الكفر بالشيطان

من إنجيل ربِّنا يسوع المسيح للقدِّيس يوحنّا (8: 39-56)

 

39فأجابَ (اليهودُ) قائلينَ له: "أبونا الخاصُّ هو إبراهيم." فقالَ لهم يسوع: "لو أبناءُ إبراهيمَ أنتم، لكنتم صانعين أعمالَ إبراهيم. 40ولكن الآن، ها أنتم طالبون قتلي، أنا الرجلَ الذي تكلَّم معكم (الكلمةَ) الصادقةَ التي سمعتُ من الله. هذه إبراهيمُ ما عملَها. 41فأنتم عاملونَ أنتم أعمالَ أبيكم." فقالوا له: "ما كنّا نحنُ من الزنى، أبٌ واحدٌ هو لنا، الله." 42فقالَ لهم يسوع: "لو اللهُ كان أباكم، لكنتم مُحبِّينَ لي، لأنّي أنا من الله خرجتُ وأتيتُ، وما أتيتُ من تلقاءِ نفسي، بل هو أرسلَني. 43ولماذا أنتم غيرُ فاهمينَ كلامي؟ لأنَّكم غيرُ قادرينَ أنتم أن تسمعوا كلامي. 44أنتم من أبٍ هو الثلاّبُ، أنتم. وشهوةَ أبيكم تريدونَ أنتم أن تعملوا، ذاك الذي هو من البدءِ قاتلُ الناسِ، وفي الحقِّ لا يقومُ لأنَّ الحقَّ ليس فيه. متى هو مُتكلِّمٌ بالكذب، فمن عندِه هو مُتكلِّم، لأنَّه دجّالٌ هو وأبوهُ أيضًا. 45وأمّا أنا، فلأنّي مُتكلِّمٌ بالحقِّ أنا، أنتم لا مؤمنون بي. 46من منكم يوبِّخُني على خطيئة؟ وإذا بالحقِّ مُتكلِّم أنا، فلماذا أنتم لا تؤمنون بي؟ 47فالذي هو من الله سامعٌ كلماتِ الله، لأجلِ ذلك، أنتم غيرُ سامعينَ أنتم، لأنَّكم لستم من الله." 48فأجابَ اليهودُ وقالوا له: "أما حسنًا نحنُ قائلون: سامريٌّ أنتَ وفيكَ شيطان." 49فقالَ لهم يسوع: "لا شيطانَ فيَّ، بل أنا موقِّرٌ أبي وأنتم مُحتقرون لي. 50فأنا غيرُ طالبٍ مجدي، هناكَ طالبٌ ودائنٌ. 51آمين آمين أنا قائلٌ لكم: حافظُ كلامي لا يرى الموتَ للأبد." 52فقالَ له اليهود: "الآنَ عرفْنا أنَّ فيكَ شيطانًا. إبراهيمُ مات، والأنبياءُ (ماتوا)، وأنتَ قائلٌ أنت: حافظُ كلامي لا يذوقُ الموتَ للأبد. 53أتُرى أنتَ أعظمُ من أبينا إبراهيم الذي مات، ومن الأنبياءِ الذين ماتوا؟ فمَنْ جاعلٌ أنتَ نفسَك؟" 54فقالَ لهم يسوع: "إذا أنا مُمجِّدٌ نفسي أنا، ما كان مجدي شيئًا. يُوجَدُ أبي الذي يُمجِّدُني، وهو ذاكَ الذي أنتم قائلون: "إلهُنا هو." 55ولا عرفتموه. أمّا أنا فعارفٌ أنا إيّاه. وإذا قلتُ أنا إنّي غيرُ عارفٍ إيّاهُ أنا، كنتُ أنا كاذبًا مثلَكم. لكنّي أنا عارفُه، وكلامَهُ حافظٌ أنا. 56كانَ إبراهيمُ أبوكم مُشتهيًا أن يرى يومي، فرأى وفرح.

*  *  *

في حفلة العماد، يطلب المعمِّد من العرَّاب والعرّابة أن ينظرا إلى الغرب، إلى حيث تغرب الشمس وتترك الظلام يحلُّ بنا. كلُّ هذا رمز إلى غياب المسيح. ويدعونا المعمِّد أن نردِّد "أكفر بكَ أيُّها الشيطان". لماذا هذا الكلام بالنسبة إلى طفل لا يقدر أن يتكلَّم ولا أن يعبِّر عمَّا في قلبه؟ ولماذا الكلام على الشيطان في هذه الحفلة الفرِحة؟

أوّلاً، المعمَّد لا يأتي وحده. بل يحمل معه الكنيسة التي تحمله بدورها. فعلى المؤمنين من والدين وأقارب وأصدقاء ومشاركين، أن يكفروا بالشيطان باسم هذا الطفل الذي يستطيع عندئذٍ أن يدخل إلى كنيسته بارتياح. فالشيطان هو ذاك الذي يحاول أن يعرقل مسيرة الإنسان نحو الله. يضع الحواجز، يُكبِّر الصعوبات ويُثبِّط الهمم. والشيطان كما قال لنا يسوع "يكذب، والكذب في طبعه لأنَّه كذَّاب وأبو الكذب" (يو 8: 44). وقال يسوع: "ما ثبت على الحقّ، لأنَّ لا حقَّ فيه". هذا يعني أنَّه كليًّا ضدُّ يسوع الذي هو "الطريق والحقُّ والحياة".

والشيطان هو الذي أضلَّ حوّاء، كذب عليها وعلى آدم: إذا تجاوزتما وصيَّة الله تصيران مثل الله. تقرِّران ما هو خير وما هو شرٌّ بالنسبة إليكما. وعندما يصبح الإنسان "إلهًا"، يعتبر أنَّ الله غير موجود، فيتصرَّف كما يشاء، ويأكل القويُّ الضعيف، ويسحق الغنيُّ الفقير. منذ البداية، تُعبَّد الطريق أمام المولود الجديد. هكذا بدأت حياة يسوع العلنيَّة. حاول الشيطان أن يُزيحه عن رسالته. قال له يسوع: "ابتعدْ عنّي يا شيطان" (مت 4: 10).

ثانيًا، هذا الكفر بالشيطان والعزم على الابتعاد عنه، يزرع في قلب الطفل بغض الشرِّ والخطيئة. وهذا البغض ينمو يومًا بعد يوم بقدر نموِّه في النعمة. وفي أيِّ حال، هي خطوة سلبيَّة: نبتعد، نكفر، ننكر تعلُّقَنا بالشّرِّ، وإذ نحن الكبار نعلن باسم هذا الطفل (أو الطفلة) أنَّنا نكفر بالشيطان، نؤكِّد أنَّنا نكون مثالاً لأولادنا، فيرون فينا مثالاً يقتدون به. إن نحن نعمِّد الإنسان طفلاً، فلأنَّنا نجعله في محيط مسيحيّ، فنهتمُّ به على مستوى الجسد كما على مستوى الروح.  نحن مسؤولون عن نموِّه فنُبعد عنه منذ الولادة كلَّ ما يُعيق هذا النموّ.

 


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM