في الطريق برفقة كليوبا

 

في الطريق برفقة كليوبا

 

الأحد الثالث من زمن القيامة (2 تم 2: 8-13؛ لو 24: 13-35)

 

13وها اثنان منهم في اليومِ عينه، كانا ذاهبَينِ إلى قريةٍ اسمُها عمّاوس، بعيدةٍ ستِّينَ غَلوةً عن أورشليم. 14وهما مُتكلِّمَينِ كانَا الواحدُ مع الآخر على هذه كلِّها التي حصلَتْ. 15وإذْ هما مُتكلِّمان ومتسائلان واحدٌ مع آخر، أتى يسوعُ نفسُه ووصلَ إليهما وكان سائِرًا معهما. 16وأعينُهما كانَتْ مُمسَكةً بحيث لا يَفطنان له. 17فقالَ لهما: ما هي الأقوالُ هذه المتكلِّمان بها الواحدُ مع الآخر، وأنتما سائران وحزينان؟ 18فأجابَ واحدٌ منهما واسمُه قليوفا: “أأنتَ وحدَك يا تُرى غريبٌ عن أورشليم؟ أفأنتَ غيرُ عارفٍ الشيءَ الذي كان فيها في تلك الأيّام؟” 19فقال لهما: “ماذا؟” فقالا له: “على يسوعَ ذاك الذي من الناصرة، الذي كان نَبيًّا، ومُقتدِرًا كان بالكلمةِ وبالأعمال قُدَّام الله وقُدّام الشعبِ كلِّه. 20فأسلَمَهُ عظماءُ الكهنةِ والشيوخُ لحُكمِ الموتِ وصلبُوه. 21ونحن كنّا راجين أنَّه كان هو عتيدًا أن يُخلِّصَ إسرائيل، وها مرَّتْ ثلاثةُ أيّامٍ منذُ أن كانت هذه كلُّها. 22ولكن أيضًا نساءٌ منّا أذهلْنَنا. كنَّ قدِمنَ إلى القبر، 23وحين ما وجدْنَ جسدَه، أتَينَ قائلاتٍ لنا: “رأينا ملائكةً هناك قائلينَ علَيه: هو حيّ. 24وأيضًا رجالٌ منّا ذهبوا إلى القبر فوجَدُوا هكذا كما قالَتِ النساء. أمّا هو فما رأوه.”

25حينئذٍ قالَ لهما يسوع: “يا قليلَي الفهمِ ويا ثقيلَي القلبِ للإيمانِ بكلِّ ما تَكلَّمَ به الأنبياء. 26أما كان مزمعًا أنْ يَحتمِلَ المسيحُ هذه وأن يَدخُلَ إلى مجدِه.” 27وبدأ من موسى ومن الأنبياء كلِّهم، ومُفسِّرًا كان لهم عن نفسِهِ من الكتبِ كلِّها. 28واقتربا من تلكَ القريةِ التي كانا ذاهبَيِن إليها، وهو مُوهمًا كان لهما كما لو أنَّه ذاهبٌ إلى مكانٍ بعيد. 29فأصرَّا علَيه قائلَينِ لَهُ: “ابقَ عندَنا، لأنَّ النهارَ مالَ الآن إلى الظلام.” فدخَلَ ليَبقى عندَهما. 30وحدَثَ حين اتَّكأ معهما، أنَّه أخذَ خُبزًا وباركَ وكسَرَ وأعطاهما. 31وللحالِ فُتحَتْ أعينُهما وعرفاه. وهو رُفعَ من بينِهما. 32وقائلَينِ كان الواحد للآخر: “أما كان قلبُنا متوقِّدًا في داخلِنا حين كان مُتكلِّمًا معنا في الطريقِ ومُفسِّرًا لنا الكتبَ؟”

33وقاما في تلك الساعة، ورجَعا إلى أورشليم فوجدا الأحدَ عشَرَ مُجتمعينَ والذينَ معهم، 34وهم قائلون: “حقًّا قام ربُّنا وتراءى لسمعان.” 35وأيضًا هما أخبرا الأمورَ التي كانَتْ في الطريق، وكيفَ عُرف لهما حين كسَرَ الخبزَ.

*  *  *

هو اليأس والضياع. والتلاميذ لا يفهمون شيئًا. دخل الموت على التلاميذ ولبثوا في الموت وما خرجوا منه. بدَوا غير مستعدِّين لنظرة جديدة ما اعتاد عليها أحد من قبل ولن يعتاد. أأحد يموت صلبًا ويُدفَن ويراه الناس موضوعًا في القبر ويُقال لنا عنه: إنَّه حيّ؟ ما هذا الكلام؟ يشبه الهذيان. ذاك كان موقف هذين التلميذين اللذين تركا الرفاق في حالة من الخوف والهلع ومضيا. هي خيانة يعيشها كثيرون اليوم وكلَّ يوم. حالة لا تُطاق! نترك إخوتنا وأخواتنا في حالهم ونمضي.

يتحدَّثان ويتحادثان... ويتجادلان، ولا نتيجة لهذا الجدال سوى الحزن والكآبة. كلُّ ما يُقال لهما غير مقنع. النساء مضين إلى القبر! ثمَّ بعض منَّا. ولكنَّ أحدًا لم يرَ يسوع. غابت رؤية العين. أين هو هذا الذي اعتدنا أن نراه بعيوننا، أن نسمعه بآذاننا، أن نلمسه بأيدينا؟ غاب. ومضى على غيابه ثلاثة أيَّام. وإن كان في القبر، فلا أملَ لنا بأن نراه. ذاك ما كانوا يقولون. ولهذا اعتاد الناس في الماضي أن يصلُّوا ثلاثة أيَّام في بيت الميت وينهوا الممارسات بقدَّاس المرافقة.

سبعة أميال. ملء المسافة بين التلميذين والعلِّيَّة حيث الرسل مجتمعون. لا عودة إلى الوراء. راحا على وجهيهما. ولكنَّ الربَّ يسوع لا يرضى بمثل هذا الواقع. رافقهما، سألهما، كلَّمهما. لماذا الحزن والعبوس؟ وتظاهر أوَّلاً أنَّه جاهل ما حصل في أورشليم. طريقة رائعة. وتكلَّم كليوباس. وأخبر يسوع عن يسوع، "كنَّا ننتظر". ماذا كنتما تنتظران؟ "أن يفتدي إسرائيل". أن يخلِّصه من تسلُّط الرومان. أن يكون الملك المنتظر، المسيح المنتظر؟ وهكذا يضيِّع المؤمنون الطريق. ينتظرون ما لا يستعدُّ الربُّ أن يعطيهم. وحين لا ينالون، يظنُّون أنَّ الله تركهم. ولهذا يتركونه ويمضون. إلى أين أيُّها الخروف الضالّ؟ إلى أين أيُّها الابن؟ ولكن لا خوف. فالراعي يمضي ويبحث عن خروفه، ويعود به، يحمله على كتفه ويوصله إلى الحظيرة.

"كنَّا نرجو". يا للغباوة. يا لعدم الفهم، يا لقلوب تُبطئ لكي تؤمن! تشبه أحيانًا أولئك الذين أعموا عيونهم وأصمُّوا آذانهم وأغلقوا قلوبهم. والربُّ الصبور والطويل الأناة والكثير الرحمة، مستعدٌّ أن يسير معنا ويسير، مهما كانت الطريق طويلة. هكذا فعلَ مع هذين التلميذين. أعاد معهما قراءة الكتب المقدَّسة. وحده كلام الله يضيء على الحالات الصعبة التي نعيش. هذا الذي انتظرناه قويًّا، بدا ضعيفًا وضعيفًا جدًّا. خلَّص آخرين ولم يستطع أن يخلِّص نفسه. المسيح المنتصر هُزم وأيَّة هزيمة! وانتهت حياته مثل أكبر مجرم. على الصليب. وفضَّلوا عليه ذاك اللصَّ المشهور، برأبَّا. قالوا في قلوبهم: أخطأنا. رجونا، ولكن خاب رجاؤنا. هكذا يتألَّم المؤمن الذي ينغلق على ذاته وعلى تفكيره وعلى نظرته إلى الأمور، الذي ينسى أنَّ طريق الله غير طريق البشر.

ودخل التلميذان في منطق الله بعد أن قرأ يسوع معهما الكتب. استعدَّا للسماع. سمعا. بل احترق قلباهما حين "حدَّثهما في الطريق وشرح لهما الكتب." وحديثه غير حديثهما الذي كان فارغًا. حديث يسوع جعلهما يصمتان، يتأمَّلان، يعيشان من جديد بعد أن كادا يموتان.

سمعا يسوع. ولكنَّهما حتَّى الآن لم يرياه. ولكن، يا كليوباس، يسوع يرافقكما. يمشي معكما. لماذا أعينكما مغلقة؟ افتحوها. ويا رفيق كليوباس، أي كلُّ واحد منَّا، هل نعرف أن نسمع، أن ننظر، أن نفتح قلوبنا؟ واقترب المساء، وكاد يسوع يتركهما ويواصل طريقه. ولكنَّه يريد منَّا أن "نشدَّ" به، أن ندعوه، أن نفرح بأن يأتي إلينا كما أتى إلى بيت زكَّا العشَّار. قالا: أتريد أن نكون وحدنا في الليل؟ كلاَّ ثمَّ كلاَّ.

أمكث معنا. فمكث. واتَّكأ معهما. وفعل كما في العشاء السرِّيّ. حينئذٍ "انفتحت أعينهما" بعد أن كانت مغلقة. رأياه، عرفاه. لا يريدان بعد شيئًا. فالآنَ يستطيعان أن يتكلَّما "أن يشهدا". قالا: "عرفناه عند كسر الخبز." والرفاق سمعوا شهادة بطرس بانتظار أن يأتي الربُّ إليهم ويحمل معه السلام.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM