السبت الثالث من زمن القيامة (يو 6: 60-71)

60وكثيرون من تلاميذِه الذينَ سمِعوا، كانوا قائلين: "قاسيةٌ هي الكلمةُ هذه، فمَنْ هو قادرٌ على سماعِها؟" 61فعرف يسوعُ في نفسِه أنَّ تلاميذَه مُتذمِّرينَ على هذه فقالَ لهم: "أهذه مشكِّكةٌ لكم؟ 62فماذا إذا ترَونَ ابنَ الإنسانِ صاعدًا إلى المكانِ الذي فيهِ كانَ من قديم. 63فالروحُ هو المحيي والجسدُ غيرُ مفيدٍ في شيء، والكلماتُ التي أنا تكلَّمتُ معكم هي روحٌ وهي حياة. 64لكن يُوجَدُ أناسٌ منكم لا مؤمنون"، لأنَّ يسوعَ كان عارفًا من قديمٍ من هم أولئكَ اللامؤمنون، ومن هو ذلك المسلِّم إيّاهُ. 65فقال لهم: "من أجلِ هذا قلتُ لكم: ما مِن إنسانٍ قادرٍ أن يأتيَ إليَّ إلاّ مَنْ وُهبَ لهُ من لدُنِ أبي." 66من أجلِ هذه الكلمة، كثيرونَ من تلاميذِه ذهبوا إلى الوراء، وما كانوا سائرينَ معه. 67فقالَ يسوعُ للاثنَي عشَر: "ماذا؟ وأنتم أيضًا تريدونَ الذهاب؟" 68فأجابَ سمعانُ كيفا وقالَ: "يا ربُّ، إلى مَنْ نذهبُ وكلماتُ الحياةِ الأبديّةِ موجودةٌ لديك؟ 69فنحن آمنّا وعرفْنا أنَّك أنتَ المسيحُ ابنُ الله الحيّ." 70فقالَ لهم يسوع: "أما هو أنا اخترتُكم أنتم الاثنَي عشَر، وواحدٌ منكم شيطانٌ هو." 71قالَ هذا عن يهوذا بنِ سمعانَ الإسخريوطيِّ، لأنَّه كان مُزمِعًا أن يسلِّمَه، وهو واحدٌ من الاثنَي عشر.

*  *  *

المسيرة مع الله صعبة. عبرَ الشعبُ الأوَّل البحر. وكم خافوا. ولكن الآن وصلوا إلى إيليم. هنا الطعام والشراب. النخل والماء. يكفي. نبقى هنا. لماذا هذه المسيرة في الصحراء القاحلة؟ الباب ضيّق. يا ليت الباب أوسع. الطريق صاعدة. يا ليتها نازلة! ولكنَّ مخطَّط الله غير مخطَّط البشر. التلاميذ أكلوا. واليهود أيضًا. لماذا يتعبنا يسوع؟ لهذا نتركه ونمضي.

اليهود تركوه. وما هم وحدهم. بل "التلاميذ" أيضًا. يا للخسارة! ماذا عمل الربُّ معهم طوال هذه المدَّة؟ هل فشل؟ هم الخمير في العجين. فهلْ أثَّر العجين على الخمير؟ ها أراد التلاميذ أن يمضوا مع الشعب. أمرُنا أمرهم. أما اختاركم يسوع من بين الجموع؟ وهكذا ترذلون الاختيار؟ القرب من يسوع مزعج: "من أراد أن يتبعني يحمل صليبه ويتبعني." ما هذا الاتّباع الناجح، الرابح! لا. نفضّل أن نأخذ طريقًا أخرى. تلك التي أخذها يهوذا (أي يوضاس) الذي دعاه يسوع "الشيطان"، أي ذاك الذي يضع الحواجز في مسيرة يسوع والتلاميذ. شخص واحد يؤثّر في الجماعة. في جماعة سريعة العطب تسير في كلِّ ريح. الحمد لله أنَّ سمعان بطرس هو هنا. "ثبَّت" إخوته كما سوف يقول له الربّ: "إلى أين تمضي ومعك كلام الحياة". ارتاح يسوع. وعاد التلاميذ إلى وعيهم. كم اليقظة واجبة في حياة كلِّ جماعة! بين يهوذا وبطرس، ماذا نختار؟

 

لا يكون النظر مجرَّد نظر

مهمَّتي عند هذا الواقع أنَّني أراني مدعوًّا إلى "فوق"، وهذا الفوق ليس في متناولي مباشرة، لكنَّه يعنيني. فما يحدث على مستوى الحسّ يدفعني إلى اكتشاف أبعاد تختلف في ما بينها. وأبسط وصفٍ لهذه الحال ما يحملُ إليه الحسُّ من خلال ما يقوم به. فالعين هي مثلاً للنظر. لكنَّ النظر يختلف باختلاف شروط عمله. إنَّه لا يخترق سوادَ الليل، كما أنَّه يتقلَّص ضمن شروط ضوئيَّة غير ملائمة. فكيف يكون نظرنا في مجال يسيطر فيه النور سيطرة غير معهودة، ونحن نعرف من الاختبار أنَّ نظرنا هو أوَّلاً وسيلة للسيطرة على العالم الذي نسير فيه.

من جهة أخرى، لا يستطيع النظر أن يبقى مجرَّد نظر. فهل يبقى ذاته عندما نستعمله مثلاً في تأمُّل لوحة جميلة؟ ألا يكتسب نظرنا ثقافة تصبح منه، وتجعل الإنسان يميّز جمال الطبيعة من الجمال الغنيّ؟ أليس للجلوس عند حائط كنيسة مار شربل في عنَّايا معنًى لا نجده في استعمالات أخرى للنظر.

المطران أنطوان حميد موراني

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM