الفصل الحادي والخمسون: مثل الدنانير الذهبية

الفصل الحادي والخمسون
مثل الدنانير الذهبية
19: 11- 27

روى يسوع مثل الوزنات (مت 25: 14- 30) ووجّهه إلى خصومه. فاستعيد هذا المثل لتعليم المسيحيين الأولين عبر الواعظين في الجماعة الأولى. وأخيراً جاء كل من متّى ولوقا فدوناه آخذين بعين الإعتبار الحاجات المباشرة لقراء يوجّهان إليهم إنجيلهما. وقد تركت هذه المراحل أثرها في النص. ونحن نستطيع أن نجد عدّة طبقات متعاقبة. فعلينا أن نتعرّف إلى كثافة النص ولا ننظر إليه من مستوى واحد لئلا نُفقر مدلوله ونحتفظ بوجهة واحدة من التعليم الذي يقدّمه إلينا. هناك وجهة يسوع. هناك وجهة الوعّاظ الأولين. هناك وجهة المدونين للإنجيل. يجب أن لا نوفر شيئاً ولا تعباً لكي ندرك غنى وعمق نصّ يقدّم إلينا.
أ- مثل أم مثلان
لن نتوقّف عند سؤال يتعلّق بالرباط الموجود بين المثلين، مثل الوزنات (متّى)، مثل الدنانير الذهبية أو الأمناء (لوقا 19: 27- 17). ولكننا نجمل المواقف بسرعة.
أولاً: إفتراض يقول نحن أمام مثلين مميّزين منذ البداية. أخذ يسوع موضوعاً واحداً ووسّعه بطريقتين مختلفتين. مثل هذا الموقف قد تخلى عنه الشرّاح عملياً. فهو لا يبيّن التوازي الواضح بين النسختين ولا سيما في القسم الأول.
ثانياً: إفتراض يعطي الأولوية للشكل الطويل كما نقرأه في لوقا. ويرى في نص متّى نسخة منقّحة ومخفّفة. هذا الموقف لم يجد نجاحاً كبيراً لدى الشّراح. فالبراهين المقدمة لا تبدو مقنعة: لا تلك التي تفسّر الأسباب التي حدت بمتّى ليلغي عناصر لم يأخذها، ولا تلك التي أخذها متّى من نسخة لوقا.
ثالثاً: نعتبر مع مجمل الشرّاح اليوم أن المعطيات التي أعطت لنسخة لوقا لوناً خاصاً هي جانبية بالنسبة إلى الشكل الأصلي للمثل. لن ندخل في جدال حول المرجع الذي أخذت منه هذه المعطيات. يرى بعضهم أن لوقا أو تقليده مزج مع مثل الوزنات مثلاً آخر كان في الأصل مستقلاً عن مثل الأمناء: هو مثل الأمير الملكي الذي ذهب إلى الخارج ليتولّى الملك. ولكن أهل وطنه عارضوه فلم يعد متولياً السلطة، فانتقم منهم إنتقاماً مريعاً. ويرى آخرون أن هذا الافتراض لا فائدة منه. فكل الإشارات الخاصة بالأمير الملكي تنتج عن تصليحات تحدد البعد الاسكاتولوجي الذي أراده لوقا للمثل. إستلهم أحداثاً تاريخية معاصرة ولا سيما ظروف تولي ارخيلاوس عرش أبيه هيرودس الكبير.
عملياً، نستطيع أن نكتفي بما قاله الشرّاح: الشكل القصير في متى هو أقرب الى الأصل. وإن ما نجده عند لوقا عن الأمير الملكي قد زيد فيما بعد. ويكفي أيضاً أن نشير إلى اختلافات بسيطة لن نتوقف عندها طويلاً، منها مسألة الأرقام وميل التقليد إلى أن يضخّمها لتصبح بارزة.
* تكلّم متّى عن ثلاثة خدّام. وذكر لوقا عشرة، ولكنه عاد في النهاية إلى "الأول"، و"الثاني" و"الآخر".
* كميات المال المسلمة حُسبت عند لوقا في دنانير ذهبية (أو امناء) وفي متّى في وزنات. إذا أخذنا الدينار كأساس ما يحصل عليه العامل خلال يوم عمل، يساوي المناء100 دينار والوزنة 6000. إذن الكمّية التي تكلّم عنها متّى هي كبيرة جداً. لا بد من القول إن مديح المعلم لخدامه الأمناء "في القليل" (مت 25: 13- 23؛ لو 9: 17) يُفهم على مستوى الصور الامثالية عند لوقا أفضل منه عند متّى. ونفهم أيضاً أن الخادم الذي نال عند متّى وزنة يزيد وزنها على 26 كيلو من المعدن، لن يخبئها في منديل، بل يذهب ويطمرها.
* عند متّى يضاعف الخدّام الصالحون الكمية التي تسلّموها. عند لوقا ربحوا عشرة أضعاف أو خمسة أضعاف. هل هذا معقول؟ سنرى أن هذا التقديم الذي يفرضه تطبيق ثانوي الو 19: 20) يجتذب الإنتباه الى الخدّام الصالحين، أما الخبر المتّاوي فيهتمّ أول ما يهتمّ بالخادم الشرير. وذلك حسب المبدأ العام: الفقرة الأخيرة هي التي تعطي المثل وجهته الأساسية.
ولكن التفاصيل لا تخفي علينا معنى المثل الذي نقرأه في فكر الذين نقلوه إلينا، ثم في فكر يسوع حين عرضه على تلاميذه للمرة الأولى. إذن قسمان في هذا الموضوع. الأول: تفسير المثل كما نقرأه في النص الإنجيلي. الثاني: التعليم الذي أراده يسوع في إطار رسالته على الأرض.
ب- التفسير المسيحي للمثل
نتطلّع إلى ثلاثة تفسيرات مختلفة. ومن السهل أن نرى أن كل إنجيلي فسّر المثل حسب طريقته. نتكلّم أولاً عن وجهة متّى، ثم عن وجهة لوقا. وفي مقطع ثالث نتوقّف عند زيادة على المثل وُضعت قبل تدوين متّى ولوقا. وهذا ما يدفعنا إلى الكلام عن تفسير ثالث ننسبه إلى الوعظ المسيحي كما عرفة الإنجيليان اللذان حدثاننا عن مثل الوزنات أو الدنانير الذهبية.
1- تفسير متّى (25: 14- 30)
ثلاث ملاحظات تساعدنا على إدراك وجهة الإنجيل الأول.
أولاً: نلاحظ التفاصيل التي زادها الإنجيلي في إعلان الحكم الذي أصدره السيّد على كل من خدمه. إنتهى الحكم الأول بدعوة: "أدخل فرح سيّدك" (آ 21)لا نجد عند لوقا هذه الإشارة التي لا نجد ما يفسرّها على مستوى الخبر الأمثالي. يبدو أنها تشير الى. السعادة في الوليمة المسيحانية. وسيتكرّر هذا الحكم في آ 23 موجَّهاً الى الخادم الثاني الأمين. أما الخادم الثالث فتحدّد آ 30 ما يخصّه: "إطرحوه في الظلمة البرانية (في الخارج، في الظلام)، فهناك البكاء وصريف الأسنان". لا نجد هنا أيضاً نصاً موازياً لهذه العبارة في لوقا. ونتعرّف في الوقت عينه إلى هذه العبارة "الظلمة البرانية" التي يوردها متّى ويوردها وحده، في مناسبتين أخريين (8: 12؛ 22: 12). أما عبارة "البكاء وصريف الأسنان " فنجدها مرّة واحدة عند لوقا (13: 28) ولكن ست مرات عند متّى (8: 12؛ 13: 42، 50؛ 22: 13؛ 24: 51؛ 25: 30). إن هذه الإشارات تتجاوز إطار الصورة الأمثالية ولا تتخذ كامل معناها إلاّ على مستوى التطبيق: أحكام المعلم هي أحكام الديان السامي في الدينونة الإسكاتولوجية، في نهاية الأزمنة.
إذن يبدو أن متّى أوضح الاحكام التي أصدرها السيد بعبيده. والنية واضحة: أراد أن يعرض على قرّائه في هذا المثل تصويراً للدينونة الأخيرة. نجد هنا تعبيراً عن إحدى إهتماماته الرئيسية: يهتم متّى بأن يذكر بالحاح نظرة الدينونة التي فيها سيؤدي المسيحيون حساباً عن سلوكهم. وفي النصّ الحاضر، إكتفى بأن يبرز موضوعاً شكّل أساس المثل الأولاني. فما كان عليه إلاّ أن يشير إلى تعليم عرفته الكرازة الأولى.
ثانياً: نقدّم هنا ملاحظة جوهرية من أجل تفسير متّى. بدأ متى مثله بأداة "لأن" (أو: الفاء). فحرف العطف هذا يربط المثل بالقول الذي سبقه: "إذن اسهروا، لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة. لأن هذا كمثل رجل أراد السفر". نشير إلى أن هذه التوصية المستوحاة من مر 13: 32- 37 موجودة في مت 24: 42. إنها تعطي الرنة لكل القسم الثاني (القسم الإرشادي) من الخطبة الإسكاتولوجية. إذن يود مثلُ الوزنات أن يفهم المسيحيين ضرورة "السهر": كونوا ساهرين.
وقول آ 13 الذي يقدم له هذا المثل "درساً"، يشكّل خاتمة مثل العذارى: "إذن اسهروا". إهتم متّى بالفكرة أكثر منه بالصورة فلم يهتم بوضع لافت وهو ان جميع العذارى (الصبايا) كنّ نائمات حين وصل العريس. لا يلوم الخبر الحكيمات بأنهن كن نائمات. ويلوم الجاهلات لأنهن لم يعرفن ان يتدبرن أمرهن ويحملن معهن زيتاً. "اسهروا" تعني في نظر الإنجيلي: تصرّفوا لئلا تؤخذوا على غفلة في ساعة مجيء الابن، التي هي ساعة الدينونة.
ثالثاً: وهذه ملاحظة ثالثة توضح الزاوية التي منها يتطلع متّى إلى السهر الذي يطبعه مثل الوزنات بطابعه: ونعني بهذا، الصفات المستعملة لكل من الخدام.
متّى هو مربّ رائع، هو يهتم بإنارة حكم قرّائه على الأمور. ولهذا يلجأ إلى "الصفة" التي تصف الأشخاص. في المثل الذي ينهي خطبة الجبل، يعطي صفتين لنوعين من الرجال. الأول حكيم لأنه بنى بيته على الصخر. والثاني جاهل (غبي) لأنه بنى بيته على الرمل (مت 7: 24، 26، ق لو 6: 47- 49 الذي يقول فقط: رجل).
وفي خبر الكسيح الذي غفر له يسوع خطاياه، لا يكتفي يسوع بأن يسأل الكتبة الحاضرين: "لماذا هذه الأفكار في قلوبكم" (مر 2: 8، لو 5: 22)؟ ولكنه يقول مفصحاً: "لماذا هذه الأفكار الشريرة في قلوبكم" (9: 4)؟ وفي 24: 48 يتفرّد بالإيضاح قائلاً إن الوكيل المهمل هو خادم "شرير"، وفي ف 23 يكرّر ثلاث مرّات المنادى القاسي: "الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون والمراؤون". فصفة المرائين غير موجودة في نص لوقا (11: 37- 52) الموازي لنص متّى.
وفي مثل الوزنات، يقول المعلم للخادم الأول، حسب نص لوقا: "أيها العبد الصالح". وحسب متّى، يقول السيّد لكل من عبديه الأولين: "أيها العبد الصالح والأمين ". رأينا في الملاحظة أننا أمام واجب "السهر". ونرى الان أن السهر يقوم بأن يكون المسيحي "أميناً". وسيتوضّح الأمر بصورة أكثر في مثل الخادم الثالث. حسب لوقا، قال السيّد: "أيها الخادم الشرير". ولكن متّى كان أكثر وضوحاً: "أيها العبد الشرير والكسلان". وزاد في نهاية الحكم: "الخادم الذي لا نفع منه". فنستطيع أن نتساءل من وجهة الخبر الامثالي: هل كان هذا العبد أقل كسلاً لو حمل مال سيّده إلى المصرف بدل أن يحفر في الأرض ويخفي الفضة؟ لا شكّ في أن متّى لم يطرح السؤال. ولكن حين وصف ذاك العبد "بالكسلان " فكّر بالدرس الذي يود أن يلقّنه للمسيحيين.
إن "الكسل" الذي يريد متّى أن يحذر قرّاءه منه في سياق الإنجيل الأول، هو ذلك الذي يلغي واجبات الحياة المسيحية. فإذا أردنا أن يكون لنا شركة في الخلاص، لا يكفي أن نسمع لكلمة الله. يجب أن نعمل بها (مت 7: 21، 24؛ 12: 50؛ 21: 31)، يجب أن نحمل ثمراً (مت 3: 10، 12؛ 7: 19- 20؛ 12: 33؛ 21: 41- 43). فالمؤمن الذي لا يجعل في حياته وفي أعماله التعليم الذي قبله، يشبه الضيف الذي دخل إلى قاعة الوليمة وليس عليه ثياب العرس (مت 22: 1- 13). إنه يشبه الصبايا اللواتي دعين ليسرن في موكب العريس فلم يفكّرن بتجهيز الزيت لمصابيحهن (مت 25: 1- 13). إنه يشبه الخادم الذي لم يهتم بأن يجعل وزنته تثمر. الإنجيل هو رأس مال لا يحق لنا أن نبقيه عقيماً من دون ثمر.
2- تفسير لوقا
نقدّم هنا أيضاً ثلاث ملاحظات.
الأولى: إن السياق الذي فيه وضع لوقا مثله، يشدّد على الأهمية التي يعلّقها عليه. نحن هنا عند منعطف خطير في الإنجيل الثالث. بدأ لوقا في 9: 51 خبر صعود يسوع إلى أورشليم. وما زال يذكرنا بهذا السفر خلال الفصول العشرة التالية. ومع مثل الدنانير، وصلنا إلى نهاية هذا الصعود الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالوصول إلى المدينة المقدسة. سيرد هذا الوصول حالاً بعد هذا النص، ولكن الآية التي تبدأ المثل كانت قد أعلنت عن هذا الوصول: "وقال أيضاً مثلاً لأنه كان قريباً من أورشليم، وكان الناس يظنون أن ملكوت الله سيظهر في الحال" (19: 11).
الثانية: ينتج عن هذه المقدمة أن المثل لا يرتبط في فكر القديس لوقا بالوصول الى اورشليم فقط، بل بالسؤال الدقيق المطروح: "متى يأتي ملكوت الله" (17: 20؛ أع1: 6-8) يحذّرنا من تفسير خاطىء يقيم علاقة مضلّلة بين مجيء الملكوت ووصول يسوع إلى أورشليم: يجب أن نبين أن يسوع لا يعتبر مجيئه وظهور الملكوت الجديد قريبين. لقد نظر مسبقاً إلى مهلة إنتظار، إلى مهلة طويلة تشير إليها آ 12: لقد سافر هذا "الأمير" إلى بلد بعيد ليتولّى الملك: إن كان ذهب إلى البعيد فهو لا يعود في القريب العاجل.
نتعرّف هنا إلى مسألة شغلت بال لوقا، وقد عاد إليها باهتمام خاص في الخطبة الاسكاتولوجية (ف 21) إحدى التصليحات التي تميّز هذا النصّ هي ما ورد في آ 8. حذر يسوع من الخادعين الذين ينتحلون إسم المسيح (مر 13: 6). إستعاد لوقا التنبيه، ولكنه زاد عليه أن هؤلاء الخادعين سيقولون: "الزمن قريب أو حان الوقت". هذا هو الضلال الذي يحمل الخطر في نظره: أن يتخيّل المؤمنون أن الوقت حان والزمان قريب. وإذ خاف لوقا، ولا شك، من هذا الضلال، أغفل في ملخص كرازة يسوع في بداية الإنجيل ما نقرأ في مر 1: 15: "لقد تمّ الزمان". وسيستفيد من مثل الدنانير ليحارب "سراب " النهاية القريبة: أجل، لن يأتي ملكوت الله في القريب العاجل.
الثالثة: ولكن هذه الأمثولة لا تستنفد عند لوقا بُعد النصّ كله. من الواضح أننا أمام مثل عن الدينونة. فإن لم يكن مجيء السيّد قريباً، يبقى من المؤكد أنه سيعود وسيطالب بالحساب خدمه وينتقم من أعدائه. هذا ما يشدّد عليه لوقا في آ12، 13، 15.
إذا أردنا أن نقدّر حكم لوقا على الخدم حق قدره، يجب أن لا نهمل حاشية جعلها في بداية الخبر. فالسيّد قال قبل أن ينطلق: "تاجروا بهذا المال (إجعلوا هذا المال يثمر) حتى أعود" (آ13ب). هذه التوصية التي لا تجد ما يوازيها في متى تُنسب إلى لوقا، وفيها لغته الخاصة. ففعل "براغماتيوماي" في آ 13 ب وفعل "ديابراغماتيوماي" في آ 15 لا يردان إلاّ في هذا المكان من العهد الجديد. إذن، هما خاصان بلوقا. يدلّ الأول على الإهتمام بالأعمال التجارية. والثاني على الربح الذي حقّقته هذه الأعمال. ويشدّد لوقا في آ 13 ب هذه على عودة الرب وخاصة على المسؤولية التي ترتبها علينا معرفة إرادة الله. إنّ هذه النقطة الأخيرة تدلّ على اهتمام وجد عند لوقا تعبيراً قويّاً في مقطع آخر خاص بلوقا: "فالخادم الذي لا يعرف إرادة سيّده ولا يستعدّ (ولم يهيّىء شيئاً) ولا يعمل حسب إرادته يلقى عدداً كبيراً من الضربات (كقصاص). وأما الذي لا يعرف واستحق الضرب فهو يلقى عدداً قليلاً من الضربات. فمن أعطي كثيراً يُطلب منه الكثير، ومن اؤتمن على كثير يطالب بأكثر منه" (12: 47- 48).
فالتوصية المزادة في بداية المثل تُتيح لنا أن نعرف الزاوية التي منها نظر لوقا إلى مسؤولية الخادم الشرّير وخطيئته. إنه لا يعتبره كسلاناً مثل متّى، بل عاصياً ومتمرّداً: لم يُتمّ إرادة سيّده مع أنه عرفها بوضوح. ومقابل ذلك، ان الخطيئة التي نقترفها عن جهل تُغفر بسهولة. يشدّد لوقا مراراً على هذه الفكرة. مثلاً، بالنسبة إلى خطيئة اليهود (23: 34): "لا يعرفون ما يعملون" (رج أع 7: 60. قال اسطفانس: "لا تحسب عليهم هذه الخطيئة"؛ 3: 17: ما"فعلتم كان عن جهل "؛ 13: 27: "لا عرفوا ولا فهموا". وبالنسبة إلى خطيئة الوثنيين نقرأ في أع 17: 30: "الله غضّ نظره عن أزمنة الجهل".
ونرى في الوقت عينه كيف يفهم لوقا مسؤولية المسيحي: ميّزه الله فعرفه بدقّة إلى ما ينتظره منه، فهو سيؤدّي حساباً قاسياً عن أعماله. إنه امتياز ولكنه يطلب منا الكثير: "من أعطي له كثيراً يُطلب منه الكثير".
3- تفسير الكرازة المسيحية الأولى لهذا المثل
كان للمثل خاتمة في الشكل الذي وصل إلى الإنجيليين. استعادها لوقا في آ 26: "أقول لكم: من كان له شيء يُعطى، ومن لا شيء له يؤخذ منه حتى الذي له". ونقرأ النتيجة عند متّى في آ 29: "لأن من كان له شيء يعطى ويفاض عليه (يزاد). ومن لا شيء له يؤخذ منه حتى الذي له".
لقد نُقل هذا القول إلى خارج سياق المثل. فنحن نجده في مكان آخر، في فصل الأمثال (مت 13: 12؛ مر 4: 25؛ لو 8: 18). أمّا وجوده هنا فيذكرنا بالأسلوب الذي يجعل الإنجيلي يزيد قولاً عاماً في نهاية عدد من الأمثال. مثلاً: "من ارتفع اتضع ومن اتضع ارتفع " الو 14: 11؛ 18: 14؛ رج مت 18: 4؛ 23: 12). أو: "المدعوون كثيرون والمختارون قليلون" (مت 22: 14). أو: "الأولون يكونون آخرين والآخرون أولين" (مت 20: 16؛ رج 19: 30؛ مر 10: 31؛ لو 13: 30). نحن نعرف أن هذه الخاتمات التي زيدت، تلفت الإنتباه إلى وجهة ثانوية في المثل ولا تستخلص منه إلاّ تطبيقاً جانبياً.
نشير هنا بصورة عابرة الى تفسير آ 26 من لوقا: "الذين عندهم (إيمان) يُعطى لهم (وفرة البر في الإيمان). أمّا اليهود غير الجديرين فخسروا كل امتيازاتهم. والذين لا إيمان لهم يؤخذ منهم ما لهم أي برّ شريعتهم". ولكن عدداً كبيراً من الشرّاح لا يقبل بهذا التفسير.
في الوضع الحاضر، نلاحظ أنه إذا كان العبد الشرير يستحقّ اللوم، وإذا كانت أخذت منه دنانيره، فهذا لا يعود إلى كونه يملك شيئاً قليلاً. وهذا واضح عند متّى حيث أخذ الثالث أقل من رفيقيه. إذن ذنبه يقوم لا لأنه يملك قليلاً، بل لأنه لم يُنمِ ما أخذه. الرباط أوضح عند لوقا حيث يشدّد الخبر على تنوعّ الإستحقاقات كما على نسبة المجازاة. ولكن قد يكون هذا التقديم ثانوياً. ونحن نتساءل: أما ينتج عن رغبة بأن نكيّف الخبر على هذه النتيجة التي ليست حقيقية؟
أعلن بونار (شرح القدس متى) أن القول الأخير لا ينتمي في الأصل إلى هذا الإطار، ثم أعلن أنه يجمل المثل إجمالاً تاماً: ففي الدينونة الأخيرة سينال "ذاك الذي له" جزاء عظيماً. الذي له أي الذي كان أميناً في صغائر (الأمور الصغيرة) الحياة على الأرض. والذي ليس له، أي الذي لم يكن أميناً، الذي كان كسلاناً، فسينال عقاباً قاسياً. في الواقع، إن العبد الشرير ليس معدماً من كل شيء، لأنه يحتفظ بحرص بالمال الذي سلّم اليه. أن لا يكون للشخص أو أن يكون له بعض الشيء يختلفان عن من لا يعمل شيئاً لينمي ماله. حينئذ قد يؤدي تفسير بونار إلى الإقتراب من الإنجيل إلى العبرانيين: هناك عبد أول بدّد خير معلمه مع الزواني والراقصات، وعبد ثان زاد خير معلمه بعمله، والثالث أخفى وزنته. فالذي عمل بنشاط رحّب به سيّده. والذي أخفى وزنة سيّده نال اللوم والتوبيخ. أمّا الذي عاش الإباحية فقد وضع وحده في السجن (حسب اوسابيوس).
إذا عدنا الى نسخة لوقا ونسخة متّى، يبزر القولُ الأخير واقعاً وهو أن المال الذي يؤخذ من العبد الشرير يعطى للذي يملك أكثر من الآخرين. ولكن لوقا يشدّد على القرار فيزيد آ 25: "فقالوا له: يا سيّد، عنده عشرة دنانير". وهكذا يعود الإنتباه من العبد الشرير إلى العبد الذي جعل ربحه عشرة أضعاف ما كان يملكه في النهاية، كما يدلّ النص على النسبة بين الخير الذي اقتناه والمجازاة الحسنة التي حصل عليها.
حين زادت الكرازة المسيحية هذا القول الأخير، فقد بحثت في المثل عن تطبيق للمعنى العام، بحبسه ندان عما نملك او عما لا نملك. وبعبارة أخرى، إن الإهتمام بهذه الزيادة يعني لا واقع الدينونة التي سنخضع لها، بل الطريقة التي بها تتمّ الدينونة: أي نسبة إلى ما نملك. الوجهة هي تلك التي يحدّد فيها مت 16: 27 صورة عن مجيء ابن الإنسان فيزيد: "وحينئذ يجازي كل واحد حسب سلوكه". أو كما يقول بولس: "حسب أعماله" (روم 2: 6؛ 2 كور 5: 10). الوجهة هي وجهة تحريض على النشاط لكي نضع موضع العمل التعليم الإنجيلي. إن هذا الإهتمام الذي يبرزه متّى بصورة خاصة، كان سابقاً لتدوين الإنجيل الأولى. ولكننا نقدر أن نتساءل: أما كان هذا هو الإهتمام الذي دفع يسوع إلى قول هذا المثل؟
ج- الخبر في كرازة يسوع
إذا أردنا أن نحدّد هدف يسوع حين روى هذا المثل، علينا أن نطرح ثلاثة أسئلة. أولاً: ما هو هدف الخبر أي العنصر الذي يبرزه الخبر وعليه تتطعم الأمثولة؟ ثانيا: ما هي مشكلة السامعين التي يحاول المثل أن يرد عليها؟ ثالثاً: ما معنى الجواب الذي أعطاه يسوع؟
1- هدف الخبر
أولاً: نلاحظ اننا لا نبحث عن الهدف في الآيات الأولى: فذهاب السيّد والمال الذي قدمه الى عبيده، هما مدخل الى الخبر. ونقول الشيء عينه عن تفاصيل متّى حول سلوك العبيد بعد أن نالوا المال(25: 16- 18). كل هذا يهيىء الدرب للمشهد الرئيسي الذي هو مشهد تأدية الحساب عند رجوع السيّد.
ثانياً: تتوزع تأدية الحساب على ثلاث لوحات: مثلَ ثلاثة خدم على التوالي أمام سيّدهم. ولكن ليس لكل هذه اللوحات الأهمية عينها فالأمور تجري بسرعة بالنسبة إلى الخدم الذين قاموا بعملهم خير قيام. ثم إن النصّ يعالج الحالتين بطريقة موازية كل الموازاة فيكرّر بالنسبة إلى الثاني ماقاله عن الأول. إنهما يمثلان من الوجهة الأدبية وحدة الميزان مع وضع العبد الثالث الذي توسع الخبر في تقديمه. هذا يعني أننا في الواقع، رغم ظاهر الخبر في ثلاثة أوقات، أمام عرض متناقض: وهو يشدّد على التعارض بين العبدين الأولين من جهة، وعلى العبد الثالث الذي يلقى من الإهتمام أأكثر مما يلاقيه العبدان الأوّلان.
ثالثاً: ونحن نعرف أيضاً أن الأمثال المبنية بشكل تناقضة، يكون العنصر الثاني هو الأهم، هو الذي يقدّم الدرس. أما العنصر الأول فهو هنا لكي يبرز العنصر الثاني.
والمثل المعروف عن هذا النهج نجده في خبر يوتام (قض 9). ذهبت الأشجار تبحث عن مللك فتوجّهت بسؤالها إلى الزيتونة والتينة والجفنة، أخيراً إلى العوسجة التي رضيت بالملكية. التي فرضها أبيمالك عليهم. وصورة العوسجة تعبّر عن الطابع الشرير الذي يُطبع به الملك. وذكر الأشجار المفيدة يُبرز هذه الصورة. ويلجأ يسوع إلى النهج عينه. في مثل الزارع، يبرز الفشل الذي عرفته أراض عقيمة النجاحَ العجيب الذي حصلت عليه الأرض الصالحة (مر 4: 3- 8). هذا هو أيضاً معنى التعارض في مثل العمّال في الكرم (مت 20: 1- 15) والإبن الضال (لو 15: 11- 32).
أما الهدف الذي توخّاه مثل الوزنات فهو أبرز الشخص الأهم وهو العبد الشرير. والتعليم الذي أراده يسوع نجده في الحوار الأخير بين هذا الخادم وسيّده. ولكن قبل أن نتوقف عند هذا التعليم، نحدّدالوضع الذي بموجبه قال يسوع هذا المثل.
2- إلى من وجّه المثل وما هي المسألة المطروحة
حين نسمع الشروح التي يقدمها العبد الشرير، نجد فيها صدى للوضع الملموس. والكلمات هي هي في النسختين. يختلف الترتيب ولكن هذا لا يغير شيئاً مهما في الأمور. المهم هو ما يقال.
أولاً: في لو 19: 20 يبدأ العبد بأن يردّ المال إلى سيّده مشدداً على أن هذا كل ما استلمه: "يا سيّد، ها هو دينارك". في مت 25: 25 تأتي الملاحظة في النهاية وبشكل قاسٍ جداً: "ها هو مالك صار في يدك".من الواضح أنه يقف على مستوى العدالة: رددتُ لك ما يخصك. لا ينقص منه شيء. إذاً ليس لك شيء عندي. ففي منطق العدالة الدقيقة، يرى الخادم أن سلوكه لا غبار عليه.
ثانياً: ولكن العبد لا يجهل أن سيّده كان ينتظر أن يحصل على أكثر. إذن يقول السبب الذي دفعه إلى أن يخفي المال ومنعه من أن يستثمره: فعل ما فعل بدافع الخوف من سيّده. قال لوقا: "يا سيّد ها هو دينارك خبّأته في منديل لأني خفت منك". وقال نتى: "خفت فذهبت ودفنت مالك في الأرض. ها هو مالك صار في يدك".
إذن تصرّف العبد على هذا الشكل بدافع من الخوف. ما أراد أن يخسر ما سلّم إليه. ما فكر إلاّ أن يحتفظ بوديعة معلّمه سالمة. فلو حاول أن ينمي المال لكان ربح، وقد يكون خسر. إذن، لم يُرد أن يخاطر. نحن نرى في فطنته نتيجة خوفه من معلّمه.
ثالثاً: ونحن نجد في النهاية التفسير الأخير لموقف العبد في فكرته عن سيّده. عند لوقا: "خفت منك لأنك رجل صارم، تأخذ ما لم تودع وتحصد ما لم تزرع وتجمع ما لم تبذر، فخفت وذهبت". إذن يبدو السيّد رجلاً يغتني حين يأخذ ما لا يخصه، ويفرض على الناس ما لا يحق له به.
من الواضح أن التعارض ملفت للنظر: من جهة، الخادم الذي يتمّ فرائض العدالة. ومن جهة ثانية سيّد يتحدّى العدالة ولا يتردّد في وضع يده على ما لا يخصّه. فالعبد لا يكتفي بأن ينعزل في برّه الشخصي، بل هو لا يوافق سيّده باسم هذا البرّ الحق بأن يفعل ما فعل. أراد أن يدافع عن نفسه فهاجم سيّده: أنا بار أما أنت فلا.
نحن نعرف هذا النوع من التوبيخ. نجده في مثل عمّال الكرم حيث عمّال الساعة الأولى يحتجون ضدّ ظلم صاحب الكرم: "هؤلاء الآخرون عملوا ساعة واحدة، فساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثقل النهار وحرّه". (مت 20:12). سلوك السيّد ليس بعادل! ونجد التشكّي عينه على شفتي الإبن الأكبر في مثل الإبن الضال: "خدمتك كل هذه السنين وما عصيت لك أمراً واحداً، فما أعطيتني جدياً واحداً لأفرح به مع أصحابي. ولكن لما رجع ابنك هذا، بعدما أكل مالك مع البغايا، ذبحت له العجل المسمّن" (لو 15: 29- 30). تتغيّر الأوضاع ولكن التشكّي هو هو سلوك السيّد ليس بعادل.
لوم واحد وأسلوب أدبي واحد: نرى غير الراضين يترجمون على مستوى المثل المشكلة المطروحة. فعلى مستوى الواقع الديني، حدث شيء حرّك عند سامعي المثل ردّة فعل غاضبة. لقد قالوا هم بدورهم وبطريقة أخرى: هذا ليس بعادل.
إنّ تحديد هؤلاء الأشخاص الذين لم يرضوا عن الوضع لا يسمح بالتردّد: نحن ولا شك أمام أناس امتلأوا ولا شك من مخافة الله واهتموا بأن يؤدوا له كل ما هو متوجّب عليهم، إهتموا بأن يخدموه بأمانة دون أن يتعدّوا وصية واحدة من وصاياه. نرى هنا موقف الكتبة والفريسيين، هؤلاء الممارسين الأتقياء للشريعة (هناك من قال أن المثل توجه إلى الرسل لينبّههم إلى مسؤوليتهم حيال الخيرات المسيحانية التي أوكلت إليهم. ولكن!). نراهم يثورون أمام سلوك الله كما يظهر في رسالة يسوع: إذا كان الله يتصرّف حقاً بهذه الطريقة، فهذا ليس بعدل. لا يستطيع الله أن يكون كما يعلمنا عنه يسوع ويخبرنا. وعدا أن لهم برّهم، وُضعوا تجاه متطلّبات لا يقدرون أن يقبلوا بها، فظلّوا حيث هم وما أرادوا أن يتحرّكوا ليذهبوا إلى يسوع.
لا بدّ من إخبار هؤلاء الناس بأنهم على ضلال. هذه ستكون وظيفة المثل الذي يعبر عن وجهة الله كما يفهمها يسوع. إذا كانت أقوال الخادم الشرير تتيح لنا أن نرى المسألة المملوسة التي تطرح على السامعين، فالتعليم الذي أراده يسوع نجده في جواب السيّد.
3- تعليم المثل
يقوم هذا الجواب في آيتين. في الآية الأولى يكتفي السيّد بأن يكرّر ما قاله العبد عنه: "عرفت أنني أحصد ما لم أزرع وأجمع حيث لم أبذر". لا يجيب السيّد على الإتهام الموجّه إليه. ولا يدافع عن نفسه. هو يدخل في وجهة خادمه ليدلّه على خطأه. والآية الأولى تتوجه إلى العبد. ظنّ أنه حصل على عفو سيّده حين ردّ له ماله. لقد أخطأ: "كان عليك أن تضع فضتي لدى الصيارف، فكنت أستعيده عند عودتي مع ربحه".
لا صعوبة في هذا الجواب على مستوى الخبر الامثالي. ,لكن تبدأ الصعوبة حين ننتقل إلى التطبيق على المستوى الديني.
نبدأ فنُعبد أسلوباً يقوم بأن نستغلّ بعض عناصر الجواب فنعطيها معنى خاصاً بها صورة إعتباطية. مثلاً، لن نقول (كما قال يرامياس) إن المال الذي سلّمه السيّد هو كلام الله الذي لم يستثمره محاورو يسوع. ولا فائدة من التساؤل: كيف يحصد الله حيث لم يزرع، وهذا ما يمثّل الفائدة التي يجب على الإنسان أن يحملها إلى الله، أو المصرف الذي فيه يوضع المال الذي سلم إلى العبيد. كل هذه الأسئلة حول تفاصيل الخبر تضلّلنا. ولهذا نبتعد عنها.
فإذا بقينا في منظار المثل، يجب علينا أن ننقل جواب السيّد كلّه أو بالأحرى الحكم الذي يترجمه هذا الجواب. ونبحث عن الحكم في العلاقة التي توحّد الجواب بالسؤال الذي طرحه الخادم. اذا عزلنا القسم الأول من الجواب، وجدنا نفوسنا أمام دفاع عن طريقة الله الإعتباطية: "حق الأقوىهو الأفضل". وإذا أخذنا القسم الثاني وحده، نبقى أيضاً في الظلام: ما الذي يقابل بطريقة ملموسة صورة عبد يضع مال سيّده في المصرف؟ ولكن اذا تأملنا في القسمين معاً، نحدّد موقف السيّد كسيّد أمام الخادم كخادم. حين أخذ العبد الشرير بوجهة العدالة (أو البرّ) ليحكم على سيّده وعلى نفسه، نسي شيئاً مهماً سيذكّره به جواب السيّد: واجب الخادم كخادم هو أن يخدم سيّده ويرضيه.
إذا كان هذا هو الجواب حقاً، فيصبح التطبيق سهلاً. أمام يسوع أناس يرفضون تعليمه والمتطلبات المرتبطة به. يتمسكون بحرف الشريعة منتظرين حياة مطمئنة أمام الله. حين يحافظون على الوصايا أما يردّون لله ما يتوجّب عليهم؟ فماذا ينتظر بعد؟ إذن يرون أن ليس من واجبهم أن يهتمّوا بالنداء الذي يوجّهه يسوع إليهم. فيجيب يسوع ان مثل هذا الموقف ينسى طبيعة العلاقة الحقة التي تربط الإنسان بالله. فالإنسان أمام الله هو خادم وعبد. وعليه أن يقبل ويتم ما يطلبه الله منه ولو كان هذا الطالب غير منتظر. أمام نداء الله الذي يتوجّه إلى البشر برسالة يسوع، لا نستطيع أن نتهرّب أو أن نبحث عن لاهوت يفرض على الله نظرة بشرية عن العدالة وعن البر البشري.
خاتمة
رأينا في تفسير لوقا أن العبد الشرير في المثل هو ذلك الذي لا يطيع الله: أوضحت له إرادة سيّده فلم يتمّها، ويوضح متّى الوجهة التي هي، على ما يبدو، وجهة الوعظ المسيحي السابق لها. العبد الشرير أخطأ لأنه كسلان. بسبب كسله خبأ مال سيّده بدل أن يعمل على استثماره. وفي فكر يسوع، يمثّل العبد الشرير أناساً كوّنوا فكرة خاطئة عن الديانة وعن علاقة الانسان بالله. إن الخوف الذي يحسون به تجاه الله، يدفعهم إلى أن يحصروا ذواتهم في نظرة تسيطر عليها الشريعة. يطلبون ملجأ وطمئنينة ضدّ الله نفسه في ممارسة دقيقة لوصاياه وهذا الخوف يشكل نقيض الحب، كما أن الموقف الذي يحكره يتعارض كلياً والحرية التي يعطيها الحب. فالمحبة لاتخاف المخاطرة. وفي هذا السبيل قال يوحنا في رسالته الأولى (4: 18- 20): "لا خوف في المحبة، بل المحبة الكاملة تنقي كل الخوف، لأن الخوف يفترض العقاب، والذي يخاف ليس له كما للمحبة. فعلينا أن نحبّ لأن الله أحبّنا أولاً"

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM