الفصل الثاني والعشرون: الخدّام السبعة

الفصل الثاني والعشرون
الخدّام السبعة
6: 1- 6
أ- الجماعة تواجه أوضاعاً جديدة
منذ بداية ف 6 من سفر الأعمال، نلاحظ تبديلاً في حياة الجماعة المسيحية الأولى:
أولاً: زاد عدد التلاميذ (هي المرة الأولى تستعمل هذه الكلمة لتدل على المسيحيين، رج 6: 7؛ 9: 10، 19، 26، 38...) زيادة كبيرة (آ 1، 7؛ رج خر 1: 20: كثر الشعب وعظموا جداً). تذمّر المسيحيون كما تذمّر شعب الله في العهد القديم (خر 16: 8- 12؛ عد 17: 20 - 25، صفة الذين حلوا محل الرسل، آ 3؛ عد 27: 18- 20)، تنظيم وظيفة جديدة من أجل الحاجات المتنامية (خر 18: 13- 17).
ثانياً: ظهرت جماعات تختلف عن الجماعات الأولى باللغة والعقلية: هناك الهلينيون أي اليهود الآتون من الشتات والمتكلمون باليونانية، وهناك العبرانيون أي يهود فلسطين المتكلمون بالآرامية. رج آ 1).
ثالثاً: لم يعد التنظيم الأول كافياً للاهتمام بحاجات الفقراء المادية. وهناك بعض الشرّاح الذين يرون في آ 1- 6 علامات أزمة حقيقية كادت تفجّر الجماعة الأولى وتقسمها إلى مجموعتين، بعد أن حاول الهلينيون أن يكونوا جماعة مستقلة لها تنظيمها الخاص. غير أن الرسل استطاعوا أن يحلّوا الأزمة، فاعترفوا بسلطة رؤساء المجموعة المنفصلة. أما الرؤساء السبعة فخضعوا لسلطة الرسل الاثني عشر.
ولكن مهما يكن من أمر الظروف الملموسة، فالإشارة إلى لائحة السبعة والى نشاطهم، ترجع إلى ينابيع قديمة استقى منها لوقا. إذن، يهمنا أن نعرف كيف ألّف كاتب أع خبره ليبرز تعليماَ عقائدياً يشكل جزءاً من "إنجيله". فإذا أخذنا هذا النص كما هو، ووضعنا جانباً تاريخه الأول، فهو يعالج عدداً من المواضيع الهامة التي تبدو وكأنها تتوجّه إلى عصرنا: الاهتمام بالفقراء وتنظيم أعمال المحبة. الانقسامات بين مجموعات ذات ميول مختلفة، التذمّر والتوتّر في الكنيسة. تنوّع الخدم. التعدّدية والوحدة. النشاط الزائد والصلاة. اختيار على أساس رسالة جاءت من عل...
ب- امتيازات الاثني عشر وواجباتهم
يسمّي أع الاثني عشر بطريقة مباشرة هنا فقط (آ 2)، وبطريقة غير مباشرة في 1: 26 و2: 14. ولكن من الواضح أن لوقا يستعمل هذه الكلمة ليدّل على الرسل الذين يقدّمهم لنا في 1: 13، 26. غير أننا نجد شواذاً في 14: 4، 14. يتحدّث لوقا عن بولس وبرنابا ويسميهما "رسولين". لقد أرسلتهما كنيسة أنطاكية في مهمة. ولكن كلمة رسول تستعمل فقط للاثني عشر.
نحن نكتشف بسهولة بنية الخبر الذي نقرأه في آ 1- 6. فالآية الأولى تعرض الوضع: نما عدد التلاميذ، صار نقص في تنظيم الخدمات داخل الجماعة، تذمّرت مجموعة تحسب أن حقها هُضم. وتورد آ 2- 4 الخطبة التي بها يبرّر الرسل موقفهم، وتقدّم اقتراحاً ملموساً. وتروي آ 5- 6 كيف وافق الجميع على هذا الاقتراح ووضعوه قيد العمل. أما آ 7 فتعود إلى آ 1 (نما عدد التلاميذ). وتختم الكلام مشدّدة على ما كان لهذا النظام الجديد من نتيجة طيبة.
أول ما نلاحظه هو التشديد على دور الرسل في اتخاذ المبادرة: دعوا الجماعة (آ 2)، تكلّموا، واقترحوا طريقة العمل (آ 3). احتفظوا لنفوسهم بالموافقة الأخيرة (آ 4). وأخيراً، هم الذين تلوا الصلاة ووضعوا الأيدي على السبعة (آ 6). قد تعني آ 6 أن الجميع وضعوا الأيدي على السبعة. ولكن هدف الخبر العام (آ 3) والمقابلة مع نصوص العهد القديم (عد 27: 18، 23؛ تث 34: 9؛ 2 مل 11: 16؛ 13: 16...) أو مع نصوص سفر الأعمال (8: 17- 18؛ 9: 12- 17؛ 13: 3؛ 19: 6) جعلنا نقول إن الفعل يدلّ على الرسل دون سواهم.
يتألّف قلب الخبر (آ 2- 4) من كلمات الاثني عشر الذين يقولون على دفعتين كيف يفهمون خدمتهم. مرّة بطريقة سلبية: "لا يليق بنا أن نهمل كلمة الله" (آ 2). ومرّة بطريقة إيجابية: "أمّا نحن، فنواظب على الصلاة وخدمة الكلمة" (آ 4).
ج- خدمة الكلمة
إذن، لم يكن للرسل أن "يهملوا" كلمة الله (آ 2). يشير هذا الفعل إلى التخلّي الكامل وليس فقط إلى الإهمال. ويشدّد أيضاً على الواقع الدراماتيكي الذي فيه وجد الرسلِ نفوسهم مدفوعين إلى الاختيار بين أمرين لا يتوافقان: "لا يليق بنا" (31) تعني: "ليس من العدل والصلاح في نظر الله" (تث 6: 18؛ 12: 25؛ 13: 19).
لماذا أرادوا أن يعبرّوا عمّا به يقوم واجبهم قالوا: "أما نحن فنبقى مواظبين على الصلاة، وعلى خدمة الكلمة" (آ 4). هذا ما يجعلنا نفكّر بمقطعين آخرين في أع. بعد الصعود، نرى الرسل مجتمعين في أورشليم مع بعض النساء وإخوة يسوع في العلية. وهناك "كانوا كلهم مواظبين على الصلاة بقلب واحد" (أع 1: 14). وفي مكان آخر، تدلّنا "الإجمالة" الأولى في أع على المؤمنين الجدد "المواظبين على تعليم الرسل" (2: 42).
هناك عدد كبير من الشرّاح يعتقدون أن «التعليم» يدلّ فقط على الكرازة والوعظ. ويفترض بعضهم أن "خدمة الكلمة" هي عبارة تقنية توازي "خدمة التوراة" (أو الشريعة) المستعملة لدى الرابانيين. تقوم هذه "الخدمة" بأن يحفظ المؤمن غيباً مختلف نصوص التقليد اليهودي، بأن يقابل بينها بانتباه ليدلّ على توافقها في تعارضاتها الظاهرة، بأن يعطي الحل للمسائل المطروحة حول قضايا الشريعة. نجد مثلاً عن "خدمة" من هذا النوع في مجمع أورشليم (أع 15: 6- 22) حيث تستعمل الخبرات المواهبية (الكرسمية) ونصوص العهد القديم لحلّ مشكلة طرحها قبول المسيحيين للعماد المسيحي.
وقد يكون لوقا فكّر في هذه "الخدمة" الرابانية للكلمة حين حدّد نشاط الرسل. غير أن للعبارة هنا معنى أوسع وبعداً أكبر، ولن نجد عبارة "خدمة الكلمة" في أي مكان آخر من العهد الجديد. إنها شبيهة بعبارة "خدمة المائدة" (11- 2) ولكن لوقا طبّق لفظة "خدمة (دياكونيا، شماسية) على الخدمة الرسولية في 1: 25 (رج أيضاً 20: 24؛ 21: 19؛ روم 11: 13؛ 2 كور 2: 8؛ 4: 1؛ 5: 18). ولكن في عدة حالات سيكون للفظة المعنى العادي: الخدمة المادية. إذن، هي تنطبق على المساعدة الأخوية في الحاجة، ولاسيما بواسطة اللّمة.
إذا أردنا أن نفهم معنى هذه "الخدمة" وبُعدها، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار نصوصاً أخرى يحدّد فيها لوقا واجبات الرسل تجاه الكلمة (1: 8؛ 1: 21- 22، 25؛ 4: 17- 20، 29- 31، 33؛ 5: 28، 29- 40). هناك ولا شك اختلافات في الطرق المتنوّعة التي بها ندلّ على نشاط الذين يعلنون الكلمة: "التعليم باسم يسوع" (4: 18). "الشهادة لقيامة الرب يسوع" (4: 33). "أن نكون شهوداً" (1: 8). إعلان اسم يسوع والتوبة وغفران الخطايا (لو 24: 47). إلا أن النشاط الذي يتحدّث عنه 6: 24 فيضم كل النشاطات المرسومة سابقاً مع الأخذ بعين الاعتبار التفاصيل المتعلّقة بالظروف الخاصة.
ولا بدّ من أن نعود خاصة إلى الأخبار التي فيها بيّن لوقا موقع الرسل في الممارسة الملموسة لخدمة الكلمة هذه (1: 15- 22؛ 2: 14- 40؛ 3: 12- 26؛ 4: 8- 12؛ 5: 29- 33). بالإضافة إلى ذلك، لن ننسى أن يسوع سبق الرسل، فأعطى بذاته مثلاً عن "خدمة الكلمة" هذه حين تحدّث مع تلميذي عماوس (لو 24: 17- 23)، وحين كلّم الرسل بعد القيامة (1: 3- 8؛ لو 24: 44- 48).
فإذا جمعنا كل هذه المعطيات، نرى أن "خدمة الكلمة" لا تنحصر بالكرازة بطريقة عامة، أي بإعلان ديني عن الله. يكمن أصل الخدمة وأساسها في اليقين بقيامة يسوع. وهدفها أن تجعلنا نُدرك مضمون الزمن الحاضر من أجل الخلاص، وأن نبرز على ضوء تعليم الأنبياء في العهد القديم، الواجبات التي تنتج عن الحدث الفصحي (في 1: 15- 22: تفسير معنى موت يهوذا، واكتشاف إرادة الله في هذا الظرف على ضوء نصوص العهد القديم). إذن، هناك بعض التشابهات مع "خدمة التوراة" التي يمارسها الرابانيون. ولكن ليس الهدف فقط في أن نعمّق معنى الشريعة وأن نطبّقها على حالة خاصة، بل بالأحرى أن نفتح "الأذهان لفهم الكتب" (لو 24: 45)، فنرى في ما يحدث الآن، وبالأخص في قيامة يسوع وفي أعمال الروح، العلامات الحقيقية لإتمام مواعيد الله. مثل هذا النشاط لا ينحصر في أن نردّد جهراً وفي ظروف معيّنة نصوصاً تعلّمناها غيباً. بل هو يفرض قراءة متواصلة للكتب المقدسة (17: 11) لنستخرج من كنزها "الجديد والقديم" (مت 13: 52). وهكذا تصبح الجماعة قادرة، يوماً بعد يوم، على مجابهة الحاجات العادية أو الطارئة.
من الواضح أن مثل هذه المهمّة قد تأخذ كامل وقتنا أو تفرض علينا أن نترك نشاطات أخرى، حسنة في حد ذاتها، ولكنّها تشتّت قوانا.
د- الصلاة
للمرة الأولى تعرض المواظبة على الصلاة على أنها مهمّة خاصة بالاثني عشر (آ 4). كانت قد ذكرت أعلاه (2: 42) بمناسبة الحديث عن كل المرتدين الجدد الذين "كانوا يلتقون كل يوم في الهيكل" (2: 46). ولكن حين نقرأ الفصول الأولى من أع على ضوء 6: 4، نلاحظ أن الكاتب قد شدّد مراراً على العلاقة الخاصة التي تربط الرسل بخدمة الصلاة (1: 14، 24- 25؛ 2: 21، 11، 46؛ 3: 1؛ 4: 12- 31؛ 5: 12). إذا قابلنا 2: 1 ("كانوا مجتمعين كلهم في مكان واحد") مع 1: 14؛ 2: 42، نجد أن العبارة تدلّ على اجتماع صلاة مشترك. ومداومة المسيحيين الأولين على المجيء إلى الهيكل (2: 46) تستند إلى مثل بطرس ويوحنا (3: 1) وسائر الرسل (5: 12). والرسل هم الذين يتلون الصلاة في 4: 23- 31، أو بالأحرى يتدخّلون فيها بصفة خاصة. إذن، لا نندهش إن جُعلت المواظبة على الصلاة وخدمة الكلمة ميزة من ميزات الرسالة والرسل.
ولكن هل هذه الصلاة هي عمل الرسل وحدهم أو عمل الجماعة كلها بقيادتهم؟ هناك إشارات عديدة تقودنا في المنحى الثاني. ففي النصوص التي ذكرنا (ولاسيما 1: 14، 24؛ 4: 23- 31)، يبدو أن وظيفة الرسل هي أن يصلّوا وسط "الكنيسة" المجتمعة. وفي أي حال، يذكرهم النص أولاً حتى حين ينضم سائر التلاميذ إلى صلاتهم (بشكل غامض أو واضح). بالإضافة إلى ذلك، تترافق خدمة الكلمة مع الصلاة بطريقة طبيعية حسب العادة عند اليهود. ولنا مثال على ذلك في 4: 21- 30: إن تطبيق مز2 على الحالة الحاضرة (هذا يشكل "خدمة الكلمة") تتبعه صلاة.
إذن، يبدو أنه على الرسل أن يواظبوا على دفع صلاة الجماعة وتوجيهها. لهذا، هم يتفحّصون الكتب، يتذكرون حسنات الله وتدخلاته في التاريخ، يتعلّمون أن يميّزوا في الوضع الحاضر، التدخلات الإلهية. وأخيراً، يجتذبون سائر التلاميذ إلى تسبيح الله ورفع آيات الشكر له وطلب تجليّات جديدة للروح (4: 30- 31).
هـ- السبعة
ما قيل عن الرسل ورسالتهم يقابل ما ورد عن السبعة. يقول هذا المقطع إن وظيفتهم هي خدمة المائدة (آ 2- 3). ولكن القرينة لا تتيح لنا أن نوضح ما تقوم به هذه الخدمة بطريقة ملموسة. لا شك في أنه كان هناك تنظيم دقيق لا نكتشفه في 2: 45 و4: 35 حيث يتم التوزيع على المحتاجين، وتنظَّم الأموال الواردة من بيع أراضٍ وبيوت امتلكها بعض التلاميذ. تتكلم آ1 عن "الأرامل" (يتحدّث لوقا مراراً عن الأرامل، رج 9: 39؛ لو 2: 37؛ 7: 12؛ 18: 3؛ 20: 47؛ 21: 2) اللواتي يعتبرهن التقليد في حاجة إلى المساعدة، كما تتكلّم عن توزيع «يومي» سيسمّى فيما بعد "خدمة المائدة". هل نفكر بوجبات من الطعام تنظّم كل يوم من أجل الأرامل وسائر المحتاجين؟ يبدو أن لوقا يلمّح إلى شيء كهذا، ولكن تلميحه يبقى غامضاً. هل نكتشف في النص الحالي (كما وجد بعضهم) سبباً عميقاً للنزاع حول رفض اليهود أن يأكلوا مع الهلينيين؟ لو وُجدت صعوبة من هذا النوع في المراجع التي يستقي منها لوقا، لكان أغفلها. بالنسبة إليه، قد حلّت مسألة المشاركة في المائدة بين اليهود وغير اليهود في وقت ارتداد كورنيليوس (10: 10- 16، 19- 20، 28). ولا نستطيع أن نستند إلى هذا النص لنتحدّث عن شقاق أثاره السبعة ثم تجاوزه تدخل الرسل. لا شك في أن لوقا لا يفسّر لماذا كانت أسماء السبعة كلهم أسماء يونانية، حين كنا ننتظر أن يقوم بخدمة المحبة تجاه اليهود والهلينيين أناس ينتمون إلى الفئتين. ولكن لن نبحث في هذا النص عن صورة مفصّلة لوضع معقد.
حين حدّثَنا الكاتب عن السبعة، وضع أمامه ثلاثة أهداف: أدخل في خبره لائحة قديمة بأسماء أشخاص احتلوا مكانة هامة في الجماعة الأولى (هناك لائحة مماثلة لخمسة أنبياء ومعلمين في أنطاكية، 13: 1). أدخل شخص اسطفانس وفيلبس اللذين سيلعبان دورا هاماً في ما يلي من أحداث (6: 8؛ 8: 2؛ 8: 5- 40). وأخيراً، أظهر أن المبادرات الرسولية المنسوبة إلى هؤلاء الرجال الذين نالت منه المسيحية الأولى دفعاً قوياً، لم تكن منفصلة عن مبادرات الرسل الذين أرسلهم يسوع، ولم تكن معارضة لها. لا تبدو شهادة اسطفانس الهامة التي كانت سبباً لاضطهاد عنيف (8: 1؛ 11: 19)، وظرفاً ساعد على نشر البشارة خارج أرض فلسطين، ولا يبدو تبشير السامرة الذي قام به فيلبس (8: 5)، لا يبدوان بعيدَين عن هدف يسوع الذي توخّى تبشير الوثنيين عبر الرسل. لقد وعد يسوع الرسل فقال لهم: "ستكونون شهودي في أورشليم، في كل اليهودية والسامرة، وحتى أقاصي الأرض" (1: 8). هذا الوعد سيتحقّق عبر طرق جديدة وغير منتظرة ولكنها طرق فاعلة.
سُمّي السبعة "شمامسة" بل "أوائل الشمامسة". لا ينسب النص إليهم هذه الصفة: إنه يتكلم فقط عن خدمة المحبة. ولكننا نظن أن الشعب المتنامي في وضع الجماعة ولّد خدماً متنوعة سيبقى أساسها الموهبة (الكرسمة) الرسولية.
و- الإعانة، المحبة، الأخوة
قد نخسر وجهة هامة من النص إن تركنا جانباً تعاليم يتضمّنها بطريقة واضحة، وهي تتعلّق بأمور جوهرية في الحياة المسيحية.
يفترض النص أولاً، وكأن الأمر لا يحتاج إلى جدال، أن الجماعة تهتمّ بالضعفاء والمساكين (آ 1). وهذا الاهتمام هو تطبيق للقول العام: "لم يكن بينهم محتاج" (4: 34). فوجب للوصول إلى هذا الهدف أن تكون مشاركة وطواعية من قبل الجميع (2: 44- 45؛ 4: 32، 34- 37). لن نتخيّل أن الأمور كانت على ما يرام، دون صعوبات أو تشكّيات. ولكن الرسل الذين هم حماة وحدة القلوب والمشاركة في الخيرات، جابهوا الصعوبات واتخذوا مبادرات أصيلة. لم تُرفَض التشكّيات والتذمرات بطريقة آلية، ولم تعتبر علامة عن روح عاطلة أو عدم صدق: تفحّصوها بجدية ليجدوا لها الجواب الشافي.
حين تحدّث لوقا عن وجود مجموعة "الهلينيين" ومجموعة "اليهود" (العبرانيين) منذ زمن الكنيسة الأولى، فقد أراد أن يعطى مسيحيّي عصره تعليماً هاماً: إن الأمانة لما فتحه لنا يسوع من آفاق، يتيح لنا أن نتجاوز الخلافات التي تفصل المؤمنين بعضهم عن بعض.
وعى الرسل مسؤوليتهم تجاه الجماعة، فتصرّفوا بسلطة حقة ولكن بروح أخوية. أظهروا انفتاحاً وصراحة حين واجهوا بطريقة مباشرة المشكلة أمام كل التلاميذ المجتمعين، وطلبوا منهم أن يختاروا أناساً جديرين بمواجهة الوضع الجديد.
ويقدّم لنا هذا النص صورة عن جماعة ملتئمة بكلمة الله، مستندة إلى الصلاة، متنوعة (الرسل، السبعة) من أجل خدمة الكلمة خدمة أفضل. يُنعش هذه الجماعة روحُ الخدمة المتبادلة والهمّ في فض الخلافات البارزة بروح أخوية.
ز- خاتمة
إن فهِمَ كل واحد واجباته الخاصة في الكنيسة، تكوّنت الأخوّة والمشاركة. فعلى الأسقف والكهنة واجبات تجاه خدمة الكلمة. وهم يرئسون أيضاً الصلاة وينظّمونها. ولكن هناك مواهب وخدماً أخرى تمارس في التناسق، فلا يحسّ الفقير بالحاجة، ولن يتذمّر أحد لأنه متروك. وإن تنوّع التعليمات واللغات والبلدان التي ننتمي إليها، لن يقف حاجزاً في وجه دينامية المحبة والمساعدة الأخوية التي ننشطها يوماً بعد يوم.
إن جماعة تعيش على هذا الشكل تعلن عظائم الذي دعا المسيحيين من الظلمة إلى نوره العجب (1 بط 2: 9). وهي تتمّ أعمالاً عظيمة على مثال ما فعل يسوع (يو 14: 12)، لأنها تأخذ على عاتقها كل تعليم الأخوّة الذي أعلنه المعلم على طرق فلسطين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM