الفصل السادس عشر: شفاء ابن طيما

الفصل السادس عشر
شفاء ابن طيما
10: 46- 52
لا يترك هذا النصّ مجالاً كبيراً للشفاء: لا كلمة ولا فعلة من قبل مجترح المعجزات. أما أراد مرقس أن يفعل كل هذا ليبرز معجزة من نوع آخر؟ وهذا ما سيبيّنه لنا في لغة خاصة به. هذا ما نكتشفه في خبر شفاء ابن طيما، ذاك الشحّاذ الذي رأى يسوع فسار وراءه في الطريق.
1- مر 10: 46- 52 في مجمل إنجيل مرقس
إذا أردنا أن نفهم هذه المقطوعة، يجب أن نضعها في إطارها العام وفي إطارها المباشر: فكل إطار يوافق مستوى خاصاً من نشاط مرقس التدويني.
أ- في الترتيب العام للكتاب
حين نضع شفاء أعمى أريحا في مجمل الإنجيل الثاني، نجده بشكل متتالية موازية لشفاء أعمى بيت صيدا (8: 22- 26). فهذا النصّ الأخير يسبق حالاً إعلان بطرس في قيصرية فيلبّس (8: 27- 30)، الذي يجد امتداده في الإنباء الأول للآلام (8: 31- 33). ومر 10: 46- 52 يبدو بشكل مماثل، فيتبعه إعلان يسوع المسيحاني ساعة الدخول إلى أورشليم، ثم خبر الآلام.
إن مر 8: 22- 26 و 10: 46- 52 يكوّنان خبرَيْ انتقال. فكلاهما يقودان القارئ إلى إعلان إيمانه العلني بمسيحانية يسوع: فالإيمان والمسيحانية يافترضان حدث الآلام. في هذا المنظار اللاهوتي، يتخذ فتح العينين شكل آية وعلامة.
ب- في الإطار المباشر
إن القسم الإخباري الذي فيه يدخل شفاء ابن طيما يبدأ في 10: 32: "وكانوا في الطريق (هودوس) صاعدين إلى أورشليم ويسوع يمشي أمامهم (يتقدّمهم)، وكانوا منذهلين (في حيرة)، والذين كانوا يتبعون كانوا خائفين...".
هناك خيوط عديدة نحاول أن نكتشفها في هذه الآية. "الطريق" هي طريق أورشليم التي سينطلق فيها ابن طيما بعد شفائه، ويتبع يسوع (آ 52).
"وأخذ يتبعه في الطريق" (آ 52): هذه العبارة هي افتتاحية. فدراما ابن طيما الشخصية (إذهب، إيمانك خلّصك) ومهمته يصلان به إلى دراما جماعية وسرّية تتواصل ولا تتوقّف. هذا ما يرويه مرقس في الخبر الذي يلي مباشرة شفاء الأعمى، في الدخول إلى أورشليم. ف "الكثيرون" الذين عارضوا تصّرف ابن طيما (10: 48)، أي أولئك الذين "كانوا حتى الآن منذهلين وخائفين" (10: 32) عرفوا المسيح وهتفوا له (11: 8- 10). أنشدوا مسيحانية يسوع ابن داود التي رفضوها في السابق. كلهم أعلنوا ولم يبقَ أحد. ففي 11: 9، عبارة "الذين أمامه والذين وراءه" تعني "كل الذين يسيرون في الطريق". إذن، أعلنوا لا اللقب المسيحاني (ابن داود) بل مضمونه الصحيح: "صرخوا (هتفوا): هو شعنا! مبارك الآتي باسم الرب" (11: 9). نحن نجد فعل "صرخ، هتف" كما في الحديث عن الأعمى (آ 48: ولكنه صرخ بصوت أعلى...) بعد تدخّل معادٍ من هذا الجمع عينه. والإنتقال من صيغة المفرد إلى صيغة الجمع لهذا الفعل عينه له معناه، وسنعود إليه.
إذن، يبدو أن مر 10: 32- 11: 10 يحدّد المجال التدويني للمقطوعة التي ندرس. ففي هذه النقطة التي تشكّل وصلة هامة في إنجيل مرقس، نكتشف الهدف الأخير لرسالة يسوع وهو: خلق شعب من المؤمنين. في الواقع، إن شفاء ابن طيما يدلّ على قدرة جديدة وعجائبية تفعل في الواقع البشريّ فتقوده إلى تعلّق حاسم ونهائيّ بيسوع المسيح. وهذا التعلق يردم كل المسافات بحيث يعيدها كلها إلى الطريق الوحيد الذي يحرّر بعد الآن، طريق أورشليم. ويضمّ كل الهنيهات في زمن واحد (في الماضي: كان يصرخ، كانوا يصرخون) يشتمل على كل الصيرورات. وبعد أن يكوّن هذا التعلق بنية الإنسان (الذي يشخصنه ابن طيما)، يكوّن بنية المجموعة البشرية التي تمثّل بشرية تمتلك امتلاكاً أبدياً كل الإمكانيات الديناميكية التي تدلّ على كمالها.
ج- مر 10: 46- 52 وعمل مرقس
إن اللوحة التالية تدلّ على الحدّ الذي وصل إليه مرقس في تأليف إنجيله.
مر 10: 46- 52 مر 5: 1- 20
وكان جالساً وكان يسكن
على (بجانب) الطريق في القبور
طفق يصرخ رأى يسوع عن بعد
فوقف يسوع لما خرج (يسوع)
وبقفزة جاء إلى يسوع ركض (من بعد)
يا ابن داود وسجد أمامه (له)
رابوني، أن أبصر طلب إليه أن يكون معه
إذهب إيمانك خلّصك إذهب إلى بيتك
وفي الحال أبصر... فانطلق...

إن التشابه بين شفاء أريحا وتقسيم جراشه لافت للنظر. وهو يتطلّب دراسة معمّقة. أما نحن فنكتفي بهذا التحليل البسيط.
2- محاولة قراءة إجمالية
إن موضوع الطريق (هودوس) مع كل ما يرتبط به (إنطلق، وقف) هو مهمّ جداً في مر 10: 46- 52. فمنذ القراءة الأولى، نرى كيف تعود إليه كل عناصر النصّ والفعلات والكلمات.
هذا ما نلاحظه منذ البداية: "ووصلوا" (جاؤوا. إنتهوا) (آ 46 أ= إرخوماي). يرد هذا الفعل في صيغة الحاضر، ولا فاعل واضحاً له. في وقت ثانٍ، سنجد لدى الخروج من أريحا: التلاميذ، جمهور كبير، يسوع (آ 46 ب). وعبر التكرار في هذه الآية المقدّمة، ندرك عند مرقس اهتماماً حقيقياً بأن يجعل جميع الذين "جاء" بهم إلى أريحا دون أن يسمّيهم تسمية واضحة، بأن يجعلهم يمرّون أمام يسوع.
ولكن حين وضع الفعل "جاؤوا" في بداية الخبر، إتخذ بالضرورة مضمونا إخبارياً بل أكثر من ذلك. وهذا ما يوضحه ترتيب الخبر العميق. أما الآن فنقول إن هذا الفعل ينتظر الفاعل وينتظر صيغة تدلّ على الماضي أو الحاضر أو المستقبل. إلى أين جاؤوا؟ إلى أريحا. غير أن أريحا لن يكون لها وظيفة في هذا الخبر (إلا إذا أردنا أن نقول إن أهل أريحا ساروا مع يسوع. رأوا المعجزة). إنها تدل على طريق نواصلها. يقول النصّ: "وبينما هو خارج من أريحا". ولكن إلى أين؟ ولماذا؟
في الجملة الأخيرة من الخبر (وأخذ يتبعه في الطريق) الفعل هو في صيغة الماضي (في اليونانية) الذي يدلّ على الإستمرارية في العمل (تبعه وما زال يتبعه). إستمرارية في التحرّك: عليه أن يمشي "في الطريق". ولكن دنوّ واقتراب، لأنه يمشي وراء يسوع. يتبعه. فالفكرة الأساسية في هذه العبارة هي حضور نهائي ودائم "في الطريق"، "على الطريق". ولكن هذا الوضع يعارض موقف ابن طيما في البداية (إذا جعلنا جانباً إسم يائيرس، وأسماء الرسل، وأسماء الفاعلين في الآلام، ابن طيما هو إسم العلم الوحيد الذي نجده في مرقس. برطيما أي ابن طيما) (آ 46). يقول النصّ: "كان جالساً على جانب الطريق". نحن هنا أمام وقفة جامدة (ثابتة. غير متحرّكة) تُعتبر وكأنها نهائية (صار الأعمى جزءاً من قارعة الطريق. لا يبدّل موقفه). هذا ما يدلّ عليه الماضي أيضاً (ماضى الإستمرارية). ويذكر في الوقت عينه التوسّل (كان ابن طيما شحّاذاً) والعمى، فيشدّدان على معطية الجلوس على قارعة الطريق. التوسّل شدّد على الثبات والجمود. والعمى على البعد والمسافة. فالأعمى بعيد عن الأمور مع أنه قريب منها. وهكذا ينتمي "الأعمى" و"الشحّاذ" إلى اللغة عينها، لغة "الطريق، "جاء"، "تبع"، "جلس". وعبارة "قرب الطريق" تعني "خارج الطريق". وفي وضع الأعمى: "بعيداً عن الطريق" (على قارعة الطريق لئلا يرتطم به أحد). الإستبعاد عن الطريق هو ما يميّز وضع ابن طيما في بداية الخبر. بما أنه أعمى، فهو مُبعد نهائياً عن طريق كل إنسان يتمتّع بالنظر. بما أنه شحّاذ، فهو في وضع "نبْذ"، هو في الجمود منبوذ لكي يبقى في هذا الإبتعاد.
"فوقف يسوع" (آ 49). عنصر مفاجأة: كان يسوع يمشي فتوقّف. وهكذا انفصل عن كل الذين كانوا معه في الطريق عينه. حطّم حركة كان هو ديناميتها. وهذا الإنقطاع ولّد نتيجة غير متوقعّة. ونعجب حين نرى الأعمى يلقي رداءه (على الأرض، يطرحه عنه، لا يطرحه عليه)، يقفز (يثب) ويقترب من يسوع (فعل جاء أيضاً. ارخوماي). تمّ كل شيء وكأن ابن طيما لم يعد أعمى. ففعل "قفز" (وثب) يعبّر عن هذا الوضع، فيدلّ على تناقض مع كل المعطيات الأولى للخبر.
وما يدهش هو أن ابن طيما سيسمّى أيضاً "الأعمى" (آ 49، 51) بعد تدخّل يسوع. بعد هذا الوقت عاد إليه اعتباره من قبل يسوع ومن قبل الجمع (أدعوه... تشجّع! انهض!)، وتصّرف (وثب) وكأنه يبصر. إذا كان مرقس قد سفاه فقط "الأعمى"، أما أراد أن يدلّ أنه لم يعد "الشحّاذ". وطرح الرداء (حيث تُلقى التقادم. سيتخلىّ عن ردائه وهو كل ما يملكه ليتبع يسوع. هذا ما لم يفعله الرجل الغني) يدلّ على نهاية الجمود (كما انتهى سكوت يسوع. ولما دعا الأعمى دعاه الجمع). ما يهمّ هو الطريقة التي بها حصل الأعمى فجأة على التحرّك، بينما حُكم عليه في الماضي أَن يبقى في جمود مستمرّ (كان جالساً. صار الجلوس جزءاً منه). ودلّ على هذا التحرّك بشكل ساطع. ففعل "جاء" الذي افتتح الخبر (جاؤوا، وصلوا) قد وجد الآن فاعله: مُنع الأعمى من المجيء (بل من الصراخ. زجروه لكي يسكت). أما الآن ففعل "جاء" صار محصوراً فيه. وحده جاء إلى يسوع. أما الآخرون... نحن هنا كما في شفاء النازفة. الجميع يزحمون المعلم. ولكنها وحدها تلمسه وتستفيد من قدرة الشفاء عنده (5: 27- 32). "جاء".. إن صيغة الفعل في اليونانية تدلت على عمل فريد، حاسم. لقد طبع هذه الفعلة بطابع مطلق (لا عودة عن هذا المجيء). هذا المجيء قاد الأعمى إلى يسوع وبالتالي "في الطريق". "يسوع" و"الطريق" هما شيء واحد (أنا هو الطريق). وهكذا توافق الإقتراب والتحرّك. وانفتح طريق أمام الأعمى.
كل العناصر التي عدّدناها تتكامل في سلسلة من التعارضات والتوافقات داخل نظام دقيق. هناك جزء كبير من الخبر يكوّنه حوار بين ابن طيما ويسوع. سنرى كيف أن هذا الحوار يدخل في هذا التنظيم ويبرز غنى التعبير.
3- صرخة الإيمان، وثبة الإيمان
حين نبحث عن مركّبات الحوار الجوهرية، ندرك إدراكاً أفضل ديناميته، وبالتالي ديناميّة الخبر.
يتدخّل الجمع مراراً في هذه المقطوعة. مرة أولى، يشير إلى حضوره (مرور) يسوع الناصري (آ 47). سأل ابن طيما، فأعطي هذه المعلومة بالسمع (سمع أن هذا يسوع الناصري). هذا ما يذكّرنا بعماه وما يتضمّن هذا العمى من معنى على مستوى البعد والمسافة (هو قريب، ولكنه بعيد عن يسوع). يسوع الناصري. هذا ما يدلّ على يسوع بدون أي وحي أصيل عن شخصه أو رسالته. الشعب قريب من يسوع، هذا ما لا شكّ فيه. ولكنه قرب بشريّ محض. والكلام الذي أعلنه الشعب عبّر عن البعد والمسافة.
ورفض الأعمى هذا النوع من "القرب". فيسوع الناصري الذي يراه الآخرون، بعيد عن متناوله بسبب العمى الذي هو عامل "بعد"، الذي يقطعه جذرياً عن كل ما هو قريب منه ولو كان قريباً جداً. وكانت صرخة (صيحة، هتاف) (أخذ يصيح، هذا يدلّ على البعد) جعلت ابن طيما يسمّي "يسوع" "ابن داود". وإذ فعل هذا، منحه لقب مسيح إسرائيل. إذا كان قد فهم وألغى هكذا المسافة التي تفصله حقاً عن يسوع، فهذا الإدراك الفجائي وغير المنتظر ليسوع في أعمق إعماق كيانه، دلّ على أنه قفز فوق هذا البعد وهذه المسافة. إن هذا الإعلان يجمع في "صيحة" واحدة إدراكه المؤلم لبعد لا يستطيع أن يتغلّب عليه (رج آ 46: كان جالساً. دعاه يسوع، فكأنه خلقه من جديد. أعطاه القدرة) ووعيه المباشر والصحيح لهذا الشخص الذي هو "ابن داود". وهكذا نكون أمام شميلة (عجائبية) لخبرتين متناقضتين: خبرة البعد (الحسيّ) وخبرة القرب (الواقعي).
في الصيحة الثانية (أو ابتهال الأعمى) زاد تدخّل "الكثيرين" (آ 48) فكرة القوة. هذا ما تشدّد عليه عبارة "بصوت أعلى" (أقوى)، والفعل (صرخ، آ 48) في صيغة الماضي (في اليونانية) التي تدلّ على الاستمرارية في هذا الصياح العالي. ثم إن "يسوع" اختفى من عبارة الابتهال. وبقي لقب "ابن داود". إذن، صار الابتعاد كاملاً وإدراك الموضوع تاماً. وهذا ما يدلّ عليه الحاجز الذي هو الجمع (زجروه ليسكت).
وهنا يأتي التحوّل بوقوف يسوع (آ 49: وقف): تحوّل حاسم سيعطي الشحّاذ الأعمى تحرّكاً ويمنحه "القرب". إن هذا التوقف يشكّل الخطّ الذي يربط العمل بالحوار في الخبر.
إن لفظة "رابوني" التي تعبّر عن نظرة حميمة مليئة بالإكرام، كرّست هذا القرب. ولكنها تشير إلى جمود جديد (راحة اللقاء. نبقى هنا ولا نتقدّم) الذي يسيء إلى القرب الذي وُلد من التحرّك وتثبّت به. تقع هذه اللفظة بين كلمتين ليسوع: كلمة نداء (أدعوه). كلمة إرسال (اذهب. لفظة تستعمل في إطار مهمة يرسل فيها يسوع تلاميذه، 1: 44؛ 5: 19؛ 10: 21؛ 11: 2؛ 14: 13).
إن وقفة يسوع التي أتاحت ليسوع وللأعمى (صارا في الجمود) أن يلتقيا، خلقت أمرين متوازيين ومتكاملين: واحد يجتذب الجمود (أدعوه) والقرب الفجائي (بقفزة جاء إلى يسوع). والثاني (اذهب، إيمانك خلّصك) يعطي لهذا القرب أن يتثبّت في تحرّك ضروري (اذهب) لا يستطيع أن يدوم بدونه. لهذا، فهو يبلغ حالاً إلى النظر (أبصر في الحال. مثل: بقفزة جاء. الصيغة عينها).
إن استرجاع النظر يكوّن علامة عن عطية الإيمان (إيمانك خلّصك)، والرؤية عن بعد، وإمكانية السير في الطريق حسب طلب يسوع. فرض العمى على الشحّاذ البعد في القرب (مع أنه قريب!). ولهذا كان بشكل طبيعي علامة عن غياب الإيمان. إن الجمع يعرف أن "يسوع الناصري" هو هنا، ولكنه لا يدرك أن هذا هو "ابن داود". فالعمى الحقيقي يصيب في الواقع الجمع الذي يمشي مع يسوع، لا ابن طيما الأعمى "المثبّت" مكانه.
بعد هذا نفهم أنه في خبر يبيّن لنا فيه مرقس ومنذ الكلمات الأولى، إيمان أعمى، يعتبر هذا الأعمى أنه ليس بأعمى أو لم يعد أعمى، ويتصّرف كأنه ليس بأعمى مع أن شفاءه لم يتحقّق بعد.
إذن نفهم أن معجزة الإيمان (قرب في البعد) قد دلّ عليها انفتاح العينين. وهو انفتاح يتيح للشحّاذ أن يكون قريباً عن بُعد. فاللفظة "اذهب" تتضمن تحوّلاً ولد الحركة، تحوّلاً ضرورياً لإنسان "يبصر" في الإيمان، أي يتبع يسوع في طريقه: هذا يفترض "رؤية" الإيمان والمسافة (هي غير البعد) الضرورية لممارسة هذا الإيمان. فالإيمان يفترض مسافة بين الله والإنسان، وهو في الوقت عينه يردم هذه المسافة ليصبح الإنسان قريباً من الله.
خاتمة
إن توقّف يسوع في الطريق لعب دوراً مركزياً في مسيرة الأعمى. ودراسة الحوار بين ابن طيما ويسوع شدّدت على هذا التقارب. وهناك "العمى" و"الرؤية". العمى دلّ على بعد في القرب، والرؤية دلّت على قرب في البعد. نحن هنا أمام الفكرة الأساسية في الخبر. كان الأعمى قريباً من يسوع، ولكنه في الواقع كان بعيداً. وكانت الجموع "التي تبصر" قريبة من يسوع، ولكنها في الواقع كانت بعيدة، فلم ترَ فيه "ابن داود"، بل يسوع الناصري فقط.
وتنطلق الشعلة في آ 47 التي نكتشف فيها مفارقة لافتة: "الأعمى" (الذي هو قريب بجسده، بعيد بسبب نظره) "أبصر" من هو يسوع في إدراك تام (ابني داود) جعله قريباً (صراخ الإيمان، وثبة الإيمان) بعد أن كان بعيداً. وتمت المعجزة. لم يروِها الإنجيلي. بل أشار إليها حين قال للأعمى: "اذهب، إيمانك خلّصك".
ويمتدّ قرب الإيمان ولا يتوقّف. دخل الأعمى في الطريق (لم يعد على قارعة الطريق). سار الأعمى في الطريق (لم يعد جامداً بلا حراك، يمرّ الناس ويبقى هو مكانه). توقف يسوع (تحوّل). دعا الأعمى بواسطة الناس الذين حوله (بقي دورهم مادياً. هل أبصروا؟). قال له: اذهب. وهكذا وصل الأعمى إلى خبر الإيمان. فآمن يعني "أبصر". تبع يسوع في الطريق. بقفزة جاء إلى يسوع وحالاً رأى فتبعه.
هذا الأعمى هو مثال التلميذ الحقيقي. أبصر، فتبع يسوع في الطريق إلى أورشليم: وهذا ما لم يجرؤ على عمله أولئك الخائفون الذين يتبعونه عن بعد. هذا الأعمى سيهتف ليسوع: يا ابن داود. وهذا الهتاف ستردّده الجموع ساعة دخول يسوع إلى أورشليم

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM