الابن الضالّ أو الأب المحبّ

الابن الضال (2 كو 13: 5-12؛ لو 15: 11-32)

 

11وقال لهم يسوع أيضًا: “رجل ما كانَ له ابنانِ اثنان. 12فقال له ابنُه الأصغر: "يا أبي، أعطِني قِسمَتي الواصلةَ لي من بيتِكَ." فقسمَ لهما مُقتناهُ. 13وبعد أيّامٍ قليلة، جمَعَ ابنُه ذاك الصغيرُ كلَّ شيء وصلَهُ وذهَبَ إلى مكانٍ بعيد، وهناك بدَّدَ مُقتناهُ بعدَ أن عاشَ مُبذِّرًا. 14وحين انتهى مِن كلِّ شيء كان له، كان جوعٌ عظيمٌ في المكانِ ذلك، 15فذهَبَ ولازمَ إنسانًا مِن أهلِ المدينةِ في ذلكِ المكان. وهو أرسلَهُ إلى القريةِ لرعايةِ الخنازير. 16وكان يَشتهي أن يملأَ بَطنَهُ مِن الخرّوبِ الذي كانَتِ الخنازيرُ آكلةً منه فما كان إنسانٌ يُعطيه. 17وإذ أتى لدى نفسِه قال: "كَمْ همُ الأجراءُ الآن في بيتِ أبي، الفاضلُ لهم الخبز، وأنا هنا لجوعي هالكٌ أنا." 18أقومُ وأذهبُ إلى أبي وأقولُ له: يا أبي، خطِئْتُ في السماء وقُدّامَكَ. 19ومنذُ الآن أنا غيرُ مُستحِقٍّ أن أُدعى ابنَكَ فاجعَلْني مِثلَ أجيرٍ مِن أجرائِكَ."

20وقام وأتى إلى بيتِه. وبينما هو بعيدٌ، رآه أبوه وتَرحَّم عليه وركَضَ فسقَطَ على عنقِهِ وقبَّلَه. 21فقالَ له ابنُه: "يا أبي، خطِئْتُ في السماء وقُدّامَكَ وأنا غيرُ مُستحِقٍّ أن أُدعى ابنَك." 22فقالَ أبوه لعبيدِه: "أَخرِجُوا الثوبَ الرئيسيَّ وألبسوه، وضَعُوا خاتَمًا في يدِه وأنعِلوه نَعلَين. 23وأتُوا بثورِ الفِطام واقتُلوهُ فنَأكُلَ ونَتلذَّذَ. 24فابْني هذا مَيتًا كانَ فعاشَ، وضائعًا كانَ فوُجِد." فشَرعوا يَتلذَّذون.

25أمّا ابنُهُ الكبيرُ فكانَ في القرية. وحين أتى واقترَبَ نحْوَ البيتِ سمِعَ صَوتَ غناءِ الكثيرين. 26فنادى غُلامًا مِنَ الغلمان وسألَه: "ما هو هذا؟" 27فقال له: "أخوك أتى فذبحَ له أبوك ثورَ الفِطام لأنَّه أقبَلَ إليه مُعافى." 28فغضِبَ وما أرادَ الدخول. فخرَجَ أبوه وطلَبَ منه. 29أمّا هو فقال لأبيه: "ها أنا عاملٌ لكَ وصانِعٌ كَمًّا مِنَ السنين وما تَجاوزتُ وصيَّتَكَ قَطُّ، وجَدْيًا واحدًا ما أعطَيْتَني لأتلذَّذَ بهِ معَ أصدقائي. 30أمّا ابنُكَ هذا، فإذْ طيَّرَ مُقتناك مع الزواني. وحينَ أتى، نَحرتَ له ثورَ الفِطام." 31فقال له أبوه: "يا ابْني، أنت معي في كلِّ حين، وكلُّ شيء لي هو لكَ. 32أما يَنبغي لنا أن نَتنعَّمَ ونَفرَحَ لأنَّ أخاكَ هذا كان ميتًا فعاشَ وكان ضائعًا فوُجِد؟"”

*  *  *

خبر نستطيع أن نقرأه على المستوى البشريّ: رجل عنده ابنان. ترك الأصغر البيت بعد أن أخذ حصَّته من الميراث. وعاد. كيف نريد للوالد أن يستقبله؟ بالتوبيخ والرفض ومنعه من العودة بعد أن شوَّه اسم العيلة! ولكن لا. هذا الرجل هو أب، وهو أمٌّ في الوقت عينه في ما فِعل: "تحنَّن" يعني "تحرَّكت أحشاؤه". هو ابنه ولا يستطيع إلاَّ أن يستقبله. أمّا الأخ الأكبر فأراد أن يعامل أخاه بما يستحقُّ. خطيئته كبيرة ولا يستحقُّ الغفران: بدَّد الثروة الوالديَّة. راح مع الزواني. رفض هذا الأخُ أخاه ولبث رافضًا.

هو مثَل حمله إلينا يسوع ليخبرنا من هو الآب السماويّ: هو من يعطينا حرِّيَّتنا إلى آخر الحدود. نبقى لديه فيكون كلُّ ما له لنا. حين أعطانا الله ابنه لم يترك شيئًا لذاته. أعطانا فيه كلَّ شيء. قال الرسول: "كيف لا يهبنا أيضًا معه كلَّ شيء" (رو 8: 32). هو من لا يُحاسب ولا يُعاتب. عاد ابنه الذي كان بعيدًا، فاستقبله أحلى استقبال. مواهب عديدة نالها لكي يستثمرها ولكنَّه بدَّدها. لم يسأله الآب. يكفي أنَّ ابنه عاد، وكما قال النبيّ: "ينسى الله كلَّ الشرِّ الذي نكون صنعناه." هي بداية جديدة، يقول فيها مز 51: "قلبًا نقيًّا اخلقْ فيَّ يا الله."

حين يُولَد ولد، يولمون له وليمة. والأب يعترف أنَّ ابنه وُلد اليوم. أو ما هو أسوأ من هذا: "كان ميتًا فعاش وضالاًّ فوُجد." لا عودة إلى الماضي، بل نبدأ اليوم. أعاد الأب لابنه، لكلِّ واحد منّا، الكرامة الأولى: هو حافٍ، عريان مثل أسير عاد من الحرب: أعطاه اللباس، الحذاء. وما يميِّز الابن هو "الخاتم". ما سأله: أين خاتمك الذي يدلُّ على هويَّتك؟ كيف أضعتَهُ؟ بل: أنت ابني وتبقى ابني ولك ما للأبناء. عاد إنسانًا بعد أن انحدر فصار يرعى الخنازير، هذه الحيوانات النجسة بالنسبة إلى اليهوديّ. والانحدار وصل به بأنَّه أراد أن يسابق الخنازير ليأكل بعض الخرُّوب. وها هو يتمنَّى أن يأكل "الخبز" الذي يفضل عن الأجراء في بيت أبيه.

أب محبٌّ تَظهر محبَّته بشكل خاصّ حين "يمرض" ابنه، حين يضلُّ الطريق ويترك بيت الآب. فالخاطئ له المكانة الأولى في قلب الآب، كما قال لنا يسوع. يعود خاطئ فيفرح به الآب السماويّ، وتفرح الملائكة. ونحن أما ينبغي لنا أن نفرح حين يعود خاطئ نعرفه ونرافقه حين يبدِّل حياته؟ أم نتمنَّى له الموت لأنَّه خاطئ، شرِّير، ربَّما لأنَّه أساء إلينا. فنريد أن ننتقم. لا، لا يريد الله موت الخاطئ، بل أن يعود عن ضلاله ويحيا. كذا قال حزقيال. ويسوع قال: ما جئت لأدعو الأبرار بل الخطأة. ما جئت لأجل الأصحّاء، بل لأجل المرضى.

*  *  *

رسالة القدِّيس بولس إلى أهل كورنتوس جعلتنا في قلب الثالوث حيث نسمع كلامًا يتردَّد في كلِّ قدَّاس: "نعمة ربِّنا يسوع المسيح ومحبَّة الله الآب وشركة الروح القدس".

- العودة إلى الله. نحن خطأة. هذا لا يعني أنَّنا قتلنا الكثيرين وسرقنا... بل نحن بحاجة إلى خلاص الله في كلِّ وقت. فالطريق أمامنا وليست وراءنا. إذًا نواصل السير عائدين كلَّ يوم إلى البيت الأبويّ. فنحن بحاجة لكي نواصل الطريق بالرغم من الصعوبات أو التجارب التي قد تهاجمنا. وإذا، لا سمح الله، شعرنا بنفوسنا أنَّنا اقترفنا خطيئة مميتة، لا نخاف من العودة، لأنَّنا نرى أبًا محبًّا ينتظرنا كما انتظر الأب ابنه الضالّ. ويا ما أجمل الاستقبال الذي يستقبلنا!

- نكون "عراة" مثل آدم بعد الخطيئة، فيُعطى لنا اللباس. أمّا أوَّل لباس فهو سرُّ المعموديَّة. "أنتم الذين بالمسيح اعتمدتم المسيحَ لبستم". نتذكَّر دومًا عمادنا الذي هو البذرة الأولى في حياتنا الروحيَّة. يجب أن تنمو وتنمو. فنحن لا نبدأ أبدًا من الصفر، بل من محطَّة توقَّفنا عندها، سقطنا. وبقوَّة المعموديَّة ننطلق من جديد متطلِّعين إلى صليب المسيح في هذا الصيام المبارك. وما أحلانا نقترب من سرِّ التوبة والاعتراف، فنحمل إلى الربِّ ما نحن وما معنا، ونأخذ من عنده القوَّة وتجديد عمادنا.

- نكون بلا "هويَّة". حافي الرجلين. لا خاتم يعرِّف عنّا. أستطيع أن أكون إنسانًا بين الناس الذين أعيش بينهم. لا أحد يعرفني! ولكن أنا مسيحيّ، مختوم بنعمة الروح القدس. لستُ أنا أيًّا كان. بل لي اسم عند الربّ. عندي تاريخ معه. أشبه الابن الضالّ الذي حين عاد لم يعتبر نفسه غريبًا. هو ابن البيت وهو عائد إلى البيت. هكذا جعله أبوه يشعر، وكان في قلب العيد بكلِّ بساطة.

 

تلك مسيرة كلِّ واحد منّا باتِّجاه الفصح المجيد فنتشوَّق إلى لقاء الآب السماويّ.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM