المزمور الخامس عشر: المؤمن في ضيافةالله ؟

 

المزمورالخامس عشر

المؤمن في ضيافةالله ؟

1 - المقدّمة

أحبّائي، اعتدنا كلّ هذه المدّة أن نسمع كلام ا؟، واعتدنا أن نتأمّل في سفر المزامير. واليوم نتابع هذه القراءة مع المزمور 15 الذي يمكن أن نسمّيه: المؤمن في ضيافة ا؟، ا؟ يستضيف المؤمن. ولكنّ الربّ وإن يكن محبٌّا، ليس ذلك الضعيف الذي يرضى بأيّ شيء كان، بأيّ عمل كان، بأيّ شخص كان، كلاّ. لا شكّ، هو يستقبلنا واحدًا واحدًا، كما يستقبل الأب ابنه والأمُّ ابنتَها، ولكنّ استقباله له متطلّبات. لا يحقّ لأيّ إنسان أن يقترب من ا؟.

إذا كان خاطئًا يبعد عن ا؟، الذي هو القدوس بالذات. إذا كان رافضاً، لا يمكن ؟ أن يفرض نفسه عليه. فالربّ إله الحرّيّة، الربّ إله الاستعداد، الاستعداد وانفتاح القلب. الربّ هو في الخارج يطرق الباب، ولكنّه لا يخلع الباب أبدًا، لا يحطّم الباب أبدًا. يبقى خارجًا وينتظر منّا أن نستقبله.

واستقبالنا له ليس فقط على مستوى الكلام: تعال أيّها الربّ يسوع مثلاً، كما يقول سفر الرؤيا، أو كما يقول الإنجيل بعض المرّات: يا ربّ باسمك تنبّأنا، باسمك أخرجنا الشياطين. يا ربّ أكلتَ في أسواقنا، مشيْتَ معنا. كلاّ، الكلام لا بأس به، ولكنّه لا يكفي. الفرّيسيّون قال عنهم الإنجيل: يقولون ولا يفعلون. نحن نستقبل ا؟ عندما ننفتح عليه بقلبنا، بعقلنا، بروحنا، بحياتنا، بأعمالنا، بأقوالنا وخصوصاً بأعمالنا.

وهكذا نقرأ المزمور 15 الذي يحدّثنا عن متطلّبات ا؟، ما يطلبه ا؟ لكي يستقبلنا، أو بالأحرى لكي يأتي هو إلينا. إذًا نقرأ المزمور 15، مزمور لداود: يا ربّ من يجاور مسكنك. وتتواصل القراءة حتّى النهاية: لا يتزعزع أبدًا. إذًا قرأنا المزمور 15 وفي كتب الصلاة رقمه 14. لقد صرنا نعلم أن بين النصّ العبريّ، النصّ الرسميّ، والنصّ في كتب الصلاة اليونانيّ واللاتينيّ فرقٌ بعدد واحد. إذًا نحن قرأنا المزمور 15 (14). متطلّبات ا؟.

2 - متطلّبات ا؟

هذا المزمور أحبّائي يتلوه الحجّاج. ينشدونه حين يأتون إلى أورشليم: وصلوا إلى أورشليم، دخلوا إلى المدينة، رأوا أسوارها، رأوا عظمتها. كلّ ما صنعه ا؟ لها، فجعلها المدينة المقدّسة كما نسمّيها اليوم القدس.

هي مقدّسة بسبب حضور ا؟ فيها، هي مقدّسة لأنّ يسوع مات وقام فيها. هي مقدّسة في نظر كلّ الديانات التوحيديّة. إذًا هذا المزمور يتلوه الحجّاج عندما يصلون، لا إلى أورشليم فقط بل إلى باب الهيكل. يقفون على العتبة بعد أن يكونوا صعدوا الأدراج. ويسألون من الخارج: هل يحقّ لنا أن ندخل؟ هل يحقّ لنا أن نكون أمام الهيكل؟ هل يحقّ لنا أن ندخل إلى الهيكل؟ وسوف يجيب الكاهن في الداخل، يعطى هؤلاء الناس الشروط، الشروط المفروضة. وقد تتلخّص في الوصايا العشر.

هذه الوصايا أعطيت في الماضي على جبل سيناء ولكنّ جبل سيناء صار بعيدًا. وبين موسى والمرتّل الذي ينشد هذا المزمور هناك أقلّه 800 سنة من الزمن. هذه الوصايا لم تعد فقط تلك التي قيلت على جبل سيناء، بل تلك التي يسمعها المؤمنون حين يصلون إلى الجبل المقدّس، حين يصلون إلى الهيكل، يصلون إلى أورشليم، ومسكن الربّ فيها. يجدونها، يسمعونها من الكهنة الذين يقولون لهم الشروط الضروريّة للدخول إلى الهيكل.

مزمور لداود. إذًا هذا المزمور يدخل في الجماعة التي ارتبطت بداود، دون أن يكون داود فرضًا هو الذي ألّف المزمور. ولاسيّما أنّه لم يكن بعد هيكل سليمان. فسليمان هو ابن داود والهيكل بُنيَ بيد سليمان. لكنّ هذا المزمور الذي قيل بالنسبة للهيكل الذي بُنيَ بعد داود، يمكن أن يُقال بالنسبة إلى كلّ معبد، بالنسبة إلى كلّ كنيسة، إلى كلّ موضع يجتمع فيه المؤمنون من أجل الصلاة والحوار مع ا؟.

3 - يا ربّ، من يجاور

يطرح الآتون السؤال: يا ربّ من يجاور مسكنك، من يسكن في جبلك المقدّس؟ من يجاور يمكن أن يكون بقرب، أن يكون الجار، أن يكون بقرب المسكن، والمسكن هو الهيكل. لكن في الأساس، المسكن هو الخيمة المقدّسة التي رافقت الشعب العبرانيّ حين كان في برّيّة سيناء. كانت هناك خيمة بين سائر الخيام تحيط بها الخيام. لكي تحافظ على المعبد، المعبد المتنقّل داخل الخيمة والذي يحوي تابوت العهد الذي يحمل وصايا ا؟.

نذكر هنا، نذكّركم، أحبّائي، أنّ هذا التابوت كان بشكل صندوق صغير كالتابوت الذي نستعمله يوم الجمعة العظيمة في بعض طقوسنا الشرقيّة. ويتضمّن الوصايا العشر، لَوحَي الوصايا، ويتضمّن جرّة المنّ علامة عناية ا؟، ويتضمّن عصا هارون علامة الكهنوت. إذًا من يحقّ له أن يكون بجانب المسكن؟ يعني من يحقّ له أن يسمع وصايا ا؟ أو لا يحقّ له أن يسمع وصايا ا؟؟ إن لم يستعدّ للعيش بحسبها. من يحقّ له أن يلامس جرّة المنّ، التي تدلّ على عناية ا؟، حين يريد أن يتّكل على البشر، أن يستند إلى العظماء، إلى الأقوياء.

الاتّكال على ا؟ لا يجاريه اتّكال، وعناية ا؟ لا تقابلها عناية. يا ربّ من يجاور مسكنك ومن يسكن في جبلك المقدّس. الجبل المقدّس هو موضع أورشليم، وأعظم ما فيه حيث بُني الهيكل. ونتذكّر أنّ الهيكل هو موضع رئيس الكهنة، في قدس الأقداس مرّة في السنة. والقدس موضع الكهنة وحيث تقدّم الذبائح. وما يحيط بهذا المكان المقدّس. كانت أروقة عديدة، كانت غرف عديدة للكهنة، للاويّين ولسائر عمّال الهيكل.

من يحقّ له أن يسكن في جبلك المقدّس، أن يقيم على التلّة المقدّسة حيث يقيم هيكل أورشليم. هذا ما يسأله ذلك الآتي إلى الحجّ من مكان بعيد. ويأتيه الجواب من الداخل، من الكهنة. هو سأل الربّ، والكهنة يتكلّمون باسم الربّ. هم لا يتكلّمون باسمهم الخاصّ، ولا يقولون شروطهم الخاصّة، خاصّة إذا كانت قضايا عاطفيّة أو مادّيّة أو عائليّة. كلاّ هذه ليست بشروط، الشروط، المتطلّبات، التي يعلنها الكهنة، ترتبط بكلمة ا؟، ترتبط بالوصايا.

4 - حافظ الوصايا والعامل بها

والكهنة إذ يذكرون الوصايا يطلبون من المؤمنين الآتين أن يعيشوا بحسب الوصايا. إن كانوا لم يعيشوا بحسب هذه الوصايا، فماذا يأتون ليعملوا في الهيكل. أبأيدٍ فارغة، أبقلب فارغ، أبدون أعمال ترضي ا؟، تكون بمثابة الزيت الذي يشعّ نوره في الهيكل؟ كلاّ. إذًا سأل المؤمنون وأجاب الكهنة. من يجاور مسكنك، من يحقّ له أن يكون هنا؟ والجواب في آية 2: هو الذي يسلك بنزاهة، يعني ضدّ الكذب، يعني يسلك باستقامة. وكلمة سلك، مشى. هناك مشية مادّيّة. أمشي من هذا المكان إلى ذاك المكان الآخر. وهناك مشية سلوك، مسيرة روحيّة، خلقيّة. أسير حتّى يصبح عملي مطابقًا للوصيّة التي يعلنها ا؟.

إذًا سلوك بنزاهة. مجمل الحياة تكون نزيهة، منزّهة عن الخطإ، منزّهة عن النوايا السيّئة، منزّهة عن الخطيئة، منزّهة عن استغلال الآخرين. سيقول لنا في آية 5: لا يعطي ماله بالربى. منزّهة عن كلّ هذا. إذًا تكون عطيَّتنا مجرّدة مجّانيّة الربّ. هو الذي أعطانا مجّانًا، ويطلب منّا أن نعطي مجّانًا. أو إن أعطينا يكون عطاؤنا مستقيمًا. إذًا من يسلك بنزاهة ويصدق في جميع أعماله يكون صادقًا لا كاذبًا.

الصدق والبرّ هما من الصفات الأساسيّة من أجل المؤمن. ونلاحظ كلمة جميع أعماله، لا في عمل عابر لا في عمل من الأعمال، بل في جميع أعماله. والربّ قال لنا: كونوا كاملين كما أنّ أباكم السماويّ كامل هو. وقال أيضاً: من عمل بهذه ونسي تلك، لم يصل بعد إلى ما يطلبه الربّ. لا نستطيع أن نضع حدٌّا لعملنا من أجل الربّ. لا نستطيع أن نضع حدٌّا لمحبّتنا ؟ ومحبّتنا للقريب. إذًا أوّل شرط، أوّل ما يطلبه الربّ هو سلوك نزيه، هو أعمال صادقة.

5 - نتشبّه با؟

وعندما يقول: هو الذي يسلك، لا يقول، لا يحدّد في هذه الحالة أو تلك. عندما يعمل فلان معي عملاً حسنًا أعمل معه عملاً حسنًا. من يسلك معي بنزاهة أسلك معه بالنزاهة. كلاّ هذا هو الخطأ الكبير جدٌّا. والشيء عينه يقال بالنسبة إلى الأعمال. لا تكون أعمالي صادقة بالنسبة إلى الذي أعماله معي صادقة، كلاّ. الإنجيل واضح: أحبّوا كما الربّ أحبّكم، وليس كما القريب يحبّكم، اغفروا كما الربّ يغفر. وهنا تكون أعمالنا صادقة وسلوكنا نزيهًا لأنّ الربّ هو الذي يطلب ذلك.

نحن لا نعمل كرامة للبشر بل كرامة للربّ. الربّ هو الذي يُلهم أعمالنا. وسوف يقول لنا المزمور إنّ الربّ يلهم أيضاً أقوالنا. نتابع هنا الآية 2: يتكلّم بالحقّ في قلبه. نلاحظ هذه الكلمات: نزاهة، صدق، الحقّ. وسوف نرى في الآية 3: الدجل. يتكلّم بالحقّ في قلبه. يعني نواياه صادقة، والقلب هو موضع الإرادة في الإنسان. يتكلّم بالحقّ في قلبه ولا دجل على لسانه. اللسان الدجّال، اللسان الكاذب ممنوع. قال لنا يسوع: كلامكم يكون نعم، نعم، لا، لا. لا نقول نعم ويكون لا. ولا نقول لا ويكون نعم. لا دجل على لسانه. إذًا مستوى الأعمال، هناك صدق، مستوى السلوك، هناك نزاهة، ومستوى الكلام هناك الحقّ والابتعاد عن الدجل.

6 - المحبّة اليوميّة

ويتابع المزمور فيقول بشكل عامّ: لا يسيء إلى أحد في شيء في شكل عامّ جدٌّا، سواء في أفكاره، في أفعاله، في أعماله، في كلّ حياته لا يسيء إلى أحد بشيء. نتذكّر هنا ما يقول بولس الرسول عن المحبّة في كورنتوس الأولى فصل 13، ويعطي بعض الأمور التي يمكن فيها أن يسيء. أوّلاً لا يجلب العار على قريبه، يعني لا يمرّغ رأسه بالتراب. ثمّ شيء ثانٍ، النمّام محتقر في عينيه. من ينمّ، من يقول شرٌّا في القريب، من يخترع شرٌّا في القريب، ليس فقط الرذيل، لكن النمّام محتقر في عينيه لأنّه يستعمل لسانه لكي يدمّر الآخرين، لكي يخرّب بيوت الأقرباء، بيوت الجيران، بيوت الرعيّة التي يقيم فيها.

إذًا المؤمن لا يجلب العار على القريب، لا يسيء، لا يدجّل. نلاحظ هنا النفي لا، لا، لا. النمّام محتقر في عينيه ويكرّم من يخاف الربّ. هذا يعني أنّني أنا لا أرافق صاحب النميمة، فإن رافقتُه تعلّمت منه النميمة. محتقر. يعني أبتعد عنه، أتجنّبه وأتعلّق بمن؟ أتعلّق بمن يخاف الربّ. بمن يكرّم من يخاف الربّ. نعم العظيم العظيم هو من يخاف الربّ. هو الحكيم الحكيم. وقد قال سفر الأمثال: رأس الحكمة من يخاف الربّ. من يخاف الربّ هو أحكم الحكماء وهذا هو من نكرّمه.

ويتابع المزمور فيعلن الوصيّة: لا تحلف. إن أجبر على الحلف لا يحلف، لا يتراجع ولو تضرّر، إذا وعد لا يتراجع ويتابع على مستوى السرقة. هناك سرقة من نوع آخر. لا يعطي ماله بالربى، حين يعطي الإنسان المال بالربى، فكأنّه يسرق الفقير الذي يحتاج إلى بعض المال. ولا يقبل الرشوة على البريء. هنا نلاحظ هؤلاء الذين يقرضون المال للآخرين، أو القاضي الذي يحكم انطلاقًا من الرشوة. الرشوة تعمي عيون الحكماء فيصبح البريء مذنبًا والمذنب بريئًا. لا يقبل الرشوة على البريء أبدًا.

الرشوة يعني يشترينا الآخر، يشتري ضميرنا يشتري إرادتنا، يشتري حياتنا الداخليّة. نصبح عبيدًا لما يمكن أن يعطينا من مال وغيره. إذا كان الربّ يعتبر فلانًا بريئًا، فكيف أنا الإنسان أتجرّأ وأعلنه مخطئًا، أحكم عليه بالسجن أو بالحبس. وبعد أن أعطى هذا المزمور متطلّبات ا؟ على مستوى السلوك، على مستوى العمل، على مستوى اللسان، على مستوى الكلام، على مستوى السرقة، على مستوى القضاء. يعني تطرّق إلى كلّ ظروف الحياة. أعطانا الفكرة العامّة.

من يعمل بهذا كلّه لا يتزعزع أبدًا. نلاحظ كما قلنا هنا »كلّه« وليس نصفه، ليس فقط نحفظ هذه الوصيّة ونترك تلك الوصيّة. يقول لنا يسوع: افعلوا هذه ولا تتركوا تلك. قال المزمور: يصدق في جميع أعماله. وهنا يقول: من يعمل بهذا كلّه. هو لا يقسم بل يعمل به كلّه. فالمؤمن لا حدود لمحبّته، لا حدود لأعماله، لا حدود لاهتمامه بالقريب، لا حدود لمساعدة القريب. من يعمل بهذا كلّه لا يتزعزع.

لماذا؟ لأنّه أسند حياته على ا؟، أسند حياته على كلام ا؟. أسند حياته على وصايا ا؟. مثل هذا الإنسان يحقّ له ليس فقط أن يمرّ مرور الكرام في الهيكل، أن يحجّ بطريقة عابرة. بل يحقّ له كما يقول المزمور في آية 1 أن يسكن في الجبل المقدّس، أن يسكن حيث يقيم الربّ، أن يكون ضيف الربّ. وما أجملها ضيافة! ساعتئذٍ يقول لنا يسوع في هذه الضيافة: هو يتعشّى معنا ونحن نتعشّى معه. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM