3: 22 الصوت في صيغة المخاطب: "أنت هو ابني الحبيب عنك رضيت". وأورد يو 1: 34 شهادة السابق، فبدّل القول الاعلاني: "رأيت وشهدت أنه هو مختار الله".
تجذّر نصّ متّى تجذّراً عميقاً في التقليد الإزائيّ الذي يدلّ كله على الأهميّة التي تعلّقها الجماعات (التي تعكس إيمانها بهذا التقليد) على تولية يسوع المسيحانيّة ساعة عماده على يد يوحنا. وتُصوَّر السماء التي "تنفتح" والروح الذي "ينزل" على يسوع ساعة "يصعد" من الماء، وذكر "الصوت" الآتي من السماء، وعبارة "مثل حمامة"، يصوّر كل هذا على أنه جزء لا يتجزّأ من هذا التقليد الذي نجد صداه في يو 1: 31- 32. كما نجد فيه إشارة تدلّ على أن الكنيسة الأولى أنارت مدلول هذا الحدث بأول أناشيد عبد الله سفر أشعيا. "ها عبدي الذي أسانده، ومختاري الذي رضيت عنه. جعلت روحي عليه" (أش 42: 1). كما أنارته بنصّ مز 2: 7: "قال لي الرب: أنت ابني. أنا اليوم ولدتك" (مز 2: 7). وهكذا تلتقي النظرة إلى المسيح الملوكي مع النظرة إلى عبد الله المتألمّ.
ثانياً: بنية النصّ
إن بنية النصّ المتاوي تُبرز نقطتين يشدّد عليهما تكرار لفظة "وإذا" (كاي إيدو): انفتاح السماوات مع نزول الروح. الصوت الآتي من السماء.
كان متّى قد شدّد في كلامه على أن الحبَل بيسوع هو من عمل الروح القدس (1: 18- 20). وها هو يبيِّن الآن أن أصل رسالته ووسط البشر هو الروح القدس. وهكذا نزل الروح عليه بشكل جديد: "مثل حمامة".
إن العلاقة الرمزيّة بين الروح والحمامة قد تجد أساساً في المقاطع التي تشبّه روح الله بالطائر. وبحثَ شرّاح عن علاقة بين الحمامة وشعب اسرائيل (هو 7: 11؛ 11: 11؛ أش 59: 11؛ 60: 8). فالروح الذي حلّ على يسوع هو الذي يتجسّد في الجماعة التي ترمز إليها الحمامة.
وقد عُرض تفسير آخر عن الحمامة. في العالم اليهوديّ، لم تكن الحمامة يوماً صورة عن الروح. ولكن بعض النصوص الرابانيّة تقابل تحرّك روح الله مع تحرّك حمامة "تحوم فوق صغارها عن قرب دون أن تلمسها". هذا ما فعله الروح حين "رفرف" على المياه الأولى (تك 1: 2). هذه المقابلة تشدّد على وداعة روح الله وعمله القريب مع أنه الآخر الآخر. ويتحدّث نصّ مت، شأنه شأن نصّ مر، لا عن المظهر (هذا ما فعله لوقا لأنه يتحدّث إلى حضارة أخرى)، بل عن الطريقة التي بها حلّ الروح وفعل في يسوع. وعبارة "بعض الشيء مثل حمامة" (هوساي) تحوّل فعل "نزل" (آ 16) لا لفظة الروح.
أما إعلان الصوت الآتي من السماء، فقد عبرّ عنه مت في صيغة الغائب كما فعل أشعيا حين تحدّث عن عبدالله (42: 1)، لا في صيغة المخاطب كما فعل مز 2: 7. ولفظة "الحبيب" تعود إلى تك 22: 2، 16 حيث يتوجّه الله إلى ابراهيم فيسمّي ابنه اسحق الحبيب. وقد يكون هناك تلميح إلى عنوان مزمور 45 (حسب السبعينية، 44: 1): "نشيد الحبيب". هذا المزمور الذي يتحدّث عن زواج الملك، يليق بالمقام ساعة يخطب المسيح كنيسته ليلدها من ماء المعمودية. وقد نعود إلى تث، لأن هذا السفر يشير مراراً إلى صوت الربّ يحدّث شعبه. مثلاً، 4: 36: "من السماء أسمعكم صوته". وهذا السفر يقابل وضعَ اسرائيل بوضع الابن كما في 8: 5: "كما يؤدِّب الإنسان ابنه قد أدّبك الرب إلهك".
وأخيراً، تقدّم بداية حز تشبيهاً مع هذا المقطع عن عماد يسوع. نقرأ في 1: 1: "إذ كنت بين المسبيّين على شاطىء نهر كبار، انفتحت السماوات فرأيت رؤى الله" (1: 1). ويبدأ خبر هذه الرؤى بأداة "فإذا" (كاي ايدو، حز 1: 4) التي يتفرّد متّى باستعمالها.
ثالثاً: الفن الأدبي
ونطرح السؤال: إلى أي فنّ أدبي ينتمي خبر هذه الرؤية التدشينيّة التي لا تصوّر مشهداً لاحظناه بعيوننا الماديّة، ولا تفتحنا أمام خبرة سيكولوجيّة، ولا تقدّم لنا وحياً داخلياً عن يسوع. فالموضوع هو قبل كل شيء موضوع لاهوتيّ: إنه يدلّ على اهتمامات الجماعات المسيحيّة الأولى بأن تعبرّ عن إيمانها بيسوع على أنه ذاك الذي جاء يُتمّ الانتظار المسيحاني، وأن تبرّر مسعى يسوع الذي لا يُفهم حين تقدّم لكي يعتمد على يد يوحنا.
تضمّن هذا الخبر عناصر قريبة من "التيوفانيات"، من ظهورات الله (رج أش 63: 9)، من "الابيفانيات"، أي إعلانات عن ظهور الله المخلّص، من أخبار "الدعوات النبويّة" التي نجدها مراراً في العهد القديم. لن نتوقّف عند المقابلات مع الأخبار السطريّة والشروح العباديّة، بل نقول إنه يرتبط بالفن الجلياني فنسمّيه: "رؤية تفسيريّة" نجد مثلها في التراجيم المتعلّقة بابراهيم واسحق ويعقوب، وهي تلقي ضوءاً ع خبر عماد يسوع.
إرتدى هذا النصّ أهميّة رئيسية بالنسبة إلى الكنيسة الأولى. وهذا ما شدّد عليه مت حين لاحظ أن الروح نزل للقاء يسوع. فيه بدت السماء وكأنها تنضمّ إلى الأرض لأن "ملكوت السماوات قد اقترب" (3: 2). بعد الآن، كل شيء يتوجّه إلى يسوع. وكل إنسان مدعو لكي يسمع الصوت الذي يأتي من السماء فيعطي معنى ما يحصل على الأرض. وسيكون يسوع بحياته وأقواله وأعماله صوت الآب بالنسبة إلى البشر. بعد ذلك، لا فائدة من تصوّر "ما حصل" على مستوى الواقع الماديّ ساعة عماد يسوع. فحياته وموته وقيامته تنير هذا الحدث: وعى يسوع دعوته المسيحانيّة ووعت الجماعة المسيحيّة هذه الدعوة بعد القيامة، فاكتشفت أن العماد المسيحيّ يجعلها في خطى المسيح أمام الابن والروح. هذا ما يكشفه لنا خبرُ الابن.
د- لا لمسيح زمنيّ (4: 1- 11)
إن خبر تجربة يسوع من الشيطان عند مت كما عند مر، يلي مباشرة خبر العماد. أما لوقا فيُدرج بين الاثنين سلسلة نسب يسوع الذي يعود به إلى آدم "ابن الله" (لو 3: 23- 28). يبدو توسّع مت تفسيراً لاهوتياً وليتورجياً لآيتين كرّسهما مرقس للتجربة (مر 1: 12- 13). وبدا نصّ مت قريباً جداً من نصّ لو. ولكن صارت التجربة الثانية التجربة الثالثة. ثم إن إيراد تث 8: 3 هو أطول عند لوقا منه عند متّى. ولكنه يطيل الكلام عندما يتحدّث عن رؤية ممالك العالم.
أولاً: بنية النصّ
ترد لفظة "حينئذ" (توتي) أربع مرات فتتوزّع النصّ كما فعلت في مشهد العماد. حينئذ اقتاد (آ 1). حينئذ أخذه إبليس (آ 5). حينئذ قال له يسوع (آ 10). حينئذ تركه ابليس (آ 11). والمرة الرابعة تقدّم خاتمة تذكّرنا بنهاية الحوار بين يوحنا ويسوع (3: 15). وتأتي لفظة "وإذا" في 3: 16، 17 بشكل صدى في هذا المشهد: "وإذا ملائكة أقبلت وأخذت تخدمه" (آ 11).
واجه يسوع في هذه التجارب، لا مسيحانيّة اسكاتولوجيّة في خطّ جماعة قمران، بل مسيحانيّة أرضيّة وطنيّة، مسيحانيّة تدافع عنها جماعةُ الغيورين. فالرباط واضح بين العماد والتجربة: فالروح الذي نزل على يسوع هو الذي قاده إلى البريّة، لا كما يقول الاسيانيون، ليبحث في الشريعة ويكتشف من جديد روح العهد، ولا كما يقول الغيورون، لكي يهيّىء هناك المقاومة المسلّحة، بل لكي يجرّبه الشيطان. لا بدّ لمسيحانيّة يسوع من أن تمرّ في المحنة: حين "يتمّ كل برّ". (3: 15) يخضع للآب الذي تعبرّ الأسفار المقدّسة عن إرادته (هذا ما اكتشفناه في ف 1- 2). إن ملكوت السماوات يأتي في اللاعنف وفي تواضع عبدالله المتألّم.
ولكن لماذا نجد "تجربة الغيورين" هنا في فم ابليس؟ حين تقدّم يسوع إلى عماد يوحنا الذي ندّد بشريعانيّة (تعلّق مفرط بالشريعة) السلطات وريائها، جعل نفسه في خطّ انتظار اسرائيل الاسكاتولوجي الذي نادى يوحنا به. غير أن يسوع لم يأخذ بنظرة السابق كلها. ففيه، وهو المسيح، تأخذ الاسكاتولوجيا وجهاً جديداً. لم تعد نهاية أزمنة رهيبة نجدها في أفق التاريخ. بل صارت حاضرة لدى البشر في شخص الابن الحبيب الذي بدّل تبديلاً تاماً ما أعلنه يوحنا من دينونة رهيبة.
ولكن إن تحقّقت الاسكاتولوجيا في حاضر يسوع التاريخيّ، نفهم أن تكون التجربة الحقيقيّة هي تجربة المسيحانيّة الأرضيّة حسب نظرة الغيورين. نحن نتقبّل واقع التاريخ كله من الآب، أما الانسان فيحاول أن يضع يده عليه، أن يمتلكه، أن يوجّهه. هذه التجربة عاشها المعمدان حين "أخذ يعثر" بسبب يسوع، حين صار يسوع له "مناسبة تجربة" (11: 2- 6).
ثانياً: النصوص الكتابيّة
قدّم الإنجيل "خبر" التجارب في نسيج من الايرادات الكتابيّة تجعلنا أمام استعمال فقاهي (كما في التعليم المسيحي) وليتورجيّ. واختيار النصوص يدلّ على أن الجماعات المسيحيّة الأولى فسّرت هذا الحدث من حياة يسوع المسيح على ضوء نمطيّة سفر الخروج. ساعة كتب متّى، كانت الجماعات قد فهمت أن يسوع هو حقاً المسيح الموعود به. وبما أنه يتمّ انتظار شعبه، فهو يأخذ على عاتقه كل أبعاد تاريخه: الإقامة في مصر (2: 13- 15)، عبور الاردن (3: 13- 17)، المحنة في البريّة (4: 1؛ 11). وبما أنه يتمّ كل برّ ويحقّق مسّرة الآب، فهو ينتصر على التجارب التي سقط فيها الشعب العبرانيّ في الماضي، وهكذا يدلّ على أنه هو وحده الشعب الأمين، إسرائيل الحقيقيّ، ابن الله.
قدّم تث قراءة لاهوتيّة جديدة للمسيرة في البريّة، لوَحْي سيناء، لمتطلّبات العهد. ولكن متّى أورد الأحداث في ترتيب معاكس لما في تث. حدث المن، معجزة الماء، الدخول إلى كنعان. هذ يعني أن مت احتفظ بالنصّ الاولاني للتجارب، وأن لوقا حوّره لكي ينهي خبر التجارب في أورشليم.
وهناك تفسير آخر يتوافق توافقاً تاماً مع نفسيّة متّى الرابي: فهو يرى في التجارب الثلاث توسعاً في الفريضة الأولى من الصلاة: "اسمع يا إسرائيل: تحبّ الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك" (تث 6: 5). يعتبر العالم اليهودي هذ الموقف المثلّث مثل عواميد ثلاثة يرتكز عليها العالم: الحقّ، السلام، العدالة. هكذا أحب بكل نفسه فرفض الانتصار السهل لكي يحمل السلام إلى البشر، وأحبّ بكل قدرته فتعلّق بالعدالة التي تعطي كل إنسان ما يحقّ له.
لن نتوسّع في شرح النصّ، ولكن نقول إنه من النافل أن نتساءل أين حدثت هذه التجارب ومتى. من الناحية السيكولوجيّة، نتصوّرها في بداية حياة يسوع الرسوليّة. في الواقع، التكرار المثلّث يدلّ على تواصل التجربة. فكل حياة يسوع (وحياتنا أيضاً) هي محنة. لهذا نحن نقرأ هذه الصفحة ككلام لاهوتيّ يعلّمنا الطريقة التي بها واجه يسوع دوره كابن الله في العالم.
هـ- التلاميذ والجموع (4: 12- 25)
نجد هنا ثلاثة مقاطع صغيرة: عودة يسوع إلى الجليل، التلاميذ الأولون، الجموع حول يسوع.
أولاً: عودة يسوع إلى الجليل (آ 12- 17)
تنطبع هذه المقطوعة انطباعاً خاصاً بأسلوب متّى. وقد جاءت آ 13 تهيّىء الطريق لإيراد أشعيا الذي يذكر قبيلتين إسرائيليتين قديمتين أقامتا في الجليل: زبولون ونفتالي، ضمّتهما أشورية سنة 734. طُبعتا بالطابع الهليني في زمن السلوقيين، وغرقتا الآن وسط عالم وثنيّ. كان النبي قد اعلن خلاصهما. ومتّى يرى تحقيق هذا الخلاص في عمل يسوع الرسولي.
إن عبارة "جليل الأمم" تشكّل قلب إيراد أشعيا. وحين يتكلّم متّى عن الشعب "الجالس في الظلمة"، فهو يلمّح إلى الحالة الروحيّة لليهود في زمنه، في المناطق الجليلية التي يختلط فيها العنصر اليهوديّ والعنصر الوثنيّ. وهكذا يبرز إرادة يسوع بأن يتضامن مع شعبه: لقد أرسل أولاً إلى الخراف الضالة من بيت إسرائيل (10: 6؛ 15: 24). ولكنه أرسل أيضاً إلى الوثنيين.
"الشعب الجالس في الظلمة أبصر نوراً عظيماً" (آ 16). كان أشعيا قد أعلن عن ولادة حزقيا الملك العتيد باسم رمزيّ هو "عمانوئيل" (الله معنا، أش 7: 14). لقد كان ذاك الطفل علامة حسيّة عن البركة التي يمنحها الله لسلالة داود. أما عند متّى، فـ "النور" الذي ظهر في الجليل وكُشف للتلاميذ في التجلّي (17: 2)، يدلّ على قيامة المسيح، ولكنه لا يُشرق إلا للذين يواجهون الموت مع يسوع. وهكذا نفهم أن يسوع هو نفسه ملكوت السماوات الذي صار قريباً من البشر.
ثانياً: التلاميذ الأولون (آ 18- 22)
ما كان صدى إعلان يسوع الأول: "توبوا، فإن ملكوت السموات قريب"؟ سار متّى مع مرقس فأعلن أن يسوع ضمّ إليه في بداية رسالته أخوين هما سمعان واندراوس، ثم أخوين هما يعقوب ويوحنا. لم يسمّوا بعد تلاميذ. ولكنهم يُدعون منذ الآن لكي يتبعوه كما تبع أليشاع إيليا.
منذ البداية ضمّ يسوع هؤلاء الأربعة إلى رسالته، دون أن نعرف الطريق الطويلة التي بدأها معهم. وخطبة الارسال في ف 10، ومثل الشبكة التي ألقيت في البحر (13: 47- 50)، وما فعله يسوع حين انتشل بطرس الذي كاد يغرق (14: 31)، كل هذا سيكشف لنا شيئاً فشيئاً معنى كلمة ما زالت خفيّة. حين دعا مشاركيه الأولين، فانتزعهم من محيطهم العائلي والمهني، دلّهم على البُعد الرمزي لرسالتهم. كانوا صيّادي سمك فصاروا صيّادي بشر. رسالتهم هي امتداد لرسالته. فيها انقطعوا عن العالم لكي يتبعوا المسيح، ولكنهم ظلّوا في العالم لأنهم من أجل العالم أرسلوا.
ثالثاً: الجموع حول يسوع (آ 23- 25)
لقد بدأ يسوع نشاطه الرسولي بعد أن حدّد موقع رسالته وهو الجليل بشعبه الوثني واليهوديّ، بعد أن اختار له تلامذة اربعة يرمزون إلى العالم بأقطاره الأربعة. هذ العالم الذي إليه يُرسلون. وصوّرت آ 23 وجهتين من نشاط يسوع الرسوليّ: التعليم والشفاء. ونحن نجد هذا المقطع بشكل حرفيّ في 9: 35، وذلك بعد وحدة كبيرة من وحدات الإنجيل وقبل خطبة الرسالة. نحن هنا منذ الآن أمام عظة الجبل (ف 5- 7) التي تتوسّع في تعليم يسوع وتبشيره، وأمام النشاط الشفائي (ف 8- 9) الذي يوضح بالعمل قدرة يسوع.
حقلُ رسالة يسوع، كما يقول متّى ومرقس، هو الجليل كله. لا يكتفي يسوع بأن يجمع حوله بعض التلاميذ كما يفعل الرابانيّون. ولا ينفرد في البرّية على مثال الأسيانيين حول معلّم الجماعة. يجب أن يصل تعليمه إلى الشعب كله، يجب أن ينتشر في البلاد كلها. وإذ قال مت إن شهرته وصلت إلى "سورية كلها"، دلّ على الجماعة التي يكتب إليها. أجل، في أيام متّى، أي سنة 80- 85، كانت البشارة الإنجيلية قد عمّت سورية كلها.
واستعادت آ 25 لائحة المناطق التي منها جاء سامعو يسوع (3: 2). ولكن متّى زاد "الجليل"، جليل الأمم. وزاد "المدن العشر"، وهي منطقة وثنيّة حقاً. فالذين تبعوا يسوع خلقوا تياراً عظيماً. والجموع التي تبعت يسوع سوف تتبع تلاميذه بعد موته. والرسالة ما زالت تتوسّع حتى تصل إلى العالم كله.

4- التعليم اللاهوتيّ
يعكس ف 3 و4 بشكل من الأشكال، حياة الجماعة البَعد فصحيّة مع التوتّرات التي تظهر فيها. فالتوبيخ الذي يوجّهه يوحنا إلى رؤساء الشعب المكتفين بذواتهم وبامتيازاتهم التي ورثوها من الماضي، يعني أيضاً الرؤساء في الجماعة المتّاوية، وفي كل جماعة مسيحيّة لا تهتمّ بحمل "ثمر صالح"، ثمر جيّد (3: 10). بهذه الطريقة وبها وحدها نتميّز الأنبياء الكذبة. "من ثمارهم تعرفونهم" (7: 16).
وخبر عماد يسوع يرتبط بخبرة العماد المسيحيّ الذي سيذكره متّى في نهاية إنجيله (28: 19: عمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس). "يصعد" المعمّد من مياه الموت، فيتقبّل الروح، ويكشف بدوره أنه ابن الآب الحبيب. بعد هذا، يُقاد مع يسوع إلى بريّة العالم لكي يمرّ في المحنة ويقوم برسالته.
تدلّ البنية الأدبيّة اللاهوتيّة في هذين الفصلين على أنه يجب أن نبحث عن التعليم الأساسيّ في 3: 16- 17: نزل الروح على يسوع فكرّسه كالنبي وخادم الله. كرّسه كذاك الذي يجسّم في شخصه ملكوت السماوات، لأنه المسيح الذي فيه يجد انتظار إسرائيل كماله.
وإذ يؤكد متّى مسيحانيّة يسوع وبنوّته بواسطة الروح والصوت الآتي من السماء، فهو يقدّم هذه المسيحانيّة على أنها تتمة هذا الانتظار المسيحاني الذي كان يوحنا آخر شاهد له. فلباس المعمدان يدلّ على وجه موسى الذي سيظهر من جديد "قبل أن يأتي يوم الربّ" (ملا 3: 23). وحين وبّخ يوحنا الفريسيين والصادوقيّين على تكبّرهم، فقد فعل ما سوف يفعله يسوع في ف 23. وهكذا ارتبط يوحنا مع يسوع في وظيفتهما داخل تاريخ الخلاص، وفي معارضتهما لشعب إسرائيل المتحجّر. هذا مع المحافظة على كرامة يسوع الفريدة، واخضاع يوحنا له.
ويبقى التعارض واضحاً بين صورة يقدّمها عالم الاسيانيين عن الديّان الرهيب الذي يأتي لينقّي بيدره، وتصرّف يسوع المتواضع. غير أن هذا التعارض ليس تناقضاً بالمعنى الكامل للكلمة. ففي نظر يوحنا كما في نظر الأنبياء الأقدمين، إن الديّان الاسكاتولوجيّ هو في النهاية ذلك الذي يمنح الخلاص بعد أن يعاقب شعبه وينقّيه. ومن الوجهة اللاهوتيّة التي تعبّر عن الواقع العميق للأمور، ليس الله ديّاناً عادلاً إلا لأنّه الحيّ الموجود. إنه العدالة بالذات، وهو يعاقب ويوبّخ ويؤدّب. إنه نار محرقة. ويسوع نفسه الذي يصنع الخلاص هو ذلك الذي يتمّ كل برّ، يعيش بحسب إرادة الله.
وحين يمرّ يسوع في الطاعة والتنازل، يعلن نفسه النبيّ والمسيح. يعلن أنّه الديّان الاسكاتولوجيّ كما تحدّثت عنه كرازة المعمدان الرافضة لتطمينات الفريسيّين والصادوقيّين. إن يسوع يتضامن مع الخطأة حين يتقبّل المعموديّة. وتواضعه كابن يرسله الآب، هو الذي جعل منه ذاك الديّان الاسكاتولوجي، فرأى فيه المعمدان الابنَ الذي يهمّه قصد الآب.
وسوف يجرّب يسوع لأنه انسان، وهكذا يدلّ على أنه الابن الحبيب. وسيختبر في بشريته معنى العيش كابن الله. ونتساءل: كيف يمتحن الله الصالحُ ابنه الخاص؟ في الواقع، تبدو التجربة في العهد القديم كمواجهة بين الله والإنسان: الله يجرّب الإنسان. والإنسان يجرّب الله. الله يجرّب الإنسان لا بعمل اعتباطي خارج عنه، بل لأنه الله، ولأنه يدعو الإنسان لكي يتجاوز نفسه. هكذا ينال الإنسان من الله العطيّة التي يريدها الله له. في هذا المعنى نستطيع القول إن نداء يسوع إلى الأخوين سمعان واندراوس والأخوين يعقوب ويوحنا، هو "تجربة" لأنه يحرّكهم داخل حرّيتهم فيفتح أمامهم مهمّة جديدة ما كانوا يتوقّعونها. "أجعل منكم صيّاديّ بشر" (4: 19).
هذا من جهة. ومن جهة ثانية، الإنسان يجرّب الله حين يطلب منه أن يدلّ حقاً على أنه الله. "إن كنت ابن الله" (4: 3- 5). هذا المسعى قد ارتبط بالشيطان الذي لبس لباس الغيورين، أو لباس كاتب خبير في التعامل مع الكتب المقدّسة.
والشيطان الذي سيلتقي به يسوع أيضاً في شخص بطرس (16: 23)، سيحاول أن يبعد يسوع عن الطاعة البنويّة للآب. ولكن يسوع امّحى أمام الآب كما امّحى أمام المعمدان، كما سيمّحى كل حياته وحتى في موته، فيرفض "الاختيار الإلهي" الذي رأى فيه الفريسيون والصادوقيين امتيازاً خاصاً بهم. قال بولس في فل 2 إن يسوع لم يعتبر صورة الله "غنيمة" يجب التمسّك بها، بل لاشى ذاته وصار طائعاً حتى الموت والموت على الصليب.
وتدلّ نهاية ف 4 على عزم يسوع بأن ينطلق إلى الأمم الوثنيّة، أن يترك البريّة حيث تكوّن شعب إسرائيل، ليذهب إلى شاطىء البحيرة، إلى "جليل الأمم" حيث أقام اليهود واليونانيّون. إنهم رمز إلى الكون كله، وهم يعيشون في أرض الموعد التي تنكشف ليسوع (الذي هو إسرائيل الحقيقيّ) بعد عبوره الأردن.
وتبع يسوعَ تلاميذُ اختارهم، وتبعته أيضاً جموع كثيرة. لم يأتوا إلى يسوع بكنوزهم كما فعل المجوس (2: 11)، بل قدّموا المرضى والمعذّبين (4: 24). حيث يكون يسوع هناك تُولد جماعة مسكونيّة، ويصبح ملكوت الله قريباً. إليه جاءت الجموع من الجليل والمدن العشر (العالم الوثني) كما من اليهوديّة وعبر الأردن. جاؤوا ليسمعوا، فجلس على الجبل وبدأ يعلّمهم.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM