السرّ من البدايات إلى العهد الجديد

فصل من رسالة القدّيس بولس الرسول إلى أهل كولوسّي (1: 9-29)

 

9من أجلِ هذا نحنُ أيضًا من يومَ سمعْنا، غيرُ ساكنينَ عن الصلاةِ لأجلِكم والسؤالِ بحيثُ تمتلئون من معرفةِ مشيئةِ الله بكلِّ حكمةٍ وبكلِّ فهمِ الروح. 10وهكذا تسلكونَ كما هو لائقٌ وتحسنونَ لله في كلِّ الأعمالِ الصالحة، وتهبونَ ثمارًا، وتُربُّون في معرفة الله. 11وبكلِّ قوَّةٍ تتقوَّون بحسبِ عظمةِ مجدِه بكلِّ صبرٍ وبأناةِ الروحِ وبالفرح، 12تشكرونَ اللهَ الآبَ الذي أهَّلنا لحصَّةِ ميراثِ القدّيسين في النور، 13وخلَّصَنا من سلطانِ الظلمةِ وأتى بنا إلى ملكوتِ ابنِه الحبيب. 14ذاك الذي لنا به الخلاصُ وغفرانُ الخطايا، 15ذاك الذي هو شبهُ الله اللامنظور وبكرُ الخلائقِ كلِّها. 16وبه خُلقَ كلُّ شيء في السماء وفي الأرض، كلُّ ما هو منظور وكلُّ ما هو لا منظور، إن عروشٌ أو سيادات، إن رئاسات، إن سلاطين، كلُّ شيء هو بيدِه، وبه خُلِقَ. 17وهو الذي هو قدّامَ الكلّ، وبه كلُّ شيء قائمٌ هو. 18وهو هو رأسُ جسدِ الكنيسة، الذي هو الرأسُ والبكرُ الذي من بينِ الأمواتِ ليكونَ الأوَّلَ في الكلِّ. 19الذي به أراد (اللهُ) الملءَ كلَّه لكي يسكنَ 20ولكي يصالحَ بيدِه لنفسِه كلَّ شيء. وأمَّنَ بدمِ صليبِه، بيديه، إن ما في الأرضِ وإن ما في السماء. 21وأنتم أيضًا الذين كنتم من قديمٍ غرباء وأعداءَ بأفكارِكم بسببِ أعمالِكم السيِّئة، أمَّنكم الآنَ، 22بجسدِه البشريِّ وبموتِه لكي يقيمَكم قدَّامَه قدّيسينَ بلا عيبٍ ولا لوم. 23إذا تثبتونَ في إيمانِكم وأساسُكم راسخٌ وأنتم لا تُزعزعون عن رجاء الإنجيل، ذاك الذي سمعتم أنَّه كُرزَ في الخليقةِ كلِّها التي تحتَ السماء، ذاك الذي أنا بولسُ صرتُ خادمَه. 24وفارحٌ أنا بالآلامِ التي من أجلِكم، ومالئ أنا نقصَ مضايقِ المسيحِ في لحمي لأجلِ جسدِه الذي هو الكنيسة. 25تلك التي صرتُ أنا خادمَها بحسبِ تدبيرِ الله الذي وُهبَ لي فيكم، لكي أكملَ كلمةَ الله. 26ذاك السرَّ الذي كان مكتومًا من العوالمِ ومن الأجيال، أمّا الآنَ فانجلى لقدّيسيه. 27لهؤلاء الذين شاءَ اللهُ أن يعرِّفهم ما هو غنى مجدِ السرِّ هذا في الشعوبِ الذي هو المسيحُ الذي هو رجاءُ مجدِنا. 28ذاك الذي نحنُ كارزونَ ومعلِّمونَ ومفهمونَ كلَّ إنسانٍ بكلِّ حكمةٍ لكي نقيمَ كلَّ إنسان وهو كاملٌ في يسوعَ المسيح. 29في هذه أيضًا أنا عاملٌ وأنا مجاهدٌ بمساعدةِ القوَّة الموهوبةِ لي.

*  *  *

"السرّ" أو "ميستِريون" بدأ مع الأسفار التي وصلتنا من اليونانيّة، مثل طوبيّا، يهوديت، المكابيّين الثاني، الحكمة. وكذلك في حكمة ابن سيراخ مع موضوع "إحشاء السرّ" (27: 16، 17، 21). أمّا في سفر دانيال فهو يفسّر لفظ "رُزُا". نقرأ في 2: 18: "وكان أن انكشف السرّ لدانيال في رؤيا ليل، فبارك إله السماء". وفي آ27: "السرّ الذي تسأل عنه أيّها الملك، لا يقدر الحكماء ولا، ولا... لكن في السماء إله يكشف الأسرار فأعلمكَ بما سيكون بعد هذه الأيّام" (آ28). في هذا الخطّ جاءت نصوص العهد الجديد.

أوّلاً، ترتبط الأسرار بالأحداث الآتية، ولاسيّما بنهاية الأزمنة (دا 2: 29): "الله الذي يكشف الأسرار أعلمكَ بسرِّ ما يكون". نتذكَّر أنَّ المعموديّة هي موت وقيامة مع يسوع. كما ننتظر مجيء الربّ في كلِّ قدّاس: "نذكر موتكَ وقيامتك، وننتظر مجيئك". ثانيًا، الأسرار هي إلهيّة، يعني أنّها تتطلّع إلى قرارات الله الأبديّة. وهو وحده يعرِّفنا بها بواسطة الوحي. ثالثًا: ينعم بها فقط، أولئك الذين اختارهم، لا حكماء هذا العالم ولا السحرة ولا المنجِّمون... (دا 2: 27) "قال الملك لدانيال: إلهكم هو إله الآلهة حقًّا وربّ الملوك لأنّكَ قدرت أن تكشف هذا السرّ" (آ47).

في العهد الجديد، نقرأ وحيًا في نقطة محدّدة: "لا أريد أيّها الأخوة، أن تجهلوا هذا السرّ" (رو 11: 25). هذا السرّ هو دعوة الأمم إلى الإنجيل. وأوحيَ للرسول: "لا نموت كلّنا، بل نتغيّر كلّنا" (1 كو 15: 51). لا يموت كلُّ شيء فينا. فقط اللحم والدم لا يرثان ملكوت الله. أمّا المؤمن فيأخذ جسدًا ممجَّدًا غير الجسد الذي لبسه على هذه الأرض.

تحدّث دا 2 عن أحداث سوف تأتي. أمّا موضوع السرّ الرئيسيّ في العهد الجديد، فهو يسوع المسيح: "أراد الله (لقدّيسيه) أن يعرفوا كم كان هذا السرُّ غنيًّا ومجيدًا، أي أنَّ المسيح فيكم، وهو رجاء المجد" (كو 1: 27). فخدمتُه وموته على الصليب، وقيامته المعلنة كإنجيل، كشفت بشكلٍ لا يُصدَّق مشروع الله الخلاصيّ. كلّ هذا هو تسبيق لنهاية الأزمنة. فننشد في النؤمن: "وأيضًا يأتي بمجدٍ عظيم".

 


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM