أين الزؤان، أين القمح؟

 

أين الزؤان، أين القمح؟

 

الأحد الثالث في شهر تمُّوز: عيد مار شربل (رو 8: 28-29؛ مت 13: 36-43)

 

36حينئذٍ تركَ يسوعُ الجموعَ وأتى إلى البيت، فقرُبَ إليه تلاميذُه وقالوا له: “فسِّرْ لنا هذا المثلَ، مثَلَ الزؤانِ والحقل.” 37أمّا هو فأجابَهم وقالَ: “ذاك الذي زرعَ الزرعَ الصالحَ هو ابنُ الإنسان. 38والحقلُ هو العالمُ. أمّا الزرعُ الصالحُ فهم أبناءُ الملكوت. وأمّا الزؤانُ فهم أبناءُ الشرّير. 39والعدوُّ الذي زرعَ (الزؤانَ) هو الشيطان. والحصادُ هو نهايةُ العالم. والحصّادونَ هم الملائكةُ. 40فكما يُفرَزُ الزؤانُ ويَحرُقونَه في النار، هكذا يكونُ في نهايةِ هذا العالم. 41يُرسِلُ ابنُ الإنسانِ ملائكتَه ويَفرزونَ من ملكوتِه كلَّ المعاثرِ وكلَّ فاعلي الإثم. 42ويَرمونَهم في أتونِ النار. هناكَ يكونُ البكاءُ وصريرُ الأسنان. 43والصدِّيقون يُضيئون حينئذٍ مثلَ الشمسِ في ملكوتِ أبيهم. مَنْ وُجِدَ له أذنانِ ليسمعَ، يَسمعُ.

*  *  *

اليوم عيد مار شربل هذا القدِّيس الذي وصل صيته إلى العالم كلِّه، في الشرق والغرب من الصين إلى المكسيك، لدى المسيحيِّين كما لدى الدروز والمسلمين وجميع الطوائف. هو يشفي الجميع كما قيل عن يسوع: "يطوف كلَّ الجليل يعلِّم في مجامعهم... ويشفي كلَّ مرض وكلَّ وجع في الشعب". لا أمراض الجسد فقط، بل أمراض النفس وتعب القلب. لهذا تنطبق عليه كلمة يسوع التي قرأناها: "يسطع الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم". لا شمس إلاَّ يسوع المسيح. فهو ملء أنوار العالم. القدِّيسون الذين يأخذون من نور المسيح، كما نحن كلُّنا إذا شئنا. هم يُشبهون الشمس في الشعاع الذي يعطون مهما كان صغيرًا.

 

  1. في العالم

قال إشعيا: الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا. أجل، كم يحتاج العالم إلى حضور الله! والمسيح قال لتلاميذه: أنتم في العالم. وأنا لا أطلب من الآب أن يخرجكم من العالم، بل أن يحفظكم من الشرِّير. ولكنْ واصلَ يسوع كلامه: لستم من العالم، أي لا تتبع أخلاقكم أخلاق العالم وأهل العالم. العالم يطلب المال ويجعله تجاه الله، فقال لنا يسوع: لا نستطيع أن نعبد ربَّين الله والمال. العالم يحبُّ القوَّة والعنف بحيث يسيطر على الضعفاء. أمّا يسوع فطوَّب الودعاء الذين يرثون الأرض. وقال لتلاميذه حين أرسلهم: "كونوا حكماء كالحيّات وودعاء كالحمام".

نحن في العالم ولكنَّ المطلوب منّا أن نتخلَّق بأخلاق الله. "كونوا كاملين كما أنَّ أباكم السماويّ كامل هو". وسبق وعلَّمنا الربُّ في عظة الجبل، الكمال في الفم: لا تجرح الآخرين. الكمال في النظر، الكمال في التعاطي حتّى مع الأعداء. وقال الرسول: "تشبَّهوا بالله كالأبناء الأحبّاء... وقال أيضًا: "البسوا عواطف المسيح."

ذاك ما حاول القدِّيسون أن يعيشوه، ولاسيَّما القدِّيس شربل الذي كان غنيًّا بالله. فما بحث عن غنى بشريّ. تجرَّد إلى أقصى حدود التجرُّد فغمره الله بنعمه لا خلال حياته على الأرض فقط، بل الآن وهو في السماء بعد مئة سنة ونيِّف.

 

  1. الزرع في العالم

شبَّه الربُّ العالم بحقل. وفيه زرع الزرع الجيِّد الذي يعطي أطيب الثمار: ثلاثون، ستُّون، مئة. ونحن نستعدُّ لقبول زرع الربّ. نُزيل الشوك وكلَّ ما يعيق نموَّ الكلمة. ولكنَّ التشديد في مثل الزؤان على زرع سيِّئ يُزرع في حياة الإنسان. وهذا الزؤان ينمو مع القمح وينمو. أوَّلاً في كلِّ واحد منّا. فلا نحسب يومًا أنَّ القمح عندنا والزؤان عند الآخرين. إن فعلْنا هكذا صرنا مثل الفرِّيسيِّين. نتذكَّر ذاك الفرِّيسيّ الذي جاء يصلِّي ويشكر الله على الأعمال التي يعملها: يصوم، يعشِّر أمواله... وتطلَّع من فوق إلى العشّار، إلى هؤلاء "الخاطئين، الظالمين، الزناة". أمّا هو فلا خطيئة عنده. كلُّه قمح. ولكنَّ يسوع حكم عليه: الخاطئ الذي احتقره الفرِّيسيّ، عاد إلى بيته مبرَّرًا. غفر الله له خطيئته ودلَّ على رضاه. أمّا الفرِّيسيّ فعاد أبشع ممّا أتى.

نعرف أوَّلاً أنَّ الخطأة يكونون في العالم، والشرّ كذلك. وستبقى الأمور كذلك حتّى نهاية العالم. فلا نغشُّ نفوسنا، ولا نفعل مثل بعض الضالِّين في تاريخ الكنيسة، في الماضي واليوم، الذين يريدون أن يطهِّروا العالم من الخطأة اليوم ليبقى الأطهار وحدهم فيكونوا هم وحدهم. لا وجود فقط للملاك فينا وبيننا، بل هناك البهيمة أيضًا. فمن حسب نفسه ملاكًا يتعرَّض لأن يعيش مثل بهيمة لأنَّه يضع رأسه في الرمل مثل النعامة.

أمّا القدِّيس شربل فكان يقضي نهاره وليله في الصلاة من أجل الخطأة. يقول مثل بولس "الذين أوَّلهم أنا". والقدِّيس فرنسيس سُئل مرَّة عن نفسه، فأجاب: أنا أكبر الخطأة. ولكنَّه السرافيميّ لنقاوة حياته! ثمَّ أضاف: لولا نعمة الله لكنت أسقط كلَّ يوم سقطات عديدة.

 

  1. التنبُّه إلى الشرّ

نلتُ أنا تربية حسنة. أشكر والديَّ الذين تعبوا، كذلك جميع الذين اهتمُّوا بتربيتي وإيصالي إلى العمر الذي أنا فيه. هم زرعوا فيَّ الزرع الجيِّد. ويبقى الخطر من الزؤان الذي يمكن أن يُزرع فيَّ: العشرة السيِّئة تفسد الأخلاق، لهذا نقول في فعل الندامة: أقصد أن أهرب من كلِّ أسباب الخطيئة. سواء الأشخاص الذين أعاشر، أو الأمور التي أرى أو أسمع. مرَّات عديدة يقول لي رجل أو امرأة: لا أعرف. الأفكار تأخذني في كلِّ جهة ولا أستطيع أن أتوب حقًّا. أسأله: من تعاشر؟ ماذا تشاهد على التلفزيون... ويأتي الجواب تعيسًا: لا أستطيع أن "أترك" أصحابي، هناك أفلام وأفلام...

وما نقوله عن نفوسنا نقوله لمن هم أولادنا. حاولنا أن نربِّيهم، هذا إذا حاولنا، لأنَّنا مرَّات نتركهم على سجيَّتهم، بحيث يربُّوننا هم فنصبح رهن طلباتهم وبكائهم وحردهم. كم ينبغي أن ننتبه إلى أين يذهبون، من يعاشرون، ماذا يفعلون... الأمثال عديدة، حيث الشابُّ يجرُّ الشابّ والفتاة الفتاة. هذا إذا كان الشابُّ لا يجرُّ الفتاة والعكس بالعكس.

تبدأ القضيَّة بسيطة وتكبر وتكبر... فيصبح الشابُّ أو الشابَّة "مريضين"، إن بالمخدِّرات وإن بعادات سيِّئة بحيث لا يمكن الرجوع عنها. ونقول: هي "طبيعته"! ما هذه الطبيعة التي لا نجدها عند الحيوان... أجل، يستطيع الإنسان أن ينحدر إلى أقلّ من الحيوان، كما يستطيع أن يرتفع فيصل إلى مستوى الملائكة... الزؤان ينمو ويكبر... بل نحن نأتي بالزؤان.

هنا يبرز القدِّيسون. ومنهم مار شربل، يحتملون الضعف البشريّ في نفوسهم أوَّلاً، ويستطيعون أن يقولوا مع بولس الرسول: "من يخلِّصني من جسد الخطيئة هذا؟!" كما يستطيعون أن يفتخروا بضعفهم وأوهانهم، كما قال الرسول، ولكنَّهم يتَّكلون على قوَّة الله فيقولون كما بولس أيضًا: "أنا قويّ بالذي يقوِّيني."

هؤلاء هم القدِّيسون، جهاد متواصل. رفقة متواصلة مع الربّ. أنتعجَّب بعد ذلك أن يضيئوا مثل النيِّرات في هذا العالم؟

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM