روح الربِّ عليَّ

 

روح الربِّ عليَّ

 

الأحد التاسع من زمن العنصرة (2 كو 5: 20-6: 10؛ لو 4: 14-21)

 

14ورجِعَ يسوعُ بقوَّةِ الروحِ إلى الجليل، وخرجَ عنه خبرٌ في كلِّ مكانٍ حولَهُ. 15وهو مُعلِّمًا كانَ في مَجامعِهم، ومُمجَّدًا كانَ لدى كلِّ أحَد. 16وأتى إلى الناصرةِ حيثُ تَربّى، ودخلَ كما عادتُهُ إلى المجمعِ في يومِ السبت، وقامَ للقراءة. 17فأُعطيَ له سِفرُ إشعيا النبيّ. ففتحَ يسوعُ السفرَ ووجدَ المكانَ حيثُ كُتبَ: 18روحُ الربِّ عليَّ، ولأجلِ هذا مَسحَني لأبشِّرَ المساكين، وأرسلَني لأشفِيَ مُنكسِري القلبِ ولأكرِزَ للمسبيِّينَ المغفرةَ وللعميانِ البصرَ، ولأثبِّتَ المَكسورينَ في الحرِّيَّة. 19ولأكرِزَ سنةً مَقبولةً للربّ. 20ولفَّ السفرَ وأعطاهُ للخادِم، وذهبَ فجلَس. والذينَ في المجمعِ كلُّهم، عُيونُهم كانَتْ ناظرةً إليه. 21وشرَعَ يَقولُ لهم: “اليومَ تُمِّمَ الكتابُ الذي (سمعتموه) في آذانِكم.”

*  *  *

حين نقرأ الأناجيل نبحث أوَّلاً عن شخص يسوع، حياته وأعماله وأقواله. في هذا المقطع الذي قرأنا اليوم، نكتشف شخص يسوع وكيف يعيش في عالمه الصغير، في فلسطين، وعالمه الأصغر: الناصرة.

1. يسوع مؤمن

هو رجل مؤمن بين المؤمنين لا يختلف عنهم في شيء. يأتون إلى المجمع، إلى موضع الصلاة الأسبوعيَّة وهو يأتي معهم. يصلِّي معهم، ينشد المزامير كما ينشدون ويستمع إلى القراءات المأخوذة من ثلاثة أقسام الكتاب المقدَّس: التوراة أو الأسفار الخمس. ثمَّ الأنبياء. وأخيرًا، سائر الكتب، مثل سفر الأمثال وغيره. في هذا الأحد، استمعت الجماعةُ إلى إشعيا (الفصل 61).

يسوع مثال لنا في ممارستنا. يوم الأحد هو يوم الربّ. والمؤمنون يجتمعون، يسمعون الكلمة. هي مائدة الكلمة من رسائل وإنجيل وعظة. هذه المائدة مهمَّة جدًّا ونحن خاسرون إن أهملناها. نأتي متأخِّرين إلى القدَّاس. "ينكسر سمُّه". كم نحن تعساء! فالخسارة كبيرة إذا كنّا لا نغتذي من كلام الله. ومع مائدة الكلمة، تقدَّم للمؤمنين مائدةُ القربان، جسد المسيح ودمه.

أين هو قدَّاس الأحد في حياتنا؟ نختلق الأعذار! كم هو مهمّ أن نلتقي بجماعة المؤمنين بحيث لا يحسُّ الواحد أنَّه يعيش منعزلاً. نأخذ القوَّة من الله لأجل حياة مسيحيَّة ثابتة، وإلاَّ نضعف ويضعف إيماننا فيصبح اسمًا على الهويَّة. تشتَّت اليهود ولكنَّ اجتماع السبت جعلهم يشعرون أنَّهم جماعة شعب الله. فماذا ينقصنا نحن؟ نأخذ الاندفاع حين نكون معًا في رفقة الربّ.

 

2. يسوع رجل الكلمة

طُلب منه أن يقرأ فقام وقرأ المقطع المعيَّن في ذلك السبت. ما تهرَّب كما العديدون بيننا. هذه قضيَّة "أولاد صغار". الحمد لله أنَّ هذه العادة زالت من كنائسنا. الكبار، المتعلِّمون، الرجال الأتقياء لا النساء فقط. لماذا الحياء لكي نقرأ في الجماعة؟ ولماذا نعتذر: لا أعرف أن أقرأ! لا أحمل نظَّاراتي. أو أعتذر بلا سبب فيقبل الكاهن اعتذارنا. ولكنَّنا نكون نحن الخاسرين.

في العالم اليهوديّ، لم يكن الوعظ محصورًا في شخص معيَّن. كما في المسيحيَّة، في شخص الكاهن أو الشمّاس، وبالأحرى في شخص الأسقف الذي هو المعلِّم في الكنيسة. في أعمال الرسل، كان بولس ورفيقه برنابا في بلدة تركيَّة. يوم السبت كانا في المجمع، فطُلب من بولس أن يتكلَّم.

وهكذا يسوع. بعد أن قرأ نصَّ إشعيا، تكلَّم. ونحن نعرف كيف كان تعليمه: ذات سلطان. لا مثل تعليم الكتبة الذين يردِّدون أقوال الأقدمين أو ما قالوه من قبل في مناسبة مشابهة.

ونحن نقرأ الكلمة، نتأمَّل فيها. ونحملها إذا وجب الأمر: في التعليم المسيحيّ أو في سهرة إنجيليَّة أو في حديث عاديّ، ربَّما حول فنجان قهوة. يسوع هو المعلِّم. هذه صفته الأساسيَّة. ولكن للأسف. نحن نترك التعليم لأصحاب البدع... وربَّما نستمع إليهم.

 

3. يسوع أبعد من إنسان

سمع أهل الناصرة يسوع، تعجَّبوا من هذه الحكمة في فمه. ولعبت الغيرةُ عندهم. لماذا هذا أعلم منّا؟ لماذا هذه القدرة عنده؟ من يحسب نفسه؟ هو ابن يوسف، مع أنَّه لم يكن ابن يوسف إلاَّ بالتبنِّي. فهو أيضًا ابن الله وهذا سرُّ عظمته. نعرف أمَّه. لا شكّ. اسمها مريم. ولكن هل تعرفون كيف حبلت بابنها؟ لا الحبل العاديّ. الروح حلَّ عليها وكوَّن فيها بشريَّة يسوع. نعرف إخوته. أنتم متأكِّدون أنَّهم من يوسف ومريم؟ هم أبناء مريم أخرى كانت على الصليب قرب مريم العذراء، وأبناء كلاوبا الذي يذكره إنجيل لوقا، والذي هو قريب يوسف. فيسوع لم يظهر فجأة على الأرض. بل وُلد مثل أيِّ طفل من الأطفال، وترعرع بين رفاقه "بالقامة والحكمة والنعمة".

أجل. هو إنسان حقيقيّ. وُلد في بيت لحم. وعاش في الناصرة "وكان طائعًا لوالديه" كما كلُّ واحد منّا. كإنسان قرأ سفر إشعيا. كمعلِّم آتٍ من عند الله، شرح الكتاب. ولكنَّه أنهى العظة التي لم يوردها الإنجيليّ بهذه العبارة: "اليوم تمَّت هذه الكتابة التي تُليَت على مسامعكم". من تمَّمها؟ الإنسان لا يقدر. هو يمرُّ في العالم كما مرَّ آباؤه وأجداده. وحده الله أعلن تمام الأزمنة. قال الرسول بولس: "ولمَّا تمَّ الزمان، أرسل الله ابنه". وعلى الصليب، قال يسوع: "تمَّ كلُّ شيء". أجل، مشروع الله تمَّ في شخص يسوع المسيح لأنَّه ابن الله، والكلمة المتجسِّد. ماذا تمَّ من مشروع الله بحسب إشعيا؟ ننظر إلى حياة يسوع وأعماله وأقواله: بدأ البشارة، شفى المرضى، أعاد البصر إلى العميان. إذًا هو المسيح وابن الله. تردَّد يوحنّا المعمدان بعض الشيء في هويَّة يسوع: "أأنت الآتي أم ننتظر آخر؟" لم يجب يسوع: أنا هو الآتي. بل طلب من المعمدان أن ينظر: "العمي يبصرون، العرج يمشون، البرص يطهرون...". وأنهى كلامه: "طوبى لمن لا يشكُّ فيَّ". "يعثر" لأنَّه يتوقَّف عند إنسان عاديّ، أو نبيّ من الأنبياء، على مثال ما في العهد القديم.

ما دمنا لا نؤمن بأنَّ ابن الناصرة هذا هو كلمة الله وابن الله، فنحن في الخارج، ولا صلة لنا بيسوع المسيح. فنستحقُّ ما قاله يسوع في اليهود الذين رفضوه: "لا يأتي أحدٌ إليَّ إن لم يجتذبه الآب." ولكنَّ الله لا يجتذبنا بالقوَّة، بل بملء حرِّيَّتنا. فهل نحن مستعدُّون أن نصغي إلى صوت الآب: "هذا هو ابني الحبيب فله اسمعوا"؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM