الربُّ صنع عظائم

 

الربُّ صنع عظائم

 

عيد انتقال العذراء (رو 12: 9-15؛ لو 1: 46-55)

 

فقالَتْ مريمُ: “معظِّمةٌ نفسي الربَّ. 47وابتهجَتْ روحي بالله مُحييَّ 48لأنَّه نظرَ إلى وَضاعةِ أمتِه. فها منَ الآن تُعطِي لي الطوبى القبائِلُ كلُّها. 49لأنَّه صنعَ نَحوي عظائم، ذاك الذي هو قَديرٌ وقدُّوسٌ اسمُه، 50وحنانُهُ لأجيالٍ وقبائلَ على الذين يَخافونَهُ! 51صنَعَ انتصارًا بذراعِه، وبدَّدَ المُفتخرينَ بفِكرِ قلوبِهم. 52قلَبَ الأقوياءَ عن عروشِهم ورفَعَ الوضعاء. 53أشبعَ الجياعَ خَيراتٍ والأغنياءَ أطلقَ فارغِين. 54عضَدَ إسرائيلَ عبدَه، وتذكَّرَ حنانَهُ. 55كما قيلَ مع آبائِنا، مع إبراهيمَ ومع نسلِه للأبَد.”

*  *  *

سنة 85، أي بعد صلب يسوع بـ 55 سنة، كتب لوقا هذا النشيد الذي يعبِّر عمَّا في قلب مريم من فرح وشكر، لأنَّ الربَّ أدخلها في مشروع الخلاص. هي تقول: "نعم". هي تقول: "أنا خادمة للربّ"، فينطلق عمل الخلاص في التاريخ. صار المسيح في حشاها، فأعطته جسمًا من جسمها، وعينين وأذنين وقلبًا... وحدها أعطته هذا الجسد بفعل الروح القدس. ويكفي أن ننظر إلى مريم لنكتشف وجه يسوع. لهذا كانت الظهورات والمعابد الموزَّعة في العالم. أتريدون أن تعرفوا يسوع البشريّ الذي جال في طرق الجليل والسامرة واليهوديَّة؟ انظروا إلى مريم. بعد ذلك، ألا نريدها أن تنشد؟

"عظيم هو الربّ" هو العظيم ينحني على خليقته. وبقدر ما تكون متواضعة بقدر ذلك يرفعها. ومقابل هذا، بقدر ما تحاول أن ترتفع، يعيدها إلى مكانها، يلصقها بالأرض. من هي مريم؟ عرفت موقعها. خارجيًّا، فتاة من فتيات الجليل، ومن قرية مغمورة، الناصرة. ورأت نفسها بين يدي الربّ. هو العظيم صنع فيها أمورًا عظيمة. حوَّاء نالت ولدًا فقالت: نلتُ من عند الربّ. إليصابات فرحت بيوحنّا بعد طول انتظار، بل فرح جبل يهوذا كلُّه. وما الذي صنعه لمريم؟ جعلها أمَّ ابنه، والدة الله. وأجمل ما يكون أنَّها ضمَّت الأمومة إلى البتوليَّة، قالت: لا أعرف رجلاً. أنا بتول. ومع ذلك قال لها الملاك: "الروح يحلُّ عليك." وها هو يسوع في حشاها وعلى زندها بحيث قالت امرأة من الجمع ليسوع: "طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللذين رضعتهما". هذا الذي لا تسعه السماء والأرض، حلَّ طفلاً في حشا مريم. هذا الذي يغذِّي الكون كلَّه، احتاج إلى صدر مريم. هذا الذي يحمل المسكونة، قبِلَ أن تحمله مريم وتنشد له كما تفعل كلُّ أمٍّ لابنها. ولو تعرفون من هو ذاك الذي تحمله! نحن نؤخذ بالخارج، بما نرى. أمَّا أعظم شيء فهو الذي لا يُرى. لهذا نحتاج إلى عينين غير عيون الجسد.

ونحن نقول: "عظيم هو الربّ" لأنَّه صنع ما صنع لمريم. فهذه امتلأت من نعم الربّ فما عاد مكان لأيِّ شيء آخر. لا للخطيئة، لا للشهوة، لا للبغض، لا للحقد، لا للحسد، وخصوصًا لا للكبرياء. ذاك هو الوجه السلبيّ. والوجه الإيجابيّ: كلُّك جميلة. هكذا ننشد لنا في الشرق ونبحث عن الصور والرموز التي تصوِّر جمال هذه الأمّ: جزَّة الصوف التي أرادها جدعون مختلفة عن كلِّ ما حولها. ومريم هي المباركة فوق النساء جميعًا. بل هي فوق الملائكة والأنبياء والشهداء والقدِّيسين. هي سلطانة السماء والأرض. حباها الله بملء النعمة، فتجاوبت أفضل تجاوب مع هذه النعمة. إذا كان الذي نال خمس وزنات أعطى خمس وزنات، فكم أعطت مريم الربَّ لأنَّها نالت من الوزنات ما لا يُحصى؟ هي المؤمنة، هي الحاضرة لدى ابنها عند الصليب. هي الصامتة لأنَّها تعرف أنَّ الصمت لغة الله. فمن لا يصمت لا يسمع كلام الله ولا يفهم ما يقوله له. قال الإنجيل: "أمّا مريم فكانت تحفظ هذا الكلام وتتأمَّل به في قلبها."

هكذا عاشت مريم على الأرض، ولبثت بعد صعود ابنها إلى السماء. طلب منها أن تواصل حضوره وسط التلاميذ، بدءًا بيوم العنصرة. كم طالت حياتها؟ لا أحد يعرف. وكانت النهاية: رقادها، كما نقول. في كلِّ هدوء. وهكذا انتقلت إلى جوار ابنها. كانت معه على الأرض وهي معه في السماء. على الأرض حوَّل الماء إلى خمر ليجعل الفرح في العرس، بناء على طلبها. وفي السماء، بناء على طلبها يجعل "المحبَّة صادقة" عندنا، يجنِّبنا الشرّ ويفهمنا كيف نتمسَّك بالخير. نعمل في الربّ، نكون فرحين... انتقلت إلى جانب ابنها، وما زالت تهتمُّ بنا نحن أولادها. لهذا نعيِّدها أجمل الأعياد فتفرح بنا ونفرح بها.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM