قيامة الأموات
20: 27- 38
الله إله أحياء، لا إله أموات. جميعهم عنده يحيون.
إنطلق الصادوقيون من حالة غير معقولة، فأرادوا أن يبرهنوا استحالة الحياة بعد الموت. الشريعة تقول إن المرأة التي خسرت زوجها الأول، تتزوّج على التوالي إخوة الزوج الأول. فإذا ماتت في النهاية، زوجة من تكون في الدنيا الأخرى؟ ونرى تطبيق هذه الشريعة في شخص يهوذا (تك 38) الذي رفض ابنه الثالث لتامار، بعد أن فقد ولدَيه الأولين.
عرض تث 25: 1 هذه الشريعة ساعة كانت اعتراضات كتلك التي يطرحها الصادوقيون مستحيلة. وحين أخذت فكرة القيامة بعد الموت تفرض نفسها، ما زال الغموض يلفّ نوعّية الحياة بعد الموت. ودلّ سؤال الصادوقيين أنهم يعتبرون هذه الحياة بعد الموت كامتداد لحياة الانسان على الارض.
إمتنع يسوع في انجيله أن يصوّر بالتفصيل الحياة في الآخرة. ولكنه عرض هنا تعليماً مركّزا على الحياة في الله. فحياة القائمين من الموت لن تكون استمراراً للحياة على الأرض. ويزول الزواج بصورة خاصة مع وظيفة الانجاب. وحين يبلغ الانسان إلى الخلود، لم يعد للزواج من معنى.
ودلّ يسوع أن القائمين من الموت صاروا كالملائكة. أن المخلّصين سيشاركون الله في مجده. وهناك عبارة في الانجيل تقول: "الذين يحسبون أهلاً للمشاركة في القيامة". قد تعني هذه العبارة أن القيامة تحفظ فقط للابرار. أما الاشرار فيزولون بشكل نهائي. نجد هذه النظرة في نصوص العالم اليهودي المبصر ليسوع. أما لوقا فيؤكد أن الابرار والاشرار يقومون جميعاً (أع 24: 16).
حاول الصادوقيون أن يحرجوا يسوع، فاستندوا إلى الكتب المقدسة وإلى موسى. واستعمل يسوع أيضاً بلباقة الكتب المقدسة وموسى. فإن كان الله أعلن عن نفسه لموسى أنه إله ابراهيم واسحق ويعقوب، فهذا يعني أن هؤلاء الآباء ما زالوا يكرّمونه ويعبدونه. هذا يعني أنهم يحيون بعد موتهم على الارض. أجل، إن الله هو إله أحياء.
نلاحظ لباقة يسوع في التخلّص من الفخاخ التي ينصبها له خصومه. وهم بنفسهم يقرّون بذلك. قال بعض معلمي الشريعة: "أحسنت يا معلّم". وما تجاسروا بعد ذلك أن يسألوه (20: 39). ولكن من خلال حكمته، يجعل الانسان يستشفّ شيئاً من الحياة بعد الموت. رفض يسوع أن يدخل في نظريات حول "كيف" يقوم الموتى. وأكد أن المؤمن اختبر في الله حياة تمتدّ أبعد من موت الجسد.
لم يسمح يسوع للصادوقبين أن يسجنوه في مقولاتهم البشرية. فميّز ما يعود إلى "هذا العالم" ممّا يعود إلى "العالم الآخر".
في "العالم الجديد"، في عالم الملكوت، لا يتزوّجون ليلدوا البنين. بما أن لا موت، فلا حاجة إلى نسل جديد. فالانجاب هو وجهة من الحب الزوجي الذي هو سرّ واسع جداً. ثم إن يسوع لا يقول إن الرباطات المميّزة بين الزوجين ستزول في العالم المقبل.
في الملكوت سنكون شبيهين بالملائكة. سنكون ابناء الله ووارثي المسيح الحي. عالم جديد وعلاقات جديدة. ولن يحتاج ملء الحب إلى لغة الأجساد ليعبرّ عن نفسه. فالاجساد نفسها ستصبح روحية، بعد أن تنيرها قوة الروح. وهكذا جعلنا يسوع نستشف خليقة جديدة، دون أن يصوّر لنا "الآخرة" التي هي سرّ الله الخالق.
ولو لم ينغلق الصادوقيون على أفكارهم المسبقة، لاستشفوا أن هذه القيامة قد أعلنت بصورة ضمنية لموسى. قال في خبر العليقة الملتهبة إنه إله ابراهيم اسحق ويعقوب، فدّل على أنه إله الاحباء لا إله الموتى. وأكدّ يسوع هذه القراءة حين أعلن: "فهم جميعاً عنده يحيون".
إذن، فجَّر يسوع نظراتنا الضيّقة، ودعانا ألاَّ نتخيل "الآخرة" على شكل عالمنا الحالي. ففتح كل العلاقات البشرية على أفق جديد هو أفق "اتحاد" الاشخاص. فالمرأة والرجل يتعدّيان وصية الانجاب، بعد أن دُعيا إلى مشاركة الله في حياته.
ثم إن وظيفة "العزوبة المكرسة" تدلّ على أن شريعة الزواج لا تُحتقر. ولكنها تصبح نسبيّة بالنظر إلى ملكوت الله.
لقد عاش يسوع "تجسده" في حالة البتولية. فدّل هكذا على أنه يبدأ في شخصه طريقة جديدة من العلاقات يعيشها الانسان. فحبّه الموجّه كلياً نحو مطلق أبيه، قد كشف الهدف الأخير لكل علاقاتنا البشرية.
أيها الرب يسوع، يا ابن الله الحي. جئت تعطي حياتك للعالم، لكي تكون الحياة لكل انسان باسمك. أيها الرب يسوع، يا ابن الله الحي. احببتنا حتى النهاية لنسير في خطاك. ايها الرب يسوع، يا ابن الله الحي. إنتقلت من الموت الى الحياة لتجعل منّا أحياء معك.