الله عظيم وقدير وهو يخلِّص

 

الله عظيم وقدير وهو يخلِّص

 

عيد انتقال العذراء (رو 12: 9-15؛ لو 1: 46-55)

 

فقالَتْ مريمُ: “معظِّمةٌ نفسي الربَّ. 47وابتهجَتْ روحي بالله مُحييَّ 48لأنَّه نظرَ إلى وَضاعةِ أمتِه. فها منَ الآن تُعطِي لي الطوبى القبائِلُ كلُّها. 49لأنَّه صنعَ نَحوي عظائم، ذاك الذي هو قَديرٌ وقدُّوسٌ اسمُه، 50وحنانُهُ لأجيالٍ وقبائلَ على الذين يَخافونَهُ! 51صنَعَ انتصارًا بذراعِه، وبدَّدَ المُفتخرينَ بفِكرِ قلوبِهم. 52قلَبَ الأقوياءَ عن عروشِهم ورفَعَ الوضعاء. 53أشبعَ الجياعَ خَيراتٍ والأغنياءَ أطلقَ فارغِين. 54عضَدَ إسرائيلَ عبدَه، وتذكَّرَ حنانَهُ. 55كما قيلَ مع آبائِنا، مع إبراهيمَ ومع نسلِه للأبَد.”

*  *  *

كما قام يسوع من بين الأموات، قامت مريم مثل ابنها، لأنَّها أحبَّته كما لم يحبَّه إنسان على الأرض. وكما انتقل يسوع من هذا العالم إلى الآب، انتقلت مريم من هذا العالم إلى ابنها. وكما جلس الابن عن يمين الآب، جلست الأمُّ عن يمين ابنها، كما كانت الملكة في شعب الله تجلس عن يمين الملك ابنها. وكما أقام الآب ابنه بحيث لا يصل إليه الفساد، كذلك أقام الابن أمَّه فكانت ممجَّدة معه. هو تألَّم ومات وهي مثله تألَّمت لتكمِّل في جسدها "ما نقص من آلامه في سبيل جسده الذي هو الكنيسة" (كو 1: 24). وإن هي دعت نفسها، في مشهد البشارة، أمة الربّ، خادمة الربّ، فلأنَّ ابنها أعلن أنَّه لم يأتِ ليُخدم، بل ليَخدم ويبذل حياته عن الكثيرين. ولمّا رأى التلاميذ يطلبون كلُّهم الرئاسة والأماكن الفضلى، قال يسوع: "أنا بينكم كالخادم". وما اكتفى بالقول، بل وصل إلى العمل فغسل أقدام تلاميذه.

هذه المشاركة التامَّة بين مريم وابنها يسوع. وهذه النعم التي نالتها منذ بداية حياتها فدُعيَت الممتلئة نعمة، وهذا النداء الخاصّ الذي تلقَّته لتفتح العالم الجديد مع ابنها، كلُّ هذا جعلها تُطلق نشيدها. في بداية حياتها أو في نهايتها. فالأمر هو هو. فتلك التي وضعَتْ يدها بيد الله دخلت في مغامرة لا مغامرة بعدها: نزل ابن الله على الأرض وكانت مريم أوَّل من استقبله ليكون بيننا فنرى مجده. فماذا قالت مريم في نشيدها.

عظيم الله. وأنا أنشد عظمته. هي نهاية المسيرة. منذ عبور البحر والوصول إلى البرِّيَّة ومرافقة شعبه، هو عظيم: وهو القدير الذي لا يقف شيء في وجهه. شقَّ البحر فصارت المياه سورًا للشعب وأمَّنت له الحياة، وما عادت خطرًا يحمل الموت. هو "الربّ"، كيريوس، يهوه. ظهر لموسى في العلِّيقة الملتهبة وقال: أنا هو الذي هو. لا اسم له فندعوه به. بل هو الذي عمل ويعمل ولا يتوقَّف عن العمل من أجل أحبّائه أوَّلاً ومن أجل البشر جميعًا. فهو يريد خلاص الجميع، كما قال الرسول (1 تم 2: 3): "يخلصون ويبلغون إلى معرفة الحقّ."

من تنشد مريم؟ الربّ، كيريوس، ثمَّ "الله" (إلوهيم، اللهمَّ، كما نقول في العربيّة). هذان اللفظان يردان في العهد القديم. فجمعتهما مريم في نشيدها الذي شاءته ثمرة يانعة لكلِّ ما فعل الله لشعبه والمؤمنين قبل أن يأتي الابن إلى حشاها. هذا الإله هو "مخلِّص". خلَّص مريم أوَّلاً ولا يتوقَّف عند خلاص شخص واحد. فمريم العذراء هي النموذج. لهذا دعته "مخلِّصي" وبعدها سيقول الملاك للرعاة، في بيت لحم: "وُلد لكم اليوم مخلِّص وهو المسيح الربّ".

فمريم في نشيدها، ما نظرت إلى نفسها فقط، بل إلى الشعب الذي خرجت منه، إلى إسرائيل الأوَّل الذي دعاه الله ابنه (خر 4: 22؛ هو 11: 1)، "فتاة" على ما قال إشعيا. كما إلى الشعب الذي يبدأ معها فيكون الجميع أبناءها (وبناتها) حين سلَّمهم إليها ابنها على الصليب، من خلال التلميذ الحبيب (كلُّ واحد منّا) الذي أخذ مريم إلى بيته (يو 19: 27). وراحت أبعد من شعبها، فوصلت إلى إبراهيم، الذي يرمز إلى كلِّ مؤمن بالله، الذي تخلَّى عن كلِّ شيء وراح إلى الموضع الذي دعاه إليه الربّ، فما ندم على ما تركه.

تعارضٌ تامّ في هذا النشيد بين قدرة الله وعظمته ووضاعة مريم. هي سلَّمت أمرها إليه فصنع فيها الأمور العظيمة. وهل أعظم من أن يتجسَّد الابن في حشاها؟ تواضعت مريم فرفعها الله. جعلت نفسها خادمة فصارت بقدرة الله، سيِّدة، ملكة، سلطانة، كما قال عنها سفر الرؤيا، وكان انتصارها عظيمًا بقدرة ابنها.

من تواضع ارتفع. ولكن من تكبَّر؟ المتكبِّرون؟ شتَّتهم. المقتدرون؟ أنزلهم عن العروش. الأغنياء؟ جرَّدهم من كلِّ شيء وأرسلهم فارغي الأيدي. مقابل هذا رفع الوضعاء وأوَّلهم مريم، والجياع أشبعهم وغمرهم بكلِّ الخيرات.

ما نلاحظ هو أنَّ مريم لا تستعمل صيغة المضارع في كلامها لتتحدَّث عن المستقبل بل الماضي أوَّلاً. ذاك ما صنعه لشعبه الأوَّل. ثمَّ الحاضر. صنع لها الآن، ويصنع لها في كلِّ آن. فهو إله الحاضر. دعاها وإذ دعاها ملأها بنعمه وغمرها بمواهبه. وكذا يفعل معنا. كان أصحاب الرؤى يرجون من الله. ومع مريم تحقَّق كلُّ ما كانت هذه الأمُّ ترجُوه. ووصل مشروع الله إلى كماله مع الابن الذي حملته مريم في حشاها وولدته ورافقته حتَّى الصليب والقيامة. وهي الآن جالسة في المجد عن يمينه وتنتظر أبناءه، كلَّ واحد منّا، ولاسيَّما المساكين والوضعاء.

والخلاصة. أنشدت مريم ونحن ننشد. وكما مجَّدها الله فهو يمجِّد كلَّ واحد منّا. المهمّ الوداعة والتواضع. فنقتبل بالشكر كلَّ ما يُعطى لنا.

انطلقت مريم من وضعها، فوصلت إلى شعبها، بل إلى المؤمنين جميعًا، الذين نالوا البرَّ بإيمانهم بانتظار أعمالهم وتوافقهم مع مشيئة الله.

مريم هي المخلَّصة الأولى. ونحن أبناء الخلاص. تخلَّصت من كلِّ أثر خطيئة، كما تخلَّصت من الموت وفساد جسدها. أمّا نحن فننتظر منذ الآن "نعمة التبنِّي وافتداء أجسادنا" (رو 8: 23).

الله عظيم وقدير وهو يخلِّص

 

عيد انتقال العذراء (رو 12: 9-15؛ لو 1: 46-55)

 

فقالَتْ مريمُ: “معظِّمةٌ نفسي الربَّ. 47وابتهجَتْ روحي بالله مُحييَّ 48لأنَّه نظرَ إلى وَضاعةِ أمتِه. فها منَ الآن تُعطِي لي الطوبى القبائِلُ كلُّها. 49لأنَّه صنعَ نَحوي عظائم، ذاك الذي هو قَديرٌ وقدُّوسٌ اسمُه، 50وحنانُهُ لأجيالٍ وقبائلَ على الذين يَخافونَهُ! 51صنَعَ انتصارًا بذراعِه، وبدَّدَ المُفتخرينَ بفِكرِ قلوبِهم. 52قلَبَ الأقوياءَ عن عروشِهم ورفَعَ الوضعاء. 53أشبعَ الجياعَ خَيراتٍ والأغنياءَ أطلقَ فارغِين. 54عضَدَ إسرائيلَ عبدَه، وتذكَّرَ حنانَهُ. 55كما قيلَ مع آبائِنا، مع إبراهيمَ ومع نسلِه للأبَد.”

*  *  *

كما قام يسوع من بين الأموات، قامت مريم مثل ابنها، لأنَّها أحبَّته كما لم يحبَّه إنسان على الأرض. وكما انتقل يسوع من هذا العالم إلى الآب، انتقلت مريم من هذا العالم إلى ابنها. وكما جلس الابن عن يمين الآب، جلست الأمُّ عن يمين ابنها، كما كانت الملكة في شعب الله تجلس عن يمين الملك ابنها. وكما أقام الآب ابنه بحيث لا يصل إليه الفساد، كذلك أقام الابن أمَّه فكانت ممجَّدة معه. هو تألَّم ومات وهي مثله تألَّمت لتكمِّل في جسدها "ما نقص من آلامه في سبيل جسده الذي هو الكنيسة" (كو 1: 24). وإن هي دعت نفسها، في مشهد البشارة، أمة الربّ، خادمة الربّ، فلأنَّ ابنها أعلن أنَّه لم يأتِ ليُخدم، بل ليَخدم ويبذل حياته عن الكثيرين. ولمّا رأى التلاميذ يطلبون كلُّهم الرئاسة والأماكن الفضلى، قال يسوع: "أنا بينكم كالخادم". وما اكتفى بالقول، بل وصل إلى العمل فغسل أقدام تلاميذه.

هذه المشاركة التامَّة بين مريم وابنها يسوع. وهذه النعم التي نالتها منذ بداية حياتها فدُعيَت الممتلئة نعمة، وهذا النداء الخاصّ الذي تلقَّته لتفتح العالم الجديد مع ابنها، كلُّ هذا جعلها تُطلق نشيدها. في بداية حياتها أو في نهايتها. فالأمر هو هو. فتلك التي وضعَتْ يدها بيد الله دخلت في مغامرة لا مغامرة بعدها: نزل ابن الله على الأرض وكانت مريم أوَّل من استقبله ليكون بيننا فنرى مجده. فماذا قالت مريم في نشيدها.

عظيم الله. وأنا أنشد عظمته. هي نهاية المسيرة. منذ عبور البحر والوصول إلى البرِّيَّة ومرافقة شعبه، هو عظيم: وهو القدير الذي لا يقف شيء في وجهه. شقَّ البحر فصارت المياه سورًا للشعب وأمَّنت له الحياة، وما عادت خطرًا يحمل الموت. هو "الربّ"، كيريوس، يهوه. ظهر لموسى في العلِّيقة الملتهبة وقال: أنا هو الذي هو. لا اسم له فندعوه به. بل هو الذي عمل ويعمل ولا يتوقَّف عن العمل من أجل أحبّائه أوَّلاً ومن أجل البشر جميعًا. فهو يريد خلاص الجميع، كما قال الرسول (1 تم 2: 3): "يخلصون ويبلغون إلى معرفة الحقّ."

من تنشد مريم؟ الربّ، كيريوس، ثمَّ "الله" (إلوهيم، اللهمَّ، كما نقول في العربيّة). هذان اللفظان يردان في العهد القديم. فجمعتهما مريم في نشيدها الذي شاءته ثمرة يانعة لكلِّ ما فعل الله لشعبه والمؤمنين قبل أن يأتي الابن إلى حشاها. هذا الإله هو "مخلِّص". خلَّص مريم أوَّلاً ولا يتوقَّف عند خلاص شخص واحد. فمريم العذراء هي النموذج. لهذا دعته "مخلِّصي" وبعدها سيقول الملاك للرعاة، في بيت لحم: "وُلد لكم اليوم مخلِّص وهو المسيح الربّ".

فمريم في نشيدها، ما نظرت إلى نفسها فقط، بل إلى الشعب الذي خرجت منه، إلى إسرائيل الأوَّل الذي دعاه الله ابنه (خر 4: 22؛ هو 11: 1)، "فتاة" على ما قال إشعيا. كما إلى الشعب الذي يبدأ معها فيكون الجميع أبناءها (وبناتها) حين سلَّمهم إليها ابنها على الصليب، من خلال التلميذ الحبيب (كلُّ واحد منّا) الذي أخذ مريم إلى بيته (يو 19: 27). وراحت أبعد من شعبها، فوصلت إلى إبراهيم، الذي يرمز إلى كلِّ مؤمن بالله، الذي تخلَّى عن كلِّ شيء وراح إلى الموضع الذي دعاه إليه الربّ، فما ندم على ما تركه.

تعارضٌ تامّ في هذا النشيد بين قدرة الله وعظمته ووضاعة مريم. هي سلَّمت أمرها إليه فصنع فيها الأمور العظيمة. وهل أعظم من أن يتجسَّد الابن في حشاها؟ تواضعت مريم فرفعها الله. جعلت نفسها خادمة فصارت بقدرة الله، سيِّدة، ملكة، سلطانة، كما قال عنها سفر الرؤيا، وكان انتصارها عظيمًا بقدرة ابنها.

من تواضع ارتفع. ولكن من تكبَّر؟ المتكبِّرون؟ شتَّتهم. المقتدرون؟ أنزلهم عن العروش. الأغنياء؟ جرَّدهم من كلِّ شيء وأرسلهم فارغي الأيدي. مقابل هذا رفع الوضعاء وأوَّلهم مريم، والجياع أشبعهم وغمرهم بكلِّ الخيرات.

ما نلاحظ هو أنَّ مريم لا تستعمل صيغة المضارع في كلامها لتتحدَّث عن المستقبل بل الماضي أوَّلاً. ذاك ما صنعه لشعبه الأوَّل. ثمَّ الحاضر. صنع لها الآن، ويصنع لها في كلِّ آن. فهو إله الحاضر. دعاها وإذ دعاها ملأها بنعمه وغمرها بمواهبه. وكذا يفعل معنا. كان أصحاب الرؤى يرجون من الله. ومع مريم تحقَّق كلُّ ما كانت هذه الأمُّ ترجُوه. ووصل مشروع الله إلى كماله مع الابن الذي حملته مريم في حشاها وولدته ورافقته حتَّى الصليب والقيامة. وهي الآن جالسة في المجد عن يمينه وتنتظر أبناءه، كلَّ واحد منّا، ولاسيَّما المساكين والوضعاء.

والخلاصة. أنشدت مريم ونحن ننشد. وكما مجَّدها الله فهو يمجِّد كلَّ واحد منّا. المهمّ الوداعة والتواضع. فنقتبل بالشكر كلَّ ما يُعطى لنا.

انطلقت مريم من وضعها، فوصلت إلى شعبها، بل إلى المؤمنين جميعًا، الذين نالوا البرَّ بإيمانهم بانتظار أعمالهم وتوافقهم مع مشيئة الله.

مريم هي المخلَّصة الأولى. ونحن أبناء الخلاص. تخلَّصت من كلِّ أثر خطيئة، كما تخلَّصت من الموت وفساد جسدها. أمّا نحن فننتظر منذ الآن "نعمة التبنِّي وافتداء أجسادنا" (رو 8: 23).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM