هذا هو ابني الحبيب، فله اسمعوا

 

هذا هو ابني الحبيب، فله اسمعوا

 

عيد التجلِّي (2 كو 3: 7-17؛ مر 9: 1-7)

 

1وقالَ لهم: “آمين أنا قائلٌ لكم: أناسٌ قائمون هنا، لا يَذوقونَ الموتَ حتّى يرَوا ملكوتَ الله آتيًا بقوَّة.” 2وبعد ستَّةِ أيّام، أخذَ يسوعُ كيفا ويعقوبَ ويوحنّا وأصعدَهم جبلاً عاليًا وحدَهم، وبُدِّلَ على عيونِهم. 3ومُلمَّعًا كان لباسُه ومبيَّضًا جدًّا مِثْلَ الثلجِ بحيثُ لا يكونُ البشرُ قادرينَ أنْ يُبيِّضوا في الأرضِ (مثلَه). 4وتراءى لهم إيليّا وموسى وهما مَتكلِّمان معَ يَسوعَ. 5فقال له كيفا: “رابّي، حسنٌ هو لنا أن نكونَ هنا، فنَصنعَ ثلاثَ مَظالٍّ، لك واحدة ولموسى واحدة، ولإيليّا واحدة.” 6وما كان عارِفًا ماذا يقول، لأنَّهم كانوا في الخوف. 7وكانَتْ غمامةٌ، ومُظلِّلةً كانَتْ عليهم، وصوتٌ من الغمامِ قائلٌ: “ها هو ابني الحبيبُ، فلَهُ اسمَعُوا.”

*  *  *

سمع التلاميذ يسوع يتحدَّث عن حاشه وآلامه الآتية. رفض بطرس هذا المنطق. والتلاميذ تشكَّكوا. أهذه تكون نهاية معلِّمهم؟ وذلك مع أنَّه أنهى الإنباء بكلام عن القيامة. لهذا كان "مشهد" التجلِّي. لا يعني أنَّ التلاميذ الثلاثة رأوا بعيونهم يسوع بين موسى وإيليّا. هي رؤيا سماويَّة تتجاوز الحواسّ وترفع الإنسان فوق الإنسان. منذ الآن أطلَّ نور القيامة ليعطي الآلام كلَّ خصبها. وفي هذه المناسبة كشف يسوع كيانه الحقيقيّ العميق ومهمَّته الإلهيَّة. فهذا العائش بينهم، شابًّا لا يختلف بشيء في الخارج عنهم، هو ابن الله. ذاك ما أعلن الآب من السماء. وإنَّ التلاميذ تشكَّكوا من الكلام عمّا ينتظر الابن من ذلٍّ وهوان وموت ودفن. فنداء الآب السماويّ جاء يدعوهم لكي يسمعوا لابنه ويطيعوه ويسيروا معه وإن وصلت بهم الطريق إلى الجلجلة.

"على جبل عالٍ". هو المكان الرمزيّ للظهور الإلهيّ. للتيوفانيا. تجلَّى يسوع. كان خفيًّا فكشف عن ذاته. تحوَّل، لا جسده، بل صارت ثيابه لامعة، بيضاء، مثل الثلج. هي صور بشريَّة للتعبير عن حقيقة إلهيَّة. أمّا اللون الأبيض فعلامة القيامة والانتصار على الموت. كلُّ هذا يدلُّ على مجد السماء.

ذاك الحيُّ الذي رافقوه على الجبل، يقف بجانبه شخصان تركا العالم منذ قرون من الزمن. اثنان. كان كلُّ واحد في زمانهما على الجبل. موسى الذي شعَّ وجهه من إقامته قرب الله على جبل سيناء. وإيليّا الذي رأى الربَّ على جبل حوريب من خلال الصمت المسيطر على المكان. كلُّ العهد القديم هو هنا. موسى الذي حمل الشريعة ونقلها إلى الشعب، وإيليّا مثَّل الأنبياء حاملي الكلمة التي تصل إلى يسوع كلمة الآب حيث طُلب من التلاميذ أن يسمعوا له.

في هذه الرؤيا، ضاعت معالم الزمان والمكان، فما عرف التلاميذ أين هم موجودون، ولا شعروا بالوقت الذي قضوه مغمورين بهذا النور الإلهيّ. لهذا تكلَّموا وما علموا ماذا هم متكلِّمون. رجعوا إلى خبرة عيد المظالّ حيث كانت خيمة الربِّ وسط خيام بني إسرائيل خلال مسيرتهم في البرِّيَّة. ففي الخيمة كان يجتمع موسى بالربّ. وفي المغارة انتظر إيليّا مرور الله لكي يطلقه من جديد في عمل الرسالة. تكلَّم بطرس ولكنَّه لم يعلم ماذا يقول بسبب الرعب الذي حلَّ عليهم. مثل هذه الخبرة سوف يعيشها هؤلاء الثلاثة أيضًا على جبل الزيتون، وقت نزاع يسوع. كان قد قال لهم: اسهروا وصلُّوا... ولمّا رجع إليهم، كانت أعينهم ثقيلة "فلم يعلموا بماذا يجيبونه" (14: 40). ضياع تامّ أمام الآلام كما أمام المجد. كلُّ هذا يبقى سرًّا لهم ولن ينكشف إلاَّ بعد القيامة.

ذروةُ النصِّ الكلامُ السماويّ الذي يذكِّرنا بكلام قاله الآب وقت العماد (1: 11). ولكن، هناك توجَّه الصوت إلى الابن، أمّا هنا فلا يتوجَّه إلى يسوع وحده، بل إلى التلاميذ أيضًا. "هذا هو". انظروا إليه في ملء مجده قبل أن يكون لكم أن تنظروه في عمق ذلِّه. وما قيل في مشهد البشارة عن الابن الأزليّ الذي في حشا مريم، صار أمرًا امتلكه التلاميذ بحيث ينبغي أن لا ينسوه أبدًا. هذا الذي ترافقونه يومًا بعد يوم على طرقات البشارة هو الابن الإلهيّ، لا إنسان فقط من الناس.

في العماد، أعلن الآب عن رضاه ("سررتُ أن أختارك"، 1: 11). أمّا هنا فالآب يحثُّ التلاميذ على الاستماع إلى الابن الحبيب. في العماد، رباط بين الآب والابن. في التجلِّي، رباط بين الابن والتلاميذ، أي بكلِّ واحد منّا. وهكذا دُعي التلاميذ إلى نظرة أخرى وإلى سماع خاصّ ومحصور لكلام هذا الابن. كلُّ كلام قبله وَجد فيه تمامه. ولا كلام بعده ولا وحي جديد. أعطى الآب كلَّ شيء حين أعطى ابنه. أعطى كلَّ كلام حين أعطانا كلمته. "في البدء كان الكلمة والكلمة كان لدى الله وكان الكلمة الله" (يو 1: 1). ويواصل الإنجيليّ: "الكلمة صار بشرًا" (آ14). فلا نبحث عن كلمة آتية من عند الله. وكلُّ كلام يمكن أن يقوله البشر بعد يسوع المسيح، إمّا يستلهم كلام يسوع وشخصه وإمّا يكون ناقصًا لئلاَّ نقول كاذبًا. والهرطقات التي انزرعت في تاريخ الكنيسة ولا تزال، هي أكبر شاهد على ذلك. في القرن الأوَّل المسيحيّ بدأ الكلام الضالّ عن تجسُّد الابن. وفي القرن العشرين نسمع أقوالاً وأقوالاً تدلُّ على الأنبياء الكذبة الذين تحدَّث عنهم يسوع، قال: "ويظهر أنبياء كذبة كثيرون ويضلِّلون كثيرًا من الناس" (مت 24: 11). وراح بطرس في الخطِّ عينه يقول: "كما ظهر في الشعب القديم أنبياء كذّابون، فكذلك سيظهر فيكم معلِّمون كذّابون يبتدعون المذاهب المهلكة وينكرون الربَّ الذي افتداهم" (2 بط 2: 1). يَضلُّ الناس، ولكنَّ الكنيسة لا تضلّ. وكما تحدَّث بولس الرسول عن عودة اليهود إلى المسيح في النهاية، هكذا تريد الكنيسة على مدِّ الأجيال أن تعمل ليجتمع الكلُّ في المسيح، ما في السماء وما في الأرض (أف 1: 10) عالم السماء وعالم الأرض.

والخلاصة بعد أن عاش التلاميذ الرؤيا وسمعوا الصوت الإلهيّ:

- هو سرٌّ عميق دخلوا فيه، لكنَّ يسوع منعهم من التكلُّم عنه. فالكلام يخلق الفضول ويضيِّع السرَّ. هو تنبيه لنا أمام كلِّ ظهور وكلِّ رؤية نسمع بها أو نقرأها. كلُّ هذا ننظر إليه على ضوء القيامة ونتميَّزه من الإنجيل لا من العاطفة البشريَّة الجامحة وما فيها من منفعة مادِّيَّة لئلاَّ نقول تجارة.

- الكتاب المقدَّس وحدة متكاملة من الشريعة إلى الأنبياء وصولاً إلى العهد الجديد. كلُّه كلام الله ونحن نقرأه لنتعرَّف إلى من هو أبٌ لنا وإلى ابنه وإلى روحه القدُّوس. وإن قرأنا كتبًا أخرى لا نندهش بها سريعًا. كلُّ شيء نروزه، نزنه على ضوء مجيء الملكوت.

- تجلَّى يسوع، لبس "ثوب القيامة" قبل القيامة. وهو حين يمرُّ في الموت يفهمنا أنَّ الموت ليس النهاية. ونحن في وقت الألم والصعوبات ننظر إلى الابن فنعرف الحالة المجيدة التي سوف نصل إليها.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM