الفصْل الثّاني
تابُوتُ العَهْد عِندَ الفلسْطيّين
4 : 1 – 7 : 17
أ- المقدّمة
سينهزم بنو إسرائيل أمام الفلسطيين الذين يأخذون تابوت عهد الربّ معهم. يرتبط هذا الخبر ارتباطًا بسيطًا بما سبقه. لا شكّ في أنه يذكر شيلو وعالي وابنيه، ولكنّه لا يورد اسم صموئيل، بل يُشدّد على حضور تابوت العهد الذي لَمَّح إليه الكاتب في آية واحدة (3: 3). نقرأه فنتذكّر قصة شمشون (قض 13-16)، ونفهم أنّه جُعل كمقدمة لقِصّة المَلَكية التي سنقرأ عنها في الفصول اللاحقة، مع استئناف الحرب بين بني إسرائيل والفلسطيين.
نُلاحظ هنا وجه عالي بملامحه ذاتها: ألشيخ الوقُور والمُستقيم السيرة رغم ضُعفه أمام ولديه، الذي يهّمه أول ما يهّمه تابوت العهد (13:4).
يتدخّل تابوت العهد في القتال، كما فعل في أيّام يشوع (يش 3: 1 ي ؛ 4: 1 ي؛ 6: 1 ي)، وكما سيفعل فيما بعد (2 صم 11: 11). ينتظر الشعب من الربّ الجالس على عرشه (4: 4) النصرَ والخلاص (عد 10: 35-36). ولكن ليس الله في خدمة الإنسان، وتابوت العهد ليس أداة سحريّة، يُديرها الإنسان كما يشاء، ويُوّجهها بحسب رغبات قلبه. في أرض اسرائيل لم يُعطِ التابوتْ النصر المنتظَر، وفي أرض الفلسطيين وبيت شمس، سيَنشرُ الدمارَ والخراب. إنّ مكان تابوت العهد في أورشليم (2 صم 27:15) في السحاب الكثيف والظُلمة (1 مل 12:8)، في المكان المقدّس كلّ التقديس، في غرفة خاصة من غرُف هيكل الله (1 مل 6:8)، بعيدًا عن العيون المُتحرّية (2 صم 6: 19). من مدّ يده إليه، يُصيبه ما أصاب عزة. يُضرب فيموت (2 صم 6: 6-7). فالربّ هو الإله القدّوس (6: 20) الذي لا يُدركه بشر، والذي يطلب من شعبه قداسة وطهارة كاملتين.
أراد بنو إسرائيل أن يحتموا بتابوت العهد، فخسروا الحرب، وخسروا معها تابوت العهد. وسيحتمون في الهيكل في عهد إرميا، ويعتبرون أنّ الهيكل محرّم على الأعداء بسبب حضور الله فيه. ولكن لا نفع من الاحتماء في الهيكل إن لم يبدّل الإنسان سلوكه: أصلِحوا طرقكم وأعمالَكم، أَجروا الإنصاف بين الرجل وقريبه، لا تجوروا على الغريب واليتيم والأرملة، لا تسفكوا الدم البريء (ار 7: 5 ي). إفعلوا هذا، تسكنون آمنين في أرض الربّ، وتكونون في حِمَى الهيكل، وإلاّ فسأصنع بهذا البيت (أي الهيكل) ما صنعت بشيلو.
ب- تفسير الآيات الكتابية
1- هزيمة به إسرائيل وخسارة تابوت العهد (4: 1-22)
قصّة تابوت العهد قصّة طويلة، ستمتد الى 2 صم 6: 1 ي، ولكنّ الحدث المذكور هنا، يهدف إلى إظهار حكم الله على عالي، وقد استهان ابناه بوصايا الربّ، وعلى الفلسطيين الذين أُجبروا على إعادة تابوت العهد، لكثرة ما حلّ بهم من دمار بسببه، والذين قدّموا اليه تقدمة عبادة ليَعُفّ عنهم فلا يضربهم.
(آ 4: 1-4) هزيمة أولى لبني إسرائيل الذين جاؤوا بتابوت العهد في وسطهم، ليُخلّصهم من أيدي أعدائهم. هُزموا لأنّ الله لم يكن معهم، إذن سيأتون برَمْز حضوره، ولكنّ هذا الرمز سيكون وبالاً عليهم. نزل بنو اسرائيل في "ابن هاعيزر" أي حجر المعونة (12:7) واصطفّ الفلسطيون في أفيق (29: 1) قرب نبع نهر يافا، شماليّ أرضهم.
ألفلسطيون شعب غير ساميّ، أقام في السهل الساحلي بعد السنة 1200 ق. م.، كجزء من شعوب البحر. بعضهم ذهبوا إلى مصر وبعضهم الاخر تجمّعوا شمالي دور وفي سهل يزرعيل، قريبًا من بيت شان (31: 10). في عهد داود نجد جنودًا مرتزقة في حرس الملك، هم الكرتيون (الكريتيون) والفلطيون (أي الفلسطيون) الآتون من كريت (أي كفتور عا 7:9). بقيت آثار لهم في قبرس، وبنوا خمسَ مُدُن لهم على الشاطىء الذي سيُسّميه الرومان فلسطين في القرن الثاني ب. م.
(آ 5- 11) ودخل تابوت عهد الربّ إلى المعسكر، فهتف بنو إسرائيل (2 صم 6: 15) هتاف حرب ودين... ولكنّهم انهزموا... إستولى الفلسطيون على تابوت العهد وقتلوا حفني وفنحاس. هتفوا مع يشوع أمام تابوت العهد، فسقطت أسوار أريحا (يش 6: 5، 20)، وما زال هتافهم للربّ يتردد في ليتورجية الهيكل (مز 6:27؛ 3:33): أشيدوا لله أشيدوا، أشيدوا لملِكنا أشيدوا. ألله هو ملك الأرض، ألله ملك على الأمم (مز 6:47 ي؛ رج 16:89؛ 150: 5).
ألعبرانيون: هكذا سمّى الفلسطيون بني إسرائيل. جدّهم هو عابر (تك 10: 21، 25)، وقد جاؤوا من عبر نهر الفرات (يش 24: 2)، واسمهم يرتبط بجماعة "عبيرو" الواردة في النصوص القديمة (تك 17:39؛ 41: 12؛ خر 1 :16 ؛ 2: 6).
(آ 12-18) موت الكاهن عالي. كان عالي الكاهن جالسًا قرب باب المعبد، وقلبه خائف على تابوت الربّ... سمع الخبر فسقط عن كرسيّه ومات.
تولى عالي القضاء أربعين سنة على مثال جدعون ويفتاح، فكان من قُضاة بني اسرائيل (قض 3: 10- 11؛ 4: 4؛ 10: 2-3).
(آ 19-22) موت كنّة عالي، زوجة ابنه فنحاس
ماتت راحيل وهي تضع بنيامين (تك 35: 16-18)، وماتت كنّة عالي وهي تضع ابنًا ذَكرا... ولكن ما نفع الأولاد بعد أن زال مجد بني إسرائيل، وأُخذ تابوت العهد؟ ألمجد (كابود في العبرانية) يُشبه النار الآكلة (خر 24: 7)، وهو يكشف عن حضور الله المتجلّي وَسَط السحاب في البرّية وفي سيناء (خر 16: 10). هو يملأ المسكن (خر 40: 34-35) والهيكل (1 مل 8: 10- 11). في هذا المقطع يرتبط بتابوت الربّ، رمز حضور الربّ المجيد وسط شعبه (اش 6: 1-4).
وهكذا تمّ حكم الله على بيت عالي حسب الكلام الذي قاله رجل الله (2: 34). وبدأت قصّة تابوت الربّ الذي يضحك من شعوب الأرض ويستهزىء بملوكهم، فيكلّمهم بسُخطه، وبغضبه يُروعهم (مز 2: 1- 5).
وتساءل بنو إسرائيل: هل تخلّى الله عنهم وانتقل إلى مخيّم الأعداء؟ هم تركوا الربّ، فتركهم الربّ (قض 12:3؛ اش 25:5-26 ؛ ار 01: 4-7). قال مز 78: 10- 11: لم يحفظوا عهد الله، وأبوا ان يسيروا في شريعته، ونسوا أعماله ومُعجزاته التي أراهم... فثار عليهم. وعلى هذا طلعت من قلوبهم صرخة الألم: أللهمّ أنّ الأمم دخلوا ميراثك، نجسّوا هيكلك المقدّس، جعلوا أورشليم خرابًا، جعلوا جثث عابديك طعامًا لطيور السماء (مز 79: 1-2). أيّها الإله القدير، أنِرْ بوجهك علينا فنَخْلُص (مز 8:80).
2- ما قاساه الفلسطيون من تابوت العهد (5: 1-12)
ذهب الله إلى المنفى خارج أرضه، وهناك أظهر قوّته التي أخفاها حين أراد بنو إسرائيل أن يستخدموها، لا أن يعبدوا الله مصدر هذه القوة.
نقرأ في هذا المقطع موضوعين: ألأول: هزيمة الآلهة الغريبة أمام الربّ. الثاني: ألضربات التي حلّت بالفلسطيين تُشبه تلك التي حلّت بالمصريين. فاللّه المخلّص هو هو يضرب شعبه وسائر الشعوب ليردّهم إليه. وسيعود الفلسطيون إلى يهوه، فيقدّمون له تقدمة، ويردّونه إلى أرضه.
(آ 5: 1- 5) هزيمة الإله داجون أمام يهوه.
داجون اسم سام ومعناه القرن. هذا الإله هو أبو بَعْل وله معبد في اوغاريت (راس شمرا). كان يُصوَّر بشكل إنسان في معبد أشدود وغزّة (قض 23:16)، وسيسقط داجون إلى الأرض ساجدًا ليهوه، لأنّ يهوه هو سيّد الآلهة كلّها.
(آ 6-12) ألضربات تحلّ بالفلسطيين.
الله يهزأ بأعدائه ويُذلّهم. حسبوه سلبًا من الأسلاب، بعد أن وضعوا يدهم عليه، فإذا بيده ثقيلة عليها. هكذا فعل بالمصريين (خر 8-10). وهكذا سيفعل بالأشوريين (2 مل 9: 35؛ اش 36:37): أرسل عليهم الوباء المتمثّل بالفئران.
ودار تابوت الله في مُدُن الفلسطيين: أشدود، جت، عقرون، فألقى الرُعْب في قلوب الجميع. لم يبق لهم إلا أن يردّوه إلى موضعه. خاف الفلسطيون من يهوه، وفضّلوا أن يبتعدوا عنه، فجعلوه في مكان مُحايد: لا في أرضهم ولا في أرض العدوّ. يهوه هو الإله الواحد، وأمامه لا تقف الآلهة. حتى داجون القويّ الذي أعطى النصر للفلسطيين على العبرانيين، قد سقط على الأرض أمام تابوت الربّ. آلهة الأم ضعيفة أمام الله الواحد: لها أفواه ولا تتكلّم، لها آذان ولا تسمع، لها عُيون ولا ترى. وهي تحتاج إلى من يَسنُدُها لئلا تقع إلى الأرض، فكيف ستَسُند عبادَها؟
3- إرجاع تابوت العهد إلى العبرانيين (6: 1-21)
عزم الفلسطيون على تأدية قربان ليهوه. رفضوا أن يُقسّوا قلوبهم كما فعل المصريون (خر 13:7، 12: 31)، لئلا تُصيبهم ضربات عديدة.
إن تابوت العهد، رمز حضور الربّ، هو ينبوع بركات وخطر. نظر إليه أهل بيت شمس فضربهم، فمات منهم سبعون شخصًا.
(آ 6: 1- 12) إرجاع تابوت الربّ: هل يد الرب هي التي تضرب الفلسطيين (آ 3)؟ أرادوا أن يتأكّدوا من ذلك، فقرّبوا قُربانًا لأجل مُدُنهم الخمس وملوكهم، ثم أرسلوا العَجَلة.
ألفئران المذكورة هنا تدلّ على وباء الطاعون. يُمكن أن نكون أمام تقليدين. واحد يحدّثنا عن مرض البواسير وآخر عن الطاعون.
أدّوا مجدًا لإله إسرائيل أي اعترفوا بخطاياهم أمامه (يش 7: 19).
خُذوا بقرتين لم يوضَع عليهما نير، لأنّهما ستُستعملان للخدمة المقدّسة (2 مل 20:2؛ عد 2:19؛ تث 3:21).
هل سيصنع الربّ المعجزة، فيعود إلى أرضه رغم العراقيل التي يضعها الفلسطيون في وجهه؟ أخذوا مُرضعتين، فصلوهما عن عِجْليهما... وتوجّهت البقرتان إلى بيت شمس تخوران وتطلبان عجليهما، وتسيران مع ذلك لا تميلان يمينًا ولا شمالاً. وهكذا تأكد الفلسطيون: الله هو الذي أنزل بنا هذا البلاء العظيم.(آ 13- 21) تابوت العهد في بيت شمس وفي قرية يعاريم.
بيت شمس مدينة على حدود يهوذا ودان (يش 15: 10).
قرية يعاريم تقع إلى شمال بيت شمس، وهي إحدى مُدُن أرض جبعون الأربعة (يش 9: 7). سيبقى فيها تابوت العهد إلى أن ينقله داود إلى أورشليم (2 صم 6: 1 ي). أمّا لماذا لم يوضع تابوت الربّ في شيلو، فالسبب في ذلك يعود إلى دمار معبد شيلو، على يد الفلسطيين على أثر معركة أفيق.
كلّ حجر كبير يُمكنه أن يكون مذبحًا (33:14) تُقدّم عليه ذبيحة. توقّفت البقرتان في هذا المكان، فدلّ الله بذلك على أنّه يريد أن تقدَّم له تقدمة في هذا المكان.
أنزل اللاويون تابوت الرب. كيف تَمُسّ تابوت الرب أيدٍ غير أيدي اللاويين؟
هم حملوه يوم عَبَر الأردن (يش 3: 3)، ويوم خرج من أورشليم مع داود هربًا من أبشالوم (2 صم 15: 24)، ويوم دخل الهيكل الذي بناه سُليمان (1 مل 8: 4). هذا ما قضت به شريعة الربّ (تث 8:10، ولكن رج 1 صم 7: 1 ؛ 2 صم 6: 1 ي). ألربّ هو القدّوس، فلا تمسّه أيد بشرية. ألربّ مُخيف وهذا ما عرفه الفلسطيون والعبرانيون على السواء. قال أشعيا (6: 1-6) لمّا رآه في الهيكل: "ويل لي، قد هلكت لأنّي رجل دَنِسُ الشفتين، وقد رأت عيناي الملك الربّ القدير".
إنّ القصة المرويّة هنا، جزء من قصة تابوت العهد، وهي تحدّثنا عن سُلطة الله على مصير شعبه وسائر الشعوب. بدا الله وكأن لا قوّة له يوم كان شعبه عبدًا في مصر، وبدا ضعيفًا يوم هاجمهم الفلسطيون. ولكنّ يده كانت قويّة فخلّصت شعبه، وجعلت الأم تُقِرّ بعظمته. وسيردد الشعب هذه القصّة، حتى بعد أن هُدِمَت أورشليم والهيكل، وذهب الشعب في طريق السَبْي. لهذا يُنشد المزمور 78: 60-66: "خذل الربّ مسكن شيلو، ألخيمة التي أقام فيها بني البشر. جعل في السبي رمز قوته وعلامة جلاله في يد الأعداء. سلّم للسيف شعبه وغضب على ميراثه. أكلت النار فتيانهم، ولم يكن من يُولول على عذاراهم. كهنتهم سقطوا بالسيف، ولم يكن من يبكي على أراملهم. كان السيّد نائمًا فاستيقظ، كان كجبّار رانت عليه الخمر، فضرب أعداءه من الوراء، وسامهم عارًا أبديًا".
4- قضاء صموئيل في بنى إسرائيل (7: 1-17)
يبدو صموئيل هنا في وجه جديد، يتولّى قضاء بني إسرائيل، فيقودهم إلى النمر ويُعطيهم السلام، ثم يُمارس وظائف كهنوتية.
هذا المقطع هو خاتمة القسم الأول (ت 1-7)، بل خاتمة قصّة القضاة في بني إسرائيل (آ 13-17). حيث هُزم بنو إسرائيل (4: 1، 5: 1، 1 ي في ابن هاعيزر) هناك سينتصرون (آ 12) بفضل صلاة صموئيل (آ 8-9) وتوبة الشعب إلى الربّ: أزالوا آلهة الكنعانيين وكفّروا عن خطيئتهم في احتفال طقسيّ في المصفاة (آ 5-6).
(آ 7: 1) أصعد أهل قرية يعاريم تابوت الربّ: كرّسوا ألعازار ابن ابيناداب لحراسة التابوت، مع أنّه ليس لاويًا، كما كرّسوا فيما مضى ابن ميخا كاهنَ معبدٍ (قض 17: 5).
(آ 2) صرخ بنو إسرائيل إلى الربّ. هكذا تبدأ قِصة كلّ قاض من قضاة بني إسرائيل (قض 6:6-10؛10 :10-16).
(آ 3-6) توبة الشعب. ألرجوع إلى الربّ يبدأ أولاً بإزالة الأصنام والتماثيل... وعبادة الله تكون: بالصوم والصلاة والإقرار بالخطايا في اجتماع احتفاليّ مقدّس.
(آ 7-12) حرب في المصفاة. وصعد الفلسطيون لمُحاربة بني إسرائيل، فخاف بنو إسرائيل. وهنا سيلعب صموئيل الدور الذي لعبه موسى في الحرب مع بني عماليق (خر 8:17-13). قالوا له: لا تكفّ عن الصراخ لأجلنا. فقدّم صموئيل ذبيحة، وصرخ إلى الربّ فاستجاب له الربّ.
وهكذا محا بنو إسرائيل العار الذي ذاقوه في ابن هاعيزر.
(آ 13-14) إنتصار على العدوّ وسلام. وكانت يد الربّ على الفلسطيين أي أنّه أخضعهم فلم يعودوا يتحرّشون ببني إسرائيل. هذا ما حدث للأعداء بعد أن قهرهم أهود (قض 3:3) وجدعون (قض 28:8) ويفتاح (قض 11 : 33).
(آ15-17) قضاء صموئيل في بني إسرائيل. يذكر تقليد قديم ثلاث مدن لها أهميّتها الدينية في حياة بني إسرائيل: بيت إيل (أي بيت الله) وهو معبد معروف منذ القِدَم (تك 28: 11 ي)، الجِلجال (أي تلّة الحجارة) وهو مكان قريب من أريحا (يش 4: 19-5: 12). والمصفاة وقد ذكرناها سابقًا. أمّا الرامة بلدة صموئيل فهي قريبة من بيت إيل.
نودّ القول أولاً إنّ الانتصار على الفلسطيين واحتلال أرضهم، لم يكونا عمل صموئيل، لأنّ الفلسطيين سيتسلطّون فيما بعد على بني إسرائيل (ف 13-14)، ولن تنتهي حرب التحرير إلا مع شاول وداود. أمّا لماذا أورد الكاتب هذا الحدث في هذا المكان؟ ليُعطي نفحة أمَلٍ وسط ظُلمة احتلال الفلسطيين والتضييق على شعب الله، وليُبين أنّ المَلَكية لم تكن ضرورية، إذ يكفي أن يقوم قاضٍ مثل صموئيل ليُخلّص به الله شعبه. وهكذا نكون في الخطّ الرافض للمَلَكية الذي سيُحدّثنا عنه 8: 1 ي؛ 17:10-24؛ 12: 1 ي.
ونقول ثانيًا: إن صوت الربّ القى الرُعب في صفوف الفلسطيين (مز 29: 1ي).
إنّ الحرب في بني إسرائيل ليست لتمجيد الشعب أو أَبطاله، بل لتمجيد الله الذي يُعطي وحده النصر والخلاص. فالحرب " "حرب مقدسة" بمعنى أنّ الربّ يحارب عبر شعبه المكرّس له. فأعداء الشعب هم أعداء الله. ومثل هؤلاء الأعداء يُصبحون رمزًا لكلّ ما يُعادي الربّ. في هذا السبيل نقرأ في أف 12:6 ي: ليست حربنا مع أعداء من لحم ودم، بل أصحاب الرئاسة والسلطات وولاة هذا العالم عالم الظلمات: نُحارب الأرواح الخبيثة في الجوّ. يبقى علينا أن نتسلّح بسلاح الله، لنستطيع المُقاومة في يوم الشرّ.
ونقول ثالثًا إنّ عمل صموئيل كقاضٍ في بني إسرائيل قد انتهى، وسيبدأ عهد المَلَكية، فتنتقل السُلطة إلى شاول. ولكن يبقى أنّ صموئيل كان عظيمًا بين العظماء، لعب دورًا مثل إبراهيم ويعقوب وموسى. أرسله الله في يوم وصل فيه بنو إسرائيل إلى النصر السياسي والديني، فلعب دورًا سياسيًا، عندما اختار شاول ثم داود، ولعب دورًا دينيًا، عندما كان أول الأنبياء الكبار الذين دعاهم الربّ، فلبّوا دعوته وحملوا كلمته مع ما في هذه الرسالة من الصعوبة والمرارة. إئتمنه الربّ نبيًا على شعبه، فحمل الأمانة، طلب إليه أن يختار ملكًا لشعبه فاختار رغم اقتناعه أنّ يهوه وحده هو ملك بني إسرائيل. يكفي أن يقول الله له: إسمع كلام الشعب، وأعطهم ما يريدون (8: 7) ليُولّي عليهم شاول ملكًا (8: 22).