القصيدة التاسعة: وعرف الإخوةُ يوسف
وتحرَّك قلب يوسف لهذا الكلام، فأخرج الجميع. هو ما حكم على السارق ولا على القتلة. ظنَّ الإخوة أنَّ ساعة النهاية دنت، بل هي الذروة حين عرَّف يوسف نفسه إلى إخوته. ما صدَّقوا في البداية. ولكن حين عادوا إلى نفوسهم، اعترفوا بخطيئتهم، فغفر لهم، وعرفوا جميله وهم الآن مع سيِّد مصر. عرف فرعون أنَّ يوسف لم يكن ذاك العبد الذي عُرف في السجن، فهو حرٌّ وأبوه اسمه يعقوب من أرض كنعان. فأُرسلَت الهدايا إلى يعقوب وبنيه من قِبَل فرعون.
وعرف الإخوةُ يوسف
فتحرَّكت أحشاء يوسف
بعد القضاء العظيم الذي فيه تَحاكم يوسفُ مع إخوته،
فاضت مراحمُه من أجل أبيه، وتنازل فصنع رحمة.
بعلَّة الكأس تعذَّبوا، بالمحاكمات النهار كلَّه تبدَّلوا.
فحين رأى أنَّ (قواهم) انحلَّت وارتخت، رحم حياتهم:
5 «ها أحلامي كملت، وهكذا تحقَّقت.
فينبغي لي الآن أن أعود وأراهم أحبَّائي.
يكفيهم كم تعذَّبوا طيلة هذا النهار كلِّه،
والشيخ مسحوق لأجلي، لأنِّي انفصلت عنه من زمن طويل.
ربَّما حلَّ به بلاء إن تأخَّر وما رأى بنيامين.
10 إذا طالت المحاكمة وأمسكتُهم أيَّامًا،
فتأتي النهاية للشيخ، ويسقط في حزنه علينا إلى الشيول.
إن أُكثر العذابَ لإخوتي (أكُنْ كمن) يطلب مجازاة حبائلهم.
هم كشفوا بغضهم، فحاشا لي أن أتشبَّه بهم.
كانت شدائدي مساعِدة لي، لأنَّ الله قام إلى مساعدتي.
15 هبَّ الألم مثل الريح، فما تزعزتُ (بل لبثتُ) مثل الجبل.
وينبغي الآن أن أعتني وأزيل عنهم الضباب.
وينبغي لي أيضًا أن أتبيَّن كم تحمَّلوا من الضيقات.
نجّاني رأوبين من القتل، فلا ينبغي أن يحمل الحزن.
يهوذا أصعدني من الجبِّ، وأنا أنتشله من الهوَّة.
20 وحاشا لي من الآن أن أروي لهم جرائمهم،
أو أطالب أيديهم: لماذا بعتموني؟
فلا يجوز أن أذكر هذا فأضرب الشوك في القرحة.
من الآن عبرَ كلُّ شيء ومضى، فنسكت أيضًا عن خبره».
وأخرج المصريّين
وبعد هذا المدى الكبير، اختُتمت المحاكمة وانتهَت.
25 غلبتْه مراحمُ الطبيعة، فطلب أن يتعرَّف بإخوته.
وكان المصريّون اجتمعوا للمحاكمة هناك.
جلسوا وسمعوا الدعوى التي بها يُحاكَم العبرانيّون.
قال المصريُّون بعضهم لبعض: «ها هي المحاكمة انتهت،
وقرب الوقت وأتى، لكي يُوضع ختمٌ على الصراع.
30 فما أطولَ روحه وهو يصغي إلى أقوالهم!
وكم كانوا مستعدِّين للقاء دهائه!
فما أحكم العبرانيّين، لأنَّ كلامهم مملوء بالمذاق!
أخرجوا الكلمة بثقة على كلِّ كلمة قالها سيِّدنا.
ومهما يكن من أمر السرقة إلاَّ أنَّهم كثيرو الحكمة.
35 ما خافوا من أجل السرقة، ولا صمتوا عن الكلام.
ها قرُبَتْ ساعةُ الحكم، وها هو الآن يتراخى.
أو يبيِّن أنَّه يحمل الرحمة، أو يصبغ سيفه بالدم.
إن طلب لهم أن يُعدَموا، باطلة تكون حكمتهم.
وحاشا له أن يقتصَّ من ذنبهم أو يبيد به أجسادَهم».
40 فأمر يوسف بعنف أن يَخرج الآن المصريُّون:
«الآن انتهت المحاكمة، ويبقى العبرانيُّون وحدهم».
فخرجوا كلُّهم بسرعة بعد أن اضطرَّهم الأمر،
وكلُّهم يسألون بعضهم بعضًا، وما من إنسان عرف لماذا.
«كلُّنا كنّا سامعين المحاكمة كلَّها التي أجرى،
45 وعند إصدار الحكم نُخرَج. لا نعرف ما هذا!
ربَّما يرغب أن يُنزل بالعبرانيّين أشدَّ العذابات.
فيا ويلهم لأنَّهم، في الغربة، سُلِّموا إلى حكم القضاء.
نحن نحزن، أيُّها العبرانيّون، لهذا الألم الذي يصيبكم.
ولا نعرف كيف يصدر الحكمُ عليكم».
فلبث العبرانيُّون وحدهم
50 رأى العبرانيُّون أنَّ المكان أُخليَ ولبثوا هم فيه وحدهم،
فتطلَّع الواحد بالآخر، وذرفت عيونُهم الدموع كالمطر.
ارتجَّ البيت عليهم فجأة، لأنَّ زمرتهم لبثت وحدها.
كان المكان يضجُّ بالناس، فأُفرغَ بلمحة بصر.
فقال الواحد للآخر وهو يبكي: «ها محاكمتنا انتهت الآن،
55 وبلغت ساعةُ هلاكنا التي بها تنتهي أحاديثُنا.
فلو رغب أن نبقى أحياء، لترك الناس بقربنا،
وأصدر علينا حكمًا جديدًا يرتعد منه السامعون.
وهذه هي الساعة الباقية: أو نموت فيها أو نحيا.
فيا إله أبينا يعقوب، اعضدْنا في نهاية الحكم،
60 ولا تدعِ الرجل يقسو بالعقاب على أبناء عبدك».
ونظر بنيامين في يهوذا فهطلت دموعُ الاثنين:
«تعالوا نبكي الواحدُ على رفيقه، فمن الآن يفرِّقوننا».
فقال يهوذا: «ويل لي، ماذا أصنع لك، يا بنيامين؟
لا أَحلُّ (نفسي من) كفالتي فيشتمني أبي يعقوب.
65 فلو أراد أن يصنع لنا خيرًا لكان يصنعه قدَّام الناس:
هو أطلقهم لكي يعذِّبنا فلا يتوسَّل إليه المصريُّون.
ونتأمَّل أيضًا أنه جعلنا داخل بيته لكي نقطع رجاءنا.
ولكنَّه لا يجعل بيته مقبرة، ويضع في داخله الموتى.
وكيف يستطيع أن يُنزل بنا العذاب القاسي داخل بيته!
70 فإن رَشَّ (الدم) في جدران منزله، كيف يقدر أن يَدخله؟
فهل ينبغي لنا قبل أن نموت أن نُفضح قدَّام المصريّين؟
جمع (مصر) من أقصاها لمحاكمتنا، وصرفها عند إصدار الحكم علينا».
ويوسف ينظر إليهم
جلس يوسف في ذلك الوقت، ونظر في اضطراب الرجال
ولبث طويلاً في بيته، ليرى الفزع الذي يختلجُ فيهم.
75 شاهد بنيامين بين إخوته وهو يبكي على يهوذا،
فصعدت في الحال الزفرات وانقسمت على أعضائه.
ورأى أنَّ ما من إنسان قريب من النبلاء ورؤساء المصريِّين،
فرفع صوته بالبكاء، وخلط بكاءه ببكائهم.
وصاح بصوتٍ على مثال الثور فتحرَّكت الأسسُ لأنّاته.
80 ثمَّ ترك الكرسيَّ الذي جلس عليه، وقام واختلط بين إخوته.
«إن كنّا نحن نبكي لأنَّه يحكم علينا في القضاء،
فلماذا يبكي القاضي على سارقين حُكم عليهم؟
"ما حاكمتَنا ظلمًا، وها أنت تبكي بحبٍّ (كبير)،
ليكن عملُك موافقًا لرنين بكائك».
قبل أن يعرِّفهم بنفسه
85 فصاح يوسف البارُّ بصوته: «أيُّها الأبرار، لا تضطربوا!
أنا أنا يوسف أخوكم، وأنتم بعتموني للتجّار.
أنا، أنا يوسف ابن راحيل، وُلدتُ في فدّان أرام.
أنا ابن يعقوب الشيخ الذي أحبَّني وأحبَّ بنيامين.
في البرِّيَّة رميتموني في الجبِّ، وبمشورة من يهوذا صعدت.
90 قيَّدتموني مثل مجرم، ومثل عبد بعتموني.
«أنا هو من رأى الأحلام واستهزأتم بتفسيرها.
وهبني إلهي ما رأيتُ في الحلم، وانحنَتْ لي حزمُكم.
أنا، أنا يوسف أخوكم، قلت لكم هكذا.
هذه الطريق التي أمضي فيها هي تكشف عن ذنبنا.
95 وتفتح فمها وتتكلَّم، وتجعل العمل مكشوفًا
وتُبيِّن بعد زمان من سار عليه سيرًا رديئًا».
فهطلت عينا بنيامين بالبكاء، بكى فوق عنق يوسف:
«عليك أبكي يا أخي الفاضل، لأنَّ كلَّ إنسان تخلَّى عنك.
من يجعل بنيامين (يرى) راحيل، بعد أن أفلتت من قبرها،
100 فترى ابنيها في الغربة يلتقيان الواحد بالآخر».
ما استطاع بنيامين أن يصدِّق لأجل الرجل وعظمته.
فصرخ بصوت شديد مرتابًا في قلبه: «هل هو حقًّا؟»
وكان إخوة يوسف واقفين، يُخفون وجوههم في الأرض،
ولا يقدرون أن يرفعوا عيونهم لينظروا في عينَي أخيهم.
105 خجلوا أن ينظروا إلى شخصه، من الخوف والحياء.
تذكَّروا قيوده وثمنه، وإذ اتُّهموا وُبِّخوا:
«لا نقدر أن نصدِّق أنَّ هذا هو يوسف ابن يعقوب.
ربَّما نرى أحلامًا، ربَّما نحن مستيقظون.
إنَّ كان هذا أخانا يوسف، لتتألَّمْ معنا حتّى الصخور.
110 فالذي لا يهلكه الله، لا يقدر البشر أن يضرُّوه».
ويهدِّئ من روعهم
وارتفع بكاء يوسف واختلط ببكائهم.
وتحقَّقوا أنَّه يوسف من بكائه وزفراته.
«أَخبِروني بالحقيقة: هل أبي يعقوب حيٌّ؟
صدّقوني! لن أعاقبَ الهوان الذي تحملَّتُ منكم.
115 لستم أنتم من بعتموني، هو إيل شدَّاي الذي فعل ذلك (تك 45: 5).
تعالَوا فوق الفزع، فالعمل هو عمل الله.
ولا تُظهروا لي اليوم أنَّكم مضايَقون لأنَّكم رأيتموني.
فاخلعوا عنكم ثوب الحزن، والبسوا لون البهجة.
ولأجل برِّ أبينا، كانت هذه النعمة لأحبَّائه،
120 لئلاَّ يرى في الجوع العظيم الشدَّة التي لا يستحقُّها.
بقيتْ خمسُ سنين لا زرع فيها ولا حصاد،
فأرسلَني (الله) لآتي قدَّامكم وأُبقي لكم بقيَّة».
«بعد أن بعتموني، تركتْني الشرورُ التي حلَّت بي.
فنعمة (الله) أعانتني في كلِّ عمل عرضَ لي.
125 فصرتُ سيِّدًا على مصر، بعد أن خرجتُ من أرضنا عبدًا.
وصرتُ آمرًا في البلاد التي اشتُريتُ فيها كمجرم.
أذكروا أبانا يعقوب الذي عبر النهر بعصاه،
حين صعد من داخل حاران وأصعد معه أربع فرق (تك 32: 11).
فالذي كان مع أبي يعقوب ووهب له الغنى في فدّان آرام،
130 لازمني بين المصريِّين، ووهب لي هذه الرفعة.
فنسلُنا منذ البدء يشتكي على الله.
ففي كلِّ بلد مضى إليه، وُقِّر مثل ملك.
فلا تتعجَّبوا من هذا كم عظم أخوكم،
هبوا المجد لله الذي رفع نسل أبينا».
فارتاحت قلوبهم
135 فارتاحت سريعًا قلوبهم بعد أن ضمَّدتها التعزية.
فالجرح القاسي الذي نالوه، ضمَّده بأدوية الحبِّ.
خزيَ عقلُهم قليلاً بعد أن سحقته الأحزان وبلبلته.
امتصَّ روائح عذبة ورُوِّح عنه فتشجَّع.
بطل عنه الألم وما خلد إلى الأمان.
140 وإذ سندته التعزيات حقًّا كان مسحوقًا بالذكريات.
«والآن أطلب منكم يا إخوتي، تشجَّعوا الآن وانظروا إليَّ،
ولتتبدَّل وجوهكم لأنَّ الزمان تبدَّل عليَّ.
فلا تحزن يا أخي رأوبين، فما أردت أن تحزنني.
وأنت يا يهوذا، أصعدتني بمشورتك من داخل الجبّ.
145 كونوا كلُّكم في سلام لأنَّكم بعتم لمصر سيِّدًا،
وأنا أعرف أنَّ ما حصل لي من أمر عجيب هو عظيم جدًّا.
فامضوا وبيِّنوا باعتناء هذه الرفعة لأبي الشيخ.
وبسبب هذه القدرة الكبيرة لا يصدِّق يعقوب الشيخ.
ها عيناي أخي بنيامين ترياني في مصر سيِّدًا».
وسقطوا ساجدين
150 فسقطوا كلُّهم وسجدوا له وشرعوا يتكلَّمون:
«ها أنت بيَّنت جودك، وإلى الآن نحن مرتعدون.
ما كان صغيرًا الإثمُ الذي فعلنا، ولهذا فألمه ينخسنا.
هذا الذنب خياطته سيِّئة، فيجب أن لا يرى النور.
فشُدَّ الوتر واخنقْ إثمَنا فلا يبلينا حين يُولَد».
160 «ما سمعنا لك حين توسَّلتَ إلينا، فأنت يا سيِّدي لا تتشبَّه بنا.
بمراحمَ أفضتْها اليوم تستحي وقاحتُنا.
أنت طلبتَ من عشرة، وها أحد عشر يطلبون منك.
ما حنَّ عليك عشرة رجال، فوبِّخْهم بفيض مراحمك.
أعطى زرعُك واحدًا بمئة، فلا تتضايق يا سيِّدي بالفلاَّحين.
165 وإن كان زرعُك للهلاك، بلغَتْ سنبلتك إلى السماء.
فاغفر لنا، يا أخانا، جريمتَنا التي بها ارتفعَتْ كرامتُك.
اقترفنا خطيئة عند الغنم، وفي مصر جعلتْك (هذه الخطيئة) سيِّدًا.
إلى المصريّين أرسلناك تجارةً، فضمَّدتهم (من جرحهم).
الجياع الذين أشبعتَ بحبِّك، يتشفَّعونك من أجل تجارِّك،
170 في الوقت الذي صعدتَ لتُجلى على مركبة وقارك.
«في رِفعتك تنظرُ بعينيك، وقلبُك يمحو جريمتنا.
من يعرف يا أخانا يوسف فيخبرك كم سُحقنا؟
وكم عذَّبَنا أبونا بالبكاء من أجلك!
مباركة مصر التي حفظتك في الحياة، من أجل والدك،
175 فيراك ويَعبر حزنُه، ويكثر رجاؤنا فيكما معًا.
عذَّبتنا كثيرًا يا أخانا في هذا الوقت الذي فيه أمسكتَنا.
ففي هذه الطريق شبَّهتنا بجواسيس وعذَّبتنا.
وفي هذه الطريق، نبعَتْ فينا المحن في أمر الكأس.
فيا لك من حكيم عاقبَنا، ولكنَّ قضيبه ما كسَرَنا.
180 ما ضربتَنا بسرعة، بل بفنٍّ عذَّبتنا.
فالقصاص غيَّر قلوبنا، ولم يُرَ في جسمنا.
فلا يعرف المصريّون، يا سيِّدي، بكلِّ الإثم الذي فعلنا.
ولا تتركنا قدَّامهم، فينظروا إلينا مثل مجرمين.
ها هو الله معنا، وهو من يقتصُّ من كلِّ ما به أجرمْنا.
185 أنت تضرَّعتَ لأجلنا إلى الله لكي يسامحنا،
وربَّما لأجلك صنع الله الجوع في بلدنا،
لتأتي الحزم مكرهة وتنحني بين المصريّين.
كنّا السبب لكرامتك، فلا تجازِنا على جرائمنا.
أرسلناك إلى مصر سيِّدًا، فلا تحفظ لنا (في قلبك) جهالتنا.
190 ها أنت بيَّنتَ لنا جودك، ليكتملْ حتّى النهاية.
فلا تعطِنا يا سيِّدي اليوم الأمان، وبعد وقت تنسى جودك».
طمأنهم يوسف
فأجاب يوسف وقال لإخوته: «لا ترهبوا من هذا،
ولا تكونوا مفكِّرين، لأنَّ هذا العمل لم يكن عملَكم.
أنا أنساه الآن في راحتي. وصلوات يعقوب الشيخ
195 هي التي وهبَتْ لي الكرامة هنا في بلاد مصر.
وحاشا لي أن أضايقه بكم وهو من مرمرتموه بسببي.
فلا أقدر أن أفعل ضدَّ مشيئة الله.
حاشا لي أن أضايقه بكم، لأنِّي حملت آلامَه في شدائدي.
أدخلتم إليه من البرِّيَّة القميصَ الملطَّخ بالدم،
200 فتقرِّبون له، بدل القميص، الثيابَ المجيدة من مصر.
عرَّيتموني من ثيابي بين الجبال، وأنا ألبسكم اللباس بين المصريّين.
أخذتم ثمني في البرِّيَّة، فعيشوا في الضيق بلا ثمن.
البرارة التي لم يُسمَع لها، هي تحنُّ على الذين ما سمعوها.
اقتنيتُ درجة عالية، وأنا أرحم أعدائي.
205 عشرة منكم باعوني وأنا وحدي اشتريتكم كلَّكم.
أنتم بعتموني للعبوديَّة، وها أنتم تُحرَّرون بعبوديَّتي».
وذاع الخبر
بعد أن انتهت المحاكمة خرج الخبر بين المصريّين:
«هؤلاء الناس العبرانيّون هم إخوة يوسف».
ففرح فرعون الملك حين سمع أنَّ يوسف بيَّن عظمته.
210 وابتهجتْ مصرُ كلُّها بالأمر العجيب الذي صُنع فيها.
دهشوا من هذه الأتعاب والعذابات التي تحمَّلوها (= الإخوة)،
إذ دعاهم جواسيس وعاملهم مثل سارقين.
ودخل يوسف وأخبر فرعون الملك كلَّ ما كان،
على إخوته الذين أتوا لديه، وعلى أبيه يعقوب الذي هو حيٌّ بعد.
215 وأخفى عنهم أنَّه احتُقر لئلاَّ يحقَّر نسلُ أبيه.
ومع أنَّ العجيبة كانت كبيرة، لم يُشكَّك المصريّون.
«إخوتي، يا سيِّدي، أتوا لديَّ، كما يأتي إليَّ الغرباء،
ليشتروا الحنطة من مصر فوجدتُ نفسي قدَّامهم.
كان هذا تدبير الله، وإنِّي أعجب من أحكامه».
220 قال فرعون: «لماذا لم تكشف لي أنَّ لك أبًا
لكي أتمكَّن أن أصنع جميلاً لنسلك من أجلك؟
فرئيس السقاة حين ذكركَ، دعاك عبد فوطيفار.
أفأنتَ وحدك عبد أم إخوتك كلُّهم عبيد؟»
يوسف وفرعون
فأجاب يوسفُ الملكَ وقال له: «نسلنا يا سيِّدي من الأحرار،
225 والعبوديَّة لم تشاهدنا. أنا لبستُ اسمها وظُلمتُ
ورأيتُ أنَّك أحببتني، فما أعلمتك عن نسلنا.
كفى حبُّك أن يملأ (مكان) الآباء والعشائر».
«بما أنَّ أباك بعيد عنّا، فبيِّنْ له محبَّتنا،
تمضي موهبة الملك إلى هذا الشيخ الذي سحقَهُ التفكيرُ بك.
230 لكي يعلو فوق الشقاء بكرامتك وسموِّك.
ها الأرض كلُّها قدَّامك، غلاَّتُها ودسمُها بين يديك.
فأرسل إلى أبيك زادًا من قبلنا، وليأتِ بسلام.
أمرتُك، لا تتأخَّر، أَرسلِ المركبات إلى أبيك.
فيها يأتي متاعُه ويرى رِفعتَك هذه.
235 ولينبِّهْهم أمرُك بأن لا يُشفقوا على أغراضهم،
فكلُّ خير مصر هو لهم إن أتوا.
أنت لهم هنا وإن تعبوا قليلاً:
ففي تعب الطريق وعنائها، يستندون إلى الثقة بك».
يوسف وإخوته
حين سمع يوسف هذه (الأقوال)، سجد لفرعون وقال له:
240 «لإلهي أؤدِّي التسبيح لأنَّه وهبني أن أجد رحمة قدَّامك».
وخرج يوسف من بيت فرعون، ليَصنع ما أُمرَ به.
وحسُنَ لإخوته المقال الذي قاله الملك بحبّ.
قال يوسف لإخوته: «قوموا، اصعدوا، فيتعزَّى يعقوب الشيخ.
خذوا لكم زادًا في الطريق، كما أمر فرعون الملك.
245 وتمضي معكم المركبات، فتأتي بالمتاع معكم.
وأَبلِغوا كلَّ الأفراح إلى الشيخ الذي ابتُليَ بالكُروب.
وصلُّوا من الآن لأجل حياتي، وانتبهوا إلى راحتكم،
فتأتوا هنا إلينا للكرامة والراحة».
«نحن نمضي كما تشاء ونأتي بأبينا الشيخ.
250 ونحن أصغر من أن نروي الأفراح التي حصلت لنا».
فأمر يوسف قيِّمَ البيت ليزوِّد إخوته بالطيِّبات،
ويُرسل إلى أرض كنعان من مركبات المصريّين.
وزَّع البركات عليهم كلِّهم زوجًا من الحلل لكلِّ واحد،
ملابس الملك الجميلة بها يتزيَّن العبرانيّون،
255 ووهب لبنيامين أكثر من خمس حلل.
وهب لأخيه بنيامين خمس أزواج حلل
فالذي حُرم من الأخ، وجد ستًّا بدل حلَّة واحدة.
وأرسل أيضًا بيد بنيامين عشرة حمير محمَّلة،
لتكون في الطريق من أجل نفقات متاع أبيه يعقوب.
260 من التجّار أخذ بيتُ لاوي ثمنه عشرين من الفضَّة،
وأرسل يوسف ثلاثمئة من الفضَّة بدلها لأبيه.
بيعُه ساوى أكثر من العشرين التي وُزن ثمنُها.
أرسلَ يوسفُ معهم وزن مئتين ومئة (من الفضَّة)
«تزوَّدتم بكلِّ شيء فلا تخافوا ولا تهتمُّوا.
265 قوموا واصعدوا بسلام، وأحضِروا أباكم معكم.
وإذ أنا عارفٌ بأفكاركم، أتقدَّم فأوصيكم:
«حين تخرجون من عندي، انظروا ألاَّ تتخاصموا في الطريق.
ولا يَقلِ رجلٌ لرفيقه: أنت عرَّيتَ يوسف (من ثيابه)
ولا يروِ الواحد لمن يسير معه: بيعَ بمشورتك.
270 لئلاَّ يحصل شيء، وبالكلام يكون عملٌ بغيض.
لا تضايقوا الذي باعني، ولا تُحزنوا الذي عرّاني (من ثيابي).
فبواسطة الكلام يكون الخصام سيِّد الأضرار.
فلا يأتِ ضررٌ في وسطكم بالمجادلة والكلام،
ولا يغلبِ الغضبُ الرجلَ من جرّاء أقوال صاحبه.
275 فمن يتكلَّم يراعي اللياقة، ومن يسمع يطيل الروح.
فاحفظوا هذه الوصايا لكي يقابلكم (أبوكم) بسلام.
انظروا، لا يضايق الواحد الآخر، ولا تتضايقوا من أقوالي»(1).