طريقُ الآلام - الخوري بولس الفغالي

طريقُ الآلام
الخوري بولس الفغالي
نشرة بيبليّة، العدد 23، أيّار 2002

سنة 2002، دُوِّنت هذه الصلوات في إطار دير مار روكس، الرئاسة العامّة، الدكوانة. واستفادت منه رعايا ومدارس، بشكل خاصّ، خلال أسبوع الآلام.

المرحلة الأولى: يسوعُ في الجسمانيّة

جاء يسوع إلى الجسمانيّة مع التَّلاميذ، وبدأ يشعُرُ بالرَّهبةِ والكآبة. ثمّ ابتعدَ قليلاً وسقط على الأرض يُصلّي (مر 14: 32-35).

سقطَ من الألمِ الَّذي يَتحمَّلُه على مُستوى الجسدِ والَّذي سيُرافقُهُ حتّى الصَّليب. وسقطَ بسببِ ألمٍ آخَرَ حين رأى العالَمَ يَرفضُه ويرفُضُ الخلاصَ الَّذي يُقدِّمُه، وارتمى ساجدًا في صلاةٍ عميقةٍ وَجَّهَها إلى الآبِ السَّماويّ. لا تكُنْ مشيئتي، بل مشيئتَك.

ابنُ الله عرَفَ أنَّ الجسدَ ضعيف، فصلّى، ونحنُ يا يسوعُ نطلُبُ إليكَ أن تُعلِّمَنا الصَّلاةَ في وقتِ الشِّدَّة، فنلتجئَ إليكَ في خوفِنا وحين يضعُفُ إيمانُنا. أنت يا يسوعُ ساهرٌ معنا، كما في النِّزاع، حتّى نهايةِ العالم، فلا تسمَحْ أن ننام، بل علِّمْنا السَّهرَ لكي نرافقَكَ أنت يا مَن لا تَنعَسْ ولا تنام، لأنّك الرَّاعي الصَّالحُ المستعدُّ دَومًا لأن يبذُلَ نفسَه من أجلِ خرافِه. آمين

 

المرحلةُ الثَّانية: بيلاطسُ يَأمرُ بجلْدِ يسوع

فأخذَ بيلاطسُ يسوعَ وأمرَ بجلدِه (يو 19: 1).

هكذا يُعامَلُ المجرمون. ولكنْ ما هي خطيئةُ يسوع، ذاك الَّذي شابهَنا في كُلِّ شيء ما عدا الخطيئة؟ من استطاعَ أن يتَّهِمَهُ بخطيئة، حتّى ذاك الَّذي لطمَهُ أمامَ رئيسِ الكهنة. في الواقع، يَعيشُ يسوعُ ما يَعيشُهُ العديدون الَّذين يُظلَمون عندما يُوضَعون في السُّجون، يُعذَّبون كلَّ يومٍ ويُهانون.

فمَشهدُ جلدِ يسوعَ يَسقُطُ تحتَ السِّياطِ حاضرٌ أمامَنا. وقد قال عن نفسِه في أشعيا النبيّ: "أُديرُ ظهري للضّاربين، وخدّي لناتِفي اللِّحى. وأحتمِلُ التَّعييرَ والبَصْق". ولكنّه لا يَتراجَعُ. قال: "أجعلُ كالصَّوّانِ وجهي، فالرَّبُّ يُعينُني".

سقطتَ يا يسوع، وسقطَ الآلافُ بعدَكَ. فكانوا مِثلكَ "كنعجةٍ تُساقُ إلى الذَّبح، وكخروفٍ صامِت، أمام الَّذينَ يَجزُّونَه لم يفتَحْ فاه". أنت ضُربْتَ يا يسوع لأجلِ مَعصيةِ شعبِكَ، ويُضرَبُ إخوتُكَ البشر. فكم هم بحاجةٍ لحُضورِكَ، وكم هم بحاجةٍ إلى صلواتِنا ومساندتِنا وتَضامنِنا.

إمنَعْ عنّا يا يسوع قساوةَ القلبِ واللامبالاة، وعلِّمْنا التَّعاطُفَ والحنان مع إخوتِنا هؤلاء، فنُداوي جراحَهم كما فعلَ السَّامريُّ الصَّالح الَّذي هو صورةٌ بعيدةٌ عنك. آمين

 

المرحلةُ الثَّالثة: الجنودُ يَهزأونَ بِيسوع

قاد الجنودُ يسوعَ إلى داخلِ الدَّار، وألبسوه أرجوانًا، وضفَروا إكليلاً من الشَّوكِ ووضعوه على رأسه. وأخذوا يُحيُّونَهُ قائلين: "السَّلامُ، يا ملِكَ اليهود". ويضربونَهُ بِقصَبةٍ على رأسه. ويَركعون لَهُ ساجِدين (مر 15: 16- 17).

ذاك هو وضعُ هذا الملكِ الجديد. سقطَ من رِفعتِهِ البشريَّةِ وصارَ مَوضوعَ هُزءٍ وبِصاق. ذاك الَّذي في صورةِ الله، نزَلَ من السَّماء، اتّخذَ صورةَ العبد، فوصَلَ بهِ انحِدارُهُ إلى الموت على الصَّليب. من سَقطةِ النِّزاع، إلى سَقطَةِ الجَلد، إلى سقْطَةِ إكليلِ الشَّوك، لا إلى رِفعةِ إكليلِ الذَّهبِ الَّذي يُتوَّجُ به المُلوك.

ولكنَّ ملكَنا ليس مِثلَ سائرِ الملوك. بل دخلَ مدينتَهُ في الوداعةِ والتَّواضع. رفضَ الجيادَ والمَركباتِ الحربيَّة، وامتطى جحشًا ابن آتان. ابتعدَ عن الجموعِ الغفيرةِ الَّتي أرادتْ أن تُناديَ به ملكًا (يو 6: 15)، واكتفى برِفقةِ جماعةِ التَّلاميذ (لو 19: 37) الَّذينَ رأوا فيه الملِكَ الآتي باسمِ الرَّبّ، والَّذي يحمِلُ على الأرضِ سلامَ السَّماء.

أجل، أنتَ يا يسوعُ ملكَنا الحقيقيّ الَّذي تُريدُ سيادةً على القلوبِ وعطاءً في النُّفوس. أنتَ يا يسوعُ الوديعُ والمتواضعُ القلب، فاجعَلْ قلبَنا مِثلَ قلبك. آمين

 

المرحلةُ الرابعة: الحُكمُ على يسوعَ بالصَّلب

أراد بيلاطُسُ أن يُرضيَ الجموع، أطلقَ برأبّا، وبعدما جلدَ يسوع، أسلَمَهُ ليُصلَب (مر 15: 15).

فضَّلوا اللَّصَ على يسوع، والقاتلَ على ذلك الَّذي جاء ليبذُلَ حياتَه من أجل كثيرين. أجل، جاء إلى خاصّتِه وخاصّتُهُ لم تَقبَلْهُ، واستعدّوا حتّى أن يخضعوا لِقيصَرِ رومة، ولا يَخضعوا ليسوع.

ونحن يا يسوعُ نُشبِهُ هؤلاء الَّذي حكموا عليك، في كلّ مرّةٍ نُفضِّلُ مَنطقَ العالم على كلامِ إنجيلِكَ، في كلٍّ مرّةٍ نَستحي من الاعترافِ بك ونخاف.

فأعطِنا الشَّجاعةَ لئلاّ نقفَ بجانبِ الجلاّدين كلَّ مرّةٍ يُحكَمُ على الضَّعيف، والقوّةَ لِنرفُضَ الظُّلمَ من أين أتى، والوداعةَ لئلاّ نرُدَّ على الشَّرِّ بالشَّرّ، بل بالخير. آمين

 

المرحلةُ الخامسة: يسوعُ يحمِلُ صليبَه

بعدَ أن استهزأوا بيسوعَ، نزعوا عنه لباسَ الأرجوان، وألبسوه ثيابَهُ وخرجوا به ليَصلُبوه (مر 15: 20).

لم تَرفُضْ يا يسوعُ ما اعتبرتَهُ مشيئةَ الآب. لم ترفُضْ ساعةَ الألمِ والصَّلبِ والموت. قلتَ: لي كأسٌ لا بُدَّ أن أشربَها. هذه الكأسُ هي في النِّهايةِ كأسُ الألمِ من أجلِ حياةِ العالم.

وحملَ سمعانُ القيروانيّ الصَّليبَ معك. ساعدَكَ لكي يُكمِّلَ في جسدِه ما يَنقُصُ من آلامِكَ من أجل جسدِكَ الَّذي هو الكنيسة. تشرَّفَ سمعان بأن يشارِكَكَ فيحمَلَ الصَّليبَ معك ويَسيرَ وراءك كالتِّلميذِ وراءَ مُعلِّمِه.

ونحنُ نَتشرَّفُ اليومَ وأمام عيونِنا القدّيسة رفقا، نَقبلُ صعوباتِ الحياةِ وأمراضَها وآلامَها، نحمِلُ صليبَنا كلَّ يوم، لأنّنا نعرِفُ في النِّهايةِ أنَّ الصَّليبَ يَرفعُنا إلى المجدِ والقيامة. آمين

 

المرحلةُ السَّادسة: سمعانُ القيرينيّ يُعاوِنُ يسوعَ في حمْلِ الصَّليب

وبينما هم ذاهبون، أمسَكوا سمعان، وهو رجلٌ قيروانيّ كان راجعًا من الحقل، فألقوا عليه الصَّليبَ ليَحمِلَهُ خلْفَ يسوع (لو 23: 26).

سمعانُ هذا الرَّجلُ الغريب، جاء من سواحِلِ أفريقيا الشماليّة. ولكنَّهُ صارَ مَعروفًا في الكنيسة. هو أبو اسكندر وروفس. كان فلاّحًا يعمَلُ في الحقل، فتركَ الحقلَ، وسارَ خلْفَ يسوع. صار تلميذَ يسوع. قبْلَهُ، كان بطرسُ في الصَّيدِ على البحيرة. قال له يسوعُ: اتبَعني، فقام وتبِعَ يسوع، ومِثلَهُ أندراوس ومتّى... وكلُّ واحدٍ منّا.

يدعونا يسوعُ حيث نحنُ مهما كانت أشغالُنا وأعمالُنا. كان الكثيرون يتبعونَ يسوعَ لكَي يُشاهدوه. أمّا سمعانُ فاختلفَ عنهم. مِثلَ النَّازفةِ الَّتي لمسَتْ طرْفَ ثَوبِ يسوع فشُفيت، ساعةَ زَحَمَهُ الجمعُ وما قال أحدٌ أنَّهُ لمسَه.

أعطِنا يا يسوع لمسةَ الإيمان، فلا نبقى على مُستوى العاطفةِ نَنتظِرُ ظُهورًا أو عجيبة، فنُصفِّقُ مع المصفِّقين الحشريّين. كلامُكَ واضح: من أرادَ أن يتبعَني، ونحن نتبَعُكَ بالفعل لا بالقَول. نتركُ كلَّ شيء وراءَنا لكَي نُدركَكَ يا من أدركتَنا. وهكذا نلتقي بكَ. آمين

 

المرحلةُ السَّابعة: يسوعُ يُعزّي نساءَ أورشليم

وتبِعهُ جمهورٌ كبيرٌ من الشعب، ومن نساءٍ كُنَّ يَلطُمْنَ صدورهنّ، وينُحنَ عليه. فالتفتَ يسوعُ إليهنّ وقال: "لا تبكَينَ عليّ، يا بناتِ أورشليم، بل ابكَيْنَ على أنفسِكُنَّ وعلى أولادِكُنّ" (لو 23: 28).

ما أعظمَكَ يا يسوعُ وأنتَ تَصعَدُ في طريقِ الآلام. لا تُفكِّرُ دقيقةً واحدةً في نفسِك، مع أنَّ ألمَك يفوقُ كلَّ ألم، لا من الوَجهةِ البشريّةِ المنظورة، بل إنّه ألمُ ابنِ الله. إذا كانَتْ محبّتُكَ تَفوقُ كلَّ محبَّة، فألمُك يفوقُ كلّ ألم.

جاءك يهوذا، ما وبّختَهُ ولا وجَّهْتَ إليه لومًا، بل نظرْتَ إليه بمحبّةٍ وسمَّيتَهُ الصَّديق.

وأنكرَكَ بطرس، فاكتفَيْتَ بنظرةٍ إليهِ بدَّلَتْ قلبَه.

وفكّرْتَ ببناتِ أورشليم، بأمّهاتِ هذا الشَّعبِ الَّذي يحكُمُ عليك.

وفي النِّهاية، تطلَّعْتَ إلى هذا المصلوب بجانبِكِ وهو يَطلبُ منك أن تَذكُرَه. أجبتَهُ: "اليومَ تكونُ معي".

كم نحنُ بحاجةٍ يا يسوع إلى أنْ نَخرجَ من ذواتِنا في وقت الشِّدَّةِ والألم، ساعةَ الفشَلِ والضَّياع، وحين نحِسُّ أنَّ جميعَ النَّاسِ تركونا. ففي أيِّ حال، أنت لا تتركُنا بل تَحمِلُنا وتُفهِمُنا أنَّ المحبّةَ النَّابعةَ من قلبِكَ هي الَّتي تُعلِّمُنا كيفَ يَتحوَّلُ كلُّ شيء لخيرِ الَّذينَ يُحبُّونَك، لخيرِنا وخيرِ الَّذين يُحيطون بنا. آمين

 

المرحلةُ الثَّامنة: وجهَكَ يا ربُّ ألتمِس

قلتَ لنا يا ربّ: التمسوا وجهي. فقلنا: وجهَكَ يا ربُّ نلتمِس. فلا تحجُبْ وجهَكَ عنّا (مز 27: 8-9).

ولكنَّ وجهَ الرَّبِّ حاضرٌ في العالم بواسطةِ وجهِكَ يا يسوع، أنتَ الَّذي سمِعَكَ الرُّسلُ بآذانِهم، رأوك بعيونِهم، ولمَسوك بأيديهم. يكفي أنْ نَراكَ لكي نرى الآبَ الَّذي جئتَ تُخبِرُنا عنه بحياتِكَ وأعمالِكَ وأقوالك. وكنتَ هذه الأيقونةَ الحيّة، هذه الصورةَ الكاملة.

فيرا إيكونا، فيرونيكا، ليستْ فقط أيقونةَ المجدِ كما رآها الرُّسل، بل أيقونةُ الآلامِ الَّتي قالَ فيها أشعيا النبيّ: "لا شكلَ له فننظُرَ إليه، ولا بهاءَ ولا جمالَ فنشتَهيه" (53: 2) وجهُكَ يا يسوعُ هو وجهُ البشريَّةِ المُعذَّبَة، المشوّهةِ بالعُنفِ والدَّمِ والقتل. ولكنَّه في العُمقِ وجهُ الحياةِ والمجد.

فلا تسمَحْ أن نيأسَ أو نقنُطَ، بل نعرِفَ أنّ في الأفق أرضًا جديدةً تَبنيها وسماواتٍ جديدةً تُهيِّئُها حيثُ يَملِكُ البِرُّ وتَسكنُ العدالةُ والمحبّة. كما نعرِفُ أنّنا نُشارِكُكَ في هذا البناء بحياتِنا وكلِّ أعمالِنا. آمين

 

المرحلةُ التَّاسعة: يسوعُ معلَّقٌ على الصَّليب

فأخذوا يَسوعَ، وصلبوه هناك وصلبوا معه رجُلَين (يو 19: 16-17).

ذاك هو عِقابُ المجرمين الكبارِ في الإمبراطوريّةِ الرُّومانيّة. لم يكُنْ عِقابُ يسوعَ عِقابًا يهوديًّا وحسْب، بعد أنْ جُلِدَ أكثرَ من أربعينَ جَلدَة، عكْسَ ما تقولُ الشَّريعة، ولم يكُنْ موتُهُ على الطَّريقةِ اليهوديّة، بل على طريقةِ العالَمِ الوثنيّ الَّذي عرَفَ آلافَ الصُّلبانِ على قارعةِ الطَّريق. وهكذا جمعَ يسوعُ في صليبِه الشَّعبَ اليهوديّ الَّذي وُلِدَ فيه، وجميعَ الشُّعوبِ الَّتي أرسلَ إليها تلاميذه.

كان يُمكِنُ أنْ يُعلِّقوه. فلم يفعلوا، بل جعلوا المساميرَ في يدَيه، والحربةَ في جنبِه. والعلاماتُ هذه لا تفارِقُ يسوعَ حتّى بعد قيامتِه. طلبَ توما أن يضَعَ إصبعَهُ في موضِعِ المسامير، ويدَهُ في جنْبِ ذاك الَّذي طُعن، فتنازَلَ يسوعُ وهو القائِمُ من الموت. فهذا الواقفُ وَقْفةَ النَّصرِ في المجد، ما زالَ الحمَلَ المذبوحَ الَّذي يَحمِلُ أمراضَنا ويأخذُ أوجاعَنا. هذه السِّماتُ الَّتي وُجدَتْ في جِسْمِ بولس وفرنسيس الأسّيزيّ، لا تزالُ حاضرةً في البشريّة، بحيثُ أنّ يسوعَ يتألَّمُ حيثُ يتألَّمُ إنسانٌ من الناس، ويموتُ حيثُ يموتُ شهيدٌ من الشُّهداء.

فيسوعُ معنا في موتِهِ وقيامتِه حتّى انقضاء العالَم. أعطِنا أن نبقى معك، يا ربّ. آمين

 

المرحلةُ العاشرة: اقتسمَ الجنودُ ثِيابَ يَسوع

ولمّا صلبَ الجنودُ يسوع، أخذوا ثيابَهُ وقَسموها أربعَ حِصص (يو 19: 23).

أربعُ حِصصٍ وصلَتْ من خلالِ جنودٍ أربعة إلى البشريّةِ كلِّها. وكان لكلِّ مُؤمنٍ بَعضُ ثوبِ يسوع. "تعمَّدْتُم جميعًا في المسيحِ فلبستُم المسيح". وهكذا صِرتُم أبناءَ الله بالإيمان. بعدَها لا نعودُ عُراة، كما كان آدمُ بعدَ الخطيئة، لا هويّةَ لنا ولا اسم، بل يكونُ لنا اللِّباسُ المُلوكيُّ الَّذي نالَهُ الابنُ الضَّالّ بعد عودتِه. ونكونُ في البيت الوالديِّ الَّذي هو الكنيسةُ الَّتي يَرمزُ إليها قميصُ يسوعَ الَّذي لم يُقسَم.

راعى الجنودُ قميصَ يسوعَ الَّذي "كان قطعةً واحدةً لا خياطةَ بها، منسوجةً كلَّها من أعلى إلى أسفل". أمّا المؤمنون، فمزَّقوا الكنيسةَ وهشَّموا جسدَ يسوع، وما عرَفوا أن يَسيروا معًا إلى الجمعةِ العظيمةِ وعيدِ القيامة.

ومزَّقْنا رعايانا وأديارَنا بانقساماتِنا وتكبُّرِنا ومزاحمتِنا بعضِنا لِبعضٍ من أجْلِ مَكاسِبَ مادّيَّةٍ أو غيرِها.

نطلبُ غفرانَكَ يا يسوع، ونسألُكَ وَحدةً لكنيستِكَ، وبركةً على رعايانا وأديارِنا ومؤسّساتِنا، فنَسيرُ معًا لنَشْرِ ملكوتِكَ الَّذي تجمَعُ فيه كلَّ ما في السَّماء وما على الأرض. آمين

 

المرحلةُ الحاديةَ عشْرَة: يسوعُ وأمُّه والتِّلميذُ الحَبيب

وهناك عند صليبِ يسوع وقفَتْ أمُّه، وأختُ أمِّه، ومريمُ زوجةُ كلاوبا، ومريمُ المجدليّة. ورأى يسوعُ أمَّهُ وإلى جانبِها التِّلميذَ الحبيب (يو 19: 25-26).

أمُّك يا يسوعُ حاضرةٌ معك منذ البداية حتّى النِّهاية، منذُ المِذودِ والمغارةِ حتّى الألمِ والصَّليب. فأيُّ أمٍّ تَبتعدُ عن ابنِها، ولا سيّما إذا كانَتْ هذه الأمُّ تلكَ الممتلئةَ نِعمَة، والمغمورةَ بحُبِّ الله الَّذي يَتفجَّرُ حبًّا في قلبِها. هذه الَّتي وعدَها سمعانُ الشَّيخُ بسيفِ الألم، تستعدُّ لأنْ تتألّمَ أيضًا لكي تكونَ أمَّ الأولادِ العديدين الَّذين سيُولدون من جنبِكَ الطَّاهر في ماء المعموديّةِ ودمِ القربانِ المقدّس.

نريدُ أن نكونَ بقربِكِ يا مريم، وبالتَّالي قربَ صليبِ ابنك. نريدُ أن نتشبَّهَ بذلك التِّلميذِ الَّذي أخذَكِ إلى بيتِه. نتأمّلُ معك في كلِّ هذه الأمور، نتأمَّلُ معكِ في أحداثِ حياتِنا لنكتشِفَ فيها مشيئةَ الله كلَّ يومٍ وفي ساعةِ موتِنا. آمين

 

المرحلةُ الثَّانيةَ عشْرَة: يسوعُ مائِتٌ على الصَّليب

وصرخَ يسوعُ صرخةً قويَّة: "يا أبي، في يدَيكَ أستودِعُ روحي". قال هذا وأسلَمَ الرُّوح (لو 23: 46).

هكذا ماتَ يسوعُ كما يَموتُ كلُّ إنسان. هو من لحمٍ ودم. مثلَنا لبِسَ الضُّعف. جاع، عطش، تعبَ فنامَ في السفينة، خاف، تألّمَ، وفي النِّهاية ماتَ وقُبر.

فذاكَ الجالسُ عن يمينِ الآبِ في المجد، هو في الوقت عينِه ذاك الرَّحيمُ الَّذي يَرثي لضُعفِنا. هو ما اكتفى أن يَنظُرَ إلينا من بَعيدٍ ويَشفينا، بل تألَّم. مرَّ في المحنة، لهذا، فهو يَفهَمُ وضْعَنا، فيرحمُنا ويغفرُ لنا خطايانا.

غيرَ أنّه يدعونا لكَي لا نُقسّي قلوبَنا، نحن الَّذين نِلْنا نورَ الإيمان في المعموديّة، وذُقْنا الموهبةَ السَّماويّة، في القربانِ المقدّس، وشارَكْنا في الرُّوح القدس، ونعِمْنا بكلمةِ الله الصالحة.

إنْ رفضْنا نكونُ من الخاسرين، ونعرِّضُ الرَّبَّ للعارِ بعد أن نصلُبَهُ مرّةً ثانية. تُنبِتُ حياتُنا الشَّوكَ وتُهِّدُها اللعنة.

لا تسمحْ يا يسوعُ أن يكونَ صليبُك إشارةً نُزيِّنُ بها صدورَنا ولا تدخلُ إلى قلوبِنا وحياتِنا. واجعَلْ موتَكَ حاضرًا في حياتِنا فنثمرَ الثَّمرَ الصَّالحَ الَّذي يُمجِّدُ الآبَ السَّماويّ وبيبِّنُ أنّنا حقًّا تلاميذَك. آمين

 

المرحلةُ الثَّالثةَ عشْرة: يسوعُ يُوضَعُ في القبْر

كان في الموضِعِ الَّذي صلبوا فيه يسوعَ بستان، وفي البستانِ قبرٌ جديدٌ ما دُفن فيه أحد. فوَضعوا يسوعَ فيه (يو 19: 41).

وهكذا انتهتْ حياةُ يسوعَ على الأرض. وانتهى منه خصومُه. فأفضل أنْ يموتَ واحدٌ عن الشَّعبِ ولا يموتُ الشَّعبُ كلُّه. وضعوه في قبر، وجعلوا حَرَسًا على هذا القبر لئلاّ يَخرُجَ منه المَيتُ ويَعودَ إلى الحياة.

مساكينٌ هؤلاء الناس! وُضِعَ يسوعُ في الصخر، فشقَّقَ الصُّخور، وُضِعَ فوقَهُ حجرٌ كبيرٌ فدحرَجَ الحجَر. وإذ كان في عالمِ الموت حمَلَ البشارةَ إلى المائتين كما حمَلَها إلى الأحياء. هذا الَّذي جاء إلى البشريّة كلِّها، أرادَها أن تكونَ كلُّها معه، ماتَ معها ليُقيمَها معه.

ذاك هو مِعنى المعموديّة. نموتُ مع المسيح لِنَقومَ معه. وموتُنا يَتِمُّ كلَّ يومٍ من أيّامِ حياتِنا، ويَنتهي في الرَّمقِ الأخير. ساعتَها نَغمُضُ عيونَنا على هذه الحياة لنفتَحَها على الحياةِ الأخرى. ونهتِفُ: أين شوكتُكَ يا موت؟

لم يبقَ للموتِ شوكةٌ ولا قدرة، بعدَ أن حوّلَ يسوعُ الموتَ إلى حياة. والقبرُ لم يعُدْ ذاك المَوضِعَ المُظلِمَ الَّذي يَنتهي فيه كلُّ شيء، بل ذاك المَوضِعَ المفتوحَ الَّذي منه يَشِعُّ نورُ القيامة.

نحن نؤمنُ يا يسوع أنَّكَ القيامةُ والحياة. آمين

 

المرحلةُ الرَّابعةَ عشْرة: قيامةُ يسوعَ وقيامةُ الأموات

حين ماتَ يسوع، تزلزلَتِ الأرض، وتشقَّقَتِ الصُّخور، وانفتحَتِ القُبور، فقامَتْ أجسادٌ كثيرةٌ من القدّيسين الرَّاقدين (مت 27: 51-52).

هذا الَّذي ماتَ كما يَموتُ كلُّ إنسان، لا يُمكِنُ أن يَصِلَ إليه الفساد. هذا الَّذي لامسَ الموتى، لا يصيرُ مثلَهم من الأموات، بل يُحوِّلُ الأمواتَ إلى أحياء. ذهبَتِ النِّسوةُ إلى القبرِ ليُحنِّطْنَ الميت، فسمِعْنَ بَلاغًا يقولُ: إنّه حي. راحَ التَّلاميذُ في ظلمةِ الليل، فشَعَّ عليهم نورُ القيامة، وما زالَ يشِعُّ ولن يزالَ حتّى عودةِ المسيح.

تلك هي حياتُنا يومًا بعد يوم. فما أجملَها إنِ استضاءَتْ بالقيامةِ والرَّجاء المَسيحيّ. ذاك هو تاريخُنا الخاصّ وتاريخُ العالم. الرَّبُّ يُشرِفُ عليه، فيحوِّلُ الشَّرَّ الَّذي فيه إلى خَير، واللعنةَ إلى برَكة، والذِّلَّ إلى مَجْد، والموتَ إلى قيامة.

فكُنْ رفيقَنا يا يسوع، كما كنتَ رفيقَ تِلميذَي عِمّاوس، فنَنسى الألمَ والتَّعبَ حين نَسمَعُ كلامَكَ، وننطلِقُ من جديدٍ بعدَ أن نرى وجهَكَ، ونكتشِفَ حضورَك فنُنشِدُ قائلين: "قام حقًّا قام". آمين

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM