يوسف، رجل الأحلام

قراءة من سفر التكوين (37: 5-11)

5وحلِمَ يوسفُ حُلمًا وأخبرَه لإخوتِه فازْدادوا أيضًا بُغضًا لَهُ. 6قالَ لهم: «اسْمَعوا هذا الحُلمَ الذي حلِمْتُ: 7إذْ نحنُ نَربِطُ الحزَمَ في وسَطِ الحقل، ها قامَتْ حِزْمَتي وانْتَصبَتْ وها حِزَمُكم أحاطَتْ بحِزْمَتي وسَجَدَتْ لها.» 8فقالَ لَهُ إخوتُهُ: «أمُلكًا تَملكُ علينا وتَسلُّطًا تَتسلَّطُ علينا؟» وزادوا أيضًا بُغضًا لَهُ بسببِ أحلاِمِه وكلامِه.

9وحلِمَ أيضًا حُلْمًا آخَر. رواهُ لإخوتِه فقالَ لهم: «هذا أيضًا حُلمٌ حَلِمتُه: ها الشمسُ والقمرُ وأحدَ عشَرَ كوكبًا كانوا ساجِدينَ لي.» 10وروى هذا لأبيه ولإخوتِه. فزَجرَهُ أبوه وقالَ لَهُ: «ما هذا الحلْمُ الذي حلِمْتَ؟ أنَجيءُ حقًّا أنا وأمُّكَ وإخوتُك ونَسجُدُ لك إلى الأرض؟» 11وغارَ منه إخوتُه، وكان أبوه يَحفَظُ هذه الأقوالَ (في قلبِه).

*  *  *

الأحلام عندنا تفسَّر بألف طريقة وطريقة. أمّا في الكتاب المقدَّس، فالحلم هو عادة، نداء من الله. هو يتمُّ في صمت الليل. يكون الفم ساكتًا. والقلب "نائمًا"، بل مستيقظًا كما قالت عروس نشيد الأناشيد. والكتاب يقدّم الأحلام ليرينا أنَّ الله ينظر إلى أبعد من الإنسان. والأمثلة عديدة. فناتان النبيّ أعطى جوابًا سريعًا لداود الذي أراد أن يبني لله بيتًا. أتاه الله في الليل، وطلب منه أن يصحّح مقاله، فلا يتوقَّف عند بيت (أو هيكل) بأثمن حجارة، بل عندَ نسل سوف يصل في النهاية إلى يسوع المسيح، ابن داود.

وفي حياة يوسف بن يعقوب، بدأ الخبر في سفر التكوين بأحلام حلمها هذا الصبيّ: "وحلم يوسف حلمًا وأخبر إخوته" (تك 37: 5): حِزمُ إخوته سجدت لحزمته. ثمَّ "حلم حلمًا آخر... الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا ساجدة له" (آ9). وهذا في الواقع، ما يحصل حين ينتقل يوسف من العبوديَّة التي زجَّه فيها إخوته، إلى المركز الأوَّل بعد فرعون في مصر.

وكان الحلم علامة كلام الله مع يوسف، سواء يوم كان في السحن مع ساقي الملك وخبَّازه (تك 40) أو أمام فرعون "يفسّر له أحلامه". وهكذا رأى يوسف في الليل مخطَّط الله، وفرح بالدخول فيه.

ويوسف خطّيب مريم، وأبو يسوع بالتربية. جاءه الربُّ في الحلم. هو مضطرب، ضائع! ماذا يفعل؟ أحسَّ أنَّه في غير محلّه مع هذه الكلّيَّة القداسة ومَن تحمل في حشاها. في سكون الليل أتاه الربّ. كلَّمه. أفهمه المشروع الذي ينبغي الدخول فيه: "إنَّ الذي حُبل به (أي يسوع) فيها (أي في مريم) هو من الروح القدس" (مت 1: 20). ماذا تقول؟ بشريًّا، هذا أمرٌ لا يفهمه أحد ولن يستطيع أحدٌ أن يفهمه. ماذا؟ امرأة حبلى من الروح القدس. هو عمل إلهيّ لا عمل بشريّ. الروح كوَّن هذا الابن الذي سيكون يوسفُ أباه.

وهكذا اعتاد الربُّ أن يكلّم يوسف في الحلم. لا بالنسبة إلى الحبل الإلهيّ فقط بل بالنسبة إلى الهروب إلى مصر. ثمَّ العودة إلى الناصرة. مرَّة أولى: "قُمْ وخذ الصبيّ وأمَّه واهرب إلى مصر" (2: 13). ومرَّة ثانية "ظهر له ملاك الربُّ في الحلم... قائلاً: "قُمْ وخذ الصبيّ وأمَّه واذهب إلى أرض إسرائيل" (آ19-20).

في هذا المناخ، يسمع يوسف وينفّذ حالاً. هو ما شكَّ دقيقة واحدة أنَّ الربَّ هو الذي يكلّمه، وأنَّه ليس أمام أضغاث أحلام. لهذا حين قيل له: "قمْ"، قام في الحال. وحين قيل له: "اذهب"، ذهب في الحال. وإذ لم يعرف إلى أين يمضي، إلى بيت لحم أو الناصرة، جاءه كلام في الحلم "فانصرف إلى نواحي الجليل" (آ22).


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM