مثل العبد الذي لا يغفر.

 

مثل العبد الذي لا يغفر

آ23. ولهذا يشبهُ ملكوتُ السماء إنسانًا ملكًا أراد أن يُحاسبَ عبيدَه. كأنَّه يقول: يحصل في ملكوت السماء ما يحصل في محاسبة ملك لعبيده، فيقابل كلَّ المثلِ بكلِّ الشيء المعبَّر به عنه، لا جزءًا لجزء كما ورد مرارًا، ويظهر المقصود من هذا المثل وتفسيره من خاتمته في آ35 حيث قال: هكذا يصنع بكم أبي السماويّ، إن لم تغفروا لإخوتكم من كلِّ قلوبكم. فكأنَّه يقول: رغبة في أن تعلموا كم يرضى الله أن تغفروا لمن أساء إليكم كلَّ ما تاب إليكم، ها أنا أورد لكم مثلاً أشبِّه فيه ملكوت السماء بملك طلب الحساب من عبيده.

آ24. ولمّا ابتدأ بمحاسبتِهم تقدَّمَ واحدٌ له عليه عشرةُ آلاف وزنة. وكانت الوزنة عند العبرانيّين اثني عشرَ ألفَ درهم ذهبًا وعند غيرِهم ستِّمئة ذهب. وذكره العشرة آلاف وزنة كناية عن ثقل الخطيئة المميتة التي هي شرٌّ غير متناهٍ، لأنَّه ضدُّ*** إله غير متناهٍ.

آ25. وليس له ما يَفي فأمرَ سيِّدُه أن يباعَ هو وامرأتُه وبنوه وكلُّ شيء له ليَفي. قد كانت العادة عند بعض القبائل أنَّ المديون إذا لم يفِ، فللدائن أن يبيعه مع امرأته وأولاده ليستوفي دينه. ويظهر من سفر الملوك الثاني (4: 1) أنَّ هذه العادة كانت عند اليهود أيضًا.

آ26. فخرَّ ذلك العبد ساجدًا له قائلاً: أمهلني يا سيِّد وأنا أوفيك مالَك كلَّه. قد كان وفاءُ كلِّ هذه الكميَّة فوق مقدرة العبد، لكنَّه أراد بذلك أن ينال مهلة لاتِّخاذ وسطاء*** لدى الملك ليترك له المال ويرضى عنه.

آ27. فشفقَ عليه سيِّدُ ذلك العبدِ وأطلقَه وتركَ ما كان لهُ عليه. يشير بذلك كم يُسرُّ الله بالاتِّضاع وطلب المسامحة. وما أوسع رحمته وحلمه، إذ شبَّه نفسه بالملك الذي ترك كلَّ هذا الدين لأنَّ عبده تذلَّل أمامه، وهذا أخصُّ المقصود بهذا المثل.

آ28. فخرجَ ذلك العبدُ فوجدَ واحدًا من نظرائِه له عليه مئةُ دينار، فأمسكَه وضيَّقَ عليه وقال له: أعطِني الذي لي عندك. فما هي مئة دينار بالنظر إلى عشرة آلاف وزنة؟ ويراد بالمديون بمئة دينار، الإنسان الذي يخطأ إلى قريبه.

آ29. فخرَّ ذلك العبدُ رفيقُه على رجليه وسأله قائلاً: أمهلني وأنا أفيك. فخاطبه بنفس الكلام الذي خاطب به العبد الدائن ملكه، لعلَّه يقتدي به ويشفق عليه.

آ30. فأبى ذلك ومضى فألقاه في السجن ليفيَه ما عليه. إنَّ هذا العبد طلب حقَّه ببخل وصرامة ولم يتذكَّر رأفة مولاه به، ولذا عاد فأوقع نفسه تحت صرامة عدله.

آ31. فلمّا رأى رفقتُهما ما صار حزنوا جدًّا ومضوا فأخبروا سيِّدَهم بكلِّ ما صار. هذا زخرفة للمثل مأخوذة ممّا يحصل غالبًا بين الناس. فإنَّ الطوباويّين المعبَّر عنهم بالرفقة لا يشكون الناس بآثامهم وقساوتهم.

آ32. فدعاه حينئذٍ سيِّدُه وقال له: أيُّها العبدُ الشرّيرُ إنَّني وهبتُك دينَكَ كلَّه حين سألتَني.

آ33. أما كان الواجبُ عليك أن تشفقَ على رفيقِكَ كما شفقتُ أنا عليك. كأنَّه يقول: كان يجب أن تحملك شفقتي عليك على الرحمة لرفيقك بترك الكميَّة الزهيدة التي لك عليه.

آ34. فغضب سيِّدُه ودفعَهُ إلى المعذِّبين حتّى يفيَ كلَّ ما عليه. إذ كانت العادة بموجب الناموس الرومانيّ القديم (الذي كان اليهود خاضعين له في زمان المسيح)، أنَّ الدائنين يدفعون المديونين إلى السجن والجلد بسياط في رؤوسها أكر من رصاص، وبغير ذلك من أنواع العقاب. وقد استمرَّت هذه العادة إلى أيّام قسطنطين الكبير الذي أعفى المديونين من الجلد. والخلاصة أنَّ المخلِّص أراد أن يوضح بهذا المثل كم يُسرُّ الله بالاتِّضاع والإقرار بالذنب وطلب الغفران وبالمغفرة للقريب، وأن يبيِّن ما أعظم رحمة الله وحلمه. فيريد بالملك الله، وبالعبد المديون، وبالوزنات الكثيرة الإنسان المثقل بالإثم المميت، وبالعبد الذي عليه مئة دينار الإنسان المخطئ إلينا، وإذا لم نغفر له فيغضب الله، لأنَّ إيراد المثل للحثِّ على المغفرة للقريب كما هو واضح.

آ35. هكذا يصنع بكم أبي السماويّ أيضًا إذا لم تغفروا لإخوتِكم زلاّتِهم من كلِّ قلوبِكم. لا أنَّه يرجع بالدين الموهوب مرَّة، فإنَّ هذا منزَّه عن رحمة الله الغير المتناهية، فأعمال الله دون ندامة (ولذا يصحُّ المثل في المحكمة الخارجة، ونظرًا إلى الولاة العالميّين، وحيث كانت المسامحة تحت شرط لا نظرًا إلى الله. وليس من جواهر الأمثال أن تطبَّق بكلِّ أجزائها ،كما قدَّمنا مرارًا)، لكنَّه يعاقب على نكران الإحسان وعدم الإنسانيَّة التي بها لا يغفر الإنسان لقريبه إساءة خفيفة، مع أنَّه يقبل من حنوِّ الله غفران كلِّ آثامه، والإهانة لله تفوق بغير تناهٍ الإهانة للناس، وقد أسهب الشرح بهذا الشأن فم الذهب* وتاوافيلكتوس* وأوتيموس* وغيرهم.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM