العطاء بسخاء
 

العطاء بسخاء


يوم الرسالات العالميّ (2 كو 9: 6-15؛ لو 10: 21-24)


21وفي تلك الساعة، ابتهجَ يسوعُ بالروحِ القدس، وقال: “شاكرٌ أنا لكَ يا أبي، يا سيِّدَ السماء والأرض لأنَّكَ أَخفَيْتَ هذه عن الحكماء والفهماء وكشفتَها للأولاد. نعم يا أبي، هكذا كانت المشيئةُ قدّامَكَ.” 22والتفَتَ نَحْوَ تلاميذِه وقال لهم: “كلُّ شيء سُلِّم إليَّ من قِبلِ أبي، ولا إنسانٌ عارِفًا مَنْ هو الابنُ إلاّ الآب، ومَنْ هو الآبُ إلاّ الابن، ولمَنْ يَشاءُ الابنُ أنْ يَكشِف.” 23والتفَتَ نَحوَ تلاميذِه وحدَهم، وقال: “طوباها الأعينُ الرائيةُ ما أنتم راؤون. 24فأنا قائلٌ لكم: أنبياءُ كثيرون وملوكٌ أرادوا أن يَرَوا الشيءَ الذي أنتم راؤون، فما رأوا، وسَماعَ الشيء الذي أنتم سامعون فما سمعوا.”

*  *  *

كتب بولس الرسول بطاقتين متوازيتين وردتا في الرسالة الثانية إلى كورنتوس. والهدف إرسال مساعدة مادّيَّة من كنائس الأمم إلى الكنيسة الأمّ في أورشليم. في البطاقة الأولى (ف 8) رأى الرسول في التضامن بين المسيحيِّين إحدى علامات الملكوت. والبرهان هو شخص يسوع المسيح بسخائه الذي "افتقر" ليجعلنا أغنياء. لا الفقر المادّيّ. بل هو ابن الله أعطى ذاته وصار إنسانًا ليرفعنا إلى مستوى الألوهة.

أمّا البطاقة الثانية (ف 9) فعنوانها العطاء بسخاء والعطاء بفرح. إذا كانت مساواة في ما يعطينا الربّ في ملكوته، فلماذا لا تكون مساواة على المستوى المادّيّ؟ والشكر لا ينطلق فقط من الذين نالوا عطاء، بل أيضًا من الذين قدَّموا العطاء لأنَّهم نالوا النعمة بأن يخدموا على مثال المسيح فيتحوَّل الغنى المادّيّ الذي وصل إلى كنيسة أورشليم، إلى غنى روحيّ لا يضاهيه غنى. شركة في الأمور المادّيَّة تصل بنا إلى شركة في الأمور الروحيَّة.


  1. العطاء بسخاء

عاد الرسول إلى الكتاب المقدَّس ليسند تفكيره. كلُّ واحد يعطي ولا ينتظر من يردُّ له، ويعطي بسخاء، لا بالشحّ والتقتير. فكأنِّي به ترتجف يداه حين يعطي. أهكذا "نتشبَّه بالله كالأبناء الأحبَّاء" (أف 5: 1). فهو "ما بخل بابنه" الوحيد بل أعطانا إيَّاه، أسلمه إلى الموت من أجلنا (رو 8: 31-32). فكم يجب أن يكون سخاؤنا لمساندة إخوتنا الذين عرفوا الفقر بسبب إيمانهم. فاليهود العاملون في الهيكل، أُبعدوا عن الهيكل لأنَّهم صاروا مسيحيِّين. فعليهم أن يختاروا بين يسوع وبين لقمة العيش. وذاك ما حصل للمسيحيِّين في دمشق مثل يوحنّا الدمشقيّ، الذي ترك الوظيفة وما ترك يسوع. فأعطانا الغنى اللاهوتيّ في دير مار سابا، قرب أورشليم، حيث اعتزل.

والكلام واضح: كما تزرع تحصد (أم 11: 24). ويسوع قال: "أعطوا تُعطَوا". من يعطيكم؟ الله. فنحن نعطي فلا تعرف شمالنا ما فعلت يميننا. ثمَّ، نحن لا نكون أكثر سخاء من الله، لاسيَّما أنَّنا نقدِّم لك، يا ربّ، ممَّا لك. والصورة الرائعة: يعطينا الله "كيلاً مملوءًا، مكبوسًا، مهزوزًا، فائضًا" (لو 6: 38).


  1. العطاء بفرح

هناك عطاء بالشفتين. فهذا ليس بعطاء. سوف أعطيك. تعالَ غدًا. وهذا عمليًّا ما فعله الكورنثيُّون. دعوا الناس إلى العطاء، وهم ما فعلوا شيئًا: أعطَوا بالكلام واللسان، لا بالعمل والحقّ، كما قال يوحنّا. وهناك العطاء الذي نعطيه حياء، لأنَّنا لا نستطيع أن نفعل شيئًا آخر. فكأنَّنا مُكرَهون. لا. فالعطاء يكون عطاء من القلب، بكلّ حرِّيَّة واندفاع. نعطي ونبكي، بل نحزن لأنَّنا أعطينا. فماذا تكون النتيجة لنا؟ لا شيء. قال الربّ: "في العطاء فرح" (أع 20: 35). ومن المؤسف أن نفضّل الأخذ والجمع والتكديس، "كأنَّ في كثرة المال حياة"، كما قال الربّ. هنا قال لنا سفر الأمثال: "الله يحبُّ المعطي الفرحان" (22: 8). ومن يستقبلنا في السماء؟ ذاك الذي نال عطاءنا على الأرض. ذاك هو كنز الكنيسة الواسع، مادّيًّا وروحيًّا. نحن نضع فيه، والربُّ هو الذي يوزِّع بيد الذين يوزِّعون. عطاء مجَّانيّ، عمل مجَّانيّ، على ما قال الربّ: "مجَّانًا أخذتم، مجَّانًا أعطوا." وحده العطاء المجَّانيّ ينطلق من القلب ويصل إلى القلب، فيفرح المعطي ويفرح الآخذ.


  1. العطاء بركة

هو "للقدِّيسين" أي المؤمنين، المعمَّدين، المدعوِّين إلى القداسة، والمطلوب منهم أن ينفصلوا عن غوايات هذا العالم. وهكذا يتَّخذ "التبرُّع" طابعًا مقدَّسًا. إنَّه "نعمة" قال الرسول: "الله قادر أن يزيدكم كلَّ نعمة" (آ8). على المستوى المادّيّ كما على المستوى الروحيّ. وفي آ14، يتحدَّث عن "نعمة الله الفائقة (الوافرة) التي منحكم الله". أجل، هي نعمة بأن نعطي، بأن يجعل الله في أيدينا ما نعطيه لإخوتنا وأخواتنا.

كلُّ هذا بركة. أن نعطي هو بركة، وأن نأخذ هو بركة. لأنَّه ليس الإنسان هو من يعطي الإنسان، بل الربُّ يعطي الإنسان بيد الإنسان. فالله حاضر "شكرًا لله" (آ11). "شكر كثير لله" (آ12) "يمجِّدون الله" (آ13). "نعمة الله" (آ14)، "شكرًا لله" (آ15). كلُّ هذا يفهمنا أنَّ لا "نمنِّن" القريب إذا نحن أعطيناه، ولا "نمنِّن " الكنيسة إن وضعنا في صندوقها. فما يحصل هنا يشبه ما يحصل في القدَّاس. فالفعل "بارك" يرد في كلام التقديس، ثمَّ شكر مع لفظ "إفخارستيَّا" (آ11-12)، أمّا الخدمة، فهي خدمة الكهنة والذين معهم. هذا يعني أنَّ عطاءنا يتقدَّس ويصبح في جسد المسيح ودمه فيعود إلينا ببركة لا تضاهيها بركة.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM