الله عائلة

منذ البداية، يريد البشر لهم "مَلكًا" يملك عليهم، يسود عليهم، يمتلكهم بحيث يصيرون له. وماذا يستطيعون أن يكونوا في هذه الحال إلاَّ عبيدًا؟ والشعب العبرانيُّ الذي كان قبائل، طلب أن يكون له ملك كسائر الشعوب، مع أنَّ صموئيل نبَّههم ماذا يفعل بهم الملك: يأخذ رجالهم ونساءهم ليعملوا لديه...

وعلى صورة الملك، نظر الناس إلى الله. هو الجالس فوق، في الأعالي، على عرشه وحده، السيِّد المطلق، الذي حدّد لنا حياتنا ومصيرنا. هو "القدر" الذي يفرض نفسه على الإنسان الذي لا يحقُّ له أن يسأل. فالسؤال والاستفهام تجديف. وراح الشعب العبرانيُّ ينسى "إله ابراهيم"، أي ذاك الإله الذي يرافق أولاده في حلِّهم وترحالهم، وشدَّدوا على الإله الواحد الذي لا يحقُّ لهم أن يلفظوا حتَّى اسمه فقالوا: السيِّد (أدوناي، ومنها أدونيس في العالم الفينيقيّ)، وإن كتبوا شيئًا آخر. وكان الشعار في عالم الشرق: اكتشاف الله الواحد. لا شكَّ في ذلك تجاه الناس حيث لكلِّ مدينة إلهها.

أمّا في المسيحيّة فالله عائلة مؤلَّفة من ثلاثة أشخاص. نقول في اللغة اللاهوتيّة: من ثلاثة أقانيم. الله ليس واحدًا وحيدًا. بل هو أبٌ وابنٌ وروح. هي تسمية بشريَّة ولكنَّها تؤثِّر على حياتنا. الله أب أعطى ابنه كلَّ شيء ما عدا الأبوَّة. والابن أعطى للآب كلَّ ما ناله ما عدا البنوَّة. اتِّحاد تامّ. تشابه تامّ. والروح هو الحبُّ الذي يجمع الآب والابن.عُدنا نقول: هي طريقة بشريَّة، لا نفهمها بعقولنا. ولكن نعرف أنَّنا مدعوُّون كلُّنا، أبناء وبنات، أن ندخل في هذه العائلة، أن نكون من أعضائها، أبناء وبنات مع الابن. صرنا أبناء الله الذي تبنَّانا، فلم نعد عبيدًا نلصق جباهنا بالأرض، ولا طلب منَّا يسوع "السجود"، بل الحبّ. تلك هي العلاقة بين الله وبيننا، أن يكون كلُّ واحد في حضن الآب.


 

إنجيل يوحنّا 6: 37-46:

(قال يسوع:) "كلُّ من وهبَه لي أبي يأتي إليَّ، ومن إليَّ يأتي لا أخرجُه إلى الخارج. لأنّي نزلتُ من السماء، لا لأعملَ مشيئتي، بل مشيئةَ الذي أرسلَني. وتلكَ هي مشيئةُ الذي أرسلَني: أن لا أبيدَ كلَّ مَنْ وهبَ لي بل أقيمُه في اليومِ الآخِر. وتلك هي مشيئة أبي: أنَّ كلَّ راءٍ للابنِ ومؤمنٍ به تكونُ له الحياةُ الأبديَّةُ وأنا أقيمُه في اليوم الآخِر."

أمّا اليهودُ فكانوا مُتذمِّرين عليه لأنَّه قال: "أنا، أنا الخبزُ الذي نزلَ من السماء." وكانوا يقولون: "أما هذا يسوعُ ابنُ يوسف، ذاك الذي نحن عارفون أباه وأمَّه. فكيفَ يقولُ هذا: مِن السماءِ نزلتُ." فأجابَ يسوعُ وقالَ لهم: "لا تتذمَّرون واحدًا مع واحدٍ. لا يقدرُ إنسانٌ أن يأتيَ إليَّ، إلاّ إذا جذبَه الآبُ الذي أرسَلني وأنا أقيمُهُ في اليومِ الآخِر. لأنَّه كُتبَ في النبيِّ: يكونونَ كلُّهم متعلِّمي الله، والآنَ كلُّ سامعٍ من الآبِ ومتعلِّمٌ منه، هو آتٍ إليَّ. فلا إنسانٌ رأى الآبَ إلاّ الذي من اللهِ هو. ذاكَ رأى الآبَ."


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM