قيامة يسوع والقبر الفارغ.

 

قيامة يسوع والقبر الفارغ

حين نقرأ خبر مرقس (16: 1-8) عن قيامة يسوع نرى أنّنا أمام »حدث« محدَّد في الزمان والمكان. فإنَّ الآيتين 1-2 تقدِّمان الأشخاص وهدفهم بأن يطيِّبوا جسد يسوع. الاستعدادات منذ مساء السبت وانطلاقهم نحو القبر منذ الصباح. إنَّ هذا الخبر هو امتداد لخبر دفن يسوع: رأينا يوسف الرامي وهو يدحرج الحجر على باب القبر، وامرأتين تنظران أين وُضع الجسد (مر 15: 46-47).

وتتساءل النسوة في الطريق: »من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟« ولكنَّ المفاجأة جاءت حالاً: »تطلَّعن فوجدن الحجر مدحرجًا«. ويزيد النصّ: »وكان كبيرًا جدٌّا«.

وينقلنا النصُّ من مفاجأة إلى مفاجأة. »دخلن القبر فرأين شابٌّا جالسًا عن اليمين عليه ثوب أبيض«. لقاء غير منتظر. لهذا ارتعبت النسوة. نحن هنا أمام رُعبة مقدَّسة. فالشخص اللابس البياض هو شخص سماويّ. إنَّ عالم السماء جاء على الأرض. وانتظرت النسوة أن يجدن الموت فإذا أمامهنَّ شخص حيّ بلباس يدلُّ على الظفر والانتصار، لا على الذلِّ والعار.

نلاحظ أنَّ الخبر لا يقول شيئًا عن وجود أو غياب جسد يسوع. اهتمامه يتركَّز على ضياع النسوة (اللواتي جئن ليحنِّطن يسوع) أمام الرسول السماويّ. لم يجدن القبر فارغًا.

بدأ بالتوصية المعروفة: »لا ترتعبن«، لا تخفن. يخاف الإنسان من أن يموت حين يرى الله أو شخصًا من السماء. هدَّأ الملاك من روع النسوة، فاستعددن للسماع. ثمَّ قدَّم كلامه بشكل نقيضة حاسمة: تطلبن يسوع الناصريّ المصلوب: لقد قام. أتيتنَّ لتنظرنَّ ميتًا ولكنَّه حيّ: ما هو هنا. وهذا هو المكان الذي وضعوه فيه. وهكذا يعلن الملاك القيامة دون أن يتحدَّث عن غياب الجسد. نحن لا ننتقل من ملاحظة طبيعيّة (العين ترى) إلى تفسير فائق الطبيعة. بل إنَّ الوحي يأتي من الله ليذكر أمرًا لا ينتظره إنسان: لقد قام. وهذا الوحي يلقي ضوءًا على ما في الواقع من غرابة: إنتظرنَ أن يكون الجسد هنا بلا حراك! ولكنَّه ليس هنا!

دعا الملاك النسوة ليتحقَّقن من الأمر، فلم تكن دعوته برهانًا على القيامة. بل نحن بالأحرى أمام الوجه الثاني للوحي: بما أنَّه قام، فلا يمكن أن يكون هنا. تعالوا وتحقَّقوا من الأمر. أن يُشفي رجلُ الله مريضًا هذا ممكن. أن يقيم ميتًا هذا صعب. ولكنَّه حصل في تاريخ الشعب. ولكن أن يقوم ميت بقوَّته، أن يدحرج حجرًا كبيرًا يحفظ الموتى داخل القبور، فهذا لا يصدَّق. ومع ذلك فالجسد ليس هنا. ويسوع قام. قام حقٌّا.

جاءت النسوة ومعهنَّ مشروع وهو تحنيط الجسد، ولا يحنَّط إلاّ الميت. ولكنَّ الحدث تجاوز المشروع. لم يبقَ لهنَّ شيئًا يعملنه. لم يعد الجسد هنا. نحن أمام واقع مدهش، غير منتظر ومحيِّر، أمام واقع يتجاوز الإنسان. بهذا الواقع لم يعد يسوع في متناول الناس الذين رافقوه على طرق الجليل واليهوديّة. وهو واقع لا يكشفه إلاّ الله بالذات.

وتابع الملاك كلامه. سلَّم النسوة بلاغًا يحملنه إلى الرسل وخصوصًا إلى بطرس: كان يسوع تواعد معهم (مر 14: 28) وها هو يسبقهم إلى الجليل، و»هناك يرونه«. إنَّ الخراف ستتبدَّد بعد أن يُضرب الراعي. وهكذا أشار إلى موته (مر 14: 28). وها هو يحدِّد الجليل مكانًا يلتقي فيه بالتلاميذ بعد قيامته. حين أوقف يسوع (14: 5)، هرب التلاميذ كلُّهم. قام يسوع، فتجمَّع التلاميذ في الجليل ورأوا القائم من الموت، فلم يبقَ لهم إلاّ أن يذهبوا ويبشِّروا في كلِّ مكان (16: 20). المسيح حيّ، المسيح قام. لا نستطيع أن نسكت عمّا رأينا وسمعنا. هذا ما قاله الرسل أمام مجلس اليهود الذي طلب منهم أن لا يذكروا من بعد اسم يسوع.

ولكنَّ الخوف سيطر على النسوة. خرجن. ولم يقلن لأحد شيئًا. ظهرت قدرة الله عبر أقوال يسوع وأعماله. والآن ظهرت عبر قيامته. كانت الحيرة شديدة والفزع كبيرًا، فهربت النسوة كما هرب التلاميذ ساعة أسلم يسوع (14: 5) لم يستطعن أن يفهمن سرَّ ابن الإنسان الذي يموت ويقوم »بعد ثلاثة أيّام« (8: 22؛ 9: 21-32).

لم تقل النساء شيئًا لأحد. والأبرص سيُطلب منه أن لا يقول شيئًا لأحد. »بل اذهب وأرِ نفسك للكاهن، ثمَّ قدِّم عن شفائك ما أمر به موسى شهادة عندهم« (مر 1: 44). كيف نجمع بين الصمت والشهادة؟ هل يصمت الأبرص إلى أن يأتي وقت الشهادة لدى الكاهن؟ شدَّد القدّيس مرقس على السرِّ المسيحانيّ (أراد يسوع أن يعلن أنَّه المسيح) فأبرز أمرًا بالصمت لم يكن مطلقًا في أصله ولا في واقعه.

هذا هو طابع المفارقة في وحي يسوع المسيح. وحي من دون شاهد في العماد (1: 11). وحي منعه صمت مفروض على الأرواح النجسة أو مطلوب من المرضى الذين شفوا (5: 43). وحي للتلاميذ في قيصريّة فيلبُّس (8: 27-33) أو على جبل التجلّي. وسوف ننتظر ساعة موت يسوع ليعلن وثنيّ: »في الحقيقة كان هذا الرجل ابن الله« (15: 39).

بدأ مرقس إنجيله بهذه الكلمات: »إنجيل يسوع الذي هو المسيح وابن الله« (مر 1: 1). هذا الإنجيل يجب أن يُعلَن على جميع الأمم (13: 10؛ 14: 9). فالسرُّ يجب أن يزول، وصمت النسوة يجب أن ينتهي. هذا هو معنى حيرة النسوة في صباح الفصح. هذا هو ضعف الإنسان لكي يدخل إلى سرِّ يسوع كما أُوحيَ إلينا.

ماذا نتعلَّم من هذه الخبرة عند قبر يسوع؟

المصلوب هو ذلك الذي قام من بين الأموات. ثمَّ إنَّ الخبر لا يغلقنا على الماضي بل يفتحنا على واقع سوف ينكشف. فالظهورات هي اختبارات تسبق الظهور النهائيّ لملكوت الله، تدلُّ على حياتنا التي هي منذ الآن في السماء، فالقبر المفتوح والفارغ يرمز إلى مستقبل الإنسان والكون، ويُدخل البشريّة في الخليقة الجديدة.

نحن في القيامة أمام جديد تحقَّق في المسيح. وفي هذا الجديد يتجلّى كلُّ شيء. فيفهم المؤمن التاريخ والوجود في ضوء جديد. »لا يبقى موت ولا صراخ، ولا وجع، لأنَّ الأشياء القديمة زالت، وقال الجالس على العرش: »ها أنا أجعل كلَّ شيء جديدًا« (رؤ 21: 4-5).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM