مقدمة عامة

مقدمة عامة

العبوديّة والعبادة كلمتان تتفرّعان من أصل واحد. فالعبد هو كلّ إنسان، حرًا كان أو رقيقًا، فإنْ عَبَد اللّه فوحّده وخدمه، كان حرًّا، وإنْ عبَد الإنسانَ وخضع وذَلّ له، كان عبدًا رقيقًا. وشتانَ ما بينَ أنْ يكون الإنسانُ للّهِ الذي خلقَهُ، وأنْ يكون مُلكًا للإنسانِ الذي يستعبده!
كان العبرانيّون يعيشون في العبوديّة، فحرّرَهم موسى بقدرةِ الله، واقتادهم من مصرَ إلى بريّة سيناء. حرمهم حياةَ الرّفاهيّة إذ كانوا يجلسون عند قُدورِ اللحمِ ويأكلون من الطعام حتى الشِبعَ، وأخذهم الى الصحراء "أوتوا جوعًا" هناك (خر 16: 3). قادهم الى أرض الجَفافِ واليباس فعافت نفوسُهم كلَّ طعام، فتحسَّروا على السّمك والبصل والثوم والبطّيخ (عد 11: 5-6)، ولكنّه في النهاية قادهم الى جبل سيناءَ ليعبُدوا اللهَ هناك فيلزَموه ولا يفارقوه.
عبدوا الله فقدّموا له ذبائحَهم وتَقادِمَهم، عبدوه فأطاعُوه وانقادُوا له، فجعلهم شعبًا مقدسًا: باركَهم وكرّسَهم وطلبَ منهم أن يكونوا قدّيسين لأنّ الربّ إلهَهُم قدّوسٌ هو. أعطاهم وصاياه وطلَب إليهم أن يسيروا بمُوجبِها إذا أرادوا أن تكون لهم الرّاحةُ والسّعادة.
هذه قصّةُ شعبِ الله كما نقراها في سفرِ الخُروج. سنتتبعُّ الفصولَ لِنفهمَ المعنى الحرفيَّ لآياتٍ نعتبرُها كلامَ الله، لأنّها تحملُ إلينا، عَبر كلامِ البشر، نداءً من الله. سنحاولُ أن نضعَ هذه الفصولَ في إطارِها التاريخّي، ونقابلَ مُعطَياتِها بما نعرفُه عن دياناتِ ومدنيّاتِ شُعوبِ الشّرقِ القديم. ولكنّنا سنسعى في النّهايةِ الى اكتشافِ العِبْرةِ الدينيّة ممّا تركَه لنا الكاتبُ المُلْهَمُ الذي انطلقَ من أحداثٍ بسيطةٍ تحدُثُ لكلِّ شعبٍ يبحثُ عن حرّيتهِ، فجعلها ملحمةً يلعبُ فيها اللهُ الدّورَ الأوّل.
إنّ كلامَ اللهِ ينطلقُ من الواقع التاريخيّ فيتعدّى الزّمانَ والمكانَ. وفي سِفر الخروج ينطلقُ الكاتبُ الملهَم من إطار بريّةِ سيناءَ والقرنِ الثّالثَ عَشَر ليحمِلَ كلامَ اللهِ إلينا نحنُ العائشين في هذا القرنِ العشرين. لم يهتمَّ راوي ملحمةِ شعبِ الله باسمِ الفِرْعَوْنِ ولا بالزمان الذي أقامَ فيه العِبْرانيون بمصر. ونحن بدورنا سنتجاوزُ اسمَ موسى وهرونَ وفنحاسَ. سنتركُ الشّعبَ الذي قيلت له هذه الكلمات، ليصلَ الينا حَدثُ الله صافيًا. سنفهمُ أنّ العِبادةَ الحقّةَ لله تنفي العُبوديّةَ للبشر، وأنّنا إن عرفْنا الحقَّ فالحقُّ يحرّرُنا. ونعلمُ أنّ في المسيح لا عبدَ ولا حر، وأنّ الكبيرَ يفتخرُ بأن يكونَ خادمًا للصّغير لأنّ الحرّيةَ في العطاءِ والعظَمةَ في التواضع. الى مثل هذه العبادة يدعونا يسوعُ لنتركَ كلَّ عبوديّةٍ ، بما فيها الخطيئة، وكلُّ أصنامِ هذا العالم، ونعبُدَ اللهَ الحيَّ الحقَّ.
لهذا السبب سنقرأ سِفر الخُروج، ومن اختبار شعبٍ لخلاصِ الله سنتعلّمُ أنّ الخلاصَ قريب مِنّا
في شخصِ المسيح الذي من أجلِنا نحنُ البشرَ تآلّمَ وماتَ وقُبرَ وقام

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM