قال التلميذ الحبيب: هذا ربُّنا

 

قال التلميذ الحبيب: هذا ربُّنا

 

الأحد الرابع من زمن القيامة (عب 13: 18-25؛ يو 21: 1-14)

 

1بعد ذلك، أظهرَ يسوعُ أيضًا نفسَه لتلاميذِه على بحرِ طبريَّة، وهكذا ظهر. 2هم كانوا معًا. سمعانُ كيفا، وتوما الملقَّب بالتوأم، ونتنائيل ذاك الذي من قانا الجليل، وابنا زبدى، واثنان آخران من التلاميذ. 3فقال لهم سمعانُ كيفا: "أنا ذاهبٌ أصطادُ سمكًا." فقالوا له: "نحن أيضًا آتونَ معك." وخرجوا وصعدوا إلى السفينة، وفي ذلك الليلِ شيئًا ما اصطادوا. 4ولمّا كان الصباحُ قامَ يسوعُ على شاطئ البحرِ، وما عرفَ التلاميذُ أنَّه يسوعُ. 5فقالَ لهم يسوع: "يا فتيان، أما يُوجَدُ لكم شيء للأكلِ؟" فقالوا له: "لا." 6فقالَ لهم: "ارموا مصيدَتكم من جانب يمينِ السفينة وأنتم تجدون. فرموا، وما قدروا على جذبِ المصيدة من كثرة الأسماكِ التي أَخذَتْ. 7فقالَ ذلك التلميذُ الذي كان يسوعُ مُحِبًّا له لكيفا: "هذا ربُّنا هو." فلمّا سمعَ سمعانُ أنَّه ربُّنا هو، أخذ قميصَه وشدَّ حقويه لأنَّه كان عريانًا وألقى بنفسِه في البحر ليأتيَ إلى يسوع.

8أمّا التلاميذُ الآخرونَ فأتَوا بالسفينة، لأنَّهم ما كانوا بعيدينَ كثيرًا عن الأرض إلاّ مئتي ذراع، وجارِّين كانوا مصيدةَ الأسماك تلك. 9ولمّا صعدوا إلى الأرض، رأوا الجمراتِ وهي موضوعةٌ، والسمكَ موضوعًا عليها، والخبز. 10فقالَ لهم يسوع: "هاتوا من تلكَ السمكاتِ التي اصطدتُم الآن." 11فصعدَ سمعانُ كيفا وجذب المصيدةَ إلى الأرض، وهي مملوءةٌ سمكاتٍ عظيمات، مئة وخمسين وثلاثًا، وبهذا الثقلِ كلِّه ما تمزَّقتْ تلكَ المصيدة. 12وقالَ لهم يسوع: "تعالوا تغدَّوا." ولا إنسانٌ من التلاميذِ كان مجترئًا أن يسألَه من هو، لأنَّهم كانوا عارفينَ أنَّه ربُّنا هو. 13فاقتربَ يسوعُ وأخذَ الخبزَ والسمكَ ووهبَ لهم.

14هذه مرَّة ثالثة تراءى يسوعُ لتلاميذِه عندما قامَ من بينِ الأموات.

*  *  *

مخطَّط الله يدهشنا. ساعة نصل إلى النهاية ونكاد نسقط في الهوَّة، يكون هو ماسكنا بيدنا. أين كانت هذه اليد التي لم نرَها قبل الآن؟ سار مع تلميذي عمَّاوس. هو عرفهما أمّا هما فما عرفاه. ولكنَّ نعمته كانت تدخل قلبيهما شيئًا فشيئًا. وكذلك نقول عن وضع التلاميذ في إنجيل يوحنّا. تراءى لهم يسوع. مضى بعض الوقت فنسَوه. كانت مغامرة معه دامت ثلاث سنوات، وانتهت. وها نحن نعود إلى حياتنا العاديَّة. كلُّ مشروع يسوع ورفقته لهم خسارة بخسارة. كنَّا صيَّادي سمك ونعود إلى مهنتنا الأولى. ما أشنع العودة إلى الوراء! هذا يعني أنَّ الله لم يعمل فينا، أنَّ هذه السنوات التي قضيناها معه صارت كلا شيء. هل يقبل الله بهذا الوضع؟ أكيدًا كلاّ.

سبعة تلاميذ. رقم الكمال. يشيرون إلى جميع تلاميذ يسوع في كلِّ آن ومكان. لا نعرف ماذا نعمل. إذًا، نعود. وإلى أين أنتم عائدون؟ ربَّما نسيتم مهنة الصيد، يا بطرس ورفاقه. وما نتعجَّب منه هو أنَّ أحدًا لم يقل لبطرس: ماذا تعمل؟ هل نسيتَ المعلِّم؟ هل نسيتَ كلامه لك خصوصًا بعد العشاء السرّيّ: "وأنت إذا ما عدتَ فثبِّتْ إخوتك." فأنت تحتاج الآن لأن نثبِّتك. سمعان بطرس هو الرأس. دعاكم. وأنتم ألا تعرفون أن تتحاوروا معه؟ "أنا ذاهب لأصطاد". – "ونحن نذهب معك." نحتاج أن نعمل لنأكل ونشرب...

وماذا كانت النتيجة؟ لا شيء. هم في البحر. والسفينة تدلُّ على الكنيسة، ويُفترَض أن يكون يسوع فيها. لا. هو على الشاطئ ينظر إليهم كما المعلِّم إلى تلاميذه. فشل تامّ! ولكن من قلْب الفشل سيكون ملء النجاح. لا لأنَّ الرسل السبعة متكاتفون، بل لأنَّ يسوع صار معهم، كلِّهم. أما رأوا أنَّهم في الليل؟ ومن يمشي في الظلام لا يعرف إلى أين يسير. حين ننسى أنَّ يسوع هو نور العالم ونترك هذا النور، من يكون المسؤول عن السقوط في حفرة؟ حضور يسوع ولو كان بعيدًا تبقى كلمته فاعلةٌ: "ألقوا الشبكة إلى الجانب الأيمن من السفينة". ما هذا الصيَّاد الماهر الذي رأى في دقيقة ما لم نرَه طوال الليل! هكذا يقول البشر. هو الحظّ. هو الظرف المؤاتي. شكرًا لهذا الصيد! اصطادوا. ملأوا السفينة. 153 سمكة. غريب! اطرحوا السؤال على نفوسكم. صار يسوع بعيدًا. نسَوه. لم يتذكَّروا ما فعل معهم حين تركوا كلَّ شيء وتبعوه (لو 5).

ولكن! الحبُّ وحده يعرف. الحبُّ وحده يكتشف. هو الذي يشعل النار وإلاَّ يبقى كلُّ شيء باردًا. التلميذ الحبيب. الذي يحبُّه يسوع وهو يبادله الحبّ بالحبّ. قال ذلك التلميذ: "هو الربّ!" قلبه ناداه. من الصوت عَرف. ومن النتيجة أكثر. وهل ينسى الصديق ما فعله صديقه. منذ كم سنة؟ الزمن كلا شيء. كأنَّه البارحة. سمع بطرس أنَّه الربّ، فدوَّى في داخله صوت عميق. وما عمِله رمزٌ يربط الحاضر بالماضي. "كان عريانًا" والآن لبس. "اتَّزر بثوبه" من جهة احترامًا ليسوع. ومن جهة ثانية، اللباس هو امتداد لما ناله يوم غسل يسوع له رجليه "فصار له نصيب معه". ثمَّ "رمى بنفسه في البحر". لا يستطيع الانتظار. شوقه إلى يسوع لا يجاريه شوق. ثمَّ هو لا يخاف من البحر كما خاف من قبل. الإيمان يحمله والحبُّ أيضًا. وأخيرًا، هو من "جذب الشبكة إلى البرّ". هذا يدلُّ أنَّه "قائد" كنيسة عديدة، متنوِّعة، شاملة، وهو يؤمِّن "وحدتها". وهنا نفهم أنَّهم "ذهبوا معًا". ثمَّ انطلقوا حالاً. لا مجادلة ولا مشاكسة. وما نلاحظ هو أنَّ الشبكة لم تتمزَّق بالرغم من السمك الكثير، عكس ما حصل في بداية الرسالة (لو 5). هناك كانت سفينتان وكأنَّنا أمام فئتين، أمام حزبين. هنا، هي سفينة واحدة تضمُّ الجميع.

دور التلميذ الحبيب ضروريّ. إيمانه يساعد على كشف وجه الربّ. ودور بطرس أيضًا. هو الذي يدفع الإخوة إلى الرسالة. ويسبقهم إلى الخطر ولا يهاب الأمواج، ولاسيَّما أنَّ الربَّ ينتظر الجميع على شاطئ الأمان، انتظار الأمِّ لأولادها بعد أن أعدَّت لهم كلَّ شيء: السمك، الجمر، الخبز. والدعوة الرائعة: "تعالوا تغدَّوا". أنتم تعبون ولا شكَّ. هكذا يستقبل يسوع كلَّ واحد منَّا، بعد تعب النهار، بل بعد تعب الحياة. وما أحلى هذا الاستقبال يقيمه لنا الربُّ القائم من الموت!

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM