المعموديّة

من إنجيل ربِّنا يسوع المسيح للقدّيس مرقس (10: 35-40)

 

35فاقتربَ لدَيه يعقوبُ ويوحنّا ابنا زبدى وقالا له: “يا مُعلِّمُ، مُريدان نحنُ أن تَصنعَ لنا كلَّ ما نسأل.” 36فقال لهما: “ماذا أنتما مُريدان أنْ أصنعَ لكما؟” 37فقالا له: “هبْ لنا أن يَجلِسَ الواحدُ عن يمينِكَ والواحدُ عن شمالِكَ في مَجدِك.” 38أمّا هو فقالَ لهما: “أنتما لا عارفان ماذا أنتما سائِلان. أقادران أنتما أن تَشربا الكأسَ التي أنا شاربٌ، وأن تَعتمدا المعموديَّةَ التي أنا مُعتمِدٌ؟” 39قالا له: “قادران نحن.” فقال لهما يسوعُ: “الكأسَ التي أنا شاربٌ، تشربان، والمعموديَّةَ التي أنا مُعتمدٌ تَعتمدان، 40أمّا أن تَجلِسا عن يميني وعن شمالي فهذا ما كان خاصَّتي لأهبَه، بل للذينَ هو مُعَدٌّ لهم.”

*  *  *

اعتدنا أن نقول: اعتمد، أي استند واتَّكل. ثمَّ عمَّد وتعمّد أي: قصد. والعماد: ما يُسند عليه. وعميد القوم أي سيّدهم وسندهم. فجاء الفعل السريانيّ "ع م د" الذي يعني غاص في الماء، نزل، انغمس واستحمَّ. ونكاد نقول: غرق. ومن هذا الفعل أخذنا العماد والمعموديّة. الخوري عمَّد فلان، أي غطَّسه في الماء. والمؤمن اعتمد وتعمّدـ، أي نال سرَّ العماد المقدّس. هذا يقابل اليونانيّ Baptismo: غطس. نحن هنا في إطار الكتاب المقدّس مع العالمين اليهوديّ والمسيحيّ. مثلاً نقرأ عن نعمان قائد جيش أرام أنَّه مضى إلى إليشع النبيّ ليشفيه من برصه. فأرسل إليه النبيّ من يقول له: "اذهب إلى الأردنّ واغتسلْ سبعَ مرّات فيتعافى لحمك" (2 مل 5: 10). عندئذٍ "نزل نعمان إلى الأردنّ وفي مائه غطس سبع مرّات" (آ14). وفي مر 10: 38 قال يسوع ليعقوب ويوحنّا اللذين طلبا أن يكونا، الواحد عن يمين الربِّ في ملكه، والآخر عن شماله: "أتستطيعان أن تصطبغا الصبغة التي أصطبغها؟" والفعل يعني انغمس في الماء. وعنت "الصبغةُ" المعموديّة.

نتذكَّر هنا أنّ العالم اليهوديّ عرف استعمال الماء من أجل التطهير الطقسيّ. فالأبرص بعد أن "يتطهَّر" أي يتنقَّى من البرص "يغسل ثيابه ويستحمُّ (أو: يغتسل) فيطهر" (لا 14: 8). وفي اليوم السابع، يعود فيغسل ثيابه ويغتسل. عندئذٍ يصبح طاهرًا (آ9)، أي يتعافى من البرص.

وجماعة قمران، قرب البحر الميت، اعتادوا على الاغتسال اليوميِّ رغبةً في الطهارة والنقاوة: "يتواضع نفسه تجاه كلّ فرائض الله، يطهر لحمه حين يُرشُّ عليه الماء ويتقدَّس في المياه الجارية". ثمّ إنَّ طالبي الدخول في شعب الله من الوثنيّين كانوا يغسلون في ما يُسمَّى معموديّة قبل الختان.

فالاغتسال بالماء قبل الشروع في إقامة الصلاة أمر معروف في جميع الديانات، شرقًا وغربًا. من جهة هي النظافة قبل الدخول إلى المعبد، لاسيَّما غسل الرجلين اللتين تكونان التقطتا من غبار الطريق. ذاك كان طقس الدخول إلى البيت، كلّ بيت: يُعطى الماء للضيف فيغسل رجليه. ذاك ما قال إبراهيم لضيوفه: "دعني أقدّم لكم قليلاً من الماء فتغسلون أرجلكم" (تك 18: 4). فإذا كان الاغتسال ضروريًّا للدخول إلى بيت من البيوت، فكم بالأحرى للدخول إلى المعبد. ويطأ المؤمن الأرض حافي الرِّجلين. لهذا صنع سليمان "بحر النحاس" على باب الهيكل. أي ذاك الحوض الكبير (1 مل 7: 23). وفي المسيحيّة بقي الماء المبارك الذي يوضع في جرن عند باب الكنيسة، يأخذ المؤمن منه ويضع على جبينه ويرسم إشارة الصليب قبل الدخول: علامة النقاوة والتذكُّر بأنَّه اعتمد وأنَّ المعموديّة تسمح له بالدخول والمشاركة في القدّاس الإلهيّ، وفي مائدة الخبز والخمر.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM