الغنيُّ الجاهل

قراءة من إنجيل القدِّيس لوقا (12: 16-21)

وقالَ مَثلاً لهم: “رجلٌ ما غنيّ أغلَّتْ له أرضُهُ غلاّتٍ كثيرات. ومُفكِّرًا كان في نفسِه: "ماذا أصنعُ وليس لي مَوضعُ أخزِنُ غلاّتي؟" وقال: "هذه أصنعُ: أهدِمُ بيتَ تَخزيني وأبني وأكبِّرُ وأخزِنُ هناك حِنطتي كلَّها وخيراتِي. وأقولُ لنفسي: "يا نفسي، لكِ الخيراتُ الكثيراتُ موضوعاتٌ لسنينَ كثيرة، فاستَريحي وكُلِي وتَنعَّمي." واللهُ قائلٌ له: "يا ناقصَ الرأي، في هذه الليلةِ، نفسَكَ يَطلبونَ منك، وهذه التي أعددتَ فلمَنْ تَكون." هكذا هو واضعُ الكنوزِ لنفسِه وباللهِ لا يكونُ غنيًّا.”

 


 

نحن نعرف قساوة لوقا على الأغنياء. هو لا شكَّ يكتب للجماعات المثقَّفة في اليونان، في أثينة، في كورنتوس... هناك الأغنياء الأغنياء. وهناك الفقراء الفقراء. أمّا كورنتوس فكان ثلثا سكَّانها من العبيد والثلث فقط من الأحرار. وبين الأحرار، كان الفقراء هم الأكثريَّة. ومثَلُ لعازر والغنيّ يعطينا فكرة عمَّا ينتظر الأغنياء من عذاب. فالغنيُّ الذي لا اسمَ له يحتاج إلى نقطة ماء لأنَّه معذَّب في اللهيب.

الغنيُّ قلبه مُغلَق. لا يرى الفقير عند بابه. وهو بليد، لا يعرف أن ينظر إلى خيره الحقيقيّ. وهو الجاهل الذي قال فيه المزمور إنَّه يُنكر الله. فلا حاجة إلى الله، والمال يغنيه عنه. هو لا يحتاج إلى الله، بل الله وخدَّامه يحتاجون إلى الغنيِّ وماله.

أمّا غباوة هذا الغنيّ فهي أنَّه لم يحسب حساب الآخرة. حسب أنَّه يعيش ولا تكون نهاية لحياته. أغلَّت أرضه. كثرت الخيرات. ومن المعلوم أنَّ كلَّ خير هو من لدنه تعالى. وهو يُعطى لنا لكي نتشارك فيه مع الآخرين. قال القدِّيس يعقوب: "كلُّ عطيَّة صالحة هي من لدن أبي الأنوار. في الأصل، كلُّ ما على الأرض هو ذو وجهين. نستعمله لخلاصنا أو لهلاكنا. يكون لمجد الله وخلاصنا، أو يكون لمجدنا الخاصّ وهلاكنا. هذه الخيرات الوافرة التي أُغدقَت على هذا الغنيِّ هي السبيل إلى الله، إن هو شاء. تكون يده امتدادًا ليد الله. يعطي ويعطي ويعرف عندئذٍ كيف أنَّ الله يعطيه ويعطيه.

ولكن إن هو تعلَّق بالأرض وبخيراتها، وبالمال والذهب الذي في صندوقه، لا يستطيع أن يترك هذا العالم بسهولة، بحيث يكون قلبه حيث كنزه. يا ليته جعل كنزه في السماء! عندئذٍ كان قلبه هناك. والفقراء الذين ساعدهم هم الذين يستقبلونه في المساكن الأبديَّة.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM