المعموديّة استنارة

من إنجيل ربّنا يسوع المسيح للقدّيس يوحنّا (9: 24-38)

 

24ودعوا (= الفرّيسيُّون) مرَّة ثانية ذاك الرجل الذي كان أعمى، وقالوا له: "مجِّدِ الله!" فنحنُ عارفون نحنُ أنَّ هذا الرجلَ خاطئ." 25فأجابَ هو وقالَ لهم: "إذا هو خاطئ، فأنا غير عارف، ولكنِّي أنا عارف واحدة، وهي أنّي كنتُ أعمى وها أنا الآنَ مُبصِر." 26فقالوا له أيضًا: "ماذا صنع لك؟ كيف فتحَ لكَ عينيك!؟" 27فقالَ لهم: "قلتُ لكم وما سمعتُم. لماذا أنتم أيضًا مريدونَ السماع؟ ألعلَّكم أنتم أيضًا مُريدونَ أنتم أن تكونوا تلاميذَ له؟" 28أمّا هم فشتموهُ وقالوا له: "أنت هو تلميذُ ذاك. أمّا نحنُ فتلاميذُ موسى نحن. 29وعارفونَ نحنُ أنَّ الله تكلَّم مع موسى. أمّا هذا فما نحن عارفون من أينَ هو." 30فأجابَ ذلك الرجلِ وقالَ لهم: "إذًا، في هذا العجب! أنتم غير عارفين من أينَ هو وعينيَّ أنا فتح. 31فنحن عارفون أنَّ اللهَ غيرُ سامعٍ لصَوتِ الخطأة، بل هو سامعٌ لذلك الخائفِ منه والعاملِ مشيئتَه. 32منذ الدهر ما سُمعَ أن فتحَ إنسانٌ عيني من وُلد أعمى. 33لو أنَّ هذا ما كانَ من الله، ما كان قادرًا أن يصنعَ هذا." 34فأجابوا قائلينَ له: "أنتَ كلُّك في الخطايا وُلدتَ، وأنت مُعلِّم لنا أنت." وأخرجوه إلى الخارج.

35وسمعَ يسوعُ أنَّهم أخرجوه إلى الخارج، فوجدَهُ وقالَ له: "أنت مؤمنٌ أنتَ بابنِ الله؟" 36فأجابَ ذلك الذي شُفيَ وقال: "ومَن هو يا سيِّدي لأؤمنَ به؟" 37فقالَ له يسوع: "رأيتَه وهو ذاكَ المتكلِّم معك." 38أمّا هو فقالَ: "مؤمنٌ أنا، يا سيِّدي." وسقطَ وسجدَ له.

*  *  *

قبل شفاء الأعمى منذ مولده، قال يسوع: "ما دمتُ في العالم، أنا نور العالم" (يو 9: 5). ثمّ طلا عينَي الأعمى بالطين (آ6). أهكذا يستطيع أن يرى هذا الرجل؟ ولكن سيأتيه النور مضاعَفًا. من جهة سوف يرى، وهذا أمر لا يصدِّقه الناس. رفض الفريسيُّون أن يقتنعوا بما قاله لهم، وهو ما أراد أن يعلن أنَّ يسوع هو "خاطئ". ما نلاحظ في هذا المشهد هو مسيرة هذا الأعمى. قال: "كنتُ أعمى والآن أبصر" (آ25)، ثمّ "هو فتح عينيَّ" (آ30). وبعد ذلك "الله يستجيب مَن يعمل مشيئته". ثمّ "لو لم يكن هذا من الله، لَما استطاع أن يفعل شيئًا" (آ33). وفي النهاية، نال هذا الأعمى ملء النور، أمّا الفرّيسيّون، ففضّلوا أن يلبثوا عميانًا وهم يعتبرون أنَّهم يبصرون.

ذاك ما طلب الرسول لجماعة أفسس "أن ينير الربّ عيون قلوبكم" (1: 18) أو يفتح نوره على قلوبكم" رج مز 13: 4؛ 19: 19 (وينير العينين). في هذا المجال يقدِّم لنا الرسول نشيدًا ليتورجيًّا يقول: "استيقظ أيّها النائم وقمْ من بين الأموات فيضيء المسيح لك" (أف 5: 14). نشيد يستلهم إشعيا: "قومي (يا أورشليم) استنيري (وأنيري) لأنَّ نوركِ جاء، ومجد الربّ أشرق عليكِ (60: 1).

أمّا المقطع الأساسيّ الذي يقدِّم لنا أسرار التنشئة، أي المعموديَّة والتثبيت والقربان المقدَّس، مع القول بأنّ المعموديّة هي استنارة، فنقرأه في الرسالة إلى العبرانيّين: "لأنّ الذين أُنيروا مرَّة، وذاقوا الموهبة السماويّة، وجُعِلوا مشتركين في الروح القدس. وذاقوا كلمة الله الطيّبة وقوّات الدهر الآتي، ثمَّ سقطوا، لا يمكنهم أن يتجدَّدوا ثانيةً..." هو نور الإيمان، الذي صار أمرًا ملموسًا في المعموديّة، فجعلَنا نسير في طريق الربِّ كما يقول مز 119: "كلامكَ مصباحٌ لخطاي ونورٌ لسبيلي". فنحن نرى ما لا يُرى بعد أن استنرْنا. عندئذٍ نفهم أنّ الموهبة التي نتذوَّقها، هي جسد المسيح ودمه اللذين يشترك فيهما المعمّد الجديد. والسرّ الثالث هو التثبيت ونوال الروح القدس.

 

كلُّ هذا يتمّ في قلب كلمة الله الطيّبة التي تجعلنا نقول مع المزمور: "ذوقوا وانظروا ما أطيب الربّ. طوبى للمتّكلين عليه".

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM