يوسف في مصر

قراءة من سفر التكوين (37: 26-28، 36)

26فقالَ يهوذا لإخوتِه: «ما الفائدةُ إنْ قتَلْنا أخانا وسَفَكْنا دمَه؟ 27تَعالَوا نَبيعُهُ للعربانِ بحيثُ لا تكونُ أيدينا فيه، لأنَّه أخونا ولحمُنا.» فسَمِعَ منه إخوتُه. 28وعبَرَ الرجالُ، وهم تُجَّارٌ مِديانيُّون. فاجتَذَبَ (الإخوةُ) يوسَفَ وأصعدوهُ من الجبِّ. وباعوا يوسُفَ للعُربانِ بعِشرينَ فِضَّة. فأتى بهِ (العربانُ) إلى مِصرَ...

36والمديانيُّون باعوه في مِصرَ لِفوطيفارَ الخصِيِّ، رَئيسِ شُرطَةِ فِرعَون.

*  *  *

مصر في سفر الخروج، بل في تاريخ الخلاص البيبليّ، هي أرض العبوديَّة. هناك بدأ الشعب العبرانيّ يعمل لحساب فرعون وأبنتيه. بل كانوا "يعبدون" فرعون، واسمه يعني صاحبَ البيت الكبير. وحين أحسُّوا بالضيق من قِبَل هذا الملك كادوا يُنكرون موسى. فعند الفرعون، نأكل ونشرب. مصر هي أرض الخيرات، وخصوصًا أنَّ فيها نهر النيل، نهر النور والحياة. إلى هناك مضى إبراهيم وعاد "غنيًّا". ولكن ما كان ثمن هذا الغنى؟ أمّا إسحاق فأوصاه الله ألاَّ ينزل إلى مصر. وما زرعه في سنة القحط كان مئة ضعف. أمّا يعقوب فنزل مع كلِّ عياله في عدد كامل: كانوا سبعين شخصًا، ولكنَّهم تكاثروا وتكاثروا.

من جاء بيعقوب إلى مصر؟ يوسف. وصل إليها عبدًا بعد أن اشتراه الإسماعيليُّون، فخدم لدى فوطيفار بانتظار أن يصبح الرجل الثاني في مصر، بعد فرعون. ولكنَّه في النهاية، ما أراد أن يلبث في مصر، فقال لإخوته، ساعة موته: "أنا أموت، والله يفتقدكم ويصعدكم من هذه الأرض... تصعدون عظامي من هنا" (تك 50: 24-25).

البقاء في مصر، في المعنى الروحيّ، بقاء مع الأصنام التي كانت كثيرة. ومنها ما كان وجهُه وجهَ حيوان. لهذا تروي الروايات المنحولة أنَّ يوسف حين أتى مصر مع مريم والطفل، سقطت الأصنام في أرض مصر. أمّا يوسف خطّيب مريم، فمضى إلى مصر إطاعة للربّ وهربًا من خطر يشكّله هيرودس.

ما إن مضى المجوس، حتَّى "ظهر ملاك الربّ ليوسف في حلم وقال له: "قمْ وخذ الصبيّ واهرب إلى مصر" (مت 2: 13). وواصل كلامه: "وكن هناك حتَّى أقول لك". ولكن هل يبقى يوسف في مصر، أم ينتظر نداء الملاك؟ كلاّ. وبعد موت هيرودس، سمع يوسف أيضًا نداء ملاك الربّ: "اذهب إلى أرض إسرائيل" (آ19-20).

يروي سفر التكوين أنَّ يعقوب نزل إلى مصر، بعد أن قدَّم ذبائح للربّ وسأله، فأجابه: "لا تخف من النزول إلى مصر... أنا أنزل معك إلى مصر وأنا أُصعدك أيضًا" (تك 46: 4). ولكنَّ يعقوب مات في مصر، شأنه شأن ابنه يوسف. أمّا يوسف خطّيب مريم فـ"انصرف إلى نواحي الجليل، وأتى وسكن في مدينة يُقال لها الناصرة" (مت 2: 22-23). هو تاريخ الله في البشر يتكرَّر، ولكن في كلِّ مرَّة يكون أغنى من سابقتها. راح يسوع إلى مصر فقدَّسها وهو طفل، بانتظار أن يمضي رسله ويزرعوا الصليب فيها.

 

أطعم يوسف مصر وإخوته

بما أنَّ يوسف نجح في تفسير أحلام فرعون، حُرِّر من السجن ودُعيَ وكيل مصر! وهناك، في سنة الوفر جمعَ الحنطة ليكون له أن يوزّع في زمن الجوع. وكان يوسف عند ذاك ابن ثلاثين سنة.

من هذه الوجهات المتنوّعة، بدا يوسفُ صورة عن المخلّص. ويسوع، هو أيضًا، كان ابن ثلاثين سنة تقريبًا في بداياته (لو 3: 23). ومثل يوسفَ ثانٍ جمع القمح، ولكنَّ حنطته لم تكن من طبيعة الحنطة التي تجمع في مصر، في ما مضى: هو كان القمحَ الحقيقيّ الآتي من العلى. وضعه جانبًا في زمن الوفر ليوزّعه حين تسودُ المجاعةُ في مصر، "لا الجوع إلى الخبز ولا العطش إلى الماء، بل الجوع لاستماع كلام الله" (عا 8: 11).

أوريجان (في آخر السطر وليس في أوَّله)


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM