الخاتمة

بعد سنة أولى من كلام الله كما نسمعه بعد قراءة الكتب المقدَّسة وفي رأسها الإنجيل، ها نحن نقدِّم سنة ثانية. ونأمل أن تكون تأمُّلات السنة الثانية مختلفة عمَّا كُتب في السنة الأولى. قال لي مرَّة أحد المؤمنين، في عيد مار الياس لدى الراهبات الأنطونيَّات في غزير: "أنا أتذكَّر ما قُلتَه لنا في السنة الماضية. فماذا تقول لنا هذه السنة؟ هل تقرأ ما كتبتَه من بضع سنوات مثل بعض أساتذة الجامعة؟ كتب الدراسة وهو يقرأها سنة بعد سنة. وربَّما يورثها لمن جاء بعده." وهكذا يكون التقليد الذي هو كلمة الله الحيَّة، مسيرة نملٍ لا نبدِّل في كلامنا شيئًا ولا نجسر أن "ننتزح إلى العمق"، كما قال لنا البابا يوحنّا بولس الثاني، الذي رُفع مؤخَّرًا على المذابح مع البابا يوحنّا الثالث والعشرين. فهذا، حين أَطلق المجمع الفاتيكانيّ وكان ابن ثمانٍ وسبعين سنة، قلَب العديدون شفاههم. ماذا سيكون من هذا المجمع؟ وأعدَّ بعض الكرادلة النصوص واعتبروا أنَّ الأمر لا يتجاوز بضعة أيَّام. أرادوا أن يلبثوا على الأرض الثابتة. أمّا البابا يوحنّا الثالث والعشرون فعمل "مع الروح القدس" وحطَّم الأبواب والنوافذ كما حصل يوم العنصرة.

لا تقليد ميتًا. لا تكرار وتكرار بحيث يحسب الناس أنَّ نار الروح القدس انطفأت. لا. هي ما انطفأت. بل جعلناها تحت وعاء بحيث لا يراها أحد. اشترى منِّي مهندس عددًا من شروح الكتاب المقدَّس وجعلها في مكتبه. فرحَ الرسَّام الذي يعمل معه. وقال له: ليعرف شهود يهوه ما عندنا. فأجابه المهندس: السلاح هو لنا وهو في يدنا ولكنَّنا لا نستعمله، أمّا هم فيأخذون منَّا سلاحنا، الإنجيل، ويحاربوننا وينتصرون على صغار النفوس أو الضائعين في هذا العالم. القضيَّة ليست قضيَّة فقْر في الكتب والمراجع، بل قضيَّة كسل. نقصت الهمَّة واعتبرنا أنَّنا "نعرف"، وعمليًّا نحن لا نعرف وتلك خطيئتنا الكبرى، ولاسيَّما حين نريد أن "نعلِّم". ويا ويلنا! ماذا نسمع من تعليم؟ تعليم مشوَّه، ضالّ، فيه نريد أن نبشِّر بأنفسنا لا بالربّ. فنفعل عكس ما قاله الرسول.

سألتُ مرَّة طلاَّبًا يستعدُّون للكهنوت: إذا أتاكم شهود يهوه أو غيرهم من الفِرق التي تحاول أن تضلِّل المؤمنين، هل تستطيعون مجابهتهم والردَّ عليهم؟ فكان الجواب المطلق، المحزن: كلاَّ. ما هذا الراعي الذي لا يستطيع أن يحمي رعيَّته من الذئاب الهاجمة من كلِّ حدب وصوب مع وسائل شيطانيَّة، من مال وغسل دماغ وأمور أخرى!

أُعطينا وزنات فأخفيناها. وسيأتينا الحكم القاسي من الربِّ يسوع: "أيُّها العبد الشرّير الكسلان." واهتمامنا بالتعليم هو آخر اهتمام لأنَّ لا منفعة منه. نردِّد الصلوات والاحتفالات ولا نعلِّم شعبنا. هم يفرحون حين نشرح لهم بعض الأمور. ويفرحون خصوصًا بعظة أعطتهم بعض الشيء من أجل حياتهم. ويتذمَّرون من كهنة يعيدون نصَّ الإنجيل في اللغة العامّيَّة بعد أن يكونوا قرأوه في الفصحى. وينزعجون من الذين يتوقَّفون عند القشور ويوبِّخون الرعيَّة ويرفعون الصوت الذي لا يحمل سوى الضجيج. هل نسمع ما يُقال عنَّا؟ هل نعرف أنَّ البعض يخرجون حين تبدأ العظة؟ وكثيرون من الذين يلبثون في الكنيسة إنَّما يلبثون أدبًا وكياسة وحفاظًا على المظاهر مثل الذين نجعلهم في الصفِّ الأوَّل خلال احتفالاتنا. حين كنَّا في جيورجيا سمعنا المؤمنين هناك يتكلَّمون عن شفارنازي "المؤمن" الذي كان وزير الخارجيَّة في الاتِّحاد السوفياتيّ وبعدها أضحى رئيس جمهوريَّة جيورجيا. الآن صار قدّيسًا، هكذا يراه الجميع! والكاهن يحاول أن يرضيه ويقدِّم له بعض المديح. فالفائدة هي من كلِّ نوع.

أمّا نحن فنعود إلى الإنجيل، نقرأه. وكلَّ مرَّة نقرأه يكون كأنَّنا نقرأُه للمرَّة الأولى. ونتوقَّف عند كلِّ آية، عند كلِّ كلمة. أيُّ غنى! في هذا الكتاب، قدَّمنا أكثر من عظة حول الإنجيل الواحد. هو الروح يعمل فينا. ويسوع يتكلَّم بفمنا. وقال لنا: "كلُّ كاتب في ملكوت الله يُخرج من ذخائره القديم والجديد." فماذا ننتظر لنمدَّ مائدة الكلمة قبل أن ندعو الناس إلى مائدة جسد المسيح ودمه!


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM