الربُّ هو الكرمة ونحن الأغصان

 

الربُّ هو الكرمة ونحن الأغصان

 

أفرام السرياني (عب 13: 7-17؛ يو 15: 1-8)

 

1أنا، أنا جفنةُ الحقِّ وأبي هو الفلاّح. 2كلُّ غصنٍ فيَّ لا يهبُ ثمارًا، ينزِعه، وواهبُ الثمار ينقِّيه لكي يُؤتي الثمارَ الكثيرة. 3أنتم مِن الآنَ أنقياءُ، لأجلِ الكلمةِ التي تكلَّمتُ بها معكم. 4اثبتوا فيَّ وأنا فيكم. وكما أنَّ الغصنَ غيرُ قادرٍ أن يهَبَ ثمارًا من نفسِه إلاّ إذا كان ثابتًا في الجفنة، هكذا أنتم أيضًا إذا لا تثبتونَ فيَّ. 5أنا، أنا الجفنةُ وأنتم الأغصان. فالذي يثبتُ فيَّ وأنا فيه، هذا يُؤتي ثمارًا كثيرة، لأنَّكم بدوني أنا غيرُ قادرينَ أنتم أن تصنعوا شيئًا. 6وإذا الإنسانُ لا يثبتُ فيَّ يُطرَحُ إلى الخارج، كما الغصنُ اليابسُ: يلقطونَه ويرمونَه في النارِ ليَحتَرق. 7أمّا إذا تثبتونَ فيَّ وكلماتي تثبتُ فيكم فكلَّ ما تريدون أن تسألوا يكونُ لكم. 8بهذا يُمجَّدُ الآبُ أنَّكم بالثمارِ الكثيرةِ تأتونَ وتكونون تلاميذي.

*  *  *

أفرام كنَّارة الروح القدس. أنشد أجمل الأناشيد الروحيَّة واللاهوتيَّة. وعظ، علَّم... عاش المحبَّة في أسمى معانيها، فكان الخادم في خطّ الخدَّام السبعة الذين اختارهم الرسل لخدمة الموائد. ومات إسطفانُس وهو يخدم مائدة الكلمة ويبشِّر اليهود بإنجيل المسيح ويدعوهم إلى التخلُّص من "هيكل" الحجر ليتعلَّقوا بِمَن هو هيكل الله وحضوره على الأرض، يسوع المسيح الكلمة المتجسِّد.

وأفرام رجل المحبَّة والخدمة والاهتمام بالجميع. هو مَن يهتمّ باليتامى والأرامل. هو مَن يوزِّع الصدقة. فما يفضل عن تقادم المؤمنين ليس مخصَّصًا للتكديس، فيأتي إليه السوس. ونحن لا لنجعله في البنوك فتأكله الحالة الاقتصاديَّة. إنَّه للمحتاجين. وكان أفرام مُجِلاًّ في هذا العمل وشبيهًا ببولس الرسول الذي اهتمّ بجمع الصدقات من أجل فقراء الكنيسة الأُولى الذين لبثوا في أورشليم.

ترك المؤمنون نصِّيبين. لم يكن أفرام أوَّل مَن خرج منها كما فعل أُسقفه لينجو بحياته، بل كان آخِر الخارجين. أمَّن السلام للجميع، ولبث بعض الوقت في المدينة ليرى كيف يُعامل المسيحيُّون الذين رفضوا الهجرة وفضَّلوا الإقامة مع المُحتلّ. فالمسيحيّ لا يرتبط بدولةٍ مهما كانت وجهتها، ولا يرتبط بحزبٍ من الأحزاب ولا بفئةٍ دون أُخرى. والكاهن والأُسقف هما للجميع، ويعيشان الإنجيل مع الجميع ويدعوان الناس إلى أن يكونوا الملح في الطعام أينما كانوا. إنْ وُفِّقنا، نعرف حياة الرفاهية، وإلاَّ يكون لنا الفقر. عندئذٍ نفهم كلام الربّ في إنجيل لوقا عن الفقراء الذين خسروا كلّ شيءٍ لأنَّهم فضَّلوا الصليب على أن يكونوا مثل الجميع. فالمسيحيّ شاهدٌ بغناه الروحيّ. أمَّا الغنى الماديّ فيكون في خدمة الآخرين. هو كلامُ جنون. لا شكّ. والقدِّيسون هم مجانين في حبِّهم لله وللإخوة. أمَّا أفرام فقاده الجنون إلى أن يموت وهو يهتمّ بالمرضى إذ انتقلت العدوى إليه. هذا الذي عاش في قلب الجماعة حياة البتوليَّة الخاصَّة، مات في قلب الجماعة.

من أين جاءته القوَّة؟ من اتِّحاده بيسوع. يسوع هو الكَرْمة وكلٌّ منَّا غصنٌ من الأغصان. بقدر ما يلتصق بالكَرْمة ينال الماء والغذاء. يعطي أفضل الثمار وتكثر هذه الثمار. أمَّا مَن لا يكون مرتبطًا بالكرمة فهو مائتٌ لا محالة، وإن بدا من الخارج صاحب صحَّةٍ جيِّدةٍ وابتسامةٍ مصطنعة. مثلُ هذا صار "غصنًا يابسًا" لا يصلح إلاَّ للحريق. في معنًى أَوَّل، هكذا يستعمله الفلاح؛ والمعنى الآخَر، يدلّ على رمزيَّة النار: هي تدلّ على الله، وبالتالي على عقابه. ألا نمضي نحن إلى النار دون أن ننتظر كلام الربّ: "أُمضوا عنِّي يا ملاعين إلى النار الأبديَّة".

يسوع واحدٌ منَّا، هو الجذع الأساسيّ الذي تلتصق به الأغصان. هو يحملنا، يُغذِّينا، يحيط بنا. ليس هو الكرَّام، بل الآب السماويّ هو الكرَّام. كان باستطاعة يسوع أن يرفض التجسُّد، أن يكون ذاك الديَّان الذي تخيَّله المعمدان حاملاً الفأس ليقطع كلَّ شجرةٍ لا تعطي ثمرًا. لا، بل أراد أن يكون منَّا، أن يكون معنا. فكيف نقبل أن لا نكون معه؟ هو جاء من السماء إلينا ودعانا. أَمَا عندنا "شهامة" لنردّ له التحيَّة، ونمضي إليه.

ما هي الشروط لكي نعطي ثمرًا، كما فعل أفرام؟ أن نثبت في الكرمة. عندئذٍ يثبت يسوع فينا ويعمل بوساطتنا الأعمال العظيمة. أبَعْد هذا نتساءل: لماذا القدِّيسون هم هكذا؟ لماذا يثمرون لا على الأرض فقط، بل في السماء أيضًا؟ هذا مار شربل، هذه القدِّيسة رفقا... تريزيا الطفل يسوع وعدت بأنَّها ستواصل إرسال الورود على الأرض. قال لنا يسوع: "بدوني لا تستطيعون شيئًا". هل فهمنا أنَّنا ضعفاء وأنَّ معونتنا من عند الربّ؟ هل فهمنا أنَّ قوَّتنا من قوَّة الله؟ بدون الربّ لا نستطيع أن نرتفع فوق مستوى البشر؛ ولكن، مع يسوع نرتفع لأنَّه يرفعنا: علَّم الناس بفم أفرام، اعتنى بالمرضى بيد أفرام، أَحبَّ بقلب أفرام، لبث حاضرًا مع الناس من خلال حضور أفرام...

ماذا طلب يسوع من أفرام وماذا يطلب منَّا؟ أن نُمجِّد الله، أن نُظهر مجده، أي أعماله ومحبّته وحنانه. الله لا يُرى، ولكنَّ الخليقة تساعدنا لكي نراه. السماوات، الأرض، البحار، الجبال... كلّ هذا يُمجِّد الله، وخصوصًا الإنسان هو مجد الله وصورته على الأرض. أتريد أن ترى الله؟ أُنظر إلى طفل، إلى عروسٍ وعريسٍ يستعدَّان ليكوِّنا عائلة، إلى أُمٍّ تُضحِّي بكلّ شيءٍ من أجل أولادها. قال أحدهم: مجدُ الله الإنسان الحيّ، الفاعل، الحاضر. هناك نرى الله الذي لا يُرى.

أما هكذا كانت الأُمّ تريزا، والقدِّيس يوحنَّا بولس الثاني، والقدِّيسون، ومنهم أفرام؟ قال يسوع: يتمجَّد الآب حين تحملون ثمرًا كثيرًا. ما قيمة شجرةٍ لا تعطي ثمرًا؟  ما قيمة إنسانٍ مخلوقٍ على صورة الله ونال المواهب إذا كان لا يستثمر هذه المواهب؟ لا يريد الربّ أُناسًا عاطلين عن العمل. "أُمضوا إلى كَرْمي". والويل للتينة العقيمة فهي تنال اللعنة من يسوع وتُقطع. ثمَّ، أيّ ثمارٍ يعني يسوع؟ هناك ثمار زائلةٌ، عابرة. فهذه لا تدوم، مثل فقاقيع الصابون. أمَّا الثمار الباقية فتربطنا بالله الذي ندعوه "الحيّ الباقي". أمَّا الناس الذين لا يهتمُّون إلاَّ بنفوسهم مثل ذاك الغنيّ في مَثَل لعازر والغنيّ، فهم أصنامٌ نسجد لها ونخافها. وما ينتظرها يكون رهيبًا، وكذلك الذين يتعلَّقون بها.

مثل هؤلاء لا يكونون تلاميذ يسوع. أمَّا أفرام فعاش وعمل وعلّم فشابه معلِّمه، لهذا استحقَّ ما قالت الرسالة إلى العبرانيِّين: "أُذكروا مُرشديكم الذين كلَّموكم بكلام الربّ"...

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM