العبادة الروحيّة والحياة الجديدة
12: 1- 8
بعد اللاهوت الحياة الخلقيّة، وبعد العقيدة الارشاد الذي يعلّم المؤمنين كيف يجب أن يسلكوا في العالم. وهكذا نبدأ مع آ 1- 8 مقالاً حول الحياة العمليّة في المسيح، وسيمتدّ هذا المقال حتى 15: 13. بدأ بولس فأعطانا الإطار العام الذي فيه نعيش حياتنا اليوميّة: إطار رحمة الله ورأفته تجاه بولس وتجاه قرّائه. أما مواضيع هذه الحياة الجديدة التي يدعو إليها الرسول فهي موقع المؤمن في الجماعة، المحبّة الأخوية، الخضوع للسلطات الزمنية. أما النصّ الذي نقرأ فيتوقّف عند الموضوع الأول: موقع المؤمن في الجماعة.
(1) فأناشدكم، أيها الاخوة، برأفة الله أن تجعلوا من أنفسكم ذبيحة حيّة مقدّسة مرضيّة عند الله. فهذه هي عبادتكم الروحيّة. (2) ولا تتشبّهوا بما في هذه الدنيا، بل تغيّروا بتجديد عقولكم لتعرفوا مشيئة الله: ما هو صالح، وما هو مرضيّ، وما هو كامل. (3) وأوصي كلّ واحد منكم بفضل النعمة الموهوبة لي أن لا يغالي في تقدير نفسه. بل أن يتعقّل في تقديرها، على مقدار ما قسم الله له من الإيمان. (4) فكما أن لنا أعضاء كثيرة في جسد واحد، ولكل عضوٍ منها عمله الخاص به، (5) هكذا نحن في كثرتنا جسد واحد في المسيح، وكلنا أعضاء بعضنا لبعض، (6) ولنا مواهب تختلف باختلاف ما نلنا من النعمة. فمن له موهبة التنبّؤ فليتنبّأ وفقاً للايمان، (7) ومن له موهبة الخدمة فليخدم، ومن له موهبة التعليم فليعلّم، (8) ومن له موهبة الوعظ فليعظ، ومن يعطي فليعطِ بسخاء، ومن يرئس فليرئس باجتهاد، ومن يرحم فليرحم بسرور.
1- بنية النصّ
يتوزّع هذا النصّ في محطات أربع: عبادة الله والذبيحة التي نقدمها. البحث عن مشيئة الله. قسمة الايمان. تنوّع المواهب.
أ- عبادة الله
ما يطبع حياتنا بشكل عام هو أن تكون عبادة روحيّة، فيها نقدّم ذواتنا قربانة حيّة، مقدّسة، ترضي الله. هذه الفكرة قرأناها في 6: 13: «قدّموا نفوسكم لله كأحياء، عادوا من الموت، واجعلوا من أعضائكم أدوات برّ لله». فالمسيحيّ هو كائن حيّ. أي يحيا لله. وهو ميت، بعد أن مات عن الخطيئة. فقد دُمّر جسدُ الخطيئة فيه، وقام من أجل حياة جديدة، هي الحياة لله في المسيح (6: 11). والمسيحيّ «مقدّس». «حياته» هي خدمة البرّ وتُثمر في القداسة (6: 19، 22). والمسيحيّ «يُرضي الله». فكل كيانه هو لله، بعد أن كرّس له ذاته بكلّيتها. مات عن هذا العالم وأهوائه، وعاش لله وعملَ له وحده.
ولا تقوم هذه العبادة الروحيّة، والخدمة الالهيّة، والتقدمة الذبائحيّة، بطقوس ليتورجيّة كالاحتفال بالذبيحة الالهيّة مثلاً. هذه العبادة هي الحياة اليوميّة التي تحقّق ذاتها من أجل الله، التي تتمّم مشيئة الله من أول عمل حتّى آخر عمل فيها. من أجل هذا، يجب أن نقطع كل علاقة بالدهر الحاضر (هذه الدنيا)، أي بالعالم الذي تسوده الخطيئة، ونتحوّل كلياً فنجدّد عقليّتنا بحيث نميّز إرادة الله، أي ما هو صالح، ما هو مرضيّ، ما هو كامل.
ب- إرادة الله
وحين تهتدي النفس اهتداء تاماً، تتكوّن الحياة المسيحيّة بالنظر إلى إرادة الله. وهذه الإرادة لا نعرفها بمجرّد أننا نعرف الله. فنحن لا نعرف بعدُ ما ينتظر الله منّا. فيجب أن نتعلّمه في معرفة تتضمّن موضوع هذه الارادة. إن إرادة الله تنكشف عبر قيَم الكمال، بحيث نرضيه في أعمالنا الصالحة.
وهذا ما لا يكتشفه كل انسان. فنحن بحاجة إلى عينين خاصّتين تريان ما لا يراه العالم. نحن بحاجة إلى نفس تجدّدت كل التجدّد، فتوافقت مع الصالح والكامل، وصارت من طبيعتهما. لسنا هنا أمام معرفة مجرّدة للخير، كتلك التي نجدها في الشريعة وتتوجّه إلى الكائن البشريّ (بما فيه من ضعف لأنه من لحم ودم). ففي الشريعة يُفرض عليّ أمرٌ، ولكنه يبقى غريباً عنّي لأني من لحم ودم. لا أعرف الخير إن لم تفرضه الشريعة. وبما أنني «بشريّ»، لا أحسّ نفسي مهيّأ لما يُطلب مني.
ولكن حين يتجدّد عقلي، لا يصل إليّ الخير بواسطة شريعة من الشرائع، بل أنا أحمله في ذاته فيجعلني عقلي أكتشف الخير ولا انتظر عبارة مجرّدة تتحدّث عن الشريعة. في تلك المعرفة «أهضم» قيم الكمال، أتذوّقها بعد أن متّ عن أهواء الجسد.
ج- قسمة الإيمان
ويطلب بولس من المؤمن أن يتصرّف، لا بحسب قواعد هذا الدهر، بل «على مقدار ما قسم الله له من الإيمان» (آ 3). فالحياة في الجماعة تجعل كل عضو في الجماعة يعرف نفسه ويعرف الآخرين. ولكي تتفتّح الجماعةُ تفتّحاً متناغماً، يجب أن نتحلّى بالحكمة، بالتعقّل، بالرويّة، بحيث لا نقدّر نفوسنا فوق ما نحن. والقاعدة، درجة الإيمان الذي هو الكائن الروحيّ فينا. بما أننا بهذا الكائن الروحيّ أعضاء حقيقيّون في الجماعة المسيحيّة، فلا نستطيع أن نحدّد موقعنا تحديداً حكيماً إلاّ بالنظر إلى هذا الكائن الروحيّ، وعلى ضوء الإيمان.
ولكن الإيمان ليس هو هو لدى كل شخص. فلكل واحد قسمته من الإيمان. وهذا ما يخلق تنوّعاً لا يعارض الوحدة في الجماعة، بل يتيح لها أن تكون جماعة حقيقيّة حيث الواحد يكمّل الآخر. عندئذ يكون الجسد متناسقاً. وهذه العودة إلى الإيمان كأساس للعلاقة بين المسيحيين أمرٌ يلفت النظر. فالإيمان لا يكوّن فقط كل مسيحيّ بمفرده، بل يكوِّن أيضاً الجماعةَ كواقع روحيّ، كوحدة تتنظّم فيها الاختلافات. فالمسيحيون هم جسد في المسيح فقط، وهم أعضاء بعضهم لبعض. وهذا لا نفهمه إلاّ في الإيمان.
د- تنوّع المواهب
تنوّعَ الأعضاءُ على مقدار ما قسم الله لهم من إيمان، فتنوّعت مواهبُهم واختلفتْ وظائفهم «باختلاف ما نلنا من النعمة» (آ 6). فالمواهب التي لا تتماهى مع الإيمان، تميّز درجة الإيمان لدى كل مسيحيّ، وتنبع، كالإيمان، من رحمة الله ورأفته.
لا شيء يدلّ على أن المواهب الواردة هنا هي فائقة الطبيعة وترتبط بعالم المعجزات. بل هي وظائف في جسم الكنيسة. وبولس لم يوردها كلها. فهناك غيرها نقرأها في الرسالة الأولى إلى الكورنثيين. ولا يوردها حسب تراتبيّة معيّنة، بل يقدّم لنا أمثلة عن مهام تُمارَس في الجماعة المسيحيّة. وما يهمّ بولس في هذا التعداد، هو أن يوصي كل واحد بأن يمارس موهبته على أكمل وجه، بحيث يؤول كل شيء لبنيان الكنيسة، كما يقول الر سول في موضع آخر.
2- خدمة الله (12: 1- 2)
حين أراد بولس أن يُورد متطلّبات الحياة المسيحيّة، بدأ كلامَه بطلب ملحّ (أناشدكم، أحثّكم، رج 1 تس 41: ) وجّهه إلى القرّاء لكي يكون سلوكُهم التعبيرَ الحقيقيّ عن إيمانهم. ويتأسّس هذا النداء على ما سبق. كل شيء يرتبط بالله (11: 35)، ولا سيّما الخلاص. فإذا أردنا أن نناله، نكون كما يريدنا الله، ونعيش حياة ترضيه. يحدّثنا الرسول عن «رأفة الله»، عن أحشاء الله: هو مثل أم تحبّ أبناءها واحداً واحداً. وهو أب يعبّر عن تعلّقه بالجماعة كلها وبكل فرد فيها. فكيف نردّ على موقف الله الأبويّ هذا؟ نقدّم أجسادنا ذبيحة حيّة. نقدّم ذواتنا وكل نشاطنا.
نحن نقدّم جسدنا كما تقدّم ذبيحةٌ أو قربان. ومثلُ هذه التقدمة تحلّ محلّ تقدمة الكباش والعجول. مثل هذه التقدمة هي في ذاتها مقدّسة، لأنه تعبّر عن تكريس حقيقيّ لله من قبل مقدّمها. لهذا، فهي ترضيه كما أرضته ذبيحةُ ابنه الذي قدّم نفسه ليُتمّم إرادة أبيه (أف 5: 2؛ عب 10: 1- 10). تلك هي العبادة الواجبة الآن لله. هي عبادة روحيّة نعبّر عنها في الصلاة والاجتهاد لكي نعرف الله كما يريد أن تعرفَه خلائقُه. في العهد القديم، قدّموا ذبائح رافقها الجورُ والظلم، فرفضها الله (إش 1: 11- 15؛ إر 6: 20؛ هو 6: 6). كل هذا نتجاوزه لنكون بكليّتنا في خدمة الله مع كل نشاطنا. وهذا ليس بممكن إن لم يحرّكنا روح الله (رج 8: 1 ي).
لهذا يُطلب منا قبل كل شيء أن لا نكون حسب هذا الدهر، حسب هذا العالم وأهوائه. في هذا المجال تتحدّث 1 بط 1: 14 عن «شهواتكم التي تبعتموها في أيام جهالتكم». فهذا العالم سيحلّ محلّه، في مجيء المسيح، عالمٌ جديد، أو عالم تجدّد من الأساس، بحيث لا يعود للشرّ من موضع فيه. جاء يسوع كالمسيح، ولكن مجيئه لم يضع حداً للعالم الحاضر، لعالم الشرّ الذي تسوده قوى تقف في وجه الله، وقد جاء يسوع يخلّصنا منها (1 كور 2: 6- 8؛ غل 1: 4).
إن «إله هذا العالم» ما زال يمارس تأثيره المشؤوم فيعارض مسيرة الانجيل (2 كور 44: )، ويدفع المؤمنين إلى التخلّي عن إيمانهم. ذاك هو الخطر الذي يتحدّث عنه هذا النصّ كما يتحدّث ف 6. فإن تركنا نظرة العالم وطرق عيشه تسيطر علينا، نسقط في خطايا تُبعدنا عن ملكوت الله (1 كور 6: 9- 11). فالعالم الجديد الذي هو العالم الآتي في سفر الرؤيا، حاضر منذ الآن بالنسبة إلى الذين غسلهم العماد من ذنوبهم. ولكن يجب أن نحذر دوماً السحر الذي يمارسه العالم الحاضر وأهواؤه. وليس من الضروريّ أن نخرج من هذا العالم (1 كور 5: 10)، بل يجب أن نعيش فيه كأناس جُدُد تحوّلوا في اتحادهم بالمسيح.
فالمسيحيّ يُدعى لأن يكون ما هو منذ الآن. مات عن الخطيئة (6: 1، 11) فيمكن أن يعود إليها. لهذا يجب أن «يُميت» كل ما يساعد الخطيئة أن تحيا من جديد (رج 8: 13). والتحوّل الذي تمّ في الذين نالوا «روح الحياة الذي في المسيح يسوع» (8: 12)، يجب أن يتواصل ويتعمّق. هذا ما يتمّ بفضل امتلاك «فكر الربّ» (1 كور 2: 16). هكذا يتمّ التجدّدُ الروحي، تجديد عقولنا، الذي لا يتوقّف على تمييز ما يجب أن نفعل، بل يصل إلى ممارسةُ يحدثها الروح حين يحوّل المؤمن إلى حالة جديدة ويحفظه في هذه الحالة.
بهذه الصورة نعرف ما هي إرادة الله التي يتحدّد موضوعُها في ثلاث صفات: صالح، مرضيّ، كامل. هذا بالنسبة إلى الله. وبالنسبة إلينا أيضاً. فإرادة الله ليست اعتباطيّة. فموضوعها خير الذين تُـلهم عملَهم ليتقدّسوا يوماً بعد يوم (1 تس 4: 3؛ 5: 23)، ويقتربوا من الله. «كونوا قدّيسين لأني أنا قدّوس» (لا 11: 14؛ رج 1 بط 1: 16). ويسوع طلب من تلاميذه: «كونوا كاملين كما أن أباكم السماويّ كامل هو» (مت 5: 48). هذا يفترض محبّة لا تستبعد أحداً حتّى الأعداء. هذا ما تفصّله آ 3- 8 فتطلب من المؤمن أن يجعل مواهب نالها من الله، في خدمة الجماعة.
3- المواهب لدى المؤمنين (12: 3- 8)
بعد قول عام يستعيد ما قيل، نجد مقدّمة لتشبيه يصوّر الجماعة كجسم حيّ مؤلّف من أعضاء يقوم كل واحد منهم بوظيفة معيّنة (آ 4- 5)، حسب الموهبة التي نالها.
أ- أُوصي كل واحد (آ 3)
نحن هنا أمام إعلان عام. إذا كان على كل واحد أن يهب نفسه بلا حساب في خدمة الله، فيُطلب منه أن يفعل بقدر الوسائل الموضوعة بتصرّفه. ويبدأ بولس فيتحدّث عن «النعمة الموهوبة لي». هي عطيّة خاصّة نالها من الله (1 كور 3: 10- 15؛ 10- 11) الذي جعله رسول الأمم (1: 5؛ غل 2: 7؛ 7: 9)، وكلّفه بأن يُعدّ التقدمة التي بها يقدّمون نفوسهم لله (15: 15- 16). إذن، يستطيع أن يكلّم الرومانيين بسلطان، ويطلب من كل واحد «أن لا يغالي في تقدير نفسه»، بل يتعقّل، فلا يحاول أن يلعب دوراً ليس له. بل يقوم بما كُلّف به. والمقياس هو مقياس الإيمان الذي ناله من الله.
فالإيمان يطلب أن نقبل الوحي عن ابنه، ويتوافق سلوكنا مع هذا الوحي. الإيمان واحد. ولكننا نترجمه في خدمة الجماعة بأشكال متنوّعة. فلكل واحد استعداداتُه الشخصية التي تحوّله وترفعه ليعمل من أجل خير الجميع. هكذا يتجلّى بعضُ «نشاط الإيمان» (1 تس 13: ). هو الإيمان الواحد يوحّد جميع المؤمنين بالله ويكرّسهم لخدمته ليحقّقوا عمله الخلاصيّ، بهذه الإيمان ترتبط دعوة كل واحد منا.
ب- الأعضاء في الجسد (آ 4- 5)
وإذ اراد بولس أن يُفهمنا الموقف الذي يجب أن يقفه كل واحد، اتّخذ مثَل العلاقات داخل الجسد الواحد. كان قد استعمل هذا المثل في 1 كور 12: 2 ليشدّد على وحدة جسد المسيح. أما هنا، فهو يهتمّ بمختلف الأعضاء وأشكال الخدم. هذا الجسد هو «جسد واحد في المسيح». هكذا ميّز هنا بين الأعضاء وجسد المسيح نفسه، ساعة توقّفت رسائلُ السجن عند رأس هذا الجسد (أف 4: 15).
ويُستعمل التشبيه أيضاً ليفهمنا متطلّبات الحياة المسيحيّة في وجهاتها المختلفة. فالمؤمنون متّحدون في ما بينهم، لأنهم كلّهم مع المسيح (رج غل 3: 26، 28: «أنتم كلكم أبناء الله في المسيح. أنتم كلكم واحد في المسيح»). غير أن هذه الوحدة التي فيها تمّحى الفوارق على مستوى العرق والجنس والمرتبة، لا تتألّف من أفراد يلاصق الواحدُ الآخر، وكأن لا علاقة للواحد مع الآخر. إنها وحدة عضويّة تشبه وحدة جسد حيّ، حيث يُدعى كل عضو من الأعضاء ليمارس نشاطاً خاصاً في خدمة الآخرين. كلُّ واحد هو عضو. وهو يرتبط بسائر الأعضاء. كل عضو له حياته، وله نشاطه. وإليه يتوجّه بولس، ومنه يطلب الله أن يعمل من أجل خير الجسد.
ج- المواهب المختلفة (آ 6- 8)
من أجل هذا، نمتلك مواهب مختلفة، حسب النعمة التي وُهبت لنا. هذه المواهب هي خِدَم نمارسها بدفْع من الله أو المسيح، وهي تجلّيات الروح التي أعطيت لفائدة الجميع، وللتجاوب مع حاجات الجماعة. لذلك يجب أن تكون عديدة ومتنوّعة. بما أنها ترتبط بالنعمة المعطاة لكل واحد، فهي في أصل دعوته الخاصة، وهو بموجبها يلعب الدور المهيّأ له، لا دوراً آخر.
هناك موهبة النبوءة، أي التكلّم باسم الله، لكي «نبني ونشجّع ونعزّي» (1 كور 14: 3). فمن امتلكها، كانت له القدرة على التمييز، وعلى توجيه المدعوين لخدمة الانجيل. وموهبة الخدمة تدلّ على نشاط ينتفع منه القريب. خدمة مادية، خدمة روحيّة، خدمة رسوليّة. خدمة يطلبها منا الروح ونحن نتجاوب معها. ثم موهبة التعليم التي هي جدّ ضروريّة في الكنيسة، مارسها الرسل منذ بداية الكنيسة، ولا سيّما بعد عظة بطرس الأولى يوم العنصرة.
بعضهم يعلّم. وبعضهم يعظ. فنحن لا نسمع الانجيل، بل نحاول عيشه. لهذا نحتاج أيضاً إلى التشجيع والتنبيه لمقاومة ما يهدّد حياة الله فينا. وتبقى المواهب الثلاث الأخيرة: من يُدعى ليعطي من خير يمتلكه أو يتسلّمه، ليعطِ بسخاء. وليعطِ ببساطة دون أن يحاول التبجّج بعطائه. لينظر إلى حاجات الآخر ويحاول أن يكون بقربه. ومن كان على رأس الجماعة، ليفعل بغيرة واجتهاد. وأخيراً موهبة الرحمة: يساعد الفقراء. يترك الدين للمديونين (مت 18: 33). يكون رحيماً كما أن الله رحيم هو (لو 6: 36). كل هذه المواهب تتوخّى الاهتمام بالحاجات الروحيّة والماديّة في الجماعة.
خاتمة
هكذا بدأ تعليم بولس، في هذه الرسالة، عن الحياة الخلقيّة في الجماعة. نقطة الانطلاق هي المؤمن. والهدف خير الجماعة التي تكوّن جسداً بأعضائه المختلفة. أما الوسائل فهي المواهب التي لم تُذكَر كلها. هكذا تكون الحياة المسيحيّة لدى كل انسان ذبيحة حيّة. وتكون الجماعة قرباناً يقدّم للربّ. ما قرأناه في 12: 1- 8 كان بداية الكلام عن الحياة الجديدة في المسيح. وستتواصل توصيات بولس حول التضحية من أجل الاخوة، والتعامل الحسن مع الجميع، والردّ على الشرّ بالخير. وفي النهاية، محبّة القريب. هكذا تكون كنيسة رومة شاهدة للمسيح، لا بإيمانها المشترك مع بولس وحسب، بل بما تعيشه من حياة مسيحيّة تمنع الناس من أن يجدّفوا على اسم الربّ بسببها (2: 24)، بل تدعوهم لأن يمجّدوا الآب الذي في السماء.