تعظِّم نفسي الربّ

 

تعظِّم نفسي الربّ

 

تهنئة العذراء (أف 1: 3-14؛ لو 1: 46-56)

 

46فقالَتْ مريمُ: “معظِّمةٌ نفسي الربَّ. 47وابتهجَتْ روحي بالله مُحييَّ، 48لأنَّه نظرَ إلى وَضاعةِ أمتِه. فها منَ الآن تُعطِي لي الطوبى القبائِلُ كلُّها. 49لأنَّه صنعَ نَحوي عظائم، ذاك الذي هو قَديرٌ وقدُّوسٌ اسمُه 50وحنانُهُ لأجيالٍ وقبائلَ على الذين يَخافونَهُ! 51صنَعَ انتصارًا بذراعِه، وبدَّدَ المُفتخرينَ بفِكرِ قلوبِهم. 52قلَبَ الأقوياءَ عن عروشِهم ورفَعَ الوضعاء. 53 أشبعَ الجياعَ خَيراتٍ والأغنياءُ أطلقَهم فارغِين. 54عضَدَ إسرائيلَ عبدَه، وتذكَّرَ حنانَهُ. 55كما قيلَ مع آبائِنا، مع إبراهيمَ ومع نسلِه للأبَد.” 56وبقيَتْ مريمُ عندَ إليشبَعَ قُرابةَ أشهرٍ ثلاثة، ورجعَتْ إلى بيتِها.

*  *  *

تعظِّم نفسي. يعني أنا أُعظِّمه. أنا أقول إنَّ الله عظيم، قويّ، قدير. الربُّ كيريوس يهوه. هو الكبير الذي يصنع أشياء كبيرة. صورة "الذراع" معروفة في العهد القديم منذ سفر الخروج. فالذراع تدلُّ على الحضور والعمل وخصوصًا على القوَّة في التدخُّل من أجل الوضعاء. ولد يغرق، يمدُّ والده ذراعه وينتشله.

تعترف مريم العذراء. هي الخادمة الوضيعة التي لا يحقُّ لها أن ترفع عينيها إلى الله، إلاَّ إذا هو أشار إليها. إلاَّ إذا أرسل روحه القدُّوس وتكلَّم فيها. هذه الذراع القديرة تقلب الأمور رأسًا على عقب. عادة المتكبِّرون هم في الواجهة، والناس ينظرون إليهم بوقار ويستعدُّون أن يركعوا أمامهم. أتعرفون ماذا حصلَ لهم؟ شتَّتهم الربُّ في كلِّ مكان. حسبوا نفوسم أقوياء مثل عدد من ملوك يهوذا. ما أن يقوِّيهم الله ويسندهم حتَّى يترفَّعون على الله، ويمضون إلى الأصنام ليجعلوا الناس يسجدون لهم من خلال هذه الأصنام.

"الأعزّاء، المقتدرين". كانوا على العروش. هم بألف خير والناس يتسارعون إلى خدمتهم. هؤلاء أنزلهم الربُّ عن عروشهم، أسقطهم. لا يستطيعون بعدُ أن يترفَّعوا. صاروا مثل ذاك الغنيّ الذي طلب من إبراهيم أن يرسل لعازر ليبلَّ طرف إصبعه بماء ويبرِّد له لسانه (لو 16). إذا كان أنزل هؤلاء، فمن رفع؟ المتَّضعين. مثل مريم العذراء، مثل الرسل، مثل زكريّا وإليصابات. هؤلاء الذين يعرفون أنَّهم لا يستطيعون أن يتدبَّروا أمرهم بأمرهم. يعرفون أنَّهم ينتظرون كلَّ شيء من عند الربّ. جاع أخاب ملك السامرة وأخذ خيله ليبحث عن الماء والكلأ. أمّا أرملة صرفت صيدا، الصرفند، فكان لها الزيت والطحين حتَّى نهاية المجاعة. مع فقرها أعطت كلَّ ما لها لإيليّا، رجل الله، فوعدها.

يقول العالم: "هنيئًا لكم أيُّها الأغنياء، هنيئًا لكم يا من تشبعون، هنيئًا لكم يا من تضحكون، هنيئًا لكم إذا قال فيكم جميع الناس كلامًا حسنًا." قلبَ يسوع الكلام. بدَّل "هنيئًا" طوباكم، قال: ويل لكم. الأغنياء سوف يفتقرون. والذين شبعوا سوف يجوعون، والضاحكون سوف يحزنون ويبكون. أمّا إذا قالوا فيكم كلامًا حسنًا، فيكون نصيبكم نصيب الأنبياء الكذبة: أعلنوا أنَّهم يتكلَّمون باسم الله. فإذا هم يتكلَّمون باسم نفوسهم" وإلى من يتوجَّه الهناء، الطوبى؟ إلى المساكين، الجياع، الباكين، المضطهَدين (لو 6: 20ي) هم المطوَّبون. ذاك ما أنشدته مريم في خطِّ ابنها. هي علَّمته أصول الديانة فتتلمذ على يدها. ولكن فيما بعد ستكون هي تلميذته مع سائر التلاميذ وترافقه كما الرسل (يو 2: 12).

قالت إنَّها الخادمة. أما قال ابنها: ما جئتُ لأُخدَم بل لأخدم؟ وهي أيضًا أعلنت للملاك: ها أنا خادمة، أمة (لو 1: 38). وهنا في النشيد كرَّرت: "نظر الربُّ إلى وضاعة أمته، خادمته. فانطبق عليها كلام يسوع: من اتَّضع ارتفع ومن ارتفع اتَّضع.

وما اكتفت مريم بأن تنشد ما فعله الربُّ لها، بل أنشدت لتشكر الربَّ على ما أعطى شعبها. فهي التي أصابها سيف من الحزن بعد أن رأت شعبها يرفض الإيمان بابنها. قال عنه سمعان الشيخ: "وُضع لسقوط كثيرين وقيامهم" (لو 2: 34). والسقوط أكثر من القيام، لأنَّ شعبها رفض بأكثريَّته الخلاص المقدَّم له.

عندئذٍ أنشدت "رحمة" الربِّ وتطلَّعت إلى شخص إبراهيم أبي المؤمنين الذي وعده الربُّ بأن تتبارك به جميع شعوب الأرض. إذا كان بفضل صلاته نجا لوط ابن أخيه. وإذا كان الشعب يقول في قلب المنفى: هو أبونا. فكرامة له لن يبقى شعبها رافضًا ابنها بحيث قال الرسول: "إنَّ لي حزنًا عظيمًا ووجعًا في قلبي لا ينقطع..." (رو 9: 2). ذاك كان همُّ مريم وألمها. هي تتألَّم اليوم وكلَّ يوم حين ترى المسيحيِّين يتركون ابنها ويمضون إلى هنا وهناك بحيث يقول فيهم إرميا: "تركوني أنا ينبوع الماء الحيّ واحتفروا لهم آبارًا مشقَّقة لا تُبقي على ماء" (إر 2). فماذا ينتظرون ليقولوا مع السامريَّة: "أعطني يا ربُّ من هذا الماء". عندئذٍ يتوسَّع شكر مريم العذراء فيصبح شكر المسكونة لأنَّها ترى عظمة الله تصل إلى أقاصي الأرض.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM