الله أبٌ وأمّ

قراءة من نبوءة هوشع (11: 1-4، 8-11)

يوم كان إسرائيلُ فتى أحببتُه، ومن مصر دعوتُ ابني. كلَّما دعوتُه هرب من وجهي. ذبح بنو أفرايم لبعلِ وبخَّروا للأصنام، وأنا الذي علَّمَهم المشيَ وحملَهم على ذراعه، لكنَّهم لم يعترفوا أنِّي أنا أصلحتُ حالهم. جذبتُهم إليَّ بحبالِ الرحمة وروابطِ المحبَّة، وكنتُ لهم كأبٍ يرفعُ طفلاً على ذراعِه يحنو عليهم ويُطعمُهم...

كيف أتخلَّى عنكم يا بيتَ أفرايمَ؟ كيف أهجُركم يا بني إسرائيل؟ أأجعلكم مثلَ أدمة وأعاملكم مثل صبوييم؟ قلبي يضطربُ في صدري، وكلُّ مراحمي تتَّقد. لن أُعاقبكم في شدَّة غضبي، فأُدمِّركم بعدُ يا بني أفرايم، لأنِّي أنا الله لا إنسان، وقدُّوس بينكم فلا أعودُ أغضبُ عليكم.

يسيرونَ وراءَ الربِّ وهو يزأرُ كالأسد. يزأرُ فيُسرعُ البنونَ إليَّ من جهة البحر. من مصرَ يُسرعون إليَّ كالعصافير، ومن أرض أشور كالحمام، فأُعيدُهم إلى بيوتِهم، أنا الربّ.


 

وجه الله في هوشع هو وجه الأب والأمِّ معًا. اعتدنا أن نتحدَّث عن الله في العهد القديم. إنَّه شخص قاسٍ. يعاقب الناس، ينتقم منهم كما نفعل نحن مع "أعدائنا". دعاه أحمد شوقي: "يلتذُّ بالدم". هي فكرة خاطئة جدًّا تبيِّن أنَّنا لم نفهم الكتاب المقدَّس، بل نقرأه بشكل حرفيّ ولا نفهم معانيه العميقة. فالله يقول في هوشع: "أنا إله لا إنسان" (11: 9). لماذا تجعلون فيَّ عواطف البشر وتحسبون أنِّي أعمل أعمالكم؟ الله يغضب! ماذا يعني هذا؟ هو ينزعج، هو يحزن، هو يتألَّم، لأنَّه يرى أولاده في ضيق وشقاء وتعاسة. ولهذا أرسل ابنه يعيش معهم، يتألَّم معهم ويحمل صليبهم على كتفه. قال في هوشع أيضًا: "أنا قدُّوس بينكم". يعني أنا مختلف عنكم. فأدعوكم لكي تأتوا إليَّ. فلا تجعلوني مثلكم فأصبح صنمًا من أصنامكم.

وقال الربُّ: أنا علَّمتكم المشي. أنا حملتكم على ذراعي (11: 3). هي الأمّ. هو الأب. ومع ذلك، هم لم يعترفوا بفضله. هل عاملهم بقسوة؟ كلاّ. "بل اجتذبهم بحبال الرحمة" كما الأمُّ تربط الابن برحمها. واجتذبهم "بحبال المحبَّة"، بروابط المحبَّة. تتخيَّلون الأسرى مربوطين بالحبال، يقودهم الجنود إلى المنفى. فمن مات يرمونه ويواصلون الطريق. أمّا "ربطة" الربِّ فهي المحبَّة. هم يبتعدون وهو يقترب منهم. يخطأون فيداوم محبَّته. ويقول النبيّ أيضًا: "كنتُ لهم كأب (وكأمّ) يرفع طفلاً على ذراعه". ما أجمل هذه الحركة. ثمَّ "يحنو عليه". ينحني، يصبح على مستواه. ربَّما يركع كما ركع يسوع حين غسل أقدام تلاميذه. وأخيرًا "يطعمه". هي الأمُّ تفعل هذا في الماضي. واليوم يشارك الأب والأمُّ في الاهتمام بالطفل في كلِّ حاجاته.

هذا هو الله. صورة بعيدة عنّا لأنَّنا سمعنا الكثير، ولأنَّنا نربط الوجع الذي يصيبنا "بغضب الله" وكأنَّه ثمرة الخطيئة. لا علاقة لهذا بما يصيبنا من ألم. كما الأمّ تتألَّم لألم ابنها، كذلك الله. هذا ما يقول لنا النبيّ هوشع.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM