"مَن يقول الناس؟"

ابتعد يسوع عن اليهوديَّة وراح إلى أقصى الجليل، إلى حدود لبنان الجنوبيّة، إلى قيصريَّة فيليبُّس، التي هي اليوم بانياس، والواقعة في سفح جبل حرمون. سأل تلاميذَه: "من يقول الناس إنّي هو؟ الناس؟ يعتبرونكَ نبيًّا. آخر الأنبياء يوحنَّا المعمدان. إذًا أنتَ يوحنّا المعمدان. أنتَ إيليّا العائد ليحملَ السلام. أنتَ إرميا ذاك الذي ما زال يصلِّي من أجل شعبه.

إلى هنا وصل الناس: يسوع هو أحد الأنبياء. والنبيُّ هو الذي يدخل في سرِّ الله، يَسمع صوته في أعماقه، ويَحمل الكلمة مهما كلَّفه الأمر. قيل عن إشعيا إنَّه نُشر بالمنشار مع الشجرة التي كان فيها. إرميا جُعل في بئرٍ موحلة. إيليّا لاحقوه من موضع إلى موضع. وأخيرًا يوحنّا المعمدان قُطع رأسه لأنَّه دافع عن الوصيَّة الإلهيَّة: لا يحقُّ لكَ أن تأخذ امرأة أخيك. جُعل في السجن فلم يتراجعْ، فكان صورةً بعيدة عن يسوع.

أكثر من مرَّة اكتشف الناس في يسوع النبيّ. السامريّة: "يا سيّدي أرى أنّكَ نبيّ." وحين الدخول إلى أورشليم، سأل الناس فجاء الجواب: "هذا هو النبيُّ يسوع من ناصرة الجليل." وشابه يسوع إيليّا حين أقام ابن الأرملة، "فقال الناس: ظهر فينا نبيٌّ عظيم، وافتقد الله شعبه." وبعد تكثير الأرغفة: "هذا هو النبيّ الآتي إلى العالم!".

ولكن، هل يسوع هو نبيٌّ فقط؟ هل هو في خطِّ الأنبياء بحيث لا يفترق عنهم في شيء؟ وتأتي لائحة في الفكر اليهومسيحيّ، أي اليهود الذين صاروا مسيحيِّين، فجعلوا يسوع نبيًّا في خطِّ آدم وأنوش وإبراهيم وإسحق ويعقوب... وجاء العالم العربيّ فأضاف أسماء أخرى. أمّا ماني صاحب الشيعة المانويّة، فما اكتفى أن يدعو نفسه نبيًّا، بل أعلن أنَّه "خاتمة الأنبياء". وحتَّى اليوم نسمع بوجود أنبياء!

إذا كان يسوع إنسانًا فقط، يمكن أن نقول عنه ما قيل عن يوحنّا المعمدان: هو نبيٌّ وأفضل من نبيّ! ولكنَّه ابن الله أيضًا. وهو الكلمة العائش لدى الآب. وإذا كان النبيُّ يحمل الكلمة، فالمسيح هو الكلمة. وكلُّ كلمة نبويَّة سبقته، تجد كمالها فيه. وكلُّ كلمة تُعتبر آتية من عند الله، تنطلق منه، وإلاَّ كانت كلمة كاذبة. ولهذا قال يسوع وردَّدت الكنيسة قوله: "يظهر أنبياء كذبة يُضلُّون الكثيرين..."، وحتَّى اليوم هم حاضرون.


 

إنجيل متّى 16: 13-20

ولمّا أتى يسوعُ إلى مكانِ قيصريَّة فيلبُّس، سائلاً كان تلاميذَهُ وقائلاً: “ما الناسُ قائلونَ عنّي أنا ابنُ الإنسان؟” أمّا هم فقالوا: “هناك قائلون: "يوحنّا المعمدان." وآخرون: "إيليّا." وآخرون: "إرميا أو واحدٌ من الأنبياء."”

فقالَ لهم: “وأنتم، ما قائلونَ أنتم إنّي أنا؟” فأجابَ سمعانُ وقال: “أنتَ هو المسيحُ ابنُ الله الحيّ.” فأجابَ يسوعُ وقالَ له: “طوباكَ، يا سمعانُ بنَ يونا، لأنَّ اللحمَ والدمَ ما كشفَ لك ذلك، بل أبي الذي في السماء. وأنا قائلٌ لك: أنتَ هو الصخر. وعلى هذا الصخر أبني بيعتي وأبوابُ الشيولِ لا تغلبُها. لك أعطي مفاتيحَ ملكوتِ السماء، وكلَّ ما تربطُ في الأرض يكونُ مربوطًا في السماء، وما تحلُّه في الأرضِ يكونُ مَحلولاً في السماء.” حينئذٍ أمرَ تلاميذَه ألاّ يقولوا لإنسانٍ إنَّه هو المسيح.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM